ثنائية الدولة والعشيرة في العراق... نزاعات وتهديدات تربك الحكومة

إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد من قبل الأميركيين في 7 أبريل 2003 (أ.ب)
إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد من قبل الأميركيين في 7 أبريل 2003 (أ.ب)
TT

ثنائية الدولة والعشيرة في العراق... نزاعات وتهديدات تربك الحكومة

إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد من قبل الأميركيين في 7 أبريل 2003 (أ.ب)
إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد من قبل الأميركيين في 7 أبريل 2003 (أ.ب)

لم يتخلص العراق على امتداد تاريخه، على الأقل بدءاً من تاريخ إنشاء الدولة العراقية الحديثة أوائل عشرينات القرن العشرين، من ثنائية الدولة والعشيرة.
وبنية العراق عشائرية طبقاً لتركيبة طبقاته الاجتماعية، التي بحثها بالتفصيل الباحث الفلسطيني المعروف حنا بطاطو في كتابه الشهير ذي المجلدات الثلاثة «العراق»، وحين حاول الملك فيصل الأول (توفي عام 1933) بناء دولة عراقية حديثة، اصطدم بالبنية العشائرية التي حالت، من وجهة نظره، دون جهوده في بناء الدولة التي خطط لها. وقبيل وفاته بمدة قصيرة، نشرت وثيقة يقول فيها إن العراق يتكون من قبائل متناحرة طائفياً وغير قادرة على بناء دولة. مع ذلك، بنيت الدولة التي كان فيصل الأول على رأسها بإرادة بريطانية منحت شيوخ العشائر سلطات واسعة لكنها جعلت الحكم ملكياً ديمقراطياً، يكون فيه الملك مصوناً غير مسؤول؛ يملك ولا يحكم، بينما تتداول السلطة حكومات منتخبة من قبل البرلمان. استمر ذلك في عهد الملك فيصل الأول ونجله الملك غازي (مات بحادث سيارة غامض عام 1939) ونجله فيصل الثاني، الذي قتل مع كل أفراد العائلة الملكية صبيحة 14 يوليو (تموز) 1958 عندما قام من عُرفوا بـ«الضباط الأحرار» بزعامة الثنائي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف بقلب نظام الحكم الملكي وإعلان الجمهورية.
بعد عام 1958 وما تلاه، لم تستقر هذه الجمهورية بعد أن فتحت شهية العسكر على الانقلابات العسكرية. ليس هذا فقط؛ فإنه حتى المدنيين ممن يرومون الوصول إلى السلطة ارتدوا ثوب العسكر وتعلموا سياقة الدبابة ليقتحموا القصر الجمهوري، مثلما حدث عام 1968 عندما تمكن «حزب البعث العربي الاشتراكي» من الوصول إلى السلطة عن طريق مجموعة من العسكر ومعهم بعض المدنيين؛ من بينهم صدام حسين، الذي سرعان ما ارتدى البزة العسكرية ليمنح نفسه أكبر رتبة عسكرية في الجيش العراقي (مهيب ركن) بينما لم يخدم يوماً واحداً في الجيش.
وسواء في العهد الملكي وفي الجمهوري بقيت الإشكالية قائمة بين ثنائية «الدولة» و«العشيرة»، نظراً إلى عدم قدرة الدولة على تخطي البنية المجتمعية العشائرية للمجتمع العراقي، فضلاً عن فشل أنظمة الحكم المتعاقبة في إقامة حكم رشيد قادر على تخطي هذه الثنائية من خلال شعور المواطن بالأمان عبر انتمائه إلى الدولة لا إلى العشيرة التي ينتمي إليها.
لم يتغير الأمر بعد عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، سوى أن العقلية الأميركية، التي أدارت الدولة العراقية بعد الاحتلال، تختلف عن العقلية البريطانية التي أسست العراق الحديث. فالبريطانيون وجدوا بنية مجتمعية عشائرية تنتمي إلى مرحلة ما قبل الدولة الموحدة نظراً إلى أن العراق قبل عام 1921 كان 3 ولايات؛ بغداد، والموصل، والبصرة، تابعة للإمبراطورية العثمانية. لذلك اعتمدوا على شيوخ القبائل في تهدئة العشائر بينما ركزوا على بناء الدولة داخل المدن التي كانت تزود بكل عناصر الحياة من طرق ومواصلات وكهرباء، بينما بقي الريف معدماً تماماً حتى عام 1958 وما بعده.
الأميركيون بعد 2003 وجدوا دولة متكاملة، لكن قرار الحاكم المدني، بول بريمر، حل الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية وفتح الباب أمام السراق لسرقة كل شيء؛ بما في ذلك موجودات المصارف، أدى إلى انهيار الدولة تماماً. المجلس الذي تولى حكم البلاد لفترة انتقالية (مجلس الحكم) بني على أسس عرقية - مذهبية - عشائرية. هذه الوصفة بقيت قائمة حتى حين أجريت الانتخابات البرلمانية العراقية بدءاً من عام 2005 وحتى اليوم، بحيث تكرست تماماً البنية المذهبية العرقية العشائرية في كل مفاصل الدولة. ومع أن الألقاب العشائرية، التي يفاخر بها كل المواطنين العراقيين تقريباً ممن يذيلون أسماءهم بلقب عشائري في الغالب تليه ألقاب أخرى، مثل الانتماء إلى منطقة ومن ثم إلى مهنة في حين يبقى من لا يحمل لقباً عشائرياً أو مناطقياً قلة إلى حد كبير، قديمة بسبب البنية العشائرية للمجتمع العراقي، فإنها دخلت طوراً جديداً بعد عام 2003 حين اختل التوازن بين الدولة والعشيرة بسبب ضعف القانون وتنامي دور العشيرة وثقلها.
ترتب على ذلك أمر ينطوي على مفارقة قوامها أن غالبية المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رؤساء الوزارات ممن حكموا البلاد، يحملون ألقاباً عشائرية أو عائلية (إياد علاوي «لقب عائلي»، إبراهيم الجعفري «لقب عشائري»، نوري المالكي «لقب عشائري»، حيدر العبادي «لقب عشائري»، عادل عبد المهدي هو الوحيد الذي لم يضع لقباً عشائرياً أو عائلياً، مصطفى الكاظمي «لقب مناطقي»، محمد شياع السوداني «لقب عشائري»).
الوزراء والنواب والمحافظون يحملون غالبا ألقاباً عشائرية أو مناطقية، وبالتالي فإنه حين تحدث مع أحدهم إشكالية فسرعان ما تنتفض العشيرة للدفاع عنه من دون أن يطلب منها ذلك؛ بل الأمر تعدى ذلك إلى حد أن كثيراً من الخلافات التي وقعت بين بعض المسؤولين انتهت إلى «فصول» عشائرية بدلاً من القانون، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى تضخم سلطة العشيرة وإضعاف سلطة القانون. وهو أمر مستمر حتى اللحظة، حيث تواصل إحدى العشائر تهديداتها ضد البرلمان ورئيسه محمد الحلبوسي، على خلفية قرار البرلمان استضافة وزير لشأن رسمي يخص وزارته بصفتها جهة تنفيذية مسؤولة في النهاية أمام البرلمان بصفته أعلى سلطة في البلاد من حيث التشريع والرقابة.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

الشرع يكلف لجنة سباعية صياغة إعلان دستوري

لافتات مؤتمر الحوار الوطني السوري في شوارع دمشق (مواقع)
لافتات مؤتمر الحوار الوطني السوري في شوارع دمشق (مواقع)
TT

الشرع يكلف لجنة سباعية صياغة إعلان دستوري

لافتات مؤتمر الحوار الوطني السوري في شوارع دمشق (مواقع)
لافتات مؤتمر الحوار الوطني السوري في شوارع دمشق (مواقع)

كلف الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس، لجنةً من سبعة قانونيين، بينهم سيدتان، بمهمة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، في إطار تنظيم مرحلة الانتقال السياسي عقب إطاحة حكم بشار الأسد، من دون تحديد مهلة زمنية لإنجاز عملها.

وأفاد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بأنه «انطلاقاً من تطلعات الشعب السوري في بناء دولته على أسس القانون، وبناءً على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني»، قرر الرئيس تشكيل لجنة من الخبراء تتولى مهمة صياغة «مسودة الإعلان الدستوري الذي ينظم المرحلة الانتقالية».

وأشار البيان إلى أن على اللجنة رفع «مقترحها إلى رئيس الجمهورية»، من دون أن يحدد الخطوات التالية.

وفيما ساد هدوء حذر في جرمانا، التي شهدت توتراً بين قوات الأمن السوري وعناصر محلية، حذّر رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، دروز سوريا، من المكائد الإسرائيلية في جبل العرب وسوريا، معلناً أنه سيزور دمشق للمرة الثانية قريباً للقاء الرئيس أحمد الشرع.