مأساة مزدوجة يعيشها لاجئو جنوب السودان في الخرطوم

الآلاف منهم تركوا أماكن لجوئهم هرباً من القتال «من دون وجهة»

مواطنون من جنوب السودان يغادرون الخرطوم (أ.ف.ب)
مواطنون من جنوب السودان يغادرون الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

مأساة مزدوجة يعيشها لاجئو جنوب السودان في الخرطوم

مواطنون من جنوب السودان يغادرون الخرطوم (أ.ف.ب)
مواطنون من جنوب السودان يغادرون الخرطوم (أ.ف.ب)

من بين آلاف السودانيين الذين غادروا العاصمة الخرطوم على عجل، هرباً من الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، شريحة كبيرة من اللاجئين من أبناء جنوب السودان، ممن فضلوا البقاء في السودان منذ انفصال البلدين في 2011، أو من الذين اضطروا للعودة هرباً من الحروب التي اندلعت في بلادهم، أو فشلت برامج العودة الطوعية في نقلهم وترحيلهم. هذه الشريحة، جعلها انفجار الحرب في الخرطوم تواجه أزمة «مزدوجة»، فهم في الأصل لاجئون، واضطرهم قتال الشوارع لـ«النزوح» مجدداً. إزاء هذه المأساة المزدوجة، اضطرت أعداد كبيرة منهم خلال هذه الأيام العصيبة التي يعيشها السودان، والناتجة عن الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، إلى الفرار، من دون أن يكونوا قادرين على اختيار الجهة التي يفرون إليها، فهم ليسوا مثل السودانيين الذين فروا من مناطق تبادل النيران، وغادروا «منازلهم» إلى المدن والولايات القريبة، أو لجأوا إلى ذويهم في بقية أنحاء البلاد.
ورصدت «الشرق الأوسط» طوابير طويلة من أبناء جنوب السودان، معظمهم من الشباب والنساء والأطفال، وهم يعبرون الجسور راجلين، مثل بقية الأجانب من دول جوار السودان الفقراء، الذين وقعت عليهم المأساة «مزدوجة»، ما يهدد بأزمة نزوح جديدة، ربما تقود إلى توترات في المجتمعات المحلية، وفي كل الأحوال، وبسبب الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد، فإن محنتهم «أكثر تعقيداً».
تقول ميري، وهي فتاة في العشرينات، تحمل على رأسها بعض ما يمكن حمله على عجل من منزلها، وتعلق على ظهرها طفلاً رضيعاً، وتجر بإحدى يديها طفلة لا يزيد عمرها على الرابعة، إنها، هي وعدداً كبيراً من أبناء وطنها، كانوا يسكنون أحياءً في الخرطوم، غادروها هرباً من اندلاع القتال والقذائف والرصاص المتطاير ودوي الانفجارات المحيطة بهم، وأُجبروا على ترك مواقع سكناهم في وسط الخرطوم، والتوجه إلى شرق المدينة، علهم يجدون الأمان.
وعند جسر «المنشية» شرقاً، في صبيحة اليوم السابع من أيام القتال في الخرطوم، يلفت الأنظار بين الهاربين بالسيارات وعلى ظهور الشاحنات والحافلات، مشهد «طابور طويل» من الأفراد يسيرون راجلين، معظمهم من جنوب السودان، من الشباب والنساء والأطفال وبعض كبار السن، وبدا كثيرون منهم عازفين عن الكلام ومتعجلين ومرتعبين، لذلك لم نفلح في الحصول على إفادات عن وجهتهم الحقيقية، لكنهم كانوا يفرون من الخرطوم شرقاً في جماعات.
ورفض مئات الآلاف من المواطنين المنحدرين من جنوب السودان، مغادرة السودان بعد انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في 2011، وتمسكوا بالبقاء في السودان، فيما عاد طوعياً الملايين منهم إلى جنوب السودان، بيد أن أعداداً كبيرة منهم عادت مجدداً إلى السودان إثر اندلاع الحرب في الجنوب، بين رئيس الدولة سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار في 2013، والتي ترتبت عليها أوضاع اجتماعية وسياسية قاسية، دفعتهم للعودة مجدداً. وقد بقيت أعداد كبيرة من هؤلاء في مناطق تجميع أعدت لإكمال إعادتهم لبلادهم، لكن خطة العودة الطوعية تعثرت بعد اندلاع الحرب بين سلفاكير ومشار. وقدرت الأمم المتحدة وقتها عددهم بنحو 792 ألفاً، لكن العدد ازداد كثيراً بعودة البعض منهم مجدداً إلى السودان. وتقول تقارير غير رسمية إن أعداد الجنوبيين اللاجئين إلى السودان بلغت نحو مليوني شخص، يعيشون ظروفاً قاسية.
وبعد الإطاحة بحكومة الرئيس عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، زاد تدهور الأوضاع، وانعكس ذلك بصورة كبيرة على المواطنين الجنوبيين الذين يعيشون في تجمعات مفتوحة تعاني شظف العيش والعوز، ويشتغلون بأعمال هامشية، بما ذلك أعمال الخدمة المنزلية وحراسة المباني تحت التشييد والمزارع، خصوصاً في المدن، أو يشاركون في أعمال البناء.
ولا يمثل «طابور الجنوبيين» الفارين من الحرب في شرق الخرطوم إلاّ قمة جبل الجليد لمأساة متطاولة عجزت حكومتا البلدين في إيجاد حلول لها، وزادتها حرب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو تفاقماً، بعد أن حولت المجتمع المضيف نفسه إلى «نازح».


مقالات ذات صلة

مقتل 7 مندوبين للسلام من جنوب السودان في هجوم استهدف منظمة نرويجية

العالم مقتل 7 مندوبين للسلام من جنوب السودان في هجوم استهدف منظمة نرويجية

مقتل 7 مندوبين للسلام من جنوب السودان في هجوم استهدف منظمة نرويجية

أعلنت منظمة إنسانية نرويجية، اليوم الخميس، أن سبعة مندوبين من جنوب السودان كانوا يشاركون في مؤتمر للسلام في هذه الدولة، قتلوا خلال عطلة نهاية الأسبوع في هجوم استهدف اثنين من سيارات الجمعية، بينما نجا ثلاثة من موظفيها. وقال رئيس جمعية المعونة الكنسية النروجية داغفين هويبراتن في بيان «ندين بشدة الهجوم على مدنيين وعلى عمال الإغاثة الإنسانية».

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شمال افريقيا الخرطوم وجوبا تبحثان خلافاتهما على منطقة حدودية غنية بالنفط

الخرطوم وجوبا تبحثان خلافاتهما على منطقة حدودية غنية بالنفط

أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، أن قضية منطقة أبيي، الحدودية بين السودان وجمهورية جنوب السودان، تمثل أولوية لا تحتمل التأخير، قائلاً: «نأمل أن نتوصل إلى نتائج إيجابية لوضعها على مسار السلام العادل والمستدام». ويتنازع البلدان على المنطقة الغنية بالنفط، التي تقع بين ولايتي كردفان السودانية وبحر الغزال بجنوب السودان، ولم يتم حسم النزاع حول المنطقة منذ انفصال الجنوب عن الشمال في عام 2011. وجرى الاتفاق بين البلدين بمنح هذه المنطقة وضعاً مؤقتاً يمنحها شبه استقلالية مع حق سيادة البلدين عليها، إلى حين حسم الخلاف حول تبعيتها إلى أي من الدولتين.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
العالم إثيوبيا تجدد التزامها بدعم الاستقرار في جنوب السودان

إثيوبيا تجدد التزامها بدعم الاستقرار في جنوب السودان

جددت إثيوبيا التزامها بدعم الاستقرار والسلام في جنوب السودان، وذلك خلال زيارة خاطفة أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اليوم الثلاثاء، إلى جوبا. ووفق بيان حكومي إثيوبي، فإن رئيس الوزراء أجرى محادثات مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، والنائب الأول للرئيس رياك مشار خلال زيارة العمل التي قام بها ليوم واحد إلى جنوب السودان. وعبّر رئيس الوزراء عن «تقديره للرئيس سلفا كير على كرم الضيافة الذي لقيه والوفد المرافق له خلال زيارتهم لجوبا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم كباشي وعقار يرأسان اجتماع لجنة  تنفيذ بنود إتفاق جوبا

ورشة في «جوبا» لتقييم تنفيذ اتفاقية السلام في السودان

بدأت أمس في عاصمة جنوب السودان جوبا ورشة لتقييم اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية المقالة والفصائل المسلحة في 2020، بمشاركة عضوي مجلس السيادة الانتقالي، شمس الدين كباشي ومالك عقار آير، وفي غضون ذلك رحبت الآلية الثلاثية بانطلاقة الورشة، واعتبرتها مكملة للمشاورات، التي جرت بين الأطراف الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري في الخرطوم مطلع فبراير (شباط) الحالي. وأكد رئيس فريق الوساطة الجنوبية، توت قلواك، في تصريحات صحافية أمس بجوبا، أن الهدف من الورشة وضع جداول زمنية تعين على رفع مستوى التنفيذ، وليس مراجعة أو تعديل الاتفاق.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
العالم من أعمال العنف في السودان (تويتر)

العنف في جنوب السودان يقتل 166 مدنياً ويشرد أكثر من 20 ألفاً

قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك اليوم (الأربعاء)، إن أعمال عنف وقعت في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان حصدت أرواح 166 مدنياً وشردت أكثر من 20 ألفاً منذ أغسطس (آب) وسط تصاعد الاشتباكات بين الجماعات المسلحة. وينتشر العنف في أجزاء من جنوب السودان، حيث غالباً ما تؤدي الاشتباكات الناجمة عن نزاعات على مناطق الرعي والمياه والأراضي الزراعية والموارد الأخرى إلى سقوط قتلى. وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أكدت الأسبوع الماضي أن الصراع امتداد لقتال بدأ في أغسطس في قرية بولاية أعالي النيل وانتشر منذ ذلك الحين في أجزاء أخرى من الولاية ومناطق في ولايتي جونقلي وال

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
TT

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)

قضت محكمة تونسية، مساء أمس (الجمعة)، بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر في قضية تتعلق بانتقادها لهيئة الانتخابات، بحسب ما أكد محاميها نافع العريبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ومطلع أغسطس (آب) الماضي، أصدرت محكمة ابتدائية حكماً بالسجن لمدّة عامين بحقّ موسي لانتقادها أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023.

وأصدرت المحكمة حُكمها بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين. وأوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج. وأعلنت بعد ذلك ترشحها للانتخابات الرئاسية، لكن هيئة الانتخابات رفضت ملفها لعدم استكمال الوثائق وجمع تواقيع التزكيات اللازمة. وتواجه موسي تهماً خطيرة في قضايا أخرى، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة».

وجاء هذا القرار، بعد أن قال علي البجاوي، المحامي ورئيس هيئة الدفاع عن رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن وضعها الصحي في السجن «متدهور ولا يبشر بخير»، وذلك بعد أن قام بزيارتها في السجن الخميس، مشيراً إلى أنها «تعاني من ضعف وحالة إنهاك شديد».

مظاهرة نظمها مؤيدون لعبير موسي ضد المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيد (أ.ف.ب)

وتابع البجاوي موضحاً: «وزنها يتراجع بسبب النقص في التغذية، كما تعاني من أوجاع في الكتف والرقبة»، مبرزاً أن رئيسة «الحزب الدستوري الحر» أجرت تحاليل وخضعت لكشوفات طبية لم يتم الاطلاع على نتائجها بعد. وتواجه موسي، وهي من بين المعارضين الرئيسيين للرئيس الحالي قيس سعيد، تهمة «الاعتداء القصد منه تبديل هيئة الدولة»، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وتعود هذه التهمة إلى قضية «مكتب الضبط» للقصر الرئاسي، حين توجهت موسى إليه لإيداع تظلم ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيد، وأصرت على إيداعه لدى المكتب، قبل أن يتم إيقافها من قبل الأمن وإيداعها لاحقاً السجن.

وعلى أثر ذلك، تقدمت هيئة الدفاع بطعن ضد قرار قضاة التحقيق. وقال المحامي البجاوي إنه «لا توجد جريمة، ورئيسة الحزب قدمت تظلمها وفق الإجراءات القانونية». وعلاوة على ذلك، تلاحق موسي أيضاً في قضايا أخرى، من بينها قضية قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتحريكها ضدها بتهمة نشر «معلومات مضللة» عن الانتخابات التشريعية لعام 2022، بعد إطاحة الرئيس سعيد بالنظام السياسي السابق في 2021، وصدر حكم ضدها بالسجن لسنتين في هذه القضية، لكن هيئة الدفاع تقدمت بطعن ضده.

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (إ.ب.أ)

وخلف القضبان تقبع شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعصام الشابي وغازي الشواشي، المتهمين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبقا أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا عن ذلك. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيس التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المائة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».