مقاتلو الحرب اللبنانية في ذكراها الـ48 بين نادم ومستعد لتكرار التجربة

«السلاح دمّر أحلامنا ولبنان لم يخرج من الحرب»

TT

مقاتلو الحرب اللبنانية في ذكراها الـ48 بين نادم ومستعد لتكرار التجربة

(تقرير إخباري)
في الذكرى الـ48 لاشتعال الحرب الأهلية اللبنانية، تختصر شهادات مقاتلين، قاتلوا على الجبهات، مرارة الحرب، التي يعود ناقوسها ليدق بين فترة وأخرى في لبنان بأشكال ووسائل متعددة.
المقاتلون الذين قاموا بمصارحة ومصالحة ذاتية باتوا اليوم مستعدين لمواجهة أي حرب مقبلة يداً بيد مع جمعية «محاربون من أجل السلام»، بعدما كانوا «أعداء» على الجبهات، لكنهم في الوقت عينه يتخوفون من الواقع اللبناني الهش الذي لم ينتقل من مرحلة الحرب إلى السلم لأسباب عدة، أهمها أن قادة الميليشيات انتقلوا من المتاريس إلى قيادة لبنان.
«كنا نعتبر أن الأحلام ستتحقق بالسلاح، فكانت النتيجة أن السلاح دمّر أحلامنا»، هكذا يختصر نسيم أسعد (الاسم القتالي لأحد المحاربين على جبهات الحرب الأهلية في لبنان)، تجربته في الحرب. انتقل نسيم من المقاومة ضد إسرائيل إلى القتال ضد أبناء وطنه بعدما كان قد حمل السلاح للمرة الأولى وهو في عمر الـ14 عاماً وتحوّل إلى أحد قياديي «الحزب الشيوعي اللبناني» الذي سلّم عام 1990 سلاحه إلى قائد الجيش آنذاك إميل لحود بعد انتهاء الحرب.
كان نسيم يعيش ظروفاً اجتماعية صعبة جعلته يظّن أنه إذا حمل السلاح سيتمكن من تحسين وضعه ووضع عائلته، يقول: «كنت أظن أنه بالسلاح يمكنني تغيير العالم». هو ابن البقاع الذي انتقلت عائلته إلى بيروت في الستينات، لتعيش في أحد أكثر المناطق فقراً على مقربة من «مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين».
ظنّ مع بدء الحرب الأهلية، في العام 1975، أن مشاركته فيها أمر لا بد منه بعيداً عن التفكير بأي نتائج، ويعتبر اليوم أن «وجود السلاح الفلسطيني الذي كان منتشراً في لبنان سرّع الحرب الأهلية، وسهّل على اللبنانيين القتال».
ويضيف: «بعد حصار (مخيم تل الزعتر) خرجت في العام 1976 لأصبح قائد محور وتسلّمت مسؤوليات قيادية عدة في مناطق لبنانية مختلفة من الجبل إلى البقاع والجنوب». لكن هذه المسؤوليات التي كانت في لحظة معينة فخراً بالنسبة إلى نسيم لا يتحدث عنها اليوم باعتزاز، وفق تأكيده. ويقول: «كنا نعتبر أن الأحلام ستتحقق بالسلاح فكانت النتيجة أن السلاح دمّر أحلامنا».
هذه الدروس التي تعلمها نسيم من تجربته في الحرب اللبنانية، تجعله غير مطمئن من الواقع الذي يعيشه لبنان اليوم، ويقول: «لبنان لم يخرج من الحرب، لأنه لم تحصل محاسبة ولا مصالحة حقيقية»، مضيفاً: «عندما سلمت السلاح إلى قائد الجيش عام 1990 كنت أظن أننا سننتقل إلى مرحلة جديدة من السلام، لكن للأسف هذا لم يتحقق».
لكن رغم ذلك، يعبّر نسيم عن أمله بأن التغيير آتٍ، ويتحدث عن تجربتهم مقاتلين في «جمعية محاربون من أجل السلام»؛ حيث تحققت المصالحة الحقيقية بين «المقاتلين الأعداء» الذين يعملون بدورهم على نشر ثقافة السلام بين الشباب في لبنان رغم إمكاناتهم المتواضعة.
تجربة المقاتلة ندوى عبود العسكرية بدأت متأخرة قليلاً مقارنة مع أبناء جيلها، لكنها أيضاً شكّلت درساً بالنسبة إليها، جعلها تنتقل من محاربة من أجل حزب معين، إلى محاربة من أجل الإنسانية، وفق ما تقول.
ندوى التي تبلغ اليوم 58 عاماً، تحاول أن تنقل تجربتها إلى أولادها من دون أن تقف بوجه «الثورة التي يختارونها»: «أعلّم أولادي من تجربتي أن الإنسان يمكن أن يكون حراً ومستقلاً، لكن عليه أن يتمتع ببعد نظر، ويعرف أن يختار بشكل صحيح».
تتحدث ندوى دائماً عن ظروف اجتماعية وعائلية جعلتها تحمل السلاح وهي في الـ17 عاماً للدفاع عن النفس وحماية العائلة. حملت السلاح ونقلت جرحى وقتلى إلى أن قررت في العام 1988 ترك مهامها العسكرية والانتقال للقتال على خط الإنسانية وتأسيس عائلة، تقول: «كل التجارب التي عشتها جعلتني أقوم بمصالحة ومصارحة مع الذات، وأدرك أن الانتماء الإنساني يبقى الأساس... وتجربتي علمتني أن الحروب هي أخطر ما يمكن أن يحصل في هذا العالم».
المصالحة مع الذات هذه جعلتها تلتقي محاربين كانوا يقاتلون على جبهات الأعداء خلال الحرب، بعضهم كان في «حزب القوات اللبنانية» و«الكتائب»، ليعتذر بعضهم لبعض، وتتحول بذلك إلى مصالحة ومصارحة مع الخصوم، في تجربة تصفها بالجريئة، لم تكن لتتحقق لو لم تكن نابعة من وعي وشجاعة، تجعلنا نكمل حياتنا ونقاتل في حرب سلمية.
في المقابل، يقول المقاتل السابق في «القوات اللبنانية» شربل أبي عقل إن «الحرب قاسية وظالمة، ونتمنى ألا تتكرر أبداً، ولا سيما مع الجيل الجديد ومع أولادنا». ويضيف، وهو رئيس جهاز الشهداء والمصابين والأسرى في حزب «القوات اللبنانية»: «لا شك أننا لم نذهب للحرب لأننا نحب الحرب أو الفوضى أو لأننا هواة حرب، إنما لأنها فرضت علينا، لأن وجودنا الحر كان في خطر، واضطررنا للدفاع عن أنفسنا. لكن الحرب المطلقة لا أتمناها ولا يجب أن تتكرر. أما إن فرضت علينا من جديد للأسباب والعناوين نفسها، فسأخوضها من جديد لأننا أصحاب قضية ومشروع، وعندما تتهدد القضية والمشروع نكرر التجربة نفسها».
- أنطوان زهرا... من الخنادق إلى البرلمان
> بعد سنوات من القتال في الحرب الأهلية وتنقله بين مسؤوليات قيادية في حزب «القوات اللبنانية» ومن ثم نائباً عن الحزب في البرلمان اللبناني، يؤكد النائب السابق أنطوان زهرا أنه لا يندم على تجربته ومشاركته في الحرب. ويقول: «رغم فوضى الحرب، أؤكد أنني تصرفت على ما تربيت عليه وخرجت منها مرتاح الضمير، لأنني لم أؤذِ أحداً بشكل مباشر، باستثناء ما يعرف بالقتال الجدي».
وكان زهرا قد انتقل من صفوف الجيش اللبناني حيث كان في الخدمة الإلزامية لمدة عام، إلى القتال مع «حزب الكتائب اللبنانية»، ثم حزب «القوات اللبنانية»، ويتحدث عن هذه المرحلة بالقول: «كنا مضطرين أن ندافع عن أنفسنا وعن حريتنا... في البداية لم تكن لدينا الخبرة، لكن مع الوقت اكتسبناها، واستجبنا للتحديات».
ويؤكد زهرا، بعد سنوات من العمل السياسي على الجبهات السياسية والقتالية، أن الخسارة هي النتيجة الحتمية لأي عمل عنفي، ويقول: «أنا من الأشخاص الذين يسعون ضمن إمكاناتهم كي تبقى المواجهات سياسية، وليست عنفية». لكنه يرى في المقابل أن «الحرب قد تعود لتندلع في لبنان مرة جديدة في أي لحظة لأسباب عدة، أهمها أن هناك قوى تحاول ممارسة القوة على البلد، كما حصل في العام 1975 واضطر اللبنانيون لمواجهة السلاح الفلسطيني»، في إشارة إلى سلاح «حزب الله».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
TT

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)

أفادت الأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، نزحوا في الآونة الأخيرة في سوريا، منذ بدء هجوم الفصائل المسلحة، الذي أدّى إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد.

مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، في بيان: «حتى 12 ديسمبر (كانون الأول)، نزح 1.1 مليون شخص إضافي في مختلف أنحاء البلاد منذ بدء تصعيد الأعمال القتالية في 27 نوفمبر (تشرين الثاني). معظم هؤلاء نساء وأطفال».