ثلاث محاكمات متوازية انطلقت أمس واليوم في باريس، ليس بينها رابط عضوي لكنها تنضوي كلها، وفق منطوق القضاء الفرنسي، تحت باب تهمة الإرهاب بمفهومه الواسع. الأولى تتناول التخطيط للقيام بهجوم «جهادي» في محيط قصر الإليزيه، حيث مقر الرئاسة الفرنسية، وفي جادة الشانزليزيه القريبة، وأطرافها خمسة أشخاص اعتقلوا في عام 2019، وانطلقت محاكمتهم أمس أمام محكمة الجنايات الخاصة بالقصر، باعتبار أن أحد المتورطين كان قاصراً عند اعتقاله، وعدلت هويته بحيث أطلق عليه اسم «فريد».
والأمر المثير للدهشة أن هذا الأخير ينظر إليه على أنه «أمير المجموعة» التي يظن أنها على ارتباط بتنظيم «داعش»، نظراً لأن «فريد» سعى للالتحاق بالتنظيم الإرهابي للقتال إلى جانبه في سوريا. وقبل أن يلقى القبض عليه في باريس في القضية قيد المحاكمة راهناً، تم إيقافه في ألمانيا عام 2017 وسجن بتهمة التواصل مع تنظيم إرهابي.
وأمس أيضاً، انطلقت محاكمة اللبناني - الكندي حسن دياب، المتهم بالضلوع في تفجير استهدف كنيساً يهودياً في الدائرة 16 في باريس، قبل 43 عاماً، الذي أوقع أربعة قتلى وعشرات الجرحى. وهذه المحاكمة التي تتم بغياب المتهم هي الثانية من نوعها بعد الأولى التي جرت في عام 2018 بحضوره، والتي انتهت بإخلاء سبيله وعودته إلى كندا بسبب غياب الأدلة الكافية التي تثبت تورطه في التفجير الذي تم عن طريق قنبلة موضوعة في دراجة نارية ركنت إلى جانب الكنيس. إلا أن طعوناً بإخلاء السبيل قدمت إلى محكمة الجنايات التي قبلتها، وذلك بعد ثلاث سنوات، بحيث تراجع القضاء الفرنسي عن قرار إخلاء سبيل المشتبه، بما فتح الباب للمحاكمة الجديدة. ويشغل حسن دياب منصباً جامعياً أكاديمياً في كندا التي عاد إليها طليقاً في يناير (كانون الثاني) من عام 2018، بعد أن كفت السلطات الفرنسية الملاحقات في حقه. ويعد الملف المذكور الأطول في قضايا مكافحة الإرهاب في فرنسا. ورفض دياب الذي دافع دوماً عن براءته المثول مجدداً أمام القضاء الفرنسي، فيما امتنعت السلطات القضائية عن مطالبة كندا بإعادة تسليمه.
أما اليوم، فستبدأ في باريس محاكمة 11 مسؤولاً في «حزب العمال الكردستاني» بتهم «ابتزاز» أشخاص من الجالية الكردية مقيمين في فرنسا، و«تمويل الإرهاب»، وممارسة «الدعاية» لتجنيد شباب. ويمثل هؤلاء الأشخاص الأحد عشراً، وكلهم من الرجال الحاملين للجنسية التركية أمام محكمة الجنايات في باريس. ويرفض جميع المتهمين اعتبارهم أعضاء في «حزب العمال الكردستاني»، الذي يعده الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا إرهابياً، وهم يؤكدون أن وجوده محصور «في جبال» كردستان، بعيداً عن فرنسا حيث يعيشون. بيد أن المحققين واثقون من انتمائهم إلى «حزب العمال» المذكور، ويعتقدون أن فرنسا وكذلك ألمانيا وهولندا تمثّل «قواعد خلفية» تنشط فيها «خلايا سرية» بهدف «تعبئة» الجالية الكردية التي تعد 120 إلى 150 ألف شخص في فرنسا، و100 ألف في هولندا، ونحو مليون في ألمانيا. ويعد حضور «العمال الكردستاني» وأنشطته في السويد أحد الأسباب التي تمنع تركيا، حتى اليوم، من قبول انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، بعكس موافقة برلمانها على انضمام فنلندا هذا الأسبوع، بعد أن صدقت كل برلمانات أعضاء الحلف الثلاثين على ذلك.
بيد أن المحاكمة الأولى تبدو الأكثر إثارة، لأنها المرة الأولى التي تعمد فيها مجموعة للتخطيط لمهاجمة محيط القصر الرئاسي الواقع في قلب باريس. والمثير فيها أيضاً نجاح المديرية العامة للأمن الداخلي في اختراق المجموعة عند طريق عنصرين تابعين لها. وتتراوح أعمار المتهمين ما بين 17 و39 عاماً عند توقيفهما بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) 2019، وهم يخضعون حالياً للمحاكمة بتهمة الارتباط بمنظمات إجرامية إرهابية. ويمثل أربعة في قفص الاتهام، بينما يحاكم الخامس طليقاً تحت رقابة قضائية.
وكان المتهمون يخضعون للمراقبة من المخابرات الداخلية منذ الأول من فبراير (شباط) 2019 بسبب انتمائهم لطروحات «إسلامية» متطرفة و«الجهاد المسلح». ونظراً للاشتباه بخطورتها، عمدت المديرية المذكورة إلى اختراق المجموعة من خلال عميلين في جهاز الاستخبارات الداخلية أحدهما سمى نفسه «أبو محمد» والآخر «أبو بكر». وبطبيعة الحال، لم تكشف الهوية الحقيقية للعميلين. وجاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أن التنصت على المكالمات الهاتفية والتعليقات التي وردت خلال الاجتماعات التحضيرية للمجموعة، وفقاً للادعاء، بين أن هناك «تحضيراً لعمل عنيف يستهدف محيط قصر الإليزيه والشرطة المناوبة، وربما المدنيين في جادة الشانزليزيه». وسعى العميلان إلى الإيقاع بالمجموعة والقبض عليها ليس بجرم القيام بعمل إرهابي، ولكن التخطيط للقيام به.
وبينت المعلومات التي كشف عنها أن أحد العميلين السريين، وهو مراقب محتوى على الإنترنت يعمل تحت اسم مستعار هو «أبو محمد»، قال في 24 أبريل 2019، على مجموعة تواصل مشفرة على «تلغرام»، إنه حصل على رشاشين من طراز كلاشينكوف، وإنه تم إيداع الأسلحة في شقة بالقرب من محطة قطارات خاضعة للمراقبة في باريس. وكان الجهاز الأمني قد عمد سلفاً إلى تعطيل الرشاشين. ويروي تقرير الوكالة الفرنسية عملية استدراج الخمسة، حيث ذهب، بعد يومين، عضوان في المجموعة، ألكسندر بنون وكريم برجغلول، برفقة العميل السري الثاني، واسمه المستعار أبو بكر، إلى الشقة، فيما لم يستطع الشخص الثالث «فريد» الذهاب إلى الموعد بسبب احتجازه في مقر للشباب الجانحين. تم توقيف بنون وبرجغلول لدى مغادرتهما الشقة. وبعد قليل أوقف فريد في المقر، ورابع يشتبه بدوره ممولاً للمشروع الإرهابي، وقد قبض عليه في منزله. أما الشخص الخامس وأطلق عليه اسم «آدم إكس»، وهو قريب لفريد، فقد اعتقل في شهر يوليو 2019، للاشتباه بأنه لم يعمد إلى الإبلاغ عن الهجوم المخطط له، الذي كان يعلم بأمره، ومن المقرر أن تعقد معظم جلسات المحاكمة التي ستستمر حتى 19 أبريل خلف أبواب مغلقة، لكون اثنين من المتهمين قاصرين في يوليو 2019، واعتقل خامس، حين حصول الوقائع ذات الصلة.
انطلاق 3 محاكمات مرتبطة بالإرهاب في باريس
أبرزها التخطيط للقيام بهجوم في محيط قصر الإليزيه
انطلاق 3 محاكمات مرتبطة بالإرهاب في باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة