الموت يغيّب الإعلامي السعودي اللامع.. سعود الدوسري

تناول وجبة الإفطار ثم استلقى ورحل بسلام

سعود الدوسري
سعود الدوسري
TT

الموت يغيّب الإعلامي السعودي اللامع.. سعود الدوسري

سعود الدوسري
سعود الدوسري

غيّب الموت مساء أول من أمس الجمعة في العاصمة الفرنسية باريس الإعلامي السعودي المذيع سعود الدوسري، إثر تعرضه لنوبة قلبية. وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا وحزنا على خبر الوفاة، جعل من وسم #وفاة_المذيع_سعود_الدوسري يصل إلى «الترند» العالمي كأحد أكثر الأوسمة تفاعلاً.
والنوبة القلبية التي تعرض لها مساء أمس كانت بعد تعافيه لمدة تجاوزت 8 أعوام من آلام في القلب أجريت له على أثرها عملية جراحية في العاصمة السعودية الرياض. واستمر الدوسري بعدها يتلقى الرعاية الطبية، لكن بصمت، لم يكن محبا للفت الانتباه في صحته ومرضه، بل كانت تأتي إليه طواعية، محبة له، ولقلبه ونقائه.
ومن المقرر أن يصل جثمان الدوسري إلى الرياض فجر اليوم، حيث قرر أن تقلع الطائرة التي تحمل جسده في الساعة الثامنة بتوقيت العاصمة الفرنسية باريس بعد إنهاء الإجراءات القانونية. وخلصت نتائج الفحوص الطبية إلى أن الوفاة طبيعية نتيجة لتعرضه لسكتة قلبية، توفي على أثرها، حيث كان يعاني من تضاعفات وآلام أسفل الظهر، إلى جانب مضاعفات عملية قلب أجراها قبل نحو ثمانية أعوام في العاصمة السعودية الرياض.
وحسب معلومات متواردة متواترة، فإن الدوسري أصر على جمع إخوته وأخواته قبل أسبوع في الرياض، وجلس معهم جلسة عفوية وأخبرهم أنه يعاني من انزلاق غضروفي وأنه سيجري فحوصا وقد تخلص لعملية، وهو الأمر الذي دفع الراحل - رحمه الله - للاتصال ببعض المقربين منه لإنهاء أي التزامات مالية بينهم - إن وجدت - وكأن ذلك مؤشر لارتفاع شعوره بقرب الرحيل.
الاجتماع العائلي الأخير للدوسري الأسبوع الماضي، كان بطلب منه هو، ولم يصر على جمع أخواته وإخوته فقط، بل أصر على جمع أحفادهم كذلك، وجلس معهم جلسة على الأرض، أخبرهم فيها أنه ذاهب للعلاج.
الدوسري، الذي توفي عن عمر يناهز 46 عامًا، بدأ مسيرته الإعلامية عبر قناة MBC وإذاعة MBC FM، وحصد جائزة أفضل مذيع عربي عام 1995 ثم حصد جائزة «جوردن أووردز» في 2010 وجائزة الملتقى العربي الكويتي في 2013.
كما كان لملايين المسافرين على متن طائرات الخطوط الجوية السعودية موعد ثابت مع دعاء السفر في فترة سابقة بصوت الدوسري - رحمه الله - الذي عرف عنه صوته المميز.
الوسط الإعلامي السعودي نعى الدوسري عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات حزن ووفاء، حيث أجمع المغردون على موقع «تويتر» على حسن خلقه ومحبته للجميع وابتسامته التي لا تفارقه وكرم أخلاقه.
وحسب شهادات بعض من كانوا بقربه في باريس، فقد أخبر سعود سائقه أن يأخذه من الفندق الساعة الخامسة والنصف من عصر أول من أمس الجمعة، لكن مدة الانتظار طالت ولم يرد على اتصالاتهم ولا اتصالات الفندق، وكان يعاني من إشكالات صحية أسفل الظهر ومن المقرر أن يجري فحوصا متواصلة. واضطر الفندق بحضور الأمن لكسر باب الغرفة، ليجدوه متمددا على سريره مستلقيا على ظهره، في استلقاءة كانت الأخيرة له. وكانت آخر وجبة تناولها هي وجبة الإفطار.
الدوسري كان ينوي الذهاب للعاصمة البريطانية لندن لإجراء فحوص طبية أخرى، لكن بعض من كانوا بجواره في باريس أقنعوه بأن يقوم بها في باريس وأوصوه ببعض الأطباء.
وفي معلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط» فإن الدوسري كان يشعر منذ أسبوعين تحديدا بقرب منيته، فقد اتصل بشكل مفاجئ ببعض أصدقائه المقربين جدًا يسألهم إن كان بينه وبينهم حسابات مالية أو التزامات عليه سقطت سهوا يطلب منهم تذكيره بها، وكان الألم أسفل الظهر (انزلاق في الغضروف) يتضاعف يومًا بعد يوم، ليشعر في كل يوم أنه هو اليوم الأخير، لكنه لم ينقطع عن الابتسامة للجميع دون استثناء.
وكتب الصحافي السعودي المخضرم رئيس تحرير «الشرق الأوسط» سابقا وناشر «إيلاف» الإلكترونية عثمان العمير أن الإعلام السعودي فقد إعلاميا لامعًا، فيما كسا الحزن موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»؛ إذ أغرقه المحبون بشهادات الوفاء والحب والخير، بل إن رئيس تحرير «العربية نت» الزميل مطر الأحمدي كتب توصيفا نادرا حين قال إن جميع الإعلاميين والمثقفين بجميع تناقضاتهم كانوا يستريحون في قلبه: «في قلبه كان يستريح الإعلاميون المنتمون إلى محطات وقنوات متنافسة. هذا إعلامي من مصر، وهذا فنان من لبنان، وذاك داعية من السعودية، وهؤلاء مثقفون من المغرب العربي. كلهم في بيته. وأحيانا تضم داره ما يشبه مؤتمرًا عربيًا، من كل الأطياف. إنه سعود. صاحب الشقة الصغيرة والقلب الكبير».
الدوسري، عرف عنه الكرم، والسماحة والتسامح. سأله أحد أصدقائه يومًا: «كل هؤلاء المعجبين يطلبون منك التقاط الصور، تمازحهم وتوافق على طلباتهم فرد عليه... (حياتي ملكهم)».
وما لا يعرفه الكثيرون أن الدوسري بدأ مذيعا في إذاعة القرآن الكريم في الرياض، قبل أن ينتقل للعمل مع راديو «إم بي سي» وتلفزيون «إم بي سي» كذلك. وقبل ثورة برامج «التوك شو» في الخليج، كان لبرنامجه الشهير «من الرياض» قصب السبق في صناعة مساحة حرة ورفع سقف النقاش والهامش المتاح للآخرين، وبعد زيادة الإقبال عليه، ارتأت إدارة المحطة بعد التشاور مع الطواقم زيادة عدد الحلقات من حلقتين إلى أربع حلقات.
ومن إذاعة القرآن إلى «إم بي سي» ثم «أوروبت» والعودة إلى «إم بي سي» مجددا قبل الانتقال إلى «روتانا خليجية»، مسيرة تلخص 21 عاما من العمل المتنامي لخدمة الإعلام العربي وقضاياه، وتحديدا الفنون وقضايا الإنسان، حصد خلالها الدوسري جوائز عدة من «أفضل مذيع» وحتى «أفضل إعلامي».
وما لا يعرفه الكثيرون عنه، أنه كان خلف نجاح عدد من المهرجانات الغنائية والفنية، لكن بصمت، دون أن يعرف أحد ذلك، وكان مستشارا لعدد كبير من الإعلاميين، بل كان منزله في العاصمة اللبنانية بيروت، التي تربطه بها قصة حب وعشق، مزارا لرموز الإعلام والسياسة في أرجاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، كان صامتا مبتسمًا، لم يكن يسعى يومًا لتسويق ذلك، فقد ظل مؤمنًا حتى انتقل إلى جوار ربه بأن العمل يتحدث.
الدوسري، المحبوب صاحب القلب الكبير، مات بلا صراعات، حيث يقول مطر الأحمدي في مقالته التي كتبها على موقع «العربية نت» إن سعود كان يتقبل النقد حين يصفه البعض بالكسل، لكن الحقيقة أنه كان يبتعد عن مزاحمة الآخرين.
ويشهد له زملاء عملوا معه، وأصدقاء، أنه كان ينفق من المال أكثر مما يملك، فلم يعرف عنه البخل إطلاقا، ولا يمكن أن يكسب أحد نزال دفع فاتورة غداء أو عشاء أو كوب قهوة أمامه، مهما بلغت أموال الطرف المقابل. فالكرم عنده ليس خصلة، بل شيء يسري في دمه وقلبه وعقله.
آخر ظهور تلفزيوني للدوسري من خلال برنامج «ليطمئن قلبي» على قناة «روتانا خليجية» في شهر رمضان الماضي، الذي استضاف في حلقاته الدكتور عدنان إبراهيم للنقاش حول أبرز القضايا الاجتماعية والدينية التي تؤرق أذهان المشاهد العربي والمسلم، وحين توقف البرنامج، ظل الدوسري بنفس أخلاقه المعتادة، يرفض التصريح عن أسباب الإيقاف، ويكتفي بالقول: «شكرا لمن سأل».
كما كانت آخر تغريداته على حسابه في «تويتر»: «ليس مهمًا أن يكون في جيبك القرآن بل المهم أن تكون في أخلاقك آية. منقول بتصرف».. في تاريخ 12 من الشهر الماضي.
جمهور الدوسري، الذي أوصل خلال ساعات وسم #وفاة_المذيع_سعود_الدوسري إلى الترند العالمي على موقع «تويتر» مثلاً، بدأ البحث في أرشيف تغريداته وعمل على إعادة التغريد بكل قديمه، ليجدوا كنزا من التواضع والابتسامة والأدعية، وحسن الخلق.
ويرحل الإعلامي الذي شهدت له العواصم بالخير، فمن الرياض إلى لندن فالقاهرة فبيروت ومرورا بدبي ليختتم حياته السمحة في عاصمة فرنسا، باريس.
الخامسة والنصف من مساء الجمعة، كان على موعد مع الموت، وكان الفقد الذي أوجع الكثيرين هو الأقوى، تناول وجبة الإفطار ثم استلقى، ورحل بسلام.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».