يغامرون بالخروج بضع دقائق لشراء بعض احتياجاتهم ثم يعودون بأسرع ما يمكن محاولين تجنب القفز فزعاً مع دوي كل انفجار... سكان الخرطوم يحاولون العيش تحت النيران بلا ماء ولا كهرباء في ظل المواجهات بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
في الضاحية الشمالية للخرطوم، كما في المناطق الأخرى، لم يغمض لأحد جفن طوال ليل السبت/ الأحد بسبب هدير الطائرات ودوي الضربات الجوية وأصوات المدفعية ومعارك الشوارع بالبنادق الآلية أو الرشاشات الثقيلة، ولكن في هذا الصباح في الأسبوع الأخير من رمضان، حرص فاروق أحمد على فتح مخبزه رغم الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي اشتدت وطأتها بسبب انقطاع الكهرباء.
قال فاروق أحمد وهو يوزع الخبز على مواطنين يتعجلون المغادرة لتجنب مخاطر الوجود في الشارع: «لم يعد لدينا كهرباء، والمياه مقطوعة، ولكننا نواصل العمل».
«أطفالي مروعون»
ليس بعيداً عن المخبز سقط قتلى برصاصات طائشة في المواجهات التي أوقعت 56 قتيلاً مدنياً ونحو 600 جريح، والمستمرة بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، الأحد، لليوم الثاني في الخرطوم، وسط صراع على السلطة بين الجنرالين اللذين يقودان السودان منذ انقلاب 2021.
وليست الرصاصات وحدها التي يمكن وصفها بأنها طائشة، بل سقطت قذائف بعيداً عن أهدافها المحتملة في هذه المعركة الحامية بين حليفي الأمس قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وزعيم قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، قبل أن يتصاعد الصراع بينهما ليتحول إلى نزاع مسلح (السبت).
يروي سعد أحمد وهو ما زال تحت صدمة الرعب الذي عاشه مساء (السبت): «سقطت قذيفة على بعد عشرة أمتار من منزلي». ويضيف أن «إطلاق النيران والانفجارات لا تتوقف» حول منزله؛ لأن قواعد الجيش وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية التي تشكلت أثناء الحرب في إقليم دارفور، تقع في قلب الأحياء السكنية.
على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يتوقف بث مقاطع فيديو ملتقطة على عجل من نوافذ الشقق للمدرعات والمسلحين ولمعارك الشوارع. أما سناء أحمد (43 سنة)، فتقول إنها تخشى أن يقع الأسوأ (الأحد) في العاصمة التي تتصاعد منها أعمدة الدخان السوداء. مثل الجميع في شمال الخرطوم، لديها انطباع بأن الوضع بات أكثر توتراً بعد 24 ساعة من الطلقة الأولى التي يتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عنها. وتقول: «منذ الأمس نعيش في رعب. أطفالي مروعون من دوي الانفجارات، وانقطاع المياه والكهرباء يزيد الوضع سوءاً».
مخزون ليومين فقط
يعتقد الخباز فاروق أن الأسوأ لم يأتِ بعد؛ إذ لم يعد من الممكن الانتقال بالسيارة بين الخرطوم وضواحيها، فالجسور والمحاور الرئيسية إما أغلقها الجيش أو يتعذر استخدامها لأنها مسرح للمعارك. و(السبت)، عادت القطارات الآتية من أقاليم أخرى إلى الخرطوم أدراجها قبيل الوصول إلى العاصمة مع تواتر الأنباء عن اندلاع القتال.
من دون وسائل انتقال، ستختفي السلع الغذائية في بلد يعاني من تضخم من ثلاثة أرقام، ومن الفقر، الأمر الذي أدى إلى تقليص قدرة صغار التجار على الشراء والتخزين. ويقول حسن: «مخزون الدقيق لديّ لن يكفي أكثر من 48 ساعة إذا لم تستطع شاحنات نقل المواد الغذائية التحرك».