كيف أصبحت «العملية العسكرية الخاصة» لبوتين حرباً شعبية؟

كيف أصبحت «العملية العسكرية الخاصة» لبوتين حرباً شعبية؟
TT

كيف أصبحت «العملية العسكرية الخاصة» لبوتين حرباً شعبية؟

كيف أصبحت «العملية العسكرية الخاصة» لبوتين حرباً شعبية؟

رغم استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها على الداخل الروسي، نجح الرئيس فلاديمير بوتين إلى حد كبير في حشد التأييد الداخلي لها حتى الآن. وقال أندريه فلاديميروفيتش كوليسنيكوف، وهو صحافي روسي وخبير في السياسة الروسية، في تقرير نشرته مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي إن هناك مزحة إيطالية قديمة تشرح كثيراً عن طبيعة إخضاع الشعب في المجتمعات الاستبدادية والشمولية، إذ يسأل أحد أبناء بينيتو موسوليني والده عن شكل الحكومة التي أنشأها في البلاد، ليرد موسوليني بغضب: «تناول الطعام واخرس».
ويرى كوليسنيكوف أن هذه الصيغة تصف نموذجاً استبدادياً يكون فيه «الأكل والصمت» كافياً ليبدو الجزء الأكبر من السكان ملتزمين بالقانون. وحتى وقت قريب كان هذا هو النموذج المعمول به في روسيا، ففي مقابل ظروف لائقة نسبيا، التزم الأشخاص العاديون الصمت، وظلوا بعيدا عن شؤون السلطات، وصوتوا تلقائيا لصالح أي مبادرات.
ويضيف أنه في أعقاب التعبئة الجزئية الروسية في العام الماضي، تغير نموذج العقد الاجتماعي. والآن من المتوقع أن يتقاسم الروس المسؤولية مع بوتين، وأن يعبروا عن صوتهم لدعم أفعاله بوتيرة متزايدة. وليس من قبيل المصادفة أن تكون الإدانات هي القاعدة الاجتماعية الجديدة، إلى جانب العنف وتكثيف الحديث عن الضربات النووية. ومع تقدم روسيا إلى نموذج شمولي هجين، يتم تشجيع هذا السلوك بشكل فعال.
وأوضح أنه مع اقتراب «نظام بوتين» من مرحلة النضج الكامل، من المتوقع أن يدفع الروس مستحقاتهم، إما بأجسادهم في ظل التعبئة العسكرية الجزئية، وإما من خلال السلوك الصحيح بما في ذلك الإدانات، وإما بأموالهم، حيث من المتوقع الآن أن تساهم الشركات الكبرى بنسبة 5 في المائة من أرباحها الفائضة لدولة يتعرض دخلها للاستنزاف بينما توسع إنفاقها العسكري.
ويثير هذا كثيراً من الأسئلة، ليس أقلها ما الذي يشكل فائض الربح؟ وأين ينص القانون على أن الشركات يجب أن تتنازل عن 5 في المائة للدولة؟ وهل هذه ضريبة لمرة واحدة أم جزية دائمة للأمن والدفاع؟ لكن المهم هو أن تشرك الدولة طبقات متنوعة للغاية من المجتمع والمجموعات في «عمليتها الخاصة»، التي يبدو أنها ستستمر لسنوات.
ويقول كوليسنيكوف إن الكرملين تمكن من تحويل «العملية الخاصة» إلى «حرب شعبية»، وهي مهمة مشتركة ينبغي أن توحد الأمة. وأي شخص يعارض الكرملين من «خونة الداخل»، على حد تعبير بوتين، يجب محاربته.
وفي السابق، كان النموذج السائد واحدا وهو أن لسان حال الشعب يقول: «نحن» في أسفل الهرم الاجتماعي و«هم» في الأعلى، في إشارة إلى المسؤول عن البلاد الذي يعيش بشكل جيد مع اليخوت والقصور. والآن أصبح البناء الرأسي أفقيا، وتحول إلى «نحن» الروس كلنا معا ونقاتلهم، في إشارة إلى الأوكرانيين وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والغرب الجماعي.
إن ضمير «نحن» الجديد يطور هدفاً جماعياً، تماماً مثل الشيوعية في ظل السوفيات، يتم دفعه إلى الأبد بعيداً، ولكن مع ذلك يمكن رؤيته في الأفق. والهدف هو النصر على الغرب. ولا تزال المعايير المحددة لما سيبدو عليه مثل هذا النصر أو كيف يمكن تحقيقه غير واضحة تماماً، ولكن يمكن قضاء بقية الأبدية في التحرك نحو هذا الأفق.
إن تحرك ضمير «نحن» الجديد هذا نحو هدف متراجع دائماً يبرر بعض أوجه القصور الاجتماعية والاقتصادية. وهذه الحقبة شبه العسكرية تتطلب تفهماً من عامة الأشخاص، وأن يشد الروس العاديون أحزمتهم، لأن استنزاف ميزانية الدولة أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وتعتبر الشعارات حول نجاح استبدال الواردات، التي يبدو حتى الآن أنها تعني الاستغناء عن السلع والتقنيات الغربية وإحلال نظيراتها الصينية محلها، غير كافية. ومع توسع الميزانيات الاتحادية والإقليمية لتغطية مشاركة عدد أكبر من الأشخاص في الحرب، ليس هناك يقين من قدرتهم على تحمل هذا العبء. إنه ليس عبئاً اجتماعياً أو عسكرياً أو مالياً بقدر ما هو عبء نفسي، لأن أعداداً كبيرة من المواطنين تشارك الآن بشكل مباشر في العملية الخاصة.
ويتساءل كوليسنيكوف: ماذا يحدث في عقول وأرواح أولئك الذين شهدوا القتال بشكل مباشر... أولئك الذين أصيبوا بجروح والذين فقدوا آباءهم وإخوانهم وأبناءهم؟ هل ستصبح هذه المجموعات من الأشخاص قوة سياسية؟ هل سيدعمون نظام بوتين أم سيصبحون «طابوراً خامساً» على الجناح المحافظ بدلاً من الجناح الليبرالي؟ لا توجد إجابات عن هذه الأسئلة حتى الآن.
ويقول كوليسنيكوف: «من الغريب أن يكون مجتمع معاصر وحديث وحضري قادراً على التدهور بهذه السرعة الفائقة، خصوصاً من الناحية الأخلاقية والنفسية. وحتى لو افترضنا أن جزءاً كبيراً من هذا المجتمع لا يدعم بوتين والعملية الخاصة، فإن مجرد التصالح مع ذلك وعدم المقاومة والتكيف مع الظروف الخارجية لا يزال يبدو وكأنه دعم بالمعنى العملي». ويضيف أن البلاد أعيدت ليس فقط أربعين عاماً إلى الوراء، إلى وقت كانت فيه الأنماط السلوكية تتألف إلى حد كبير من التكيف مع تراجع النظام السوفياتي، ولكن من سبعين إلى خمسة وسبعين عاماً إلى بداية الحرب الباردة، والنضال ضد «العالميين» وأي «خضوع للغرب»، وإلى وباء من الإدانات وموجات جديدة من القمع.
ويشير إلى أنه ما هو فريد هنا هو أن خصائص الأنظمة الشمولية في القرن العشرين تتكرر في مجتمع كان من الممكن وصفه بسهولة في السنوات المتتالية بأنه منفتح ويعمل على أنه اقتصاد سوق، مع حرية حركة الأشخاص والأفكار والتكنولوجيا ورأس المال.
ويقول كوليسنيكوف إنه في دولة عسكرية بوليسية، يتم قمع خيار «الصوت» المتمثل في محاولة تحسين الأمور من خلال التواصل بسرعة، كما يتضح من الإحصاءات الصادمة بشكل زائد لمحاكمة المعارضين. ومع ذلك، لا يزال هذا الخيار قائماً، إذ يمكن سماع «أصوات» الأشخاص ليس فقط من الخارج، ولكن أيضاً داخل روسيا نفسها. وفي ختام تقريره يقول كوليسنيكوف إن الدولة تغذي هذه الكتلة المطيعة بطقوس الوحدة والتاريخ الوطني للانتصارات المستمرة وآيديولوجية الإمبريالية. وبالتالي، لا يتم التعبير عن الضجر من «العملية العسكرية الخاصة» في الدعوات للسلام والمزيد من الشفافية في روسيا، ولكن إما في دعم أكثر عدوانية وإما أكثر سلبية للسلطات. ويخلص إلى أن حجم هذه القدرة على التكيف هو أن المجتمع الروسي يمنح بوتين تفويضاً مطلقاً لمواصلة حربه على حدود البلاد والممارسات القمعية داخلها.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».