نظارات تبطئ قصر النظر... بارقة أمل لمواجهة مشكلة صحية كبيرة

النظارات جنّبت الأطفال خسارة أكثر من ديوبتر واحد من قصر النظر في المتوسط (شاترستوك)
النظارات جنّبت الأطفال خسارة أكثر من ديوبتر واحد من قصر النظر في المتوسط (شاترستوك)
TT

نظارات تبطئ قصر النظر... بارقة أمل لمواجهة مشكلة صحية كبيرة

النظارات جنّبت الأطفال خسارة أكثر من ديوبتر واحد من قصر النظر في المتوسط (شاترستوك)
النظارات جنّبت الأطفال خسارة أكثر من ديوبتر واحد من قصر النظر في المتوسط (شاترستوك)

يترافق الاتساع الهادئ لحالات حسر البصر (أو قصر النظر) في كل البلدان المتقدمة، مع تسجيل النظارات التي تبطئ هذا النوع من اضطراب الرؤية لدى الأطفال نتائج فاعلة، مما يوفّر أملاً في الحد من مشكلة صحة عامة يبدو أنها ستكون كبيرة.
وتقول كارولين بوديه، وهي والدة تلميذ يُدعى بول وتعمل في مجال الكتابة في نانت الواقعة غرب فرنسا: «قبل سنتين، أخبرتنا مدرّسة بول بأنه يعجز عن رؤية أي شيء مكتوب على اللوح في الصف».
وعندما زار بول برفقة والديه طبيبة عيون لمعاينة وضعه، شُخّص بول بمعاناته من «قصر نظر كبير»، مع العلم أنّ أحداً من أفراد الأسرة لا يواجه هذا الاضطراب الذي يصبح المصاب به عاجزاً عن رؤية الأشياء واضحةً من بعيد، بسبب وجود مسافة كبيرة جداً بين القرنية والشبكية، ثم أعلمتهم الطبيبة بعلاج يتمثل في نظارات جديدة نوعاً ما، تعمل على إبطاء تدهور قصر النظر. وتقول كارولين بوديه: «في غضون عام واحد، أتت النتيجة إيجابية؛ لأنّ وضع بول كان مستقراً»، حسبما أفادت وكالة «الصحافة الفرنسية».
وتستند هذه النظارات التي توصف بأنها تُبطئ قصر النظر وتُباع في فرنسا منذ نحو سنتين تقريباً، إلى تقنيات مُدمجة من شأنها تصحيح الاضطراب البصري، وأيضاً إبطاء تدهوره لدى الأطفال المصابين بقصر نظر قابل للتوسع.
وتناولت دراسة نُشرت مطلع أبريل (نيسان) في مجلة «ساينتيفك ريبورتس»، وضع مجموعة من الأطفال يضعون نظارات «ميوسمارت» التي ابتكرتها شركة «هويا» اليابانية، ضمن فترة ست سنوات. وخلصت الدراسة إلى تسجيل تباطؤ في قصر النظر وعدم رصد «تأثير ارتدادي» لدى الأطفال عند توقفهم عن وضع النظارات.
وأثبتت دراسات سريرية كثيرة أخرى فاعلية نظارات «ستيليست» التي ابتكرتها شركة «إسيلور لوكسوتيكا» الفرنسية، مشيرة تحديداً إلى أنّ هذه النظارات جنّبت الأطفال خسارة أكثر من ديوبتر واحد من قصر النظر في المتوسط، على مدى ثلاث سنوات.
وتعمل النظارات من الجيل الجديد استناداً إلى تقنية مبتكرة؛ إذ يتم تجهيزها بمجموعة من العدسات الدقيقة التي ترمي إلى تصحيح قصر البصر المحيطي، وهو إحدى خصائص قصر النظر، وتالياً إبطاء حسر النظر.
وأفادت المجموعتان المتخصصتان في الابتكارات البصرية بتباطؤ في توسّع قصر النظر بنسبة تتراوح بين 60 و67 في المائة في المتوسط، مقارنةً بالنظارات التقليدية، عندما يضع الأشخاص نظاراتهم لـ12 ساعة يومياً.
واستثمرت شركات متخصصة أخرى في السوق الفرنسية، من أمثال شركة «زايس» الألمانية التي سوّقت منتجها في آسيا بدايةً.
وتحمل هذه النظارات الجديدة آمالاً للمصابين بحسر البصر، في حين تشير التوقعات الحالية إلى أنّ نصف سكان العالم سيُعانون قصراً في نظرهم قرابة عام 2050.
ويتفق الباحثون على الفكرة القائلة إنّ من بين العوامل التي تعزز قصر النظر، زيادة الأوقات التي يمضيها الأشخاص في أماكن مغلقة وقلة تعرضهم للضوء الطبيعي والضغط الكبير على الرؤية القريبة.
وتقول رئيسة الجمعية الفرنسية لطب العيون، كلود شبيغ-شاتز: «لقد اختبرنا تقنيات كثيرة للوقاية من الإصابة بقصر النظر، لكن هذه المرة الأولى التي نكون فيها أمام تقنية فعّالة، وأنا مذهولة بالفعل».
وأوضحت أنها تعالج في البداية الطفل الذي يعاني قصر نظر من خلال وصف نظارات تقليدية له. وتقول: «في حال ازداد قصر النظر لديه، فسأصف له سريعاً النظارات الحديثة».
ويقول طبيب العيون في ستراسبورغ، جيمي شماس: «إنّ هذه النظارات تشكل مكسباً كبيراً للأطفال»، مضيفاً: «نلاحظ أنّ قصر النظر لدى مَن يضعون هذه النظارات يزداد أقل بنصف مما كنا نتوقّع»، إلا أنّ العائق الوحيد في المسألة يتمثل في سعر هذه النظارات البالغ نحو 180 من اليوروات، وهو مبلغ يتخطى سعر النظارات التقليدية بنحو مائة يورو، في حين لا تتولى الجهات الضامنة تغطيتها بصورة تامة.
ويرى المدير العام لشركة «هويا فيجن كير» في فرنسا، جان ميشيل لامبير، ضرورة في اعتماد نظام أفضل للتغطية.
وفي العام الماضي، اعترفت الهيئة العليا للصحة في فرنسا بخدمة يوفرها القسم المتخصص بالنظارات في شركة «هويا فيجن كير»، معتبرة أنّها «بسيطة».
وفي معرض دفاعه عن ضرورة أن تتحمل الجهات المعنية تكلفة النظارات، يقول لامبير إنّ «كل ديوبتر واحد يخسره المريض يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض مستقبلية، لكن في حال قمنا بإبطاء توسّع قصر النظر، فستكون التكلفة أقل على المجتمع».
وعندما يكون قصر النظر كبيراً؛ أي يتجاوز -6 ديوبتر، يؤدي إلى زيادة خطر تسجيل أضرار مختلفة (انفصال الشبكية، والمياه الزرقاء، وإعتام عدسة العين المبكر...)، وهو ما قد يتسبب للمرضى باضطرابات بصرية دائمة.



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».