حقبة تاريخية جديدة في مسيرة فنلندا «غير محايدة»

بعد الانتخابات العامة الأخيرة التي سلّمت السلطة إلى اليمين

مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
TT

حقبة تاريخية جديدة في مسيرة فنلندا «غير محايدة»

مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)

خلال يومين فقط، شهدت فنلندا تغيرات محورية في سياستها. التغير الأول تمثل باتجاهها من اليسار إلى اليمين بعدما خسر الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بزعامة رئيسة الحكومة سانا مارين الانتخابات يوم الأحد الماضي؛ إذ اختار الناخبون عوضاً عنه، حزبي يمين الوسط واليمين المتطرف اللذين حصل كل منهما على أصوات أكثر من الاشتراكيين. وعلى الرغم من شعبية مارين على الساحة العالمية، وقيادتها فنلندا بكفاءة إبان أزمة «كوفيد - 19»، والحرب في أوكرانيا - وقرارها التاريخي بإنهاء عقود من الحيادية لصالح الانضمام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» - فإنها لم تستطع الحفاظ على منصبها في وجه أزمة اقتصادية متصاعدة يبدو أنها ما دفع الناخبين للابتعاد عن معسكر يسار الوسط. ولكن التغير الأهم الذي طرأ على توجهات هذه الدولة الأوروبية الشمالية المحاذية لروسيا، يبقى تخلّيها رسمياً عن عقود من الحيادية، وانضمامها إلى «ناتو» في خطوة تاريخية يوم الثلاثاء الماضي، لتغدو الدولة العضو الـ31 في الحلف. وهكذا، لم تعد فنلندا «الدولة الوسيط» بين روسيا والولايات المتحدة، كما فعلت في الماضي، خصوصاً عندما استضافت عاصمتها هلسنكي عام 2018 القمة الشهيرة التي جمعت بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أوج التوتر بين الدولتين العظميين على خلفية اتهام واشنطن لموسكو بالتدخل في الانتخابات.
في وسط العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبالذات، في ساحة كزارميتوري أمام مقر وزارة الدفاع، يقف نصب تذكاري لـ«حرب الشتاء»، التي خاضتها فنلندا مع الاتحاد السوفياتي عام 1939.
لم تدم تلك الحرب طويلاً؛ ذلك أنها انتهت بعد 105 أيام فقط، غير أن آثارها كانت كبيرة وطويلة الأمد، والحقيقة أن نتائج تلك الحرب شكلت أساساً لسياسة الحياد التي اعتمدتها البلاد منذ ذلك الحين.

الزعيم اليميني المنتصر أوربو يحيي مناصريه (أ.ب)

الحرب التي اندلعت يوم 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1939 كانت شرسة ودموية للطرفين، ولقد خاضها الجيشان الفنلندي والسوفياتي في درجات حرارة وصلت إلى ناقص 43 درجة مئوية، وانتهت بعد قرابة ثلاثة أشهر في منتصف مارس (آذار) من عام 1940. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي ألحقتها الجيش الفنلندي بغريمه السوفياتي القوي، فإن القيادة الفنلندية في العاصمة هلسنكي اضطرت في نهايتها إلى التخلي عما يقارب الـ10 في المائة من مساحة أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي.
ومنذ ذلك الحين، ظلت آثار هذه الحرب حاضرة في فنلندا، ليس فقط في سياستها الخارجية بل أيضاً الدفاعية؛ فلدى فنلندا جيش احتياط ضخم من القوات القادرة على الدفاع عن أراضيها، أنشئ من خلال التجنيد الإلزامي العام وعقيدة الدفاع عن الأرض المزروعة في أذهان الفنلنديين. وراهناً لدى فنلندا جيش نظامي قوامه 280 ألف عنصر، تضاف إليهم قوات الاحتياط التي تضم قرابة الـ900 ألف فرد مدربين على القتال، ما يجعله بالتالي واحداً من أكبر جيوش دول التحالف الغربي.
ومن جهة ثانية، امتدت هذه العقيدة الدفاعية أيضاً إلى البنية التحتية للبلاد الجاهزة لحماية السكان في حال تعرض البلاد لضربة نووية؛ فقد أنشأت الحكومات الفنلندية المتعاقبة منذ نهاية «حرب الشتاء» نظام ملاجئ ضخماً يمكنه تأمين حماية قرابة الـ4 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون، يشكلون عدد سكان فنلندا. ويمكن لهذه الملاجئ التي تمتد تحت المدن الكبيرة وتستخدم حالياً إما كمحطات مترو، وإما صالات رياضية ومتاحف وغيرها، أن تؤمن حماية من أسلحة نووية تصل زنتها إلى 100 كيلوطن.
- سياسة الحياد
ومقابل تعميق دفاعاتها، بقيت فنلندا معتمدة في السنوات التي تلت خسارتها للحرب، على سياسة الحياد وعدم الانحياز، ونجحت في الحفاظ عليها طوال «الحرب الباردة». ومع مطلع الستينات، باتت فنلندا «دولة موثوقاً بها» لدى الغرب والاتحاد السوفياتي على أنها دولة حيادية فعلاً وعملاً. ويُعد الرئيس الفنلندي الأسبق جوهو كوستي باسيكيفي «عرّاب» سياسة الحياد تلك، التي عمل عليها منذ عام 1946. ولاحقاً، طور السياسة تلك خليفته الرئيس الأسبق أورهو كيكوكن عند تسلمه منصبه عام 1956، الذي وقّع مع الاتحاد السوفياتي اتفاقاً عام 1948 ثبّت حياد فنلندا رسمياً، واستحق كيكوكن بذلك «جائزة لينين للسلام»، التي منحه إياها الاتحاد السوفياتي عام 1979. وعبر السنوات، ربطت فنلندا بين حيادها والسلام في أوروبا، وعملت على الترويج لذلك طوال العقود الماضية التي بقيت ملتزمة فيها بمبدأ الحياد والتعامل السلمي.

رئيسة الحكومة الاشتراكية الخاسرة سانا مارين (أ.ف.ب)  -   زعيمة اليمين المتطرف رييكا بورا (أ.ب)

هذه كانت الحال طوال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، ومعه ترسخت كاملة قناعة في هلسنكي بضرورة المحافظة على مبدأ الحياد كوسيلة مثلى للتعايش مع جار أكبر وأقوى منها للحفاظ على استقلالها، بل إن سياستها تلك بات لها تعبير هو «الفلدنة» أو «الفنلدة»، الذي صار يطلقه البعض بشكل ازدرائي على ممارسة الدول التي ترفض اتخاذ مواقف سياسية من جارتها الأقوى مقابل الحفاظ على استقلالها. ولكن بالتوازي، رغم حفاظ فنلندا على مبدأ الحياد، بدأ نقاش حقيقي حول مدى استمرار هذا الحياد وجدواه فعلاً منتصف التسعينات، بعد توقيع هلسنكي على اتفاق تعاون مع حلف شمال الأطلسي في عام 1994، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في العام الذي تلاه أي عام 1995. وسمح اتفاق التعاون مع الحلف آنذاك، بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع دول «ناتو» على الحدود مع روسيا.
غير أنه مع انهيار عقد السلام في أوروبا خلال فبراير الماضي على إثر غزو روسيا لأوكرانيا، انهارت كذلك مسوّغات الحياد الفنلندي التي كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلام بين روسيا وجيرانها، ونابعة من ثقتها بأن حيادها سيحميها.
لقد غيّرت الحرب الروسية في أوكرانيا هذه الذهنية، والصدمة التي شكلتها الحرب لدى الفنلنديين دفعتهم، بشكل واسع لتأييد دعوة حكومتهم للانضمام لـ«ناتو»؛ فالحرب أعادت مخاوف تكرار «حرب الشتاء»، ودفعت بالسياسيين للاستنتاج سريعاً خلال مايو (أيار) الماضي، بأن فنلندا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها في وجه أي اعتداء روسي شبيه لما حصل لأوكرانيا. وأنها، بالتالي، لا تستطيع أن تحافظ على حيادها في وجه ما رأته تهديداً متزايداً من روسيا. وهكذا، اتخذت القيادة الفنلندية القرار التاريخي بالتخلي عن حيادها على ضوء العملية العسكرية الروسية، والانضمام إلى الحلف الغربي. وهكذا بات الحلف هو المرجعية المسؤولة عن حماية استقلال فنلندا في مواجهة أي تهديد من روسيا التي تشاركها حدوداً طويلة جداً، تمتد على مسافة 1340 كيلومتراً. وغدت فنلندا تتمتع بحق الحماية من جميع دول «ناتو» في حال تعرضها لأي اعتداء خارجي بموجب المادة الخامسة من آلية الدفاع الجماعي للتحالف.
- عضوية «ناتو» والمتاعب المرتقبة
مع هذا، فإن هذا الانضمام الذي أصبح رسمياً خلال الأسبوع الماضي يحمل معه متاعب جديدة لفنلندا ولـ«ناتو» أيضاً. تلك الحدود بين دول «ناتو» وروسيا توسعت بشكل كبير، وبات على الحلف تأمين هذه الحدود الجديدة مع روسيا. وبالنسبة لفنلندا، ستوجب العضوية عليها مراجعة سياستها النووية بشكل سريع بعد انضمامها رسمياً لحلف هو نووي بالأساس. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت فنلندا لإنشاء «منطقة خالية من الأسلحة النووية» في شمال القارة الأوروبية، بيد أن طموحها اصطدم في ذلك الوقت بانضمام كل من الدنمارك والنرويج إلى «ناتو» الذي يعد المظلة النووية أساسية في منظومته الدفاعية. وفي النتيجة، بقيت فنلندا إلى جانب السويد - التي اعتمدت نفس سياسة جارتها بالحياد وعدم الانحياز - مصرة على خلق هذه المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. وكانت، في الواقع، الدولة الأولى التي توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968. وحسب قوانين فنلندا الوطنية، فهي تمنع أيضاً حيازة وتجربة الأسلحة النووية على أراضيها.
ومن ناحية ثانية، قبل الانضمام رسمياً إلى «ناتو»، رفضت فنلندا إعطاء موقف واضح حول إمكانية نشر أسلحة نووية للحلف على أراضيها، بل حتى بُعيد تقديم فنلندا طلب الانضمام للحلف قبل سنة، اكتفى الرئيس الفنلندي سولي نينستو بالقول عندما سئل عن ذلك، إن فنلندا ستنضم إلى «ناتو» بناءً على شروطه و«إن الوقت مبكر للبحث بمسألة نشر أسلحة نووية على أراضيها». ولكنه عاد لاحقاً لينفي وجود أي نية لدى الحلف أو لدى دولته لاتخاذ خطوة مماثلة.
وبالفعل، قد يكون النقاش حول نشر أسلحة نووية في فنلندا لا يزال بعيداً، لا سيما أن الحلف لا ينشر أسلحة نووية على حدوده مع روسيا، بل يبقيها محصورة في الدول الأوروبية الغربية (ألمانيا وبلجيكا وهولندا) ومعها تركيا. ولقد أكد ذلك تقرير نشره الحلف عن طريق الخطأ قبل سنتين؛ كون موضوع أماكن نشر الأسلحة النووية يُعد موضوعاً سرياً، وليس من المعتاد الكشف عنه. ولكن، مع ذلك، فإن العقيدة الدفاعية المتعلقة بالأسلحة النووية في فنلندا يجب أن تتغير بعد انضمامها الآن إلى حلف نووي بالأساس. وهي منذ انتمائها رسمياً، بات لديها مجال الوصول إلى معلومات نووية لم تكن متاحة لها في السابق، كما أنها أصبحت جزءاً من القرار الذي تتخذه دول الحلف حول دفاعاتها النووية. وإن كانت عقيدتها حول الأسلحة النووية تتعارض مع كل ذلك لغاية الآن.
- التحوّل إلى اليمين
في خضم كل هذا التغيير الدفاعي الذي تشهده فنلندا، اختار ناخبوها خلال الانتخابات العامة الأخيرة إقصاء حكومتهم الاشتراكية والرهان على اليمين بديلاً حاكماً؛ فقد خسرت رئيسة الحكومة سانا مارين، التي كانت حكومتها الائتلافية الاشتراكية قد تقدمت بطلب عضوية الانضمام إلى «ناتو»، الانتخابات التي شهدتها البلاد الأحد الماضي. وحل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي قادته في المرتبة الثالثة بعدما حصل على 19.9 في المائة فقط من أصوات الناخبين. إذ جاء في المرتبة الأولى خلال المعركة الانتخابية حزب «الائتلاف الوطني» اليميني الوسطي بزعامة بيتيري أوروبو بحصوله على 20.8 في المائة من نسبة الأصوات، بينما حل ثانيا حزب «فينز» (الفنلنديون) اليميني المتطرف بـ20.1 في المائة من الأصوات.
وفي ضوء هذه الحصيلة، يتعيّن الآن على الحزب المتصدر اتخاذ قراره حول الحزب الثاني الذي يريد أن يشكل حكومة ائتلافية معه، ثم الدخول في مفاوضات لتشكيل هذه الحكومة. حتى الآن ما زال غير واضح أي من الحزبين سيقرر أوروبو التفاوض معه، وإن كانت ثمة ترجيحات إلى أنه ينوي التحالف مع حزب «فينز» اليميني المتطرف والشعبوي الذي تتزعمه رييكا بورا، والذي حل ثانياً. خطوة كهذه تعني أن الحكومة المقبلة ستحمل نزعة يمينية خالصة في تناقض كبير مع حكومة مارين اليسارية المعتدلة التي قادت البلاد في السنوات الأربع الماضية. وللعلم، فإن الحزبين اليمينيين يتشاركان نظرة اقتصادية موحدة تدعم تخفيض الإنفاق الحكومي، وتتناقض مع نظرة الاشتراكيين التي تؤمن بزيادته.
وفي الحقيقة، كان الملف الاقتصادي طاغياً في الحملة الانتخابية الأخيرة، وبدا بوضوح أن الهموم المالية هي التي تشغل - أكثر من غيرها - بال الناخبين وسط أزمة اقتصادية عالمية، وارتفاع كبير في أسعار الطاقة، وتضخم غير مسبوق بسبب الحرب في أوكرانيا. وفي حين روّج الاشتراكيون للإبقاء على سياسة الإنفاق ما يعني زيادة الدَّين العام الذي ارتفع بنسبة 75 في المائة إبان جائحة «كوفيد - 19»، روّج اليمينيون لتخفيض الإنفاق عبر تقليص النفقات والإعانات. وكانت هذه السياسة اليمينية هي التي اختارها الناخبون القلقون من زيادة الدَّين العام، واستمرار ارتفاعه أكثر في حال بقي الاشتراكيون في السلطة.
أما حيال مسألتي انضمام فنلندا لعضوية «ناتو» وسياستها المستقبلية تجاه روسيا، فقد كان لافتاً أن النقاشات كانت شبه غائبة عن البرامج والشعارات والطروحات المقدمة من الأحزاب. وهنا بالذات، قد لا يكون في الأمر غرابة، إذا ما تذكرنا أن الأحزاب الفنلندية كلها أجمعت في السابق على ضرورة تقديم طلب عضوية إلى «ناتو»، ومن ثم التخلي نهائياً عن سياسة عدم الانحياز. وهذا يعني أن حزب «فينز» اليميني المتطرف، على عكس الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تميل إلى الدفاع عن مواقف القيادة الروسية والتقارب معها، لا يتعاطف مع موسكو. وفي المقابل، يركز هذا الحزب الشعبوي المتطرف على مهاجمة المهاجرين، ويعتمد سياسات تشكك في الاتحاد الأوروبي والسياسات المناخية.
- لا تغيير مرتقباً في السياسة الدفاعية
في أي حال، وبغض النظر عن الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة، والأحزاب التي ستشارك في الائتلاف الحاكم، فإن السياسات الدفاعية لفنلندا ستبقى نفسها، ولن تتغير بتغير الحزب الحاكم. ثم إنه سيتوجب على أي حكومة جديدة تُشكل - وهو ما قد يستغرق أشهراً - أن تراجع السياسة الدفاعية المتعلقة بالأسلحة النووية، وأن تتخذ أيضاً قرارات تتعلّق بالإنفاق الدفاعي المرتفع أصلاً، الذي زاد العام الماضي على الـ2 في المائة، وهي النسبة التي يوصي بها «ناتو» الدول الأعضاء. ولكن يرى كثيرون أن حكومة يمينية صرفاً ستواجه صعوبة أكبر في البحث عن مصادر لتمويل الإنفاق الدفاعي، في حين تعتمد سياسة خفض النفقات بهدف تقليص الدين العام.
وبالتالي، بانتظار تشكيل الحكومة الفنلندية الجديدة وبدئها بالعمل على سياسات مهمة ستحتاج إليها لدعم انضمامها إلى «ناتو»، يبدأ الحلف كذلك مراجعة لسياساته الدفاعية بعد توسيعه حدوده مع روسيا. وهنا قد يعرقل خطط الحلف في الشمال، استمرار بقاء السويد خارج الحلف، لتكون الدول الشمالية الوحيدة التي ما زالت غير منضمة إلى أسرته.
الجدير بالذكر، أن السويد التي كانت قد قدمت طلب انضمامها مع فنلندا، لا تزال تنتظر موافقة كل من تركيا والمجر على ضمها. ولكن حتى الآن ما زالت تركيا تعرقل ضم السويد لرفض الأخيرة تسليم مشتبه بهم تطالب بهم أنقرة على أساس أنهم إرهابيون أكراد. ولقد تسبب حرق مصحف أمام مقر السفارة التركية في ستوكهولم قبل أسابيع، بزيادة توتر العلاقات الثنائية، وتمسُك تركيا بعرقلة ضم السويد. ومع أن ينس شتولتنبرغ، أمين عام «ناتو»، ما زال يكرّر الإعراب عن ثقته بأن العملية ستؤدي في النهاية إلى تفاهمات لضم السويد، فإن تأخير ضمها قد يؤخر حقاً خطوات الحلف لدمج الدولتين الشماليتين المرتبطين باتفاقات دفاعية مشتركة، في سياسته الدفاعية.
وفي انتظار ضم السويد وبدء تطبيق «سياسة شمالية دفاعية» كاملة تحت مظلة «ناتو»، تبدأ فنلندا رحلة جديدة تتهيأ فيها لمرحلة سياسية ودفاعية مختلفة، تنفض خلالها عنها صيت «الفلدنة»، وتتخلى نهائياً عن سياسة عدم الانحياز بعدما اختارت، مرغمة، الغرب على الشرق.

فنلندا... في سطور

> فنلندا جمهورية تقع في شمال أوروبا، تعد فعلياً دولة «شمالية» (نوردية)، لكنها ليست جزءاً من إسكندينافيا، التي تضم السويد والنرويج والدنمارك.
> الشعب الفنلندي، من الناحية الإثنية اللغوية من الشعوب الفينو - أوغرية وليس كجيرانه الإسكندينافيين الذين يعودون إلى أصول جرمانية، وأقرب الشعوب إليه إثنو - لغوياً الإستونيون والكاريليون (في أقصى شمال غربي روسيا على حدود فنلندا الشرقية).
> في البلاد لغتان رسميتان هما الفنلندية (يتكلمها 87.3 في المائة من السكان)، والسويدية (5.2 في المائة من السكان). ومعهما لغة شعب السامي (اللابيون).
> الفنلنديون يطلقون على بلادهم اسم «سوومي»، ويبلغ تعداد الشعب الفنلندي نحو 5.5 ملايين نسمة، وتتركز غالبيتها في المناطق الجنوبية من البلاد.
> تبلغ مساحة البلاد، التي تحدها من الشرق روسيا، ومن الشمال النرويج، ومن الغرب السويد، وفصلها عن إستونيا جنوباً خليج فنلندا، نحو 339 ألف كلم مربع. وهي بالتالي الثامنة من حيث المساحة في أوروبا، وأقل دول الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية.
> عاصمة البلاد مدينة هلسنكي، وهي أكبر مدنها، تليها مدن تامبيري وأوبو (توركو) ويوفاسكولا ولاهتي وكووبيو.
> فنلندا جمهورية برلمانية ذات حكومة مركزية مقرها العاصمة هلسنكي، وحكومات محلية في 336 بلدية.
> يدين معظم الفنلنديين بالمسيحية البروتستانتية اللوثرية (68.7 في المائة)، ويدين نحو 1.1 في المائة بالأرثوذكسية. ومن الناحية العملية، تغلب العلمانية على المجتمع الفنلندي.
> كانت فنلندا تاريخياً جزءاً من السويد، ولكنها منذ عام 1809 تحولت إلى دوقية ذاتية الحكم ضمن الإمبراطورية الروسية. وعقب إعلان الاستقلال الفنلندي عن روسيا في 1917 حرب أهلية، وحروب ضد الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية، وثم فترة من الحياد الرسمي خلال الحرب الباردة.
> انضمت فنلندا إلى الأمم المتحدة عام 1955، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عام 1969، والاتحاد الأوروبي عام 1995، ومنطقة اليورو منذ إنشائها.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.