برأس خطها المشيب ودموع متحجرة في العينين وحزن قديم يسكن نبرة الصوت رغم المحاولات المتوالية لانتزاع ابتسامة، يطل الفنان محمد رمضان على المتفرجين في مسلسل «جعفر العمدة» مجسداً شخصية رجل أعمال وصاحب شركة مقاولات يعيش في حي «السيدة زينب» الشعبي بالقاهرة.
الماكياج جعل الممثل الشاب يبدو وكأنه يزحف نحو الخمسين وانفعالات وجهه جعلته يحمل ألماً عميقاً بسبب فقدان ابنه قديماً على يد مجرم مأجور. من هنا تبدأ رحلة مزدوجة للبحث عن الابن دون وجود يقين على أنه حي، فضلاً عن الانتقام ممن أذاقوه هذا العذاب.
ينتمي المسلسل إلى دراما التشويق والصراعات الدموية بين أقطاب الحارة الشعبية وتحديداً بين عائلتي «العمدة» و«فتح الله» اللتين تدور بينهما جولات لا تنتهي من الحروب الساخنة والباردة. عائلة «فتح الله» تنتظر خروج ابنها «شوقي» من السجن، الذي يجسد دوره الفنان منذر رياحنة، بعد إخفاق ابنها الأصغر في التصدي لجعفر الذي تجمع شخصيته بين العديد من التناقضات، فالشهامة والرجولة والحكمة تجتمع مع الانتهازية المادية والثروة الهائلة التي ليست فوق مستوى الشبهات بالكامل.
وتسبب مشهد محذوف من العمل، في حدوث ضجة واسعة بعد تسريبه على مواقع التواصل في مصر.
تأتي الكوميديا خطاً موازياً لمعارك العائلتين والحروب الكلامية والتهديدات المعلنة والخفية التي تدور دائماً على مسمع ومرأى من أهل الحارة. مصدر الضحك يتولد من عدد من المفارقات أبرزها زواج جعفر من 3 نساء على ذمته في وقت واحد جسدت شخصياتهن الفنانات مي كساب وإيمان العاصي ومنة فضالي ثم تنضم إليهن «عايدة» الفتاة القادمة من الحي الراقي وتجسد شخصيتها الفنانة زينة.
تتوالى المكائد النسائية بين الأربعة في أجواء فكاهية، لكن الأداء الكوميدي الأكثر لفتاً للانتباه بحسب متابعين جاء من الفنانة المخضرمة هالة صدقي وهي تجسد شخصية «صفصف» والدة «جعفر» التي تصف نفسها بـ«الملكة» وتملك قاموساً شعبياً مدهشاً من التباهي غير المبرر، فضلاً عن براعتها في تأنيب كل من لا يبدي الاحترام اللائق بعظمتها المفترضة.
وحظي أداء الفنانة لبنى ونس التي تجسد شخصية والدة «سيف» أو أحمد داش بالعمل، باهتمام من المتابعين لا سيما حين عادت إلى الوراء بطريقة «الفلاش باك» وظهرت صغيرة للسن وكأنها ابنة العشرين رغم أنها من مواليد 1961. وحول ردود الفعل حول دورها وتصدرها «الترند» نتيجة مشاهد السن الأصغر، قالت: «كانت مفاجأة أكثر من رائعة فلم أتوقع أن أظهر بهذا الإتقان».
وأضافت في تصريح إلى «الشرق الأوسط»: «محمد سامي مخرج يهتم بأدق التفاصيل ويُخرج أفضل ما في الممثل، وأنا محظوظة بدوري في هذا العمل. أما تعاوني مع محمد رمضان فهو ليس الأول من نوعه، حيث سبق وعملت معه في مسلسلي (زلزال) و(البرنس) وهو فنان متواضع للغاية رغم شهرته الكبيرة ويحرص على نجاح من يقف أمامه».
ويرى نقاد مصريون من بينهم الناقد الفني محمود عبد الشكور أن حبكة المسلسل نمطية وليست جديدة، قائلاً: «محمد سامي، لديه دائماً توليفة درامية جذابة للجمهور فيها غرام وانتقام وميلودراما من أصداء السينما الهندية وبعض الكوميديا وأجواء شعبية أعيد تدويرها وإنتاجها لكنها قادمة أصلاً من أفلام الحارة في زمن الأبيض والأسود، كما أن لديه قدرة على السرد المشوق وبناء صراعات لا تنتهي على مدى حلقات المسلسل».
ويضيف عبد الشكور لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هذه التوليفة مصطنعة إلى حد كبير، لذلك لم أتحمس لها في (جعفر العمدة) وإن كان هناك أداء لافت ومتفوق من محمد رمضان الذي أعتبره موهبة كبيرة، ودوره في العمل من أفضل أدواره التلفزيونية ومشاهده في المسلسل ممتازة من حيث تلوين التعبير والصوت وحركة الجسد بطريقة خلاقة ومبدعة، بالإضافة إلى حضوره ولمساته الكوميدية الموفقة».
ويعتبر الناقد الفني محمد عبد الخالق أن «محمد رمضان اختار هذا الموسم الرهان المضمون، بالعودة إلى مخرجه المفضل محمد سامي، حيث سبق وحققا نجاحات قوية من قبل أبرزها مسلسل (الأسطورة)».
ويشير عبد الخالق في تصريحه إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «سامي يعرف جيداً كيف يصنع خلطة الدراما الشعبية التي تنجح جماهيرياً، وهو ما كان يحتاجه رمضان بشدة بعد تجاربه مع مخرجين آخرين والتي لم يقدر لها النجاح الكاسح الذي يأمله ويراهن عليه دائماً».