«مدينة عظيمة ومتسخة»... معرض لندني عن الضباب في روايات ديكنز

يتناول فشل العاصمة البريطانية في معالجة أزمة التلوث خلال الـ 200 سنة الماضية

من المعرض (الشرق الأوسط)
من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«مدينة عظيمة ومتسخة»... معرض لندني عن الضباب في روايات ديكنز

من المعرض (الشرق الأوسط)
من المعرض (الشرق الأوسط)

«مدينة عظيمة ومتسخة: ديكنز وضباب لندن». تحت هذا العنوان، يُنظّم حالياً معرض في متحف الروائي الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز في العاصمة البريطانية يتناول موضوع الضباب الملوث، الذي ألهم كثيراً من رواياته، لكنه ساهم في مضاعفة داء الربو الذي كان يعاني منه الكاتب الراحل.
قراء روايات تشارلز ديكنز، يعرفون جيداً أن الضباب يمثّل ركناً أساسياً في قصصه، إذ غالباً ما يُصوّره وكأنه يغطي لندن ويمر عبر شوارعها وأزقتها... قبل أن ينتهي به المطاف، بالطبع، في صدور مواطنيها.
يظهر الضباب في الروايات الأربع التي كتبها ديكنز في منزله بـ«دوتي ستريت» في ضاحية هولبورن اللندنية، وهي «نيكولاس نيكلبي»، و«أوليفر تويست»، و«مذكرات بيكويك»، و«بارنابي ريدج». ولعل أكثر رواياته «ضبابية» هي «بليك هاوس» (المنزل الكئيب)، التي يبدأها بالحديث عن «الدخان النازل من فوهات المداخن». كما يظهر الضباب بقوة في رواية «كريسماس كارول» (ترنيمة عيد الميلاد)، حيث يدخل مكتب «سكروج»، الشخصية الشهيرة في الرواية، من خلال «كل ثغرة ومن ثقب مفتاح الباب». ويظهر الضباب أيضاً في رواية «ديفيد كوبرفيلد» الذي يقول إنه «من نافذة غرفتي رأيت كل لندن البعيدة كأنها بخار عظيم يظهر من تحته، هنا وهناك، بعض الضوء». ولا يغيب الضباب عن روايات «دومبي وابنه»، و«لغز إدوين دروود»، و«غريت إكسبكتيشنز» (آمال عظيمة)، و«مارتن تشيزلويت»، و«أولد كيوريوسيتي شوب» (متجر الفضول القديم)، و«أوار ميوتشوال فريند» (صديقنا المشترك). في الرواية الأخيرة يتحدث ديكنز عن «وميض، وأزيز واختناق» بسبب الضباب.

من معرض «مدينة عظيمة ومتسخة: ديكنز وضباب لندن»    -   يظهر الضباب بقوة في روايته الشهيرة «كريسماس كارول»   -   مدخل متحف تشارلز ديكنز (الشرق الأوسط)

كان الضباب الملوث الذي يغطي لندن، جزءاً أساسياً من حياة سكان العاصمة البريطانية عندما انتقل ديكنز للعيش في شارع «دوتي ستريت» (بين العام 1856 وحتى موته عام 1870). وكان عدد سكان لندن آنذاك يشهد ارتفاعاً صاروخياً، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في ضبابها الملوث نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد البيوت التي تستخدم الفحم للتدفئة، وهو أمر فاقمته المصانع التي تحرق الفحم الحجري في قلب مدينة مكتظة بالسكان.
ويتناول المعرض الذي يستضيفه «متحف تشارلز ديكنز»، والذي يستمر حتى 22 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، كيف ظهر الضباب الملوث في روايات ديكنز، وكيف أثّر في صحته وصحة أفراد عائلته، وكيف حاولت لندن، وفشلت، في معالجة أزمة التلوث خلال الـ200 سنة الماضية.
يقول الدكتور نيكولاس كيمبريدج، مؤلف كتاب «المنزل الكئيب (بليك هاوس): التاريخ الطبي لتشارلز ديكنز وعائلته»: «هناك الكثير من الأدلة على أنه وأفراداً من عائلته عانوا من الربو. سواء كان ذلك كلياً بسبب التلوث البيئي أو أنه تضاعف نتيجة أسلوب حياة الكاتب، خصوصاً حبه للسيجار، فإن هذا موضوع للنقاش. ولكن هناك العديد من الأمثلة على أن ديكنز اشتكى من آلام في الصدر. في رسائله هناك وصفٌ للهاث والسعال من الصباح وحتى الليل. كما أنه شكا من سعال عميق ومتواصل بعد إصابته بنزلة برد».
أما فرانكي كوبيكي، أمينة «متحف تشارلز ديكنز»، فتقول: «كان الروائي محاطاً بالضباب كل حياته. لقد أثّر فيه - وفي شخصياته - وأصبح مصدر إلهام، حيث إن حضوره يلوح في الأفق في كتبه. ولكن لم يكن يُنظر إلى الضباب والدخان دائماً بوصفهما شيئاً سلبياً. ففي حين أن الضباب والتلوث استخدمهما ديكنز غالباً لإظهار قوة حاقدة أو مؤذية أو شخصية غامضة، فإن منظر نيران مدافئ الفحم في لندن وإنارات الشوارع المتلألئة يمكن أن يعطي شعوراً بالحميمية».
ويضيف: «على الرغم من أنه يمثل مصدر رعب للشّعب الهوائية (الرئة)، فإن الضباب كان غالباً ما يعطي مواطني لندن شعوراً بالفخر وبالحنين إلى الماضي (النوستالجيا). معرض اليوم يُظهر كيف أن المشاجرات السياسية اليوم في خصوص تلوث لندن ليست بالأمر الجديد، وكيف أن المصالح المتضاربة وضعت عقبات أمام تنظيف المدينة».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
TT

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)
المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)

هل هناك لصوص أبطال؟ سؤال عميق يطرحه المسلسل السعودي «طراد»، المقتبس عن قصة الأسطورة الإنجليزية «روبن هود»، الذي أخذ على عاتقه سرقة أموال الأغنياء وتقديمها إلى الفقراء، وعلى هذا النمط نفسه تدور أحداث «طراد»، الذي يتفق فيه 3 أصدقاء على تشكيل عصابة تعمل على سرقة الأشرار وإنصاف المتضررين منهم.

يصف الممثل السعودي حكيم جمعة تجربته الأولى هذه في إخراج المسلسلات لـ«الشرق الأوسط» بأنها صعبة نوعاً ما، مضيفاً: «كانت أشبه بمعسكر للإخراج، ضمت الكثير من التحديات اللوجيستية والفنية، ومن بينها أني ولأول مرة أصوّر في مدينة الرياض، وبشكل خاص في حي العود، الذي تدور فيه الكثير من أحداث المسلسل».

الممثلة فاطمة الشريف في مشهد من العمل (إنستغرام)

تساؤلات عميقة

قصة العمل قد تثير الكثير من الجدل بين المشاهدين، وهذا ما يعتقد حكيم أنه من الضروريات التي يجب أن يشارك الفن في إثارتها، وذلك من خلال مناقشة الجمهور في الاحتمالات والدوافع لكل فعل، وهل كانت مبررة أم لا، وأضاف: «حاولت أن أستطلع رأي الممثلين الشباب في ذلك، وقد تباينت الآراء فيما بينهم حيال ذلك، فلكل منهم رؤيته الخاصة تجاه الشخصيات والأحداث، وهو ما أتمنى أن يشد الجمهور تجاه العمل».

ويتابع حكيم: «جميعنا مررنا بمواقف صعبة، وحينها ربما تسوّل أنفس البعض منا لفعل ما يخالف قناعاتنا، ولكن حين نفكر بأثر ذلك على المدى البعيد، نتساءل: هل سيعيش الشخص مرتاح الضمير في حال ارتكابه لتلك الأفعال أم لا؟».

أبطال المسلسل الذي يضم عدداً كبيراً من الوجوه السعودية الشابة (إنستغرام)

ويضم مسلسل «طراد» الذي سيتم بدء عرضه على منصة «شاهد» يوم الجمعة المقبل الكثير من الممثلين السعوديين الذين ما زالوا في بداياتهم، مثل: نايف البحر، وعبد الله متعب، وهاشم هوساوي، وسعيد صالح، وسعيد القحطاني، وليلى مالك، وعبد الرحمن نافع، وسارة الحربي وآخرين، وهم ممثلون يراهن حكيم جمعة عليهم، مبيناً أنه اجتمع معهم في نهاية التصوير، وأكد لهم ضرورة أن يستفيدوا من هذه التجربة وكل تجاربهم المقبلة، لتكون زاداً لهم في التعلّم والتقدم.

يصف جمعة تجربته الإخراجية في المسلسل بأنها أشبه بالمعسكر (الشرق الأوسط)

نضوج الحلم

حكيم الذي خاض في عدة أعمال سابقة تجربة الإخراج السينمائي إلى جانب التمثيل، تحدث عن نفسه، قائلاً: «في بداية مسيرتي كنت أتمنى أن أكون جزءاً من الحراك الفني السعودي، أما الآن حلمي صار أكبر، حيث أتطلع لأن أكون أحد الوجوه المعروفة في هذا المجال، وأقرب مثال على ذلك حين جاء الممثل الأميركي العالمي ويل سميث إلى الرياض للمشاركة في منتدى الأفلام السعودي (أكتوبر «تشرين الأول» الماضي)، حرصت حينها أن يظهر حواري معه بالشكل المناسب، فأنا لا أرغب في أن أكون ممثلاً فقط، بل أرغب بأن أكون كذلك أحد المشاركين في هذا الحراك الكبير، وأعتبر ذلك مسؤولية كل الفنانين السعوديين».

وفي ختام حديثه، أشاد حكيم بالمشهد السينمائي السعودي، وخص بذلك فيلم «هوبال» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية، قائلاً: «علينا أن نفرّق بين الأفلام السعودية والأفلام التي تعبر عن السعودية، فلقد كنا مهووسين بالنوع الثاني لأننا نحب أن نقدم أفلامنا للجمهور العالمي، بينما (هوبال) يأتي من النوع الأول، فهو فيلم عظيم حقاً!».