الكويت... أزمة تلد أخرى

المشهد السياسي بعد حكم المحكمة الدستورية وتصاعد الخلاف بين «الرئيسين»

البرلمان الكويتي (كونا)
البرلمان الكويتي (كونا)
TT

الكويت... أزمة تلد أخرى

البرلمان الكويتي (كونا)
البرلمان الكويتي (كونا)

لا يوجد عنوان للأزمات السياسية المتكررة في الكويت أكثر شيوعاً لدى الكتّاب والمحللين السياسيين هناك مِن «أزمة تَلِدُ أخرى»؛ فمنذ أكثر من عقد من الزمان والحياة السياسية تخرج من رحم أزمة لتسقط في أزمات متجددة... ليست المرة الأولى التي تبطل المحكمة الدستورية في الكويت مجلساً منتخباً وتعيد مجلساً تم حله بمرسوم، بسبب شوائب دستورية؛ فقد سبق أن أصدرت المحكمة، في عام 2012، حكماً مشابهاً بإبطال الانتخابات، وبالتالي «مجلس الأمة» المنتخَب، الذي كانت تهيمن عليه المعارضة، وعودة المجلس السابق. فقد حكمت المحكمة الدستورية في 20 يونيو (حزيران) 2012 ببطلان حل مجلس الأمة (2009) وإجراءات الدعوة لانتخابات «مجلس 2012». وبذلك قضت بعودة «مجلس 2009» والنواب الممثلين فيه للانعقاد وفق الأطر الدستورية. لكن قرار المحكمة الدستورية في 19 مارس (آذار) الماضي ببطلان انتخابات مجلس الأمة الكويتي (2022)، وعودة رئيس وكامل أعضاء مجلس الأمة السابق (مجلس 2020)، برئاسة مرزوق الغانم، مثَّل صدمة مدوية؛ فالمجلس المبطل جاء على إيقاع انتخابات حشدت لها الدولة كل طاقاتها لتمثل المشروع السياسي للعهد الجديد الذي ترافق مع وصول رئيس وزراء جديد، وتم تحييد أجهزة الدولة عن التدخل في تلك الانتخابات والتعهُّد بكف يد الحكومة عن التأثير في الانتخابات البرلمانية أو في اختيار رئيس «مجلس الأمة»، مع جهود كبيرة لمكافحة توظيف المال السياسي، ومنع الانتخابات الفرعية التي تضر بالعملية الانتخابية، وكذلك منع نقل الأصوات بين الدوائر.
كانت هناك إرادة في الكويت للخروج من النفق السياسي المعتم، خصوصاً أن البلاد شهدت مشادات سياسية جمدت الإصلاحات الاقتصادية وأضرت بالعملية السياسية برمتها. وعلى وقع تلك الأزمة أعلن ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، يوم 22 يونيو (حزيران) 2022، حل البرلمان، وأطلق على الفترة المقبلة «تصحيح المسار»، وأشار إلى أن المشهد السياسي «تمزقه الاختلافات، وتدمره الصراعات، وتسيره المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن وتقدمه وازدهاره»، ملقياً باللوم على السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا الوضع.
ويوم 24 يوليو (تموز) 2022، أصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، أمراً أميرياً بتعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيساً جديداً للوزراء ليحل محل رئيس وزراء الحكومة المستقيلة الشيخ صباح الخالد، الذي واجه خلافات مستحكمة مع المعارضة في البرلمان أدت لتقديم استقالته 4 مرات، منذ تشكيله أول حكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، مطلع أغسطس (آب) 2022، وعقدها اجتماعها الأول، رفعت مرسوم حل «مجلس الأمة»، في الثاني من أغسطس 2022، بعد ساعات من أداء الحكومة الجديدة القسم الدستوري؛ ما أوقعها في معضلة دستورية، وهي انتفاء سبب حل المجلس (عدم التعاون) لكون رئيس الحكومة للتو قد تم تكليفه تشكيل الحكومة. وبحسب رأي رئيس المجلس مرزوق الغانم، في 5 أبريل (نيسان) الحالي، فإن «مَن يفقه أبجديات التشريع والدستور والقوانين يعلم تماماً أن الخلاف وعدم التعاون بين (مجلس الأمة) والحكومة ينتهي أمره ويزول أثره بمجرد تكليف رئيس وزراء جديد».
لكن قبل صدور حكم المحكمة الدستورية لم تكن العلاقة بين الحكومة التي يرأسها أحمد النواف، ومجلس الأمة الذي يقوده البرلماني المخضرم أحمد السعدون، في أحسن حالاتها؛ إذ شابها التوتر وتعطيل الجلسات، وقاطعت الحكومة حضور البرلمان. وفي 23 يناير (كانون الثاني) الماضي قدم رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح استقالة حكومته إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، على أثر خلاف مع مجلس الأمة (البرلمان) بشأن الاتفاق على حزمة معونات مالية يرغب النواب في دفع الحكومة لإقرارها، مقابل التنازل عن مطلب شراء القروض. جاءت هذه الاستقالة بعد إصرار الحكومة على موقفها بشأن إعادة تقارير اللجنة المالية إلى اللجان من دون تعهدات، إضافة إلى طلبها سحب استجوابين إلى وزير المالية عبد الوهاب الرشيد، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء براك الشيتان.

د. خديجة جعفر

صورة المشهد السياسي
في البدء يرسم لنا الدكتور عايد المناع، الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، صورة المشهد السياسي الراهن، خصوصاً بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، قائلاً: «المشهد السياسي في الكويت بعد حكم المحكمة الدستورية مختلفٌ عما قبله. هذا الحكم قلب الأوضاع رأساً على عقب؛ فربما لم يتوقع كثيرون أن تحكم المحكمة الدستورية ببطلان (مجلس 2022)، وعودة (مجلس 2020)، ولكن ما حصل أن المحكمة الدستورية أصدرت هذا الحكم، في 19 مارس (آذار) الماضي. ولذلك أصبح الوضع مختلفاً؛ فقد عاد (مجلس 2022) الذي يرأسه مرزوق الغانم لممارسة أعماله، ولكن من الواضح تماماً أن رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، لا يريد أن يتجه بحكومته إلى مجلس الأمة لتؤدي اليمين الدستورية، وليصبح الوزراء، ورئيس الوزراء، أعضاء في مجلس الأمة (بحكم وظائفهم)، ولتبدأ مسيرة التشريع والرقابة ما بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء أو الحكومة».
ويضيف مناع: «هذا الوضع أدى إلى أن يفقد رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، صبره، ويتكلم بكلام قاسٍ جداً على رئيس الوزراء (في 5 أبريل الحالي) وصفه خلاله بأنه (يمثل خطراً على البلاد وعلى الوضع العام). وبالتأكيد رغم عدم رد رئيس مجلس الوزراء بشكل مباشر، فإنه من الواضح وجود حالة من الجفاء الشديد بين الرئيسين. وبالتالي، نحن الآن بالفعل ندور في الأزمة؛ فقد كانت الأزمة (في السابق) ما بين بعض الأعضاء في مجلس الأمة ورئيس المجلس (مرزوق الغانم)، الأمر الذي انعكس على العلاقة مع رئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد الصباح وحكومته، وأدى إلى رحيل رئيس الوزراء السابق صباح الخالد. أما الآن، فأصبحت الأزمة بين رئيس مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء. وهذه المعضلة تتطلب حلاً من القيادة العليا عبر تحكيم الدستور بالشكل الذي يراه أهل الاختصاص الدستوري، خصوصاً فيما إذا كان رئيس مجلس الوزراء والحكومة مُلزمين بأداء اليمين الدستورية وممارسة عملهم (أمام المجلس)، وبعد ذلك إذا حصلت أزمة ما بين الطرفين يتدخل المرجع الأعلى للسلطات، الأمير وولي العهد (ممثلاً للأمير) بقبول استقالة الحكومة وحل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة».
> ماذا إذاً يمكن أن يحمل الخطاب من أفكار؟
يجيب مناع: «حتى الآن ليس لدينا ما يشير إلى إمكانية استخدام أداة غير مرسوم الحل، وفقاً للمادة 107 من الدستور، لأن صلاحيات الأمير بالأوامر الأميرية محددة بتسمية ولي العهد وتسمية رئيس الوزراء بعد موافقة مجلس الأمة وتعيين نائب عن الأمير في حال غيابه أو كان ولي العهد غير موجود أو لا يستطيع العمل أو لأي سبب آخر».

د. عايد المنّاع

جوهر الأزمة عدم الإيمان بالنهج الديمقراطي
من جانب آخر، تقول الدكتورة خديجة جعفر، الأمين العام لتجمع «ولاء» الوطني لـ«الشرق الأوسط» في تحليلها للوضع الراهن في الكويت: «المشهد السياسي في الكويت استمرار لوضع نعيشه منذ أكثر من 15 سنة؛ فهذا ليس أول مجلس تبطله المحكمة الدستورية، وفي النهاية نحن في دولة مؤسسات، ما يتطلب احترام أحكام القضاء، واللجوء إلى الإجراءات الدستورية لحل الإشكاليات الواردة. أما التشكيلة الحكومية، فهي استمرار لذات المنهجية السالفة».
ثم تضيف جعفر، حيال تفاصيل هذا المشهد والعلاقة المتوترة بين رئيسي السلطتين: «العلاقة بين الرئيسين شابها عدم الانسجام والتوتر منذ قدوم الشيخ أحمد النواف الصباح لرئاسة الحكومة؛ فهو، منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء، رفض التعاون مع رئيس البرلمان مرزوق الغانم. وكما هو معلوم للجميع، باشر رئيس الحكومة عمله برفع مرسوم حل البرلمان الذي كان يترأسه السيد مرزوق الغانم، وكان قراره هذا مبنياً على التزامه بتنفيذ توجهات القيادة السياسية والإرادة الشعبية التي خاضت حراكاً لرحيل رئيس البرلمان ورئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد. إلا أن حكومة الشيخ أحمد النواف ومستشاريها وقعوا بأخطاء إجرائية أبطلت حلَّه للبرلمان، وهذا ما نص عليه حكم المحكمة الدستورية».
رداً على السؤال: هل نحن مقبلون على تبريد الأزمة أم تصعيدها وصولاً لحل المجلس والعودة للشعب مرة أخرى؟
تقول الأمين العام لتجمع «ولاء» إن «أي إجراء سيُتخذ من دون إصلاحات سياسية حقيقية، هو حتماً عملية تبريد للوضع الراهن وتأجيل للمشكلة، ولن تأتي بجديد... والعودة للانتخابات بالنظام الانتخابي ذاته والآلية نفسها ليست إلا محاولة لتصحيح الوضع بذات الأسلوب الذي خلق المشكلة. وهذا يدخل في خانة هدر الوقت واستمرار لحالة اللااستقرار وتعطيل لأي محاولة جادة للإصلاح». وتتابع: «بشكل محدد، فإن استمرار المشهد السياسي بالمنهجية ذاتها لا يستفيد منه إلا الحكومة وحلفاؤها الذين يسعون لتعزيز نفوذهم واستمرار سيطرتهم على مقدَّرات الدولة».
وهنا تُعيد خديجة جعفر جوهر الأزمة إلى ما تسميه «عدم إيمان بعض الأقطاب المؤثرين في القرار السياسي بالنهج الديمقراطي وبمشاركة الشعب في القرار، ورغبة الحكومة الدائمة بالانفراد بمقدرات الدولة والسيطرة على القرارات السياسية والإدارية والمالية».
ولا تستثني النظام الانتخابي؛ فهي ترى أن «النظام الانتخابي غير العادل لجهات تقسيم الدوائر وتوزيع الشريحة الانتخابية وآلية التصويت لا يعكس الواقع الحقيقي للإرادة الشعبية؛ فالحكومة تدير العملية الانتخابية من خلال وزارتي العدل والداخلية».
ثم تضيف جوهر عناصر أخرى للب المشكلة السياسية المتجددة في الكويت، وهي أن «آلية التشكيل الحكومي قائمة على الولاءات لا الكفاءات... ودستورنا ليس مطَبّقاً بشكل حقيقي، وآلية عمل مؤسساتنا بالمنهجية السابقة لم تعد مناسبة. إننا نحتاج إلى مراجعة وتقييم لتجربتنا الديمقراطية لتحقيق مزيد من الحريات وتطوير منظومتنا السياسية لكي يستطيع الشعب التعبير عن إرادته بشكل حقيقي».

التنافس على المناصب
في لقاء مع {الشرق الأوسط}، تحدث ناصر العبدلي، رئيس مركز دراسات التنمية فتطرّق إلى الأزمة المستجدة في البلاد، بعد حكم المحكمة الدستورية غير المسبوق، وقال إن هذا الحكم «أدى إلى إرباك الساحة السياسية، وأعاد كل الفرقاء إلى المربع الأول، الأمر الذي أدى إلى توتير الأجواء السياسية مرة أخرى بين رئيس الوزراء من جهة ورئيس البرلمان العائد بحكم المحكمة الدستورية مرزوق الغانم من جهة أخرى».
غير أن العبدلي يرى أن المشكلة «تكمن في مكان آخر؛ فالخلافات بين السلطتين طبيعية ومتوقعة دائماً بحكم التعدد في مجلس الأمة وفي مجلس الوزراء، لكن المشكلة اليوم تكمن في وجود ازدواجية عند اتخاذ القرارات الخاصة بعمل السلطتين، وهي تحدث للمرة الثانية في تاريخ البلاد». ويستطرد موضحاً: «طبيعة النظام السياسي في البلاد أدى إلى وجود تنافس وصراع بين أفراد الأسرة الحاكمة للحصول على مراكز متقدمة في المناصب الرئيسية، وقد درجت الساحة السياسية على هذا الأمر. كل هذا والأمور عادية جداً، وغالباً ما يكون التنافس بين أبناء الأسرة ينحصر في شخصين أو ثلاثة على الأغلب، ولكن هذه المرة هناك إحساس باتساع دائرة التنافس ما أدى إلى ضراوة وشراسة في هذا التنافس. وقد أدخلت وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً (تويتر)، أجواءً جديدة على هذا التنافس؛ ما دفع بقطاعات شعبية في المساهمة في هذه الخلافات الداخلية. وهذا أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وثمة تخوف فعلي من أن يؤدي الزج بالقطاعات الشعبية في أتون هذا التنافس أو الصراع إلى تمزيق البلد»
لكن ما آفاق هذه الأزمة؟ يجيب العبدلي: «أعتقد أن الأزمة الحالية ستتصاعد أكثر، وستكون هناك معركة كسر عظم بين كل الأطراف المتنافسة والمتصارعة والقوى المحسوبة على كل طرف... والمخيف أن الضحية يمكن أن تكون البلد فيما لو انجرت الأمور إلى مسارات أخطر مما هي عليه الآن.
وبالتأكيد، سيكون لهذه المعركة ضحايا كثر لأن المعركة الوحيدة المذكورة في التاريخ ولم يكن لها ضحايا هي (معركة الطواحين). أما المعركة الدائرة الآن في البلاد فهي خطيرة جداً وضحاياها ستكون مؤسسات وأشخاص. إن جوهر الأزمة هو التنافس على المناصب الرئيسية في البلاد. وللأسف، لم يكن التنافس لخدمة المواطن أو الوطن... بل أصبح هذا التنافس خنادق ربطت معها القواعد الشعبية وشارك فيها الجميع. وهذا الواقع يدعونا جميعاً إلى وضع إطار سياسي جديد يمكن من خلاله إعادة ترسيم حدود التنافس للحصول على أي مكاسب سياسية سواء من جانب أبناء الأسرة الحاكمة أو حتى من التيارات السياسية أو الشخوص المستقلة».


مقالات ذات صلة

السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

الخليج السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

أعلنت وزارة الداخلية الكويتية، الخميس، فتح باب الترشح لانتخاب أعضاء «مجلس الأمة»، اعتباراً من اليوم الجمعة، وحتى نهاية الدوام الرسمي ليوم الرابع عشر من شهر مايو (أيار) الحالي. وأوضحت الوزارة أنه جرى اعتماد 5 مدارس لتكون لجاناً رئيسية في الدوائر الانتخابية الخمس، لإعلان النتائج النهائية للانتخابات. كان مجلس الوزراء قد قرر، في مستهل اجتماعه الاستثنائي، أول من أمس الأربعاء، الموافقة على مشروع مرسوم بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء «مجلس الأمة»، يوم الثلاثاء، الموافق 6 يونيو (حزيران) 2023 المقبل. ونقلت «وكالة الأنباء الكويتية» عن المدير العام للشؤون القانونية في وزارة الداخلية، العميد صلاح الشطي، قوله

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج الكويت: انتخابات «أمة 2023» في 6 يونيو

الكويت: انتخابات «أمة 2023» في 6 يونيو

حددت الحكومة الكويتية يوم 6 يونيو (حزيران) المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية، بعد حلّ مجلس الأمة حلاً دستورياً.

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج الكويت تحدد 6 يونيو موعداً للانتخابات التشريعية

الكويت تحدد 6 يونيو موعداً للانتخابات التشريعية

وافق مجلس الوزراء الكويتي، في اجتماعه الاستثنائي الذي عُقد، اليوم الأربعاء، في قصر بيان، على مشروع مرسوم بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، يوم الثلاثاء 6 يونيو (حزيران) المقبل 2023، ورفعه إلى ولي العهد. وجرى حل مجلس الأمة «البرلمان» المنتخَب في 2020، الذي أعادته المحكمة الدستورية في مارس (آذار)، بمرسوم أميري، يوم الاثنين، والعودة للشعب؛ لاختيار ممثليه من جديد. وقالت «الوكالة الرسمية الكويتية»، اليوم، إن مجلس الوزراء قرَّر تعطيل العمل في جميع الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات العامة، يوم الاقتراع، واعتباره يوم راحة. كان ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، قد أعلن، في كلمة ألقاها نيابة عن الأم

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج حلّ «الأمة» الكويتي بمرسوم... وبدء السباق الانتخابي

حلّ «الأمة» الكويتي بمرسوم... وبدء السباق الانتخابي

صدر في الكويت، أمس (الاثنين)، مرسوم أميري بحل مجلس الأمة، بعد أن وافق مجلس الوزراء على مشروع المرسوم، ورفعه إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح في وقت سابق من يوم أمس. وصدر المرسوم باسم ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي يتولى بعض صلاحيات الأمير.

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج «الوزراء الكويتي» يرفع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد

«الوزراء الكويتي» يرفع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد

رفع مجلس الوزراء الكويتي مشروع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد، بعد موافقته عليه خلال اجتماعه الأسبوعي، اليوم (الاثنين)، برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، رئيس المجلس، وذلك بناءً على عرض الرئيس، واستناداً إلى نص المادة 107 من الدستور. كان ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد، قد أعلن الشهر الماضي، حل مجلس الأمة 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية حلاً دستورياً استناداً للمادة 107، والدعوة لانتخابات عامة في الأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».