إدارة بايدن تستعجل التحقيقات واحتواء التداعيات في الوثائق المسرّبة

بعضها يكشف عن مدى تورط أميركا في حرب أوكرانيا وتجسسها على الدول الحليفة

بايدن بجانب «أرنب الفصح» خلال احتفال في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
بايدن بجانب «أرنب الفصح» خلال احتفال في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
TT

إدارة بايدن تستعجل التحقيقات واحتواء التداعيات في الوثائق المسرّبة

بايدن بجانب «أرنب الفصح» خلال احتفال في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
بايدن بجانب «أرنب الفصح» خلال احتفال في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)

سعى المسؤولون الأمنيون والاستخباريون في الولايات المتحدة إلى تقييم الأخطار الناجمة عن تسريب العشرات من الوثائق العالية السرّية من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ولا سيما فيما يتعلق بوقائع غزو روسيا لأوكرانيا، محاولين احتواء أي عواقب محتملة على تبادل المعلومات الحساسة داخل إدارة الرئيس جو بايدن والعلاقات بين واشنطن والعواصم الأخرى.
وباشر مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، وغيره من الأجهزة التابعة لوزارة العدل منذ نهاية الأسبوع الماضي، عملية مطاردة واسعة النطاق في سياق تحقيقات طلبها البنتاغون لمعرفة ملابسات ظهور عشرات الصور التي تعرض لوثائق سرية على الإنترنت، والتعرف على مصدر التسريب الذي بدأ على ما يبدو في يناير (كانون الثاني) الماضي من دون أن يلاحظه أحد، في ظل اعتقاد أنه بدأ من خلال عضو مجهول من مجموعة يزيد عددها على عشرة أشخاص لنشر ملفات مصنفة «سرية للغاية»، وهي تقدم معلومات حول الحرب في أوكرانيا، ومنها تفاصيل عن اختراق الأجهزة الاستخبارية الأميركية للخطط العسكرية الروسية. كما أنها تتضمن اعتراضاً لاتصالات حلفاء للولايات المتحدة، مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية وتركيا وإسرائيل.
وتبيّن من التحقيقات الأولية، أن الوثائق السرية، التي يصل عددها إلى المئات، ظلت محصورة بين أعضاء المجموعة الصغيرة على منصة «ديسكورد» لتبادل الرسائل النصية حتى أوائل مارس (آذار) الماضي، حين أعاد مستخدم آخر نشر عشرات منها عبر منصة أخرى جمهورها أكبر. ومن هناك، عرضت نحو عشرة ملفات مع مجموعة أوسع تركز على لعبة «ماينكرافت» الكومبيوترية. وانكشف الأمر لأجهزة الأمن الأميركية الأربعاء الماضي، حين نشرت مجموعة روسية نسخة مزورة من بعض تلك الوثائق.
وأعلنت ناطقة باسم البنتاغون ليل الأحد، أن وزارة الدفاع تقوم بمراجعة وتقييم صحة الوثائق المصورة «التي يبدو أنها تحتوي على مواد حساسة وسرية للغاية»، مضيفة أن الولايات المتحدة ناقشت الأمر مع الحلفاء خلال عطلة نهاية الأسبوع وتدرس التأثير المحتمل للانتهاك على الأمن القومي الأميركي.

خطورة بالغة
ووصف مسؤولون أميركيون التسريب بأنه أحد الأكثر ضرراً منذ عقود؛ لأن الوثائق أكثر آنية من التسريبات السابقة، متوقعين أن يعقد هجوم الربيع الذي يتوقع أن تشنه القوات الأوكرانية ضد الغزاة الروس، وسط خشية من أنه يمكن أن يمنع الحلفاء الأجانب من تقاسم المعلومات الحساسة مع الحكومة الأميركية، بالإضافة إلى فضح مصادر الاستخبارات الأميركية داخل روسيا والدول المعادية أخرى. ولاحظ مسؤول أميركي أنه على الرغم من قلة عدد الوثائق المسربة، فإنها تشكل خطورة بالغة لأنها تتضمن بيانات عملياتية حالية حول الحرب في أوكرانيا، بخلاف ما فعلته «ويكيليكس» عندما نشرت مجموعة ضخمة من برقيات وزارة الخارجية قبل 13 عاماً، وأعطت الرأي العام العالمي صورة واضحة عما يفعله الدبلوماسيون الأميركيون كل يوم في قضايا مختلفة، بما فيها شكوك الولايات المتحدة حول الحلفاء المتذبذبين، ولمحت حول استعدادات واشنطن لانهيار كوريا الشمالية في نهاية المطاف ولتحقيق إيران أي اختراق نووي. وعندما كشف إدوارد سنودن عن أسرار وكالة الأمن القومي بعد ثلاث سنوات من ذلك، اكتشف المسؤولون الأميركيون فجأة كيف أذن العصر الرقمي ببدء حقبة جديدة من المراقبة، مما مكّنها من اختراق صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية في الصين والتنقيب في خوادم «غوغل» في الخارج لالتقاط الاتصالات الأجنبية.

بعضها أصلي وبعضها مزور
وأوضحت صحيفة «نيويورك تايمز» التي كانت السباقة في كشف التسريب الجديد، أن الوثائق الجديدة تظهر بعض المواد الأكثر حساسية، ومنها خرائط الدفاعات الجوية الأوكرانية والغوص العميق في الخطط السرية لكوريا الجنوبية لتقديم 330 ألف طلقة من الذخيرة التي تمس الحاجة إليها في الوقت المناسب للهجوم المضاد في أوكرانيا، في وثائق يبدو أن عمرها يصل بالكاد 40 يوماً. وأكدت، أن حداثة الوثائق «السرية» و«السرية للغاية» والتلميحات التي تحملها للعمليات القادمة تجعلها ضارة بشكل خاص.
وأفادت الناطقة باسم البنتاغون صابرينا سينغ الأحد، بأن المسؤولين الأميركيين أبلغوا لجان الكونغرس بالتسريب، وأحالوا الأمر إلى وزارة العدل التي فتحت تحقيقاً.
ولم تتمكن صحيفة «وول ستريت جورنال» من التحقق من صحة المستندات بشكل مستقل، لكنها أكدت أنها تحتوي على تفاصيل كافية لمنحها الصدقية. ونقلت عن مسؤولين دفاعيين، أنهم يعتقدون أن بعض الوثائق يمكن أن يكون أصلياً.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين، أن هذه الوثائق جرى تزوير بعضها. لكن معظمها أصلية وتتوافق مع تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) متداولة في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية.

تورط أميركي
ولا تترك الصفحات الـ100 من الشرائح والوثائق الموجزة أي شك حول مدى تورط الولايات المتحدة في إدارة الحرب اليومية في أوكرانيا، عبر توفير معلومات استخبارية دقيقة ولوجيستيات تساعد في تفسير نجاح أوكرانيا حتى الآن. وبينما منع الرئيس بايدن القوات الأميركية من إطلاق النار مباشرة على أهداف روسية، ومنع إرسال أسلحة يمكن أن تصل إلى عمق الأراضي الروسية، توضح الوثائق أنه بعد مرور عام على الغزو، كانت الولايات المتحدة متورطة بشدة في كل شيء آخر تقريباً.
وتوفر التسريبات بيانات استهداف مفصلة، بل هي تنسق الإطار اللوجيستي الطويل والمعقد الذي يسلم الأسلحة الغربية للأوكرانيين. وكما توضح وثيقة بتاريخ 22 فبراير (شباط)، فإن المسؤولين الأميركيين كانوا يخططون لمدة عام إلى الأمام، عارفين أن معركة دونباس «تتجه على الأرجح نحو طريق مسدودة» بالنسبة إلى روسيا، بشكل يحبط هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الاستيلاء على المنطقة.
وفي حين لخص أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الغربية التسريبات بأنها «كابوس»، قال رئيس شركة «سيلفرادو بوليسي أكسيليورر» ديمتري ألبيروفيتش إنه يخشى أن يكون هناك «عدد من الطرق التي يمكن أن تكون ضارة»، بما في ذلك احتمال أن تكون المخابرات الروسية قادرة على استخدام الصفحات، المنتشرة عبر «تويتر» و«تلغرام» من أجل «معرفة كيف نجمع» خطط أجهزة المخابرات الروسية حول التحركات العسكرية. وتشمل التسريبات معلومات حساسة للغاية تقتصر عادة على المسؤولين الأميركيين أو غيرهم من دول «العيون الخمس»، الولايات المتحدة وبريطانيا، وأستراليا، ونيوزيلندا وكندا. ولكن من الواضح أنها لا تنطبق على الحلفاء والشركاء الأميركيين الآخرين.


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».