بعد اللاذقية.. علويون يحتجون في طرطوس ويطالبون النظام بجثث قتلاهم

احتجاجات حاضنة النظام تنبه إلى خطر يقوضها من الداخل

مظاهرات طرطوس أمس احتجاجا على تجاهل النظام لمصير أبنائهم وانتشرت صورها على وسائل التواصل الاجتماعي
مظاهرات طرطوس أمس احتجاجا على تجاهل النظام لمصير أبنائهم وانتشرت صورها على وسائل التواصل الاجتماعي
TT

بعد اللاذقية.. علويون يحتجون في طرطوس ويطالبون النظام بجثث قتلاهم

مظاهرات طرطوس أمس احتجاجا على تجاهل النظام لمصير أبنائهم وانتشرت صورها على وسائل التواصل الاجتماعي
مظاهرات طرطوس أمس احتجاجا على تجاهل النظام لمصير أبنائهم وانتشرت صورها على وسائل التواصل الاجتماعي

لم يوقف إعلان النظام السوري عن قيام «الجهات المختصة بإلقاء القبض على ابن عم الرئيس سليمان هلال الأسد وتسليمه للجهات المعنية»، وفق تعبير التلفزيون السوري الرسمي، اعتصام أبناء الطائفة العلوية في اللاذقية، كما لم يمنع امتداد رقعة الاحتجاج على النظام داخل الطائفة العلوية التي ينتمي لها آل الأسد، فامتدت إلى المدينة المجاورة لها طرطوس.
فبعد ساعات من بث التلفزيون الرسمي، أول من أمس، لنبأ اعتقال سليمان الأسد الذي قتل ضابطا علويا في القوى الجوية بسبب خلاف مروري، خرج عدد من أبناء الطائفة العلوية في مدينة طرطوس الساحلية للمطالبة بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري بريف حلب، وإخراج أقاربهم العسكريين الموجودين داخله بعد هجوم عنيف قام به تنظيم داعش على المطار. وجاء هذا التحرك بعد تحرك مماثل جرى في مدينة اللاذقية على الساحل للمطالبة بمحاكمة ابن عم الأسد (سليمان الأسد) بعد قتله ضابطا علويا أمام أولاده لرفضه إفساح الطريق لسيارة الأسد. وأثارت هذه الحادثة ردود فعل وصخبا كبيرا في أوساط السوريين، حيث اعتبره بعض المعارضين بداية ثورة علوية على النظام، فيما رآها الغالبية من المعارضين «خلافا بين اللصوص والمجرمين»، إذا لم يسبق لهؤلاء أن خرجوا في مظاهرات للاحتجاج على تدمير النظام مدن بأكملها، وأنه لو لم يكن القتيل من الطائفة العلوية ومن ضابط الجيش، لما أثارت قضيته كل هذا الاحتجاج داخل الطائفة، رغم إسقاط والدة القتيل حقها في هذه القضية.
يشار إلى أن النظام دأب على عدم الاهتمام بجثث قتلاه لا سيما المجندين الإجباريين، متجنبا عناء سحبها من أرض المعركة فتترك نهبا للكلاب الضالة. كما لا يقطع الشك اليقين حول مصير المفقودين، فيبقى لدى ذويهم الأمل ببقاء أبنائهم أحياء فارين أو أسرى لدى الفصائل المعارضة، حيث تعتبر قضية المختطفين من قوات النظام والميليشيات التابعة لها، إحدى أهم وأعقد القضايا التي تواجه النظام في علاقته مع بيئته الحاضنة، التي يحاول التغلب عليها عبر مساعي وزارة المصالحة الوطنية ولجنة المصالحة في مجلس الشعب للإفراج عنهم مقابل الإفراج عن معتقلين في أقبية النظام.
كما يسعى النظام لبذل تعويضات ترضية لذوي المقاتلين والشهداء، سواء بمنح امتيازات للعاملين في الدولة، وللطلبة، أو بمنح مادية ضئيلة، أو بإطلاق يد شبانهم المتطوعين في استباحة المناطق المتمردة في حال اجتياحها من قبل قوات النظام، أو غض النظر عنهم والسماح لهم بالخروج عن القوانين لتحصيل المال من التهريب وتجارة المخدرات والتشليح والخطف.. إلخ. إلا أن «هذه السياسة التي اتبعها النظام لضمان ولاء أبناء طائفته، شكلت بيئة خصبة لولادة عصابات قتل وسلب وخطف باتت تشكل خطرا على كيان الطائفة العلوية خاصة وحاضنته الشعبية عامة»، بحسب رأي معارض سوري تحفظ عن الكشف عن اسمه واعتبر حادثة سليمان هلال الأسد إحدى مؤشرات هذا الخطر، وأنه هو الذي «دفع الطائفة للاحتجاج لتنبيه النظام إلى هذا الخطر الذي سيأكل الطائفة من الداخل ويقوض النظام، في محاولة لتدارك الخطر قبل فوات الأوان».
من جانب آخر، وبالتزامن مع حالة الاحتجاجات حاول إعلام النظام تسليط الضوء على مبادرات أهلية موجهة للجرحى وذوي قتلى النظام، في محاولة لاحتواء مشهد التململ داخل حاضنته الشعبية. وبثت وكالة «سانا» تقريرا يوم أمس عن مبادرة قدمها الشاب سامي ملحم بعنوان «جراحكم تشرفنا» تدعو إلى «إقامة رابطة تجمع جرحى الجيش العربي السوري في طرطوس ممن تعرضوا لإصابات بالغة تسببت بحالات إنسانية واجتماعية ومادية وصحية صعبة»، وذلك بهدف «تقديم الدعم النفسي والمعنوي لهذه الشريحة وتشجيعهم على العودة لمتابعة حياتهم الطبيعية». وقالت «سانا» إن المشروع انطلق قبل أشهر قليلة تحت مسمى «نادي جرحى الجيش العربي السوري» وبدأ أولى «خطواته عبر مجموعة من الفعاليات والرحلات الترفيهية، بالإضافة إلى سلسلة من الزيارات للجرحى في مناطق مختلفة من طرطوس قام بها عدد من أعضاء النادي الجرحى وبعض الشباب المتطوعين من أبناء المحافظة». وأشارت «سانا» إلى أن سامي ملحم المؤسس، تعرض لإصابة خطيرة في النخاع الشوكي أثناء المعارك، ورقد في الفراش مدة سنة ونصف السنة شعر خلالها باليأس التام، لكنه خرج من هذه التجربة بفكرة إقامة رابطة للجرحى.
ويظهر تقرير وكالة الأنباء الرسمية (سانا) بشكل غير مباشر إهمال النظام للجرحى والمصابين والمتضررين من قواته، والحالة البائسة التي وصلوا إليها في ظل تردي أوضاعهم المادية مما يرفع منسوب الاحتقان داخل حاضنة النظام التي لم يعد أمامها خيارات سوى التمسك ببقاء النظام بأي ثمن.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.