تحذيرات ليبية من تداعيات «الأوضاع العشوائية» لـ«المهاجرين الطلقاء»

مهاجرون غير شرعيين قبيل ترحيلهم من ليبيا الشهر الماضي (جهاز الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
مهاجرون غير شرعيين قبيل ترحيلهم من ليبيا الشهر الماضي (جهاز الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
TT

تحذيرات ليبية من تداعيات «الأوضاع العشوائية» لـ«المهاجرين الطلقاء»

مهاجرون غير شرعيين قبيل ترحيلهم من ليبيا الشهر الماضي (جهاز الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
مهاجرون غير شرعيين قبيل ترحيلهم من ليبيا الشهر الماضي (جهاز الهجرة غير المشروعة بطرابلس)

يتوجس أكاديميون وباحثون ليبيون من مستقبل «الأوضاع العشوائية» للمهاجرين غير النظاميين الذين ينتشرون في مدن عديدة، دون إطار رسمي، أو علاقات عمل قانونية في البلد الذي يملك حدوداً برية تقارب 4300 كيلومتر، مع 6 دول مجاورة، وهي: مصر، والسودان، وتشاد، والنيجر، والجزائر، وتونس.
وبينما تغيب إحصاءات رسمية دقيقة عن أعداد هؤلاء، تشير المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، في تقرير سابق صدر في شهر أغسطس (آب) 2022، إلى وجود 650 ألف مهاجر ولاجئ داخل ليبيا، ينحدر أصلهم من أكثر من 44 جنسية، والنسبة الأكبر منهم طلقاء خارج مقار الاحتجاز.
ويصف الباحث الليبي في شؤون الهجرة، محمود الطوير، ملف المهاجرين غير النظاميين، وطالبي اللجوء في بلاده، بأنه «شائك، ومعقد جداً من الناحية الأمنية، والاقتصادية، والقانونية؛ بل ومن الناحية الحقوقية تجاه هؤلاء المهاجرين؛ خصوصاً المستضعفين منهم».
ويشير الطوير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى مصادقة مجلس النواب الليبي، في فبراير (شباط) الماضي، على استراتيجية وطنية لإدارة ملف الهجرة على المستوى الوطني والدولي والإقليمي، من إعداد لجنة وطنية شكّلها المجلس في وقت سابق، واستغرقت 3 سنوات من العمل؛ لكن مخرجات اللجنة «لم تر النور، ولم يصدر قرار بتنفيذها لأسباب غير معروفة».
ويدعو الباحث الليبي -وهو مسؤول ملف الهجرة واللجوء باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا- إلى العمل على توحيد الجهود مع الجانب الدولي الشريك لليبيا، وإعادة النظر في سياسات الصد والاعتراض للمهاجرين غير النظاميين في أعالي البحار، وتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته بجانب ليبيا، وتقديم الدعم اللوجستي الممكن لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وجهاز حرس الحدود، ليقوم بعمله وفق منهجية، وآلية وطنية في تجفيف منابع التسلل والتهريب عبر الحدود، من خلال تفعيل تقنيات حديثة في مراقبة الحدود، وإنشاء نقاط أمنية على كامل الشريط الحدودي.
كما يطالب الطوير بمحاربة عصابات الاتجار بالبشر التي تعمل في ظل ظروف عدم الاستقرار الأمني، على أن تكون مواجهة تلك العصابات بتكاتف الجهود بين الأجهزة الأمنية، وسلطة إنفاذ القانون، والسلطات القضائية المختصة المتمثلة في مكتب النائب العام الليبي؛ مشيراً إلى وجود «أحد كبار المتهمين بالاتجار في البشر، من دولة مالي، في داخل السجون الليبية، بالإضافة إلى متهمين آخرين في قضايا تنظر فيها جهات التحقيق الوطنية».
وعن واقع معيشة المهاجرين الطلقاء داخل ليبيا، يوضح الطوير أنهم «لا يخضعون لإجراءات الدولة من حيث المستندات المطلوبة، وتأشيرة الدخول، ومنهم من انخرط في سوق العمل الليبية، ويتعايشون مع المواطنين بشكل شبه طبيعي، سعياً لطلب الرزق والاستقرار، ومنهم من هو مسجلٌ خطِراً في موطنه الأصلي، ويهرب من يد العدالة للبحث عن مستقر. ويمارس كثير من هؤلاء أعمالاً يجرمها القانون الليبي، كالتسول في الطريق العام والسرقة والقتل».
ويضيف أن هذا «لا ينحصر فقط في المهاجرين من دول عربية وأفريقية؛ بل حتى هناك مهاجرون من شرق آسيا، تم ضبطهم من قبل وزارة الداخلية الليبية بطرابلس، وهم يمارسون أعمال الخطف والاتجار بالبشر».
ويستبعد الطوير وجود «مخاوف حقيقية، وإنما صعوبات تواجه المجتمع الليبي من خلال الهجرة غير المشروعة، ومظاهر التغيير الديموغرافي التي طرأت على مجتمعنا، باعتبارها نتيجة طبيعية لانعدام الاستقرار السياسي».
وبنبرة تحذيرية، قال بشير زعبية، الكاتب الصحافي الليبي، رئيس تحرير جريدة «الوسط»، إن مصدراً معنياً بالملف أفاده بأن «74 في المائة من مجموع أعداد المهاجرين في ليبيا خارج مراكز الاحتجاز، وينتشرون بشكل عشوائي في أنحاء البلاد».
وأضاف زعبية عبر حسابه على «فيسبوك»: «لن يكون أمام هؤلاء وهم يبحثون عن الرزق سوى خيارات ثلاثة: إما الانخراط في سوق العمل الليبية خارج منظومة القوانين المعمول بها في البلاد، مع الإقامة غير المشروعة، وإما التورط في أعمال غير مشروعة، واستغلالهم من قبل مافيا السرقة والتهريب والاتجار بالممنوعات، وإما الالتحاق بصفوف الميليشيات المسلحة متعددة الجنسية، والتنظيمات المتطرفة».
وأشار إلى أن المهاجرين «يأتون برفقة عائلات، نساء وأطفال، ما يؤكد نية البقاء والاستيطان، وهو ما صار واقعاً تقريباً، وسنرى جيلاً منهم وُلد في ليبيا». أما فيما يخص واقع الأزمة بمنطقة الجنوب الليبي، فيقول: «لم يعد الخوف مما يسمى التوطين؛ بل من فقدان أجزاء من الوطن نفسه»، داعياً إلى التعامل مع القضية بوصفها «أحد أكبر الأخطار التي تهدد الأمن القومي والسلم الاجتماعي في البلاد».
وفي السياق نفسه، يقول عبد المنعم الحر، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، إن اعتماد الدولة الليبية والاتحاد الأوروبي على المقاربة الأمنية «لن يكون ذا جدوى فاعلة»، وخصوصاً مع الطفرة الهائلة في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن الحد من ظاهرة الهجرة يحتاج إلى تكاتف الجهود المحلية والأفريقية والأوروبية، وكذلك المنظمات المختصة، من خلال حزمة مشروعات للتنمية المكانية في دول المصدر، وتحسين المستوى المعيشي، مع توفر إمكانية الهجرة المشروعة، والتنقل، وفق ضوابط قانونية.


مقالات ذات صلة

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية أحد اليهود الأرثوذكس في القدس القديمة يوم 5 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

الهجرة إلى إسرائيل ترتفع في عام الحرب

أظهرت أرقام جديدة أن 11700 يهودي أميركي قدموا طلبات من أجل الهجرة إلى إسرائيل بعد بداية الحرب في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.

كفاح زبون (رام الله)

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.