تحذيرات دولية من خطورة الوضع السوداني

مطالبات بتوفير ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية

سكان العاصمة الخرطوم محاصرون في منازلهم بسبب القتال بين الطرفين العسكريين (إ.ب.أ)
سكان العاصمة الخرطوم محاصرون في منازلهم بسبب القتال بين الطرفين العسكريين (إ.ب.أ)
TT

تحذيرات دولية من خطورة الوضع السوداني

سكان العاصمة الخرطوم محاصرون في منازلهم بسبب القتال بين الطرفين العسكريين (إ.ب.أ)
سكان العاصمة الخرطوم محاصرون في منازلهم بسبب القتال بين الطرفين العسكريين (إ.ب.أ)

حذرت نداءات دولية وأممية وإقليمية من خطورة الوضع في السودان، مطالبة بتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات الإنسانية، مع استمرار القتال لليوم الرابع على التوالي بين «القوات المسلحة السودانية»، و«قوات الدعم السريع»، التي أعلنت أمس (الثلاثاء) موافقتها على «هدنة» لمدة 24 ساعة، بضغط أميركي، بعد معارك أسفرت عن مقتل 270 شخصاً وإصابة 2600 آخرين، بحسب منظمة الصحة العالمية، وفاقمت الأوضاع الصحية والإنسانية في البلاد.
ودعا وزراء خارجية دول مجموعة السبع، المجتمعون في اليابان، طرفي النزاع في السودان إلى «وقف الأعمال العدائية فوراً». وقال وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، في تغريدة على حسابه على «تويتر» بثتها وكالة الأنباء الإيطالية، إن «مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تسعى إلى تحقيق الاستقرار في السودان».
وفي اتصال هاتفي، أكد وزيرا الخارجية المصري سامح شكري، واليوناني نيكوس ديندياس «خطورة الوضع الراهن في السودان». وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في إفادة رسمية، إن «شكري وديندياس اتفقا على أهمية التعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، وضرورة عدم تدخل أي أطراف خارجية بشكل يعيق جهود احتواء الأزمة».
وقال وزير الخارجية المصري، في تصريحات لشبكة «سي إن إن» أمس (الثلاثاء)، إن «بلاده ستفتح المزيد من أبواب الاتصال التي يمكن أن تؤدي إلى استئناف الحوار السلمي لتسوية الوضع بين الأطراف السودانية المتناحرة». مؤكداً أن «القاهرة على تواصل مع كل الأطراف في هذه القضية، سواء كان ذلك الجيش السوداني أم قوات الدعم السريع»، معرباً عن أمله في أن «يلتفتوا للنداءات الدولية من أجل التهدئة، وضبط النفس، ووقف الأعمال العدائية».
- جهود إثيوبية
كما أجرى وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونون، الثلاثاء، اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية السودان بالوكالة علي الصادق علي. وعبّر ديميكي عن «قلق بلاده بشأن القتال الدائر في السودان»، مشيراً إلى «وقوف إثيوبيا إلى جانب شعب السودان وتمنياتها للسلام والاستقرار ووقف القتال»، معرباً عن «ثقته التامة في أن أهل السودان سيعودون إلى سلامهم واستقرارهم السابق في الأيام المتبقية من شهر رمضان».
ونتيجة لاستمرار المعارك في السودان، يستعد الجيش الألماني لدعم وزارة الخارجية الألمانية في حالة إجلاء مواطنين ألمان عسكرياً. وقال متحدث باسم قيادة العمليات، أمس، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية في برلين، إن «الجيش الألماني لديه قوات متخصصة تستعد باستمرار لسيناريو عملية الإجلاء، وهي في وضع الاستعداد بشكل دائم». لكنه لم يدلِ بتفاصيل عن حجم وأفراد ومواد قوات الإجلاء المحتملة للجيش الألماني؛ «لأسباب تتعلق بأمن العمليات»، على حد قوله. ودعا رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في إفادة رسمية أمس، إلى «تعضيد جهود التهدئة وتعزيز سياسة الحوار لحل الخلافات الإقليمية والدولية». وأكد السوداني، خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، «مواقف بلاده الثابتة إزاء القضايا والتحديات الأمنية والاقتصادية، على المستويين الإقليمي والدولي».
داخلياً، أكدت «قوى الحرية والتغيير» في السودان، في بيان نشرته على «فيسبوك» رفضها الاشتباكات الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وقالت «لن نقبل نتائج الحرب أياً كانت»، داعية لوقف الحرب فوراً. وطالبت «قوى الحرية والتغيير»، في بيانها، القوى المدنية بالبلاد بـ«أخذ زمام المبادرة، والتوحد لإدانة العمليات الحربية، والدعوة لإيقافها فوراً، والتعبئة لإعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل». محمّلة أطراف الحرب «المسؤولية عن أي انتهاك لحقوق الإنسان». وقالت «لم يلتزم الطرفان بالهدنة التي أُعلنت سابقاً من قِبل الأمم المتحدة، ولم تُحدد الممرات الآمنة لإجلاء العالقين، وكذلك لم تعمل على حماية الأطقم الطبية، ولم تسلم منهم المستشفيات، كل ما يحدث إنما هو مخالفٌ للقانون الدولي الإنساني». في حين رحب رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير بإعلان «الهدنة»، مشيراً إلى أن اتصالات جارية للاتفاق على آلية مراقبة للهدنة.
- «الصحة العالمية»
وعلى الصعيد الإنساني، دعا الصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، أمس، الأطراف المتنازعة في السودان إلى «ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين». في الوقت الذي يعاني فيه سودانيون نقصاً في المياه والكهرباء والغذاء. ودعا مدير منظمة الصحة العالمية طرفي الصراع في السودان لإتاحة إمكانية الوصول إلى المرافق الطبية لجميع من يحتاجون إلى الرعاية. وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في بيان يوم الثلاثاء، إنه «يجب على جميع الأطراف التأكد من إتاحة القدرة على الوصول غير المقيد والآمن إلى المنشآت الصحية لجميع المصابين والذين يحتاجون إلى رعاية طبية».
وأشار مدير منظمة الصحة العالمية إلى أن «بعض المستشفيات أغلقت أبوابها بالفعل أو أوشكت أن تغلقها بسبب الهجمات ونقص الطواقم والإمدادات الطبية»، وذكر أن «تقارير أفادت بنهب بعض المنشآت الصحية واستخدام أخرى في أغراض عسكري». وقال، إن «الإمدادات الموزعة على المنشآت الصحية قبل التصعيد الأخير للصراع نفدت، وأن المستشفيات في العاصمة الخرطوم تتحدث عن وجود نقص في أفراد الطواقم الطبية والإمدادات المستخدمة في إنقاذ الأرواح». وتدين منظمة الصحة العالمية الهجمات على البنى التحتية الصحية، وقد سجلت، بحسب المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، 3 هجمات حتى الآن، مع إشارتها إلى أن «هناك الكثير غيرها». وقالت هاريس إن «العديد من بين تسعة مستشفيات في الخرطوم تستقبل المدنيين الجرحى تفتقر إلى كل شيء، بما في ذلك الدم، ومعدات نقل الدم، والسوائل الوريدية والمعدات الطبية وغيرها من الضروريات الأساسية».
- الممرات الإنسانية
بدوره، أكد رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فريد أيوار، في تصريحات للصحافيين عبر الفيديو من نيروبي، «وجود سيارات إسعاف وأفراد قادرين على تقديم الإسعافات الأولية والدعم النفسي والاجتماعي، ولكن هذا لن يكون ممكناً إلا بضمان الممرات الإنسانية من قِبل جميع الأطراف». وقال، إن «المنظمات العاملة في المجال الإنساني شعرت بإحباط شديد لعدم تمكنها من القيام بعملها».
وأضاف، أن «المنظمة تتلقى مكالمات من جميع أرجاء السودان، ممن يحتاجون إلى أشياء أساسية، وطعام لأسرهم، ولمّ شمل الأطفال مع ذويهم، إلا أنه لا يمكن التحرك أو توفير الخدمات الأساسية مثل زجاجة ماء أو وجبة طعام»، محذراً من أن «النظام الصحي معطل، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يواجه خطر الانهيار».
وأوضح فريد عبد القادر، رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، أن «الصليب الأحمر في السودان ومن دول عدة أخرى موجود على الأرض مع الآلاف من عمال الإغاثة المستعدين لتقديم العون». وقال، إن «العاصمة الكينية نيروبي، التي تبعد نحو 3 آلاف كيلومتر جنوب الخرطوم، يوجد بها مياه ومواد غذائية مجهزة للتوزيع، لكن الوضع الأمني لا يسمح باستخدام متطوعين». وقال «نحن في حاجة إلى ممرات إنسانية».
بدوره، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان أمس، إن «عمليات القصف في السودان خلّفت آلاف المدنيين المحاصرين في منازلهم، وبات كثيرون بلا كهرباء، ودون أي وسيلة للحصول على الطعام أو الماء أو الدواء». وأشار إلى أن «القتال أوقع 185 قتيلاً على الأقل و1800 مصاب». ومن جهتها، أعربت المتحدثة باسم الأمم المتحدة في جنيف أليساندرا فيلوتشي عن «قلقها على سلامة موظفيها». وقالت، إن «هناك نحو أربعة آلاف موظف يعملون في البلاد، بما في ذلك 800 موظف دولي».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
TT

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)

محطة جديدة من التوتر بين ولاية جوبالاند، جنوب الصومال، والحكومة الفيدرالية، عقب قرار الإقليم تعليق العلاقات والتعاون مع مقديشو، بعد خلافات زادت وتيرتها عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز أحمد مدوبي بولاية ثالثة، بالمخالفة لتشريع صومالي جديد يدخل حيز التنفيذ العام المقبل بالعودة إلى «الانتخابات المباشرة».

ذلك التعليق من جانب ولاية جوبالاند التي تقع على الحدود مع كينيا وإثيوبيا، جاء بعد إصدار سلطات الجانبين مذكرتي اعتقال لقيادة الإقليم والحكومة الفيدرالية، ويراه خبراء تحدّثوا مع «الشرق الأوسط» أنه قد يقود إلى «انفصال» للولاية عن مقديشو، ويفاقم من الصراع الأهلي، ويسمح لحركة «الشباب» الإرهابية التي ستستغل تلك الخلافات لزيادة تمددها.

وتُعد ولاية جوبالاند «سلة غذاء» الصومال، وعاصمتها «كسمايو»، ميناء مهماً من الناحية الاستراتيجية، وتحد ساحلها منطقة بحرية متنازع عليها بشدة، مع وجود مكامن نفط وغاز محتملة، و«يزعم كل من الصومال وكينيا السيادة على هذه المنطقة»، وفق «رويترز».

وجاء القرار في ظل أزمة انتخاب مدوبي الذي ترفضه مقديشو متزامناً مع إصدار محكمة «كسمايو» مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمة إياه بـ«إشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية»، وذلك غداة إصدار محكمة بنادر الإقليمية التابعة لمقديشو، الأربعاء، مذكرة اعتقال بحق مدوبي، متهمة إياه بـ«انتهاك الدستور الصومالي».

وجاءت انتخابات جوبالاند، الاثنين، بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت الماضي، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعني بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي الذي يُعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويُعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وكان الصومال يعتمد منذ عام 2000 على نظام انتخابات غير مباشرة مبني على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس، ولتجاوز هذا النظام توصّل «منتدى المجلس التشاوري الوطني» في مايو (أيار) 2023 إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في عودة إلى آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، لكن لم تُنظم لعدم وجود قوانين للانتخابات، واتفق أعضاؤه على إجراء اقتراع مباشر في سبتمبر (أيلول) 2025، بعد وضع القانون الذي صدر قبل نحو أسبوع.

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «إصدار مذكرات اعتقال وتعليق العلاقات واعتبار انتخاب مدوبي غير قانوني انعكاس لتصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية وزيادة الانقسامات».

وسيكون خيار «احتمالية الانفصال» مطروحاً، حسب بري؛ «إذا استمرت التوترات»، موضحاً أن «جوبالاند قد تسعى إلى إعلان انفصال فعلي. لكن هذا يتطلب دعماً محلياً ودولياً، بالإضافة إلى استقرار سياسي داخلي».

و«ربما كانت مذكرتا الاعتقال المتبادلة بين الطرفين ليستا إلا ستاراً داكناً تجري من ورائه الرغبة في تحرير خطاب العداء المتبادل الذي يجتهد طرفاه في التغطية عليه بمفاهيم الشرعية الدستورية لطبيعة الانتخابات»، وفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج.

ويرى أنه لو أصبح الصومال على هذه الحالة من التنازع فسوف يتحول إلى «بؤرة جاذبة للنشاط الإرهابي»، ومسرح لعمليات عسكرية يكون مداها واسعاً حول عموم منطقة القرن الأفريقي.

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

وقبل أيام، نشرت الحكومة الصومالية الفيدرالية ما يقرب من 1000 جندي فيدرالي في منطقة رأس كامبوني جنوب البلاد التي تنتشر فيها قوات جوبالاند، بعد انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، لضمان الاستقرار ومواجهة حركة «الشباب». وعدّ إعلام صومالي محلي تلك الخطوة «تصعيداً كبيراً للخلاف بين الولاية ومقديشو».

بينما عدّت وزارة الأمن الداخلي في جوبالاند تلك الخطوة أنها «محاولة لتدمير النظام الفيدرالي وإثارة القلاقل السياسية والأمنية في الإقليم»، محذرة من «وقوع صدام بين تلك القوات وقوات الولاية الإقليمية».

وأزمة جوبالاند هي الثانية أمام مقديشو، في ظل استمرار توتر علاقاته مع إقليم أرض الصومال الانفصالي منذ بداية العام، مع عقد إثيوبيا مع الإقليم اتفاقاً مبدئياً، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق إلى توتر في منطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029؛ بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة الصومال واستقلاله».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (الرئيس الصومالي على «إكس»)

ويرى الحاج أن الصراع الذي بلغ «حد اللاعودة» بين الحكومة الفيدرالية في الصومال وإقليم جوبالاند، يشير إلى فاعلية التدخلات الحدودية في محيط القرن الأفريقي؛ حيث يتشارك إقليم جوبالاند الحدود مع إثيوبيا، وهي ذات الدولة التي أضحت علاقاتها مع الصومال تسير على نحو مضطرب ومتوتر منذ أن أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم أرض الصومال.

ويعتقد أن كل ما جرى من توترات بشأن الانتخابات في جوبالاند وحكومة الصومال ليس إلا بذرة خلاف لزعزعة وحدة الصومال، بعدما أثبتت التجربة الانتخابية في أرض الصومال نجاحها، و«ربما مُضيها في اتجاه الانفصال والاستقلال». ولا يستبعد «وجود أصابع إثيوبية تعمل على توجيه بوصلة مدوبي نحو تبني خيارات الانفصال والمطالبة بالاستقلال بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية في مقديشو».

ويتفق معه بري على أن «إثيوبيا تلعب دوراً في دعم بعض المجموعات في جوبالاند؛ مما يعزّز مخاوف إمكانية حدوث انفصال جديد، خصوصاً أن التدخل الإقليمي يُعد عاملاً مهماً في الديناميات المحلية».

عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية الصومالية (أ.ب)

وبشأن إمكانية حدوث حل للأزمة، يرى الحاج أن «تخفيف مقديشو حدة الخطاب العدائي بين الصومال وأقاليمه ذات النزعة الانفصالية، يصبح هو الرهان الآن بغية تحييد الدور الإثيوبي ومنع نفوذها الساعي لاستغلال أوضاع المنطقة عموماً؛ لأجل تمرير مصالحها الحيوية دون الاكتراث لمستقبل القرن الأفريقي».

بينما أوضح بري أنه يمكن تدارك الأمور عبر إجراء الحكومة الفيدرالية وجوبالاند حواراً شاملاً لمعالجة القضايا العالقة، وتدخل وساطة دولية لتسهيل ذلك الحوار، مؤكداً أن الوضع في جوبالاند «يتطلّب خطوات عاجلة وفعّالة من جميع الأطراف المعنية، باعتبار أن الحوار والتعاون سيكونان المفتاح لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتجنّب تصعيد النزاع».