نهج بسيط لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بتكلفة منخفضة

«كاوست» تطور أقطابا كهربائية أرخص بأداء مرتفع

نهج بسيط لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بتكلفة منخفضة
TT

نهج بسيط لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بتكلفة منخفضة

نهج بسيط لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بتكلفة منخفضة

برز مصطلح «الهيدروجين الأخضر» في المدة الأخيرة بوصفه وقوداً بديلاً صديقاً للبيئة خالياً من الانبعاثات الكربونية. وهو ينتَج بواسطة التحليل الكهربائي للماء بالاعتماد على الطاقة المتجددة، فتفصل جزيئات الهيدروجين فيه عن جزئيات الأكسجين.
رغوة معجنية
وفي سعيهم إلى الوصول لأعلى كفاءة وفاعلية إنتاجية، توصل باحثو «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» إلى نهج بسيط لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بتكلفة منخفضة، معتمدين في ذلك على أحد أنواع الرغوة المعدنية، وهي هيكل مسامي خلوي يتكون من مادة صلبة معدنية (غالباً الألمنيوم) مليئة بالغاز.
يقول البروفسور ماني ساراثي، أستاذ الهندسة الكيميائية والمدير المشارك لـ«مركز أبحاث الاحتراق النظيف» في «كاوست»: «ظل الهيدروجين مصدر الطاقة النظيفة المنسي منذ عقود، وتحديداً منذ أن جرى اقتراحه لأول مرة مصدراً للطاقة المتجددة، ولكن ساهمت في تهميشه تقنيات ارتبطت به، مثل خلايا وقود الهيدروجين، التي فشلت في اللحاق بمصادر الطاقة النظيفة الأخرى المنتشرة اليوم مثل الرياح والطاقة الشمسية». ويضيف: «ولكن بفضل بعض التطورات التقنية الحديثة، والجهود البحثية التي قامت بها جهات عالمية بارزة مثل (كاوست)، فضلاً عن استدراك أهمية مصادر الطاقة البديلة في الخطط الحكومية لمواجهة تبعات تغيّر المناخ، فقد تكون الفرصة سانحة اليوم لِعَدّ الهيدروجين مصدراً للطاقة البديلة أكثر من أي وقت مضى».
يذكر أن المملكة العربية السعودية قد قطعت شوطاً كبيراً ضمن إطار «رؤية 2030» في تنويع مصادر الطاقة؛ فقد توجّهت بوصلتها لتحجز مكانها ضمن قائمة الدول الرائدة في قطاع الطاقة المتجددة في خضم التوجه العالمي الواسع نحو الطاقة النظيفة للحد من تغير المناخ. وكذلك في إطار سعيها الدائم نحو تحقيق طفرة نوعية في مختلف المجالات والقطاعات، بعيداً من الاعتماد الأساسي على النفط.
إنتاج الهيدروجين المتجدد
يوضح ساراثي أن «إنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد على عملية تسمى (التحليل الكهربائي)، يجري خلالها تمرير تيار كهربائي لفصل جزيئات الماء إلى ذرات هيدروجين وأكسجين. وعند إنتاج الهيدروجين بهذه الطريقة، فإن الناتج الثانوي الوحيد هو الماء، ومع ذلك نستطيع توليد طاقة نظيفة يمكن استخدامها في الصناعة والنقل... وغيرهما. لكن المعضلة تكمن في أن تقنيات التحليل الكهربائي للمياه اليوم مكلفة جداً، وتتطلب مياهاً محلاة عالية النقاء يصعب توفرها في المناطق الصحراوية».
وللتغلب على ذلك، تجري «كاوست» أبحاثاً فريدة في طرق التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر لتجنب الحاجة إلى عملية التحلية أو استخدام المياه النقية، بالإضافة إلى قيامها بأبحاث تستهدف إنتاج مواد جديدة ومتينة للمحللات الكهربائية، تساهم في خفض تكلفة هذه العمليات، وتطويرها خوارزميات مدعومة بتقنية الذكاء الصناعي المخصصة لتحسين أداء أجهزة التحليل الكهربائي.
ولا تقتصر جهود الجامعة البحثية على تطوير عملية التحليل الكهربائي فقط؛ بل تشمل أيضاً ابتكار طرق أخرى لاستخدام الهيدروجين بعد إنتاجه، ووضع حلول لعملية نقل الهيدروجين، التي تعدّ التحدي الرئيسي في هذه العملية برمتها.
يذكر أن «كاوست» دخلت أيضاً في شراكة مع «نيوم»؛ مدينة المستقبل التي من المتوقع تشغيلها بالكامل من خلال الطاقة المتجددة، وسيكون «الهيدروجين الأخضر «جزءاً مهماً من اقتصاد المدينة».
الاستراتيجية الجديدة
النهج أو الاستراتيجية الجديدة التي توصل إليها الفريق البحثي بقيادة الدكتور برافين بابار، الباحث فيما بعد مرحلة الدكتوراه في «مختبر البروفسور كافير يافوز»، وقائد الفريق البحثي القائم على الدراسة أخيراً، يقول عنه: «تغليف الرغوة تغليفاً مُحكماً بمواد نانوية من الحديد والكوبالت يُنتج قطباً كهربائيّاً عالي النشاط في جهازٍ يفصل جزيئات الماء ليتصاعد الأكسجين والهيدروجين، اللذان قد يدخلان في إنتاج وقود الهيدروجين الأخضر». والمواد النانوية مجموعة من الحبيبات تحتوي على عدد من الذرات، وقد تكون هذه الحبيبات مرئية أو غير مرئية بالعين المجردة بناء على حجمها، ويتراوح حجم المواد النانوية بين 1 و100 نانومتر.
وظهرت الحاجة إلى استحداث طرق لتحويل الكهرباء المتجددة إلى وقود خالٍ من الكربون يمكن تخزينه ونقله واستخدامه لاحقاً؛ نظراً إلى أن توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية يحدث على أوقات متقطعة.
يوضح بابار: «يُعَدّ الفصل الكهروكيميائي للماء طريقة عملية لتحقيق تلك الغاية. ويمكن توظيف جهاز كهروكيميائي في تفكيك جزيئات الماء باستخدام الكهرباء المتجددة، مما يطلق الأكسجين عند القطب السالب (الأنود) والهيدروجين عند القطب الموجب (الكاثود)».
يُذكر أن أجهزة فصل الماء عالية الأداء الحالية تعتمد على أقطاب كهربائية مصنوعة من معادن نادرة وباهظة الثمن، مما يحد من انتشارها واستعمالها على نطاق واسع. يقول بابار: «أجرينا الدراسة بدافع استبدال (الأنود) القائم على معدن نفيس في أنظمة فصل الماء، وتقليل التكاليف، وتعزيز الإنتاج الضخم بطريقة سهلة، مع عدم المساس بالأداء، لذا ابتكرنا استراتيجية لهندسة السطح البيني الفاصل، تعتمد على مواد تكلفتها أقل وأداؤها يكاد يضاهي أداء (الأنود) المتعارف عليه والقائم على معادن نفيسة».
وباتباع نهج كيميائي بسيط وسريع وقابل للتطوير يعتمد على مواد كيميائية سائلة، استطاع الفريق تخليق صفائح نانوية ثنائية الأبعاد، وابتكار مادة تجمع بين القدرة العالية على التوصيل الكهربائي وتغطية مساحة سطح كبيرة بكثير من المواقع النشطة لإنتاج الأكسجين الجزيئي (O2). وقد تبيَّن أن هذه المادة تتمتع بالمتانة أيضاً؛ إذ لم يُرصد أي تراجع في أدائها بعد 50 ساعة من الاستخدام المتواصل.
يُعلق بابار بأنه «استناداً إلى الأداء المميز الذي أظهرته هذه المادة في تفاعل توليد الأكسجين، ونظراً إلى خواصها الحركية، واستقرارها طويل الأمد عند ارتفاع شدة التيار مقارنة بالمحفِّزات الأخرى - التي أُعلن عنها أخيراً - فهي أنسب المواد المرشَّحة لصنع قطب كهربائي منخفض التكلفة يمكن الاستفادة منه في تفاعل توليد الأكسجين».
ويعتقد يافوز أن نتائج الجمع المُحكَم بين مواد نانوية عدة في مادة واحدة لصنع قطب كهربائي، كانت مفاجأة سارة بوصفها بداية لابتكار نظام مستدام يؤدي عملية فصل الماء بصورة شاملة لا تقتصر على تفاعل توليد الأكسجين فقط.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.