تونس بين قبول شروط {صندوق النقد} والمحافظة على السلم الاجتماعي

سعيّد أكد أن «الإملاءات» ستؤدي إلى مزيد من الفقر

أحد السدود محاصر بمظاهر الجفاف وشح الأمطار في محافظة نابول التونسية (رويترز)
أحد السدود محاصر بمظاهر الجفاف وشح الأمطار في محافظة نابول التونسية (رويترز)
TT

تونس بين قبول شروط {صندوق النقد} والمحافظة على السلم الاجتماعي

أحد السدود محاصر بمظاهر الجفاف وشح الأمطار في محافظة نابول التونسية (رويترز)
أحد السدود محاصر بمظاهر الجفاف وشح الأمطار في محافظة نابول التونسية (رويترز)

تبدو أمام الحكومة التونسية خيارات ضيقة؛ فإما أن تقبل شروط صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل تحتاجه بشدة لإنقاذ ماليتها العامة، أو أن تحافظ على السلم الاجتماعي في وقت تعيش فيه البلاد أزمة مالية واقتصادية طاحنة.
توصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار مدته 48 شهراً. لكن الاتفاق النهائي تعطّل على ما يبدو بسبب تباطؤ الحكومة التونسية في تنفيذ إصلاحات اقتصادية، حسب «وكالة أنباء العالم العربي».
ويطالب صندوق النقد، حكومة تونس، بتنفيذ إصلاحات، تشمل رفع الدعم وبيع مؤسسات عامة وخفض كتلة الأجور. وتحتاج تونس تمويلاً بنحو 23.5 مليار دينار (نحو 7.7 مليار دولار أميركي) لسد عجز ميزانيتها العامة في عام 2023؛ ومن ثم، يتعين على الحكومة اقتراض أكثر من أربعة مليارات دولار من الخارج، والحصول على قروض محليّة بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.
ويفتح صندوق النقد الدولي الأبواب أمام تونس للحصول على تمويلات من مؤسسات مالية أخرى، أو عبر اتفاقيات ثنائية، لسد الفجوة التمويلية في الموازنة العامة. لكن يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيّد ليس مستعداً للمغامرة بالسِلْم الأهلي مقابل الحصول على قرض من الصندوق.
وقال سعيّد إن «الإملاءات التي ستأتي من الخارج، وستؤدي إلى مزيد من التفقير سنرفضها»، مذكراً بأحداث الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 1983، عندما اندلعت احتجاجات شعبية عنيفة رفضاً لقرار الحكومة وقتها رفع سعر الخبز، مما أدى لسقوط ضحايا.
وقال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، إن حديث سعيّد عن السلم الأهلي والمخاوف من احتقان اجتماعي «يأتي في وقت يتميز بتضخم مالي مرتفع جداً» سجل مستويات قياسية في الأشهر الماضية ووصل إلى 10.3 في المائة في مارس (آذار) الماضي.
وأكد الشكندالي أن رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات في الوقت الحالي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار ومزيد من التراجع في القدرة الشرائية للتونسيين، وبالتالي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، حسب «وكالة أنباء العالم العربي».
وكانت الحكومة التونسية تخطط لخفض الدعم بنسبة 26 في المائة، وفقاً للميزانية العامة لعام 2023، لكنها لم ترفع سعر المحروقات إلى الآن، تجنباً للاحتقان الاجتماعي على ما يبدو. ورفعت الحكومة أسعار البنزين خمس مرات العام الماضي، حيث تجاوزت الزيادة 24 في المائة، في إطار توجهها لرفع الدعم ضمن حزمة الإصلاحات التي يطالب بها مانحون دوليون.

خياران أحلاهما مر
وحذر الشكندالي من أن رغبة الرئيس التونسي في تجنب تهديد السلم الاجتماعي عبر قطع المفاوضات مع صندوق النقد قد تُسهم في تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في غياب مساعدات مالية أو قروض، وهو ما يقول إنه سيؤدي بدوره إلى تراجع قيمة الدينار التونسي، وبالتالي إلى مزيد من التضخم.
وأوضح الشكندالي أنه بينما يريد رئيس البلاد تجنّب مزيد من الارتفاع في مستويات التضخم، فإنه سيواجه المشكلة ذاتها إذا لم يحصل على موارد مالية أجنبية تنمّي مخزون البنك المركزي.
وأضاف: «ما يثير المخاوف هو تآكل مخزون العملة الصعبة (الأجنبية)، مما يهدد تماسك الدينار التونسي... سيقع الرئيس سعيّد في شيء يحاول تجنّبه إذا لم يجد حلولاً لتعبئة موارد من العملة الأجنبية».
ووفقاً لبيانات البنك المركزي التونسي، فإن احتياطي البلاد من العملات الأجنبية بلغ 95 يوماً من الواردات. وتسبب نقص السيولة في نقص المعروض من عدد من المواد الأساسية، مثل السكر والحليب والقهوة والأرز، بينما حصلت تونس على قروض لتمويل وارداتها من الحبوب من جهات بينها البنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير.
ويرى الخبير الاقتصادي أنه كان من الأفضل أن تُفاوض السلطة التنفيذية، متمثلة في الرئيس سعيّد، صندوق النقد، بشأن تأجيل رفع الدعم، بدلاً من اللجوء إلى هذا الخطاب. وكان وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، أكد أنه لا بديل للحكومة عن الاتفاق مع صندوق النقد على استعادة التوازنات المالية وإنعاش الاقتصاد.
وأبدت عدة دول استعدادها لمساعدة تونس ودعمها مالياً، شريطة الاتفاق مع صندوق النقد.
وأكد السفير الفرنسي لدى تونس أندريه باران، استعداد باريس لتغطية الاحتياجات المالية المتبقية لتونس في عامي 2023 و2024 شريطة تنفيذ خطة الإصلاح المقدمة للصندوق. وأيضاً، تضغط إيطاليا بقوة لتقديم مساعدات مالية لتونس لإنقاذها من شبح انهيار مالي قد يتسبب في موجات هجرة نحو أراضيها.
وبينما يقول الرئيس سعيّد، «علينا التعويل على أنفسنا»، يرى الخبير الاقتصادي الشكندالي أنه كان عليه تقديم برنامج تفصيلي بديل قبل قطع العلاقات مع صندوق النقد.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.