يوما بعد الآخر تتسع القطيعة بين بوركينا فاسو وفرنسا، فبعد توترات سياسية، أعقبها إنهاء للتواجد العسكري الفرنسي في المستعمرة السابقة غرب أفريقيا، تشن السلطات العسكرية في واغادوغو حملة ضد وسائل الإعلام الفرنسية، أحدثها طرد مراسلتي صحيفة «لوموند» وصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسيتين.
الحملة ضد «كل ما هو فرنسي» تأتي وسط تناغم بين القيادة العسكرية للبلاد والشعب البوركينابي، بحسب محللين سياسيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «إجراءات السلطات البوركينية هي في الأصل استجابة لموقف شعبي عام رافض للوجود الفرنسي منذ فترة».
وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية عبر موقعها الإلكتروني، الأحد: «مراسلتنا في بوركينافاسو صوفي دوس طردت من البلاد... في الوقت نفسه مع زميلتها من صحيفة (ليبيراسيون) أغنيس فيفر». ورفضت الصحيفة، الخطوة باعتبارها «تعسفية» و«غير مقبولة»، بحسب «الصحافة الفرنسية».
من جانبها، قالت صحيفة «ليبيراسيون» إن «العقوبة جاءت وجلبت معها التأكيد بأن حرية الصحافة في بوركينا فاسو مهددة بشكل كبير»، وأضافت «أنييس فيفر وصوفي دوس صحافيتان تتمتعان بنزاهة تامة وعملتا في بوركينا فاسو بشكل قانوني ولديهما تأشيرات واعتمادات سارية المفعول صادرة عن حكومة بوركينا فاسو».
ووصلت الصحافيتان إلى باريس في وقت مبكر الأحد، بعد أن استدعتهما «إدارة الأمن القومي» في واغادوغو وأمرتهما بمغادرة بوركينا فاسو خلال 24 ساعة.
وكان تحقيق نشرته «ليبيراسيون» في 27 مارس (آذار) الماضي، أثار غضب المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو. ويتضمن التحقيق مقطع فيديو يظهر «أطفالا ومراهقين أعدموا في ثكنات عسكرية على يد جندي واحد على الأقل». وكتب حينها المتحدث باسم حكومة بوركينا فاسو، جان إيمانويل ويدراوغو، أن «الحكومة تدين بشدة عمليات التلاعب هذه، المقنّعة بالصحافة لتشويه صورة بلد الرجال الشرفاء»، مؤكدا أن الجيش يعمل في إطار «احترام صارم للقانون الدولي الإنساني».
ويوم الاثنين الماضي، أوقف المجلس العسكري في بوركينا فاسو جميع البرامج التي تبثها قناة (فرانس 24)، بعد أن أجرت مقابلة مع زعيم تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، علق المجلس العسكري بث إذاعة فرنسا الدولية «أر إف أي»، المنتمية لنفس مجموعة «فرانس ميديا موند» مثل «فرانس 24»، متهما المحطة الإذاعية ببث «رسالة ترهيب» نسبها إلى «زعيم إرهابي».
وتدهورت العلاقات بين باريس وواغادوغو منذ الانقلاب العسكري، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو الثاني في ثمانية أشهر، الذي مكَّن القائد إبراهيم تراوري من تولي منصب الرئيس الانتقالي للبلاد.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت هيئة أركان الجيش في بوركينا فاسو انتهاء عمليات القوة الفرنسية العسكرية «سابر» على الأراضي البوركينية، كما ألغت الحكومة الانتقالية اتفاقيات الدفاع بين باريس وواغادوغو.
وتُتهم فرنسا بالفشل في مواجهة الجماعات «الجهادية»، واعتبر رئيس الوزراء في بوركينا فاسو أبولينير يواكيمكييليم دو تامبيلا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن «بعض الشركاء» الدوليين لبلده «لم يكونوا أوفياء دائماً» في مكافحة الجماعات المتشددة. وقال من دون أن يسمي دولاً محددة: «كيف نفسر أن الإرهاب يفسد بلادنا منذ عام 2015 في جو من اللامبالاة، إن لم يكن بتواطؤ بعض من يسمون أنفسهم شركاءنا؟ ألم نكن حتى الآن ساذجين جداً في علاقاتنا بشركائنا؟ لا شك في ذلك».
ويعتقد المحلل السياسي التشادي، المتخصص في الشأن الأفريقي، الدكتور محمد شفاء، أن هناك رغبة سياسية وشعبية في بوركينا – وكذلك عدد من المستعمرات الفرنسية السابقة- في رفض كل ما هو فرنسي، حتى التعامل باللغة الفرنسية، بناء على صورة ذهنية سلبية تكونت خلال الفترة الماضية.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، تلك الدول تنظر إلى باريس ليس فقط باعتبارها فشلت في مكافحة التمدد الإرهابي هناك، بل حتى التعاون الاقتصادي غير مثمر، وقائم على تقديم القليل من المعونات والمنح لا تتضمن استثماراً حقيقيا في البنية التحتية أو التنمية الاقتصادية وعلاقات تجارية تبادلية.
ووفق الباحث السوداني المتخصص في الشأن الأفريقي محمد تورشين، فإن «التناغم الرسمي والشعبي سيعزز من الموقف العدائي بين بوركينا وفرنسا، وقد يدفع باتخاذ خطوات تصعيدية أخرى، خاصة أن تراوري يسعى بدوره إلى بناء جبهة داخلية قوية تعزز وجوده وشعبيته داخلياً في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية».
بوركينا فاسو تواصل حملتها ضد «الوجود الفرنسي»
طردت مراسلتي صحيفتي «لوموند» و«ليبيراسيون»
بوركينا فاسو تواصل حملتها ضد «الوجود الفرنسي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة