أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيستقبل زعيم كوريا الجنوبية يون سوك يول، في زيارة دولة رسمية يوم الاثنين المقبل والتي تستمر لمدة خمسة أيام. وهي أول زيارة رسمية لزعيم من منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ووصف البيت الأبيض هدف الزيارة بأنها تؤكد التحالف الصارم بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الذي نما ليكون قوة للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
وتأتي القمة الأميركية الكورية بعد توتر العلاقات بين الجانبين في أعقاب تسرب وثائق المخابرات التي أشارت إلى قيام أجهزة الاستخبارات الأميركية بالتجسس على كوريا الجنوبية. وكشفت الوثائق المسربة عن محادثات بين كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين حول أوكرانيا، مما أظهر أن واشنطن ربما كانت تقوم بمراقبة حليف آسيوي رئيسي في وقت تعهدت فيه واشنطن وسيول بتعزيز تحالفهما. وأظهرت الوثائق أيضاً محادثات أجرتها واشنطن لإقناع سيول بتزويد أوكرانيا بذخيرة مدفعية. وقالت الوثائق إن مدير مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية اقترح إمكانية بيع 330 ألف طلقة من عيار 155 ملم إلى بولندا ثم توصيلها إلى أوكرانيا.
وتنتهج كوريا الجنوبية سياسة عدم إمداد الدول المتحاربة بالأسلحة. ومنذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية لم تقدم أسلحة إلى كييف، واكتفت بتقديم مساعدات إنسانية واتّبعت سياسات الولايات المتحدة والغرب في فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا.
وأشارت حكومة يون إلى أنها ناقشت هذه الوثائق المسرَّبة مع مسؤولي إدارة بايدن واتفقت على أن عدداً كبيراً من هذه الوثائق ملفّقة ومزورة، لكنها لم تحدد ماهية الوثائق التي تصفها بالمزيفة. وأثار ذلك انتقادات من المعارضة الليبرالية داخل كوريا الجنوبية الذين دعوا الحكومة إلى تقديم احتجاجات قوية للولايات المتحدة.
وقال كيم تاي هيو، نائب مدير الأمن القومي في سيول، للصحافيين: «لا يوجد مؤشر على أن الولايات المتحدة حليفنا قامت بالتنصت علينا بغرض خبيث»، وأضاف أن «القمة الأميركية - الكورية ستكون فرصة لتعزيز الموقف الدفاعي المشترك بشكل أكبر وتشغيل الردع الموسع بين البلدين بطريقة أكثر واقعية، مع تعميق التعاون الأمني الاقتصادي».
رأب الصدع
وتبدو زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس كوريا الجنوبية محاولة لتخطي هذا التوتر ودفع إدارة بايدن لإيجاد سبل للتعامل مع التحدي الذي تمثله ترسانة كوريا الشمالية النووية والصاروخية المتنامية. وستكون رحلة يون من 24 إلى 29 أبريل (نيسان)، أول زيارة دولة يقوم بها زعيم كوري جنوبي للولايات المتحدة منذ عام 2011 وستصادف الذكرى السبعين لتحالف الدولتين.
ومنذ تولي يون سوك يول منصبه العام الماضي عمل على تعزيز الشراكة العسكرية مع الولايات المتحد وجعلها في صميم سياساته الخارجية لمواجهة التهديدات النووية لكوريا الشمالية والاستفزازات المتكررة من بيونغ يانغ. وقد عززت كوريا الشمالية تطوير ترسانتها من الأسلحة، واختبرت أول صاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب الأسبوع الماضي، وهو الأحدث في سلسلة من الاختبارات. تقول كوريا الشمالية إنها بحاجة إلى أسلحتها لحماية نفسها من خطط كوريا الجنوبية والولايات المتحدة لـ«تغيير النظام». وتنفي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أي نية من هذا القبيل.
كان يون يضغط من أجل تعزيز دور كوريا الجنوبية في تشغيل ما يُعرف بالردع الأميركي الممتد، وهي المظلة النووية الأميركية التي تحمي حلفاءها. وتنظر سيول إلى هذه القمة مع الرئيس بايدن على أنها حاسمة لكسب التزام أمني أميركي علني وقوي لمساندة القضايا المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والتكنولوجية المهمة لكوريا الجنوبية، ومناقشة الردود المشتركة لردع كوريا الشمالية.
دعم أوكرانيا
ومن المرجح أيضاً أن يتشاور يون وبايدن بشأن كيفية دعم أوكرانيا، وسط تصاعد الضغوط الغربية على كوريا الجنوبية لمساعدتها في محاربة القوات الروسية. وقد حاولت كوريا الجنوبية، وهي منتج رئيسي لذخيرة المدفعية، تجنب استعداء روسيا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المصالح التجارية والنفوذ الروسي على كوريا الشمالية.
وأشار يون، في مقابلة مع «رويترز»، يوم الثلاثاء، للمرة الأولى، إلى تخفيف موقفه بشأن الأسلحة لأوكرانيا، قائلاً إن حكومته قد «لا تصر فقط على الدعم الإنساني أو المالي» في حالة وقوع هجوم واسع النطاق على المدنيين، أو في «حالة لا يمكن للمجتمع الدولي التغاضي عنها». وقال كيم إن يون سيعقد قمة ومؤتمراً صحافيا مشتركاً مع بايدن في 26 أبريل ويلقي خطاباً أمام الكونغرس الأميركي في 27 أبريل قبل أن يسافر إلى بوسطن حيث من المقرر أن يلقي كلمة في مدرسة «هارفارد كينيدي».
رُبّ ضارة نافعة
ويستبعد المحللون أن تؤثر تداعيات الوثائق المسربة على العلاقات بين واشنطن وسيول بحيث تهز المصالح والتحالف بين البلدين. وقال تشوري جين، مدير معهد القيادة الرئاسية في سيول: «ليس سراً أن الحلفاء يتجسس بعضهم على بعض بالإضافة إلى خصومهم، وأنشطة التنصت على المكالمات الهاتفية شيء يعرفه الجميع بالفعل لكنه يصبح أكثر حساسية حينما يتم الإعلان عنه لأن الجميع يشعر بالعداء تجاه كلمة التنصت ويفضلون كلمة جمع المعلومات الاستخباراتية».
وقال بونغ يونغ شيك، الخبير بمعهد «يونسي للدراسات الكورية الشمالية» في سيول، إن الحكومتين تركزان بشكل أكبر على التحالف وتحقيق إنجازات، وأحد الإنجازات المحتملة التي يمكن أن يحققها يون، هو أن تقوم كوريا الجنوبية بدور في إدارة الأسلحة النووية الأميركية في مواجهة الترسانة النووية الكورية الشمالية المتقدمة. وستكون المكاسب الأخرى هي تأمين الفوائد الأميركية للشركات الكورية الجنوبية الرئيسية المشاركة في صناعة السيارات الكهربائية وتخفيف القيود الأميركية على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، التي كانت قاعدة تصنيع رئيسية لشركات صناعة الرقائق الكورية الجنوبية.
وقال كيم يول سو، الخبير في معهد «كوريا للشؤون العسكرية» في كوريا الجنوبية، إنه إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم مساعدة يون، فإن «الحادث المتعلق بتسرب الوثائق قد يؤدي في النهاية إلى تعزيز التحالف الكوري الأميركي ومساعدة كوريا الجنوبية على الفوز بشيء من الولايات المتحدة».