خفوت الأضواء في المقر الرئيسي للائتلاف السوري يعكس مصاعب المعارضة

المالح لـ {الشرق الأوسط} : ترتيبات كثيرة في مواقع مختلفة لمرحلة ما بعد الأسد

أحد الثوار السوريين يعد مدفع هاون في مواجهة جيش النظام في دمشق أمس (غيتي)
أحد الثوار السوريين يعد مدفع هاون في مواجهة جيش النظام في دمشق أمس (غيتي)
TT

خفوت الأضواء في المقر الرئيسي للائتلاف السوري يعكس مصاعب المعارضة

أحد الثوار السوريين يعد مدفع هاون في مواجهة جيش النظام في دمشق أمس (غيتي)
أحد الثوار السوريين يعد مدفع هاون في مواجهة جيش النظام في دمشق أمس (غيتي)

من بين عشرات الفيلات المنيرة في ضاحية التجمع الخامس جنوب شرقي القاهرة، توجد واحدة يتردد عليها بعض اللاجئين السوريين في مصر، من بينهم أستاذ جامعي في الستين من عمره يتوكأ على عصا، يدعى محمود حسام الدين. تقع الفيلا في مواجهة المجمع التجاري المعروف باسم «داون تاون»، وتحمل رقم 306. لكنها أصبحت، كما يبدو للوهلة الأولى، تفتقر للحياة والأضواء، ولا تظهر عليها إشارة تذكر تنم عن أهميتها.
إنها المقر الرئيسي لـ«الائتلاف السوري» الذي يدير، مع قوى معارضة أخرى، معارك سياسية وعسكرية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وبدلا من الاجتماع في هذه الفيلا، عقدت الأطراف الفاعلة من قيادات المعارضة، وفي القلب منها الائتلاف، اجتماعا للتوافق في ما بينها في بروكسل، ثم اجتماعا آخر في إسطنبول لانتخاب قادة الائتلاف قبل أيام. إذن لماذا لم تعقد في القاهرة؟ رغم كل شيء توجد حسابات سياسية، ورغم كل شيء توجد خيوط من الضوء في نهاية النفق.
طوال الشهور الأخيرة لم يتمكن كل من رئيس الائتلاف المعارض الدكتور خالد خوجة، ونائبه الدكتور هشام مروَّة، من الحصول على تأشيرة لدخول مصر. وفي رده على أسئلة «الشرق الأوسط» يقول هيثم المالح، الذي يشغل موقع رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف نفسه، إنه يوجد اعتقاد بأن الرجلين من جماعة الإخوان، مشيرا إلى أن هذا الزعم غير دقيق.
اليوم اضطر مديرو مقر القاهرة لإطفاء مصابيح الطابق الأخير وتسليمه للمالك، لكن يبدو أن هناك بارقة أمل يمكن أن تنعش المعارضة بعد ظلال من التوافق بدأت تلوح على الأطراف المناوئة لحكم الأسد. يلخص المالح جملة المشاكل التي تسببت في عرقلة عمل المعارضة في الفترة الأخيرة. أولا: هناك بعض الجهات المانحة أخذت في توجيه الدعم بشكل مباشر للمقاتلين على الأرض. ثانيا: ضعف التمويل نفسه. ثالثا: الخطر على معارضي الداخل من بطش النظام.
كان يفترض أن يأتي خوجة ونائبه للقاهرة للالتحاق باجتماعات المعارضين السوريين، طوال الشهور الماضية، لكن هذا كان غير ممكن. ويقول المالح إزاء هذا إن الائتلاف لن ينقل مقره من القاهرة، لكنه، كما أخبر المسؤولين المصريين وقتها، لن يتمكن من عقد اجتماعاته في مصر من دون القيادات الأخرى له.. «أنا أخبرتهم بذلك». ورفض مصدران مصريان في الرئاسة والخارجية التعليق على هذه المسألة.
على أي حال.. رغم عدم وجود حسم لبعض الملاحظات التي أبدتها أطراف في اجتماع بروكسل، فإن أحد ممثلي «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي»، وهي كيان سوري معارض تأسس أواخر عام 2011، يقول إن التوافق الأخير بين «الهيئة» و«الائتلاف» انصبَّ على «تشكيل هيئة حكم انتقالية»، مشيرا إلى أن هذا جرى برعاية أوروبية، ومن شأنه أن يوحد المعارضة ويحسن من قدراتها، لكن توجد مخاوف من ظهور خلافات جديدة، فالنظام ومن يساعده - أي إيران- لن يتوقف عن محاولات دق الأسافين بين مناوئيه.
في كثير من الأحيان يمكن أن تلاحظ أن الخلافات شكلية. مثلا أحد قيادات هيئة التنسيق لم يكن معترضا على ما جاء في الاجتماع، لكنه تحفظ على عقده في بروكسل. يقول المالح عن الاجتماع الأخير بين «هيئة التنسيق» و«الائتلاف» إنه خرج بمشروع اتفاق، بيد أنه يضيف متشككا: «للأسف الشديد المشكلة في المعارضة السياسية السورية، من بعد الثورة، هي أنه دائما هناك انقسامات».
وفي القاهرة، يحرك الدكتور حسام الدين عكازه ثم يرفعه وهو يشير إلى واجهة الفيلا. يشعر بتغير الملامح العامة للمبنى حين زاره قبل يومين. يقول إنه «أصبح مثل البيت الذي يستعد سكانه للرحيل». يأتي هذا بعد نحو خمس سنوات من العمل ضد نظام الأسد. مرت هذه السنوات ما بين اتفاق وخلاف، إلى أن جرى اجتماع بروكسل الذي وصفه المالح، رغم كل شيء، بأنه «خطوة متقدمة في ما يتعلق بالمعارضة السورية».
ويوجد في مصر وفي دول الجوار وعدد من دول العالم ملايين اللاجئين السوريين الذين ينتظرون بفارغ الصبر، وفي ظروف مأساوية، انتهاء الفوضى التي تضرب بلادهم منذ التحقت بما يعرف بـ«الربيع العربي». ويعول هؤلاء على قدرة المعارضة على الحسم والتخلص من نظام الأسد. وبالنسبة للدكتور حسام الدين فقد أنفق مدخراته، ولم تعد له غير أمنية واحدة، أن يجمع شمل أسرته. له ولدان مصابان في الحرب ويعالجان في الأردن. وابنتاه مع زوجته التي تعيش مع شقيقها بمدينة الإسكندرية (200 كيلومتر غرب القاهرة) أما هو، وتخفيضا للنفقات، فيسكن مع أقاربه في ضاحية الرحاب القريبة من مقر الائتلاف.
وبينما يراقب الرجل، مثل باقي السوريين، المتغيرات السياسية الجارية سواء داخل المعارضة أو في مواقف دول العالم، يستعد خوجة وعدد من قادة الائتلاف لتلبية دعوة من موسكو للسفر إليها خلال أيام. ويقول المالح عن هذه الزيارة المرتقبة إن «هناك ترتيبات جديدة في ما يتعلق بمستقبل سوريا بعد بشار الأسد. أتصور أن العالم الآن أدرك أن الأسد والعصابة الحاكمة لا بقاء لهم في سوريا، ولذلك هناك ترتيبات كثيرة في مواقع مختلفة لما بعد الأسد».
هل توجد مؤشرات على الأرض بشأن قرب نهاية نظام دمشق؟ يجيب العميد مثقال النعيمي، من القيادة المشتركة للجيش الحر، عن أسئلة «الشرق الأوسط» في مقابلة معه جرت منذ نحو شهر، قائلا إن قوات الأسد في حالة انهيار يتزايد يوما بعد يوم. ويوضح: «بشكل عام ملخص الوضع على الأرض هو أن قوات النظام في حالة انهيار معنوي واضح.. لديه نقص في الذخيرة والمقاتلين. لم تعد لديه الإمكانية حتى للقتال الدفاعي.. جيش النظام يعاني من سوء الحالة المعنوية ومن الملل».
الضباط الذين يقودون المقاتلين على الأرض، مثل الكثير من السياسيين، يدركون أن المتغيرات الدولية ربما لن تكون في صالحهم على المدى البعيد. ويشير أحد قادة المعارضة في هذا الصدد إلى أن الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، سيستفيد منه نظام الأسد.. «لذلك يوجد إدراك من الجميع أنه لا بد أن نسارع الخطى لتوحيد الصف وتشكيل كيان موحد للحصول على الدعم من أصدقاء الشعب السوري سواء من العرب أو من دول العالم». ويضيف: «يمكن القول إنه أصبحت لدينا رؤية مشتركة قادرة على التمهيد لاستئناف العملية السياسية سواء برعاية الأمم المتحدة أو غيرها».
كانت أيام العيد قد مضت دون أن يتمكن الدكتور حسام الدين من تهنئة أسرته ولو بالهاتف. الأموال شحيحة. وبالنسبة له لا يمكن الوثوق بوجود حل قريب.. «سمعنا عن هذا مرات ومرات. والنتيجة مزيد من القتلى والمشردين». وبعد لحظات من الصمت يرفع عكازه ناحية مقر الائتلاف، ويقول: «هذا المبنى يتآكل.. عدد موظفيه في تناقص. هل هذا وضع يعكس بارقة أمل؟ لا أعتقد، لكن ليس أمامي إلا الرجاء».
أيا كان الأمر فقد تحولت الفيلا، في عيون زوارها من اللاجئين والمعارضين السوريين، إلى مكان شبه مهجور، بعد أن كانت محاطة بالأضواء المبهرة وتعج بالنشاط قبل عام من الآن. على سبيل المثال اضطر الائتلاف، الذي تأسس في خريف 2012 من مجموعات معارضة، ويحظى باعتراف عربي ودولي كممثل للشعب السوري، إلى تسريح المئات من موظفي مكاتبه حول العالم.
يوضح أحد مسؤولي مقر القاهرة: «منذ أكثر من ثلاثة أشهر أصبحت توجد صعوبات مالية يمكن أن تؤدي إلى غلقه أو استبداله بمكان أصغر. بدأ النشاط في الفيلا قبل عامين بنحو 40 موظفا، وانخفض إلى 15 موظفا. ثم أصبح العدد الآن لا يزيد على 7 موظفين فقط. جرى تسليم الطابق الثالث لمالك الفيلا. وقد يستعين الائتلاف بشقة صغيرة». ويضيف: «يمكن أن تعود الروح للمكان إذا جرت تغييرات ذات شأن بعد اتفاق بروكسل. نأمل في أن يكون لدينا صوت واحد وموحد للمعارضة».
ويقول المالح إن مقر الائتلاف في القاهرة ومقرات الائتلاف حول العالم تعاني بالفعل من ضائقة مالية ومن تقليص لعدد الموظفين، وغير ذلك، مشيرا إلى وجود جهتين تقدمان الدعم للائتلاف.. «الجهة الأولى: الحكومات الصديقة للشعب السوري. والجهة الثانية: ممولون سوريون من رجال الأعمال»، لكنه يضيف أنه «من حيث المبدأ لا أستطيع أن أقارن أصدقاء بشار الأسد بأصدقاء الشعب السوري.. أصدقاء الأسد يضخون المال والسلاح بلا حساب. في حين أن أصدقاء الشعب السوري يفتحون الصنبور بالقطارة».
يبدو هنا أنه توجد مشكلة. فقد كان الدعم يوجه للائتلاف، وهذا يقوم بدوره بتوجيه الدعم إلى المقاتلين في الداخل، باعتبار أنه «جهة سياسية ومظلة للثورة السورية»، كما يقول المالح. والمتغير الذي حدث هو أن عدة جهات مانحة بدأت في توجيه الدعم بشكل مباشر إلى المقاتلين في الداخل. يوضح: «ما حدث أن دولا وجهات متعددة اتصلت مباشرة بالقوى المقاتلة على الأرض، وكل قوة أخذت حصة من هذه الدول أو الجهات. التواصل بين الدول والمقاتلين على الأرض كان خطأ كبيرا».
وعما إذا كانت الخلافات لها سبب مباشر أو غير مباشر في نقص التمويل المقدم للمعارضة، يقول: «ليس سببا مباشرا. بالعكس تماما. لو أصدقاء الشعب السوري وجهوا الدعم لجهة واحدة فسيجتمع الآخرون تحت ظل هذه الجهة».
وتأتي مثل هذه المواقف في سياق يتعلق بحالة من الارتباك والضنك، وهو أمر يلاحظه أيضًا العديد من اللاجئين والمعارضين السوريين الذين يترددون على الفيلا رقم 306 بين وقت وآخر، مثل الدكتور حسام الدين، الذي يقول، تحت أضواء المقر الخافتة وهو ينهض مستندا على عكازه: «حتى مسألة إعداد كوب شاي للضيف تؤشر إلى وجود أمر غير طبيعي. فقر، وخوف، لكن ما زال لدينا أمل في المستقبل».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.