«قصائد مائية» لغونتر غراس

ثماني سنوات على رحيل صاحب نوبل 1999

«قصائد مائية» لغونتر غراس
TT

«قصائد مائية» لغونتر غراس

«قصائد مائية» لغونتر غراس

تمر غداً الذكرى الثامنة لرحيل الروائي والشاعر الألماني الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1999 غونتر غراس، الذي ولد 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1927 في مدينة غدانسك الألمانية، التي تقع اليوم في بولندا. درس الابتدائية وتخرج من الإعدادية في هذه المدينة. تطوع بعمر 17 سنة للخدمة مع الجيش النازي مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. لم يعترف بماضيه النازي، عضواً في فرقة الصاعقة، إلا سنة 2006، قبل هذا الاعتراف كان عضواً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي لفترة قصيرة، وداعماً لحملات هذا الحزب الانتخابية مع فيلي براندت وغيرهارد شرودر.
درس النحت والرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في دسلدورف (1948 - 1952) ثم حتى 1956 في جامعة الفنون التطبيقية ببرلين. أقام عدة معارض للرسم والنحت في برلين وشتوتغارت وغيرهما.
كتب خلال هذه الفترة العديد من القطع النثرية والقصص القصيرة التي قال عنها نفسه إنها تنتمي إلى أدب اللامعقول. انتمى إلى جماعة «47» الأدبية في تلك الفترة ونال جائزتها سنة 1958 بعد أن قرأ في ندوة لها مخطوطته الأولى «الطبل الصفيح».
تزوج غراس ثلاث مرات خلال حياته وأنجب 8 أولاد وبنات من زوجاته الثلاث. وخلال هذه الزيجات المتعددة كتب ثلاثية دانسك التي بدأها بـ«الطبل الصفيح»، ثم أردفها بـ«القط والفأر» (1961) و«سنوات الكلاب» (1963).
عرف غراس بمواقفه السياسية التقدمية، سواء انتقاده لسياسة حكومة هيلموت كول تجاه اللاجئين (عدها بربرية)، أو تظاهره مع «حركة السلام الألمانية»، أو انتقاده لسياسة تركيا ضد اليونان، أو دفاعه عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة. كان واضحاً أيضاً في موقفه الرافض للحرب على العراق 2003.
عاد إلى الرسم والنحت بقوة في سنوات حياته الأخيرة بعد أن اعتكف قليلاً عن الأضواء. فارق الحياة في 13 أبريل (نيسان) 2015.
حينما سئل غراس مرة، في مقابلة تلفزيونية، عن سر موهبته الإبداعية في مجالات الأدب والنحت والرسم قال إن كلمة «Graphie» اللاتينية تعني يكتب ويرسم في آن واحد. وهو في الأساس خريج أكاديمية الفنون الألمانية - قسم النحت. وكانت «الكتابة المشاكسة»، كما صرح مرة، تثير أعصابه، ويجد في الرسم والنحت والطبخ (طباخ ماهر) والرقص (ماهر في التانغو) راحته النفسية.
جمع غراس قصائده «المائية» القصيرة (القفشات) في كتاب ضخم يحمل عنوان «لقى لغير القراء» صدر عن «دار شتندل» سنة 1997، ويحتار المرء في تصنيف هذا الكتاب «ديواناً» أو «كاتالوغاً»، أو «روزنامة»، لأن غراس «أنتج» فيه قصائده في لوحات مائية رائعة الألوان. ويبدو كأن غراس نفسه كان حائراً أيضاً في وصف الكتاب لأنه لم يقل في قصيدته إنه رسم أو كتب هذه القصائد وإنما أنتجها.
يزن الكتاب، وهو من الورق الصقيل السميك من قياس 30 في40 سم، نحو كيلوغرامين ويحتوي على أكثر من 120 لوحة، وعدد أكبر من القصائد القصيرة. ويحتار المرء إذا كان يقرأ أو يطالع أو يتفرج وهو يقلب صفحات الكتاب. فالعين تقفز من الحرف إلى اللون وبالعكس، مبهورة بسحر القصائد وسحر اللوحات المائية الجميلة. ما الأجمل في هذا الكتاب؟ القصائد أم اللوحات؟ لأنه، فضلاً عن نص القصيدة المطبوع على الصفحة المقابلة لكل لوحة يخط غراس القصائد داخل اللوحات بكامل ألوان الطيف وتدرجاتها.
سيجد الأطفال أيضاً متعة في التفرج على اللوحات، لأن الشاعر لم يختر عنواناً جذاباً لهم «لقى لغير القراء» فحسب، وإنما رسم أشياء وحيوانات ونباتات من الحياة اليومية التي تغري فضول أي طفل، وبألوان وأشكال تذكر بقصص الأخوين غريم الملونة. قصائد مائية رسمتها يد لا تقل مهارة في النظم عن المهارة في الرسم، مغطية الفصول الأربعة فظهر الكتاب كأنه روزنامة مصورة بالألوان.
ويتضح للمطالع في الحال أن غراس لا يقل مشاكسة في الرسم عنه في الكتابة، خصوصاً مع النقاد. فهو يصور طاقم أسنانه على المنضدة قرب السرير ويتمنى لو يدفن حينما يموت مع كيس جوز وأسنان حقيقية قوية، وحينما يزور خصومه قبره سيسمعونه يكسر الجوز بأسنانه فيدركون أنه لا يزال لهم بالمرصاد، وإن غادر الحياة. يقف «النقاد» مثل تلاميذ في حضرته، لكنهم لا يصلحون حتى تلاميذ، لأنهم «لا يفقهون شيئاً» و«لا يعرفون الإبداع على الورق الأبيض».
لا أحد يلوم غراس على موقفه من النقاد. يوم أصدر روايته «حقل شاسع» في مطلع التسعينات، أي بعد الوحدة الألمانية بأشهر قليلة، واجهه النقاد بقسوة بسبب موقفه الحذر من العجالة في توحيد شطري ألمانيا. وقادت الحملة حينها مجلة «دير شبيغل» بمقالة كتبها شيخ النقاد الألمان مارسيل راينكي. خصصت «دير شبيغل»، لغلاف عددها الأسبوعي ذاك، لوحة تصور راينكي يمزق كتاب غراس. ويذكر ذلك الغلاف، برأي أنصار غراس، بحرق الكتب في الحقبة النازية.
لا يستثني غراس أحداً في مائياته، بعد أن تخطى السبعين سنة، ويتحدث بحب عن زوجته وأصدقائه وأحفاده، وبحقد دفين ضد خصومه ونقاده. يصور نرجسيته في هذا العمر بزهرة نرجس ذاوية، ويرمي حجراً في ماء بحيرة ساكنة مثل روحه. يدحرج صخرته مثل سيزيف، لكنها صخرة زائفة من إنتاج «شركة سيزيف» قابلة للطي والنفخ بأحجام مختلفة.
إنها سيرة ذاتية قابلة للزوال رسمها الشاعر بألوان مائية، يزيلها الماء كما يقول في قصيدته «أشعار مائية». هي اعترافات شيخ في السبعين قال فيها بالحرف واللون كل ما أراد لنا أن نفهمه عن نفسيته وجنونه ونرجسيته، وبقي الكثير مما لم يقله، أو ربما قاله، لكنه ضاع أمامنا في هذه الغابة من الكلمات والألوان.
لا يكف غراس، بالطبع، عن زرع الألغام في طريق أي مترجم لأعماله، بسبب ولعه باللعب بالكلمات. يكفي التوقف عند عنوان أهم قصائده لمعرفة هذه النزعة المتأصلة في أدب غراس وأقصد «أشعار مائية». لأنها وردت «Aquadicht»، وكلمة «أكوا» تعني الماء، أو «سائلاً» بمعظم اللغات الأوروبية السائدة، وكلمة «dicht» تعني «منيعاً أو مقاوماً أو كثيفاً»، حينما ترتبط بالماء (Wasser)، فتكون الترجمة مضاداً للماء أو منيعة على الماء في وصف قماش أو مادة لا تسرب الماء. وكلمة «dicht» تعني الشعر أو ينظم الشعر، ولهذا ركب منها الشاعر مع «أكوا» كلمة «أشعار مائية». هكذا يمكن أيضاً أن نفهم عنوان قصيدة «Wegzehrung» التي ترجمتها إلى «قوت» أو «متاع» الطريق، لأن «Weg» قد تعني طريقاً، أو زال أو انتهى، ومن الممكن ترجمتها إذن «التهام»، لكنه كان يقصد ما يقتات فيه في قبره عند رحيله عن هذا العالم. وهناك أمثلة كثيرة على هذا التلاعب بالكلمات في أدب غراس.
كانت سنة 1996 كما يبدو، مملة ومضجرة بالنسبة للكاتب، وهو ما دفعه للرسم والنحت بقوة قد تزيل بعض اكتئابه. يقول إنه قضى سنة كاملة في «إنتاج» هذه القصائد على الورق، وهذا استغرقه وقتاً أكثر مما استغرقته كتابة رواية «طبل الصفيح»، التي عدتها الأكاديمية السويدية من أعظم الأعمال الروائية في القرن العشرين. وواقع الحال أن هذه الرواية جعلت من النحات المغمور غراس واحداً من أشهر أدباء ألمانيا في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

وبمناسبة رحيله، اخترت بعض قصائد غراس المائية، وهي تترجم إلى العربية للمرة الأولى:

رواية
___________
في رواية لن أكتبها،
كنت سأبدأ هكذا:
حينما اتخذ ماليتسكا
طريقاً مختصرة عبر الغابة،
تعرف على نفسه في كمأة،
لأنها مقطوعة الجذور،
ساقها شاخصة نحو السماء.

- الصخرة
_____________
التي أدحرجها ليست لي.
تؤجرها شركة سيزيف
مؤقتاً مقابل تعريفة،
بأشكال وأوزان مختلفة،
بينها اليوم،
صخور قابلة للطي،
يمكن نفخها عند الحاجة،
وبسعر مناسب.

- طابعتي الأوليفيتي القديمة
___________
شاهد على مهارتي في الكذب،
وكيف أدنو،
جملة بعد جملة،
بخطأ طباعي،
من الصدق.

- خريف الكتب
_____________
ورقة بعد ورقة،
جوز،
وحمامات،
تتساقط.
سنة بعد سنة،
نقف في النهاية
منعمين بعرينا.

- إليك
___________
حذائي القديم الخاوي
مليء بخطط الرحلات،
ويعرف طرقات ملتوية،
تؤدي كلها إليك.

من اليسار إلى اليمين
تمر القطعان أمام ناظري.
لاحقاً، وأنا أشق طريقي عبر المرعى،
لا بد لي أن أتوقف،
وبين روث البقر الجاف،
والأخضر منه،
أقرأ مستقبلنا.

- نقّادي
___________
لا يعرفون هذا:
الإبداع على الورق الأبيض.
«معلم، هل لنا أن نقف على عتبة دارك؟»
لكنهم لا يصلحون تلاميذَ أيضاً.
ويبقون حزانى لا يفقهون.

- الشعر المائي
___________
قصائد أبدعها
بألوان يزيلها الماء،
من قناني توبورغ مترعة،
بفرشات مخضبة،
وعينين مفتوحتين.
آه، نعم،
على الورق طبعاً.

- إسفنجتي
___________
التي أبل بها الورق،
لا تعني لي شيئاً آخر،
غير مقارنتها بقدرتي الامتصاصية:
أُعتصر دائماً وأبداً.

- قوت الطريق
___________
أريد أن أدفن
مع كيس جوز
وأصلب أسنان!
وحينما تُسمع طقطقة حيث أرقد،
سيقول البعض:
ما يزال هنا،
مثل حاله أبداً.

غونتر غراس


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.