دخلت العلاقات بين تشاد والاتحاد الأوروبي منعطفاً جديداً، بعد طرد البلد الأفريقي السفير الألماني على أراضيها على خلفية انتقاده لـ«بطء المرحلة الانتقالية في البلاد».
ورجح مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن يكون لتوتر العلاقات بين تشاد وألمانيا ومن قبله مع فرنسا «انعكاسات سلبية على المرحلة الانتقالية المضطربة أصلاً»، فضلاً عن أن ذلك «يفتح الطريق أمام قوى أخرى لتكون بديلاً لقوى أوروبية لطالما قدَّمت دعماً سياسياً واقتصادياً للنظام التشادي».
وأمرت الحكومة التشادية (السبت) السفير الألماني غوردون كريكه، بمغادرة البلاد في غضون 48 ساعة، وأعلنته «شخصاً غير مرغوب فيه لعدم احترامه الممارسات الدبلوماسية، وسلوكه الفظّ»، حسب مسؤولين تشاديين.
وقال مصدر حكومي تشادي، طلب عدم كشف اسمه، إن السلطات تأخذ على الدبلوماسي «تدخُّله المفرط في شؤون إدارة البلد»، فضلاً عن «تصريحاته التي تنزع إلى تقسيم التشاديين».
فيما اكتفت الخارجية الألمانية بالقول إن «الأسباب التي دفعت حكومة تشاد إلى إعلان سفيرنا في إنجامينا شخصاً غير مرغوب فيه غير مفهومة أبداً. نحن على اتصال مع حكومة تشاد بشأن هذا الموضوع»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وشهدت العلاقات التشادية - الفرنسية توتراً بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، قبل عامين، وانطلقت مظاهرات معارضة نددت بالمجلس العسكري الانتقالي وبالتدخل الفرنسي في البلاد، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى إعلان رفض بلاده «سياسة توريث الحكم ورفض قمع المعارضة»، وهو ما تسبب في اعتراضات من جانب المجلس العسكري الانتقالي الذي يقوده محمد إدريس ديبي نجل الرئيس الراحل.
ويعتقد الباحث السياسي التشادي محمد يوسف الحسن، أن توتر العلاقات بين إنجامينا والاتحاد الأوروبي «ستكون له تداعيات سلبية على المرحلة الانتقالية التي تواجه صعوبات في البلاد»، مشيراً إلى أن الشركاء الأوروبيين كانوا يقدمون دعماً سياسياً واقتصادياً للحكومة التشادية، إلا أنه مع إرجاء الوفاء باستحقاقات الفترة الانتقالية بدأ «التململ الأوروبي وبخاصة الألماني في الظهور علناً».
وأوضح الحسن لـ«الشرق الأوسط» أن السبب الحقيقي لاتخاذ قرار طرد السفير الألماني «يكمن في رفض برلين ترشح الجنرال محمد ديبي للانتخابات المقبلة فضلاً عن الموقف السلبي الألماني تجاه تمديد المرحلة الانتقالية».
وأضاف المحلل السياسي التشادي أن السفير الألماني كانت له مواقف سابقة بانتقاد قمع المظاهرات المناهضة للمجلس الانتقالي، كما أنه «أسهم في التأثير على مواقف الاتحاد الأوروبي تجاه الحكومة الانتقالية».
ولفت إلى أن التوتر بين إنجامينا وبعض العواصم الأوروبية «سيفتح المجال أمام الاستعانة بالنفوذ الأميركي»، مشيراً إلى وجود اتصالات مكثفة مع أوساط أميركية خلال الأشهر الأخيرة، وبخاصة بعد زيارة محمد ديبي إسرائيل مطلع فبراير (شباط) الماضي.
ووصل الجنرال محمد إدريس ديبي إيتنو، إلى رئاسة تشاد في أبريل (نيسان) 2021، بعد إعلان مقتل والده إدريس ديبي إيتنو في أثناء وجوده في جبهة القتال ضد متمردين، عقب 3 عقود في السلطة.
ووعد محمد ديبي التشاديين والمجتمع الدولي بتسليم السلطة لمدنيين من خلال «انتخابات حرة وديمقراطية وعدم الترشح للرئاسة».
كما تعهد قادة الجيش في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا بفترة انتقالية مدتها 18 شهراً قبل إجراء انتخابات عندما نصَّبوا ديبي رئيساً مؤقتاً، إلا أن المجلس العسكري مدَّد الجدول الزمني العام الماضي لعامين آخرين لتتأخر الانتخابات حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2024، ما أشعل احتجاجات قُتل فيها عشرات المدنيين.
وضمّت السفارة الألمانية صوتها إلى سفارات فرنسا وإسبانيا وهولندا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، للتعبير عن قلقها بعد تمديد الفترة الانتقالية، وفتح الباب أمام إمكانية ترشح ديبي للرئاسة.
وعدّ الخبير في الشؤون الأفريقية رامي زهدي، التوتر الأخير بين تشاد وألمانيا «استمراراً لحالة عدم اليقين» التي دخلتها العلاقة بين الكثير من القوى الأوروبية وتشاد.
وأوضح زهدي لـ«الشرق الأوسط» أن التوتر بين عواصم أوروبية وتشاد تزامن مع ما يمكن وصفها بـ«الانتفاضة ضد التدخلات الأوروبية في شؤون الدول الأفريقية»، الأمر الذي دفع دولاً أوروبية لسحب قواتها من منطقة غرب ووسط أفريقيا في فترات متقاربة.
كما عدّ طرد تشاد السفير الألماني «رسالةً واضحة لواحدة من أقوى الدول الأوروبية عبر إجراء غير معتاد في العلاقات مع الدول المؤثرة في القارة»، وهو ما يشير إلى أن ثمة تحولاً في نمط بناء العلاقات الأفريقية مع القوى الأوروبية، خصوصاً في ظل وجود بدائل أخرى مثل الصين وروسيا.
كيف يؤثر توتر علاقات تشاد مع أوروبا على مستقبلها السياسي؟
بعد طرد السفير الألماني وانسحاب القوات الفرنسية
كيف يؤثر توتر علاقات تشاد مع أوروبا على مستقبلها السياسي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة