النزاع الأوكراني في صلب زيارة رئيس البرازيل إلى الصين

لولا وشي خلال لقائهما في برازيليا في 19 فبراير 2009 (أ.ف.ب)
لولا وشي خلال لقائهما في برازيليا في 19 فبراير 2009 (أ.ف.ب)
TT

النزاع الأوكراني في صلب زيارة رئيس البرازيل إلى الصين

لولا وشي خلال لقائهما في برازيليا في 19 فبراير 2009 (أ.ف.ب)
لولا وشي خلال لقائهما في برازيليا في 19 فبراير 2009 (أ.ف.ب)

يتوجه الرئيس البرازيلي لولا إلى الصين غداً (الثلاثاء)، بعد إرجاء زيارته بسبب إصابته بالتهاب رئوي، لإظهار أن بلاده يمكنها العودة إلى الساحة الدولية لأداء دور رائد، ولا سيما فيما يتعلق بالنزاع في أوكرانيا. وكان من المقرر أن تتم هذه الزيارة الرسمية للرئيس البرازيلي إلى أكبر شريك تجاري لبلاده في الفترة بين 25 و31 مارس (آذار)، لكن الأطباء أوصوا بتأجيلها بسبب «التهاب رئوي خفيف» شُفي منه الآن.
ويلتقي لولا (77 عاماً)، الجمعة، نظيره شي جينبينغ «لتبادل وجهات النظر بشأن الحرب في أوكرانيا» بشكل خاص، حسب ما أعلن وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا لوكالات أنباء دولية.
وكان الرئيس البرازيلي قد أدلى الخميس من جديد بتصريحات مبهمة حول هذا النزاع. وأكد أن روسيا «لا تستطيع الاستيلاء على أراضٍ من أوكرانيا»، إلا أنه أعلن كذلك أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يمكن أن «يحصل على كل شيء»، مقترحاً أن تتنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم لروسيا بهدف إنهاء الحرب.
وهذه الزيارة الرسمية للصين هي الرابعة للرئيس البرازيلي الذي بدأ ولايته الثالثة في يناير (كانون الثاني) بعد أن كان رئيساً من 2003 إلى 2010. وعد أيقونة اليسار البرازيلي بإعادة بلاده «إلى قلب الجغرافيا السياسية العالمية الجديدة» بعد العزلة التي عاشتها خلال حكم سلفه اليميني المتطرف جايير بولسونارو.
- «واثق»
وفي بكين، يأمل لولا أن يؤدي من جديد دور الوسيط الذي ساهم في التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة خلال فترة ولايته الثانية (2007 - (2010.
وكانت البرازيل التي رفضت، مثل الصين، فرض عقوبات على موسكو، قد وضعت في نهاية يناير اقتراحاً ما زال غامض المعالم بشأن وساطة دول عدة في النزاع في أوكرانيا.
وقال الرئيس البرازيلي إنه «واثق» من فرص نجاح هذا الاقتراح، معرباً عن أمله في «إنشاء» مجموعة الدول بعد عودته من الصين. وأكد الوزير فييرا «أنها الشروط الأساسية» لإحلال السلام. وفي 25 مارس، اجتمع سيلسو أموريم، كبير مستشاري الرئيس البرازيلي للشؤون الدولية، في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف الذي يزور البرازيل في 17 أبريل (نيسان).
وصرّح أموريم لشبكة «سي إن إن برازيل» الاثنين الماضي عندما سئل عن نتيجة اللقاء مع بوتين: «القول إن الأبواب مشرّعة (أمام محادثات السلام) سيكون مبالغة، لكن القول إنها موصدة ليس صحيحاً أيضاً»، لكن الكرملين استبعد الخميس «أي أفق لحصول تسوية سياسية» بوساطة صينية، على الرغم من التوافق الذي عبر عنه بوتين ونظيره شي خلال زيارة هذا الأخير لموسكو في نهاية مارس. وفي بكين، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يعول على نظيره الصيني «لإعادة روسيا إلى رشدها» بشأن القضية الأوكرانية.
- اتفاقيات تعاون
وقبل لقائه مع شي، الجمعة، في بكين، سيتوجه لولا إلى شنغهاي، الخميس، لحضور تنصيب الرئيسة اليسارية السابقة للبرازيل ديلما روسيف (2011 - 2016) رئيسة لمصرف التنمية الجديد المعروف أيضاً بـ«بنك بريكس». وفي 2006، وخلال فترة ولايته الأولى، أُنشئت مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة التي تضم البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا.
وستتناول زيارة لولا إلى الصين بشكل أساسي القضايا السياسية الدولية، فقد تم التعامل مع الجانب الاقتصادي قبل أسبوع، خلال التاريخ الذي حدد سابقاً للزيارة عندما سافر أكثر من 500 رئيس شركة برازيلي، أغلبهم من قطاع الزراعات الصناعية، إلى الدولة الآسيوية. وتم توقيع أكثر من 20 اتفاقية تعاون، تتيح إحداها إجراء صفقاتهما التجارية مباشرة، واستبدال اليوان بالريال والعكس بالعكس بدلاً من الاعتماد على الدولار. وبلغ حجم التجارة الثنائية 150 مليار دولار العام الماضي، مع 89.7 مليار دولار من الصادرات البرازيلية إلى الصين.
وفي طريق عودته إلى البلاد، سيتوجه لولا إلى الإمارات، السبت، في زيارة رسمية تستغرق يوماً واحداً.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟