استنكار للاعتداء على مدافن مسيحية في صيدا

القوى الأمنية بدأت التحقيق بالحادث

TT

استنكار للاعتداء على مدافن مسيحية في صيدا

أثار اعتداء وتخريب طالا مدافن لمسيحيين في منطقة صيدا، جنوب لبنان، موجة من المواقف الرافضة من قبل جهات سياسية ودينية مختلفة، حيث كان تأكيد على مواجهة هذه الأعمال ومطالبات بتوقيف الفاعلين.
وأقدم مجهولون مساء السبت على الاعتداء وتخريب مدافن الطائفة المارونية في صيدا، وقاموا بتحطيم شواهد قبور ورموز دينية وتماثيل طاولت نحو 10 قبور في المدفن، وهو ما استدعى تحرك القوى الأمنية التي بدأت على الفور التحقيق بالحادث.
وقد دان راعي أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمّار «العمل التخريبي الذي طال اليوم مدافن مسيحية في منطقة صيدا»، وأكد في بيان «الشجب الشديد والاستنكار لتكرار مثل هذه الأعمال التي تثير النعرات ولا تخدم العيش المشترك»، ودعا «أجهزة الدولة الأمنية والقضائية إلى الكشف عن المتورطين وتوقيفهم وإدانتهم»، معرباً عن ثقته بأن «أهالي صيدا وفعالياتها الأصيلين لا يقبلون بمثل هذه التصرفات، ويشددون مثلنا على رسالة العيش الواحد في هذه المنطقة العزيزة».
بدوره، دان النائب عن المنطقة، عبد الرحمن البزري، هذه التعديات، معتبراً أن مثل هذه الأعمال مرفوضة، ويجب معاقبة من قام بها والتحري عنهم وعن دوافعهم، وشكر القوى الأمنية ومخابرات الجيش وفرع المعلومات لسرعة استجابتهم ولإرسالهم عناصر متخصصة لمتابعة هذا الموضوع والتحقيق به.
وزار النائب الدكتور أسامة سعد مطرانية صيدا للموارنة، حيث التقى المطران مارون العمار. واستنكر سعد «الاعتداء على حرمة المقابر المارونية والكاثوليكية»، واعتبر أن «هذه الحادثة هي جزء من التفلت المتصاعد، الذي يحتاج إلى إجراءات سريعة لردع المعتدين». وأمل «أن تتمكن القوى الأمنية وبشكل سريع من كشف ملابسات هذه الجريمة ومعاقبة المرتكبين».
من جهته، استنكر رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، في بيان، «الاعتداء بالتكسير والتخريب الذي طال المدافن»، ورفضت رئيسة «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة» بهية الحريري، الاعتداء والتخريب اللذين تعرضت لهما مدافن الطائفة المارونية. وقالت: «إن هذا العمل المدان والمستنكر هو اعتداء على ما تجسده صيدا وجوارها من نموذج للعيش الواحد واعتداء على كل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية التي تمثلها».
وفي الإطار نفسه، اتصل عضو كتلة «التنمية والتحرير» النيابية النائب ميشال موسى، براعي أبرشية صيدا، مستنكراً «الاعتداء السافر» على مدافن الطائفة في صيدا، مؤكداً أن «صيدا سوف تبقى مدينة الشراكة والعيش الواحد».
واستنكرت الرابطة المارونية بدورها «التعدي الذي دنس المدافن المسيحية في مدينة صيدا»، واعتبرت أنه «جاء في وقت مشبوه يشهد ارتفاعاً في منسوب الخطاب الطائفي، وكأن الهدف منه جر البلاد إلى نزاعات طائفية تستفيد منها أطراف خارجية لتحقيق مصالحها على حساب لبنان وإفراغه من أبنائه الأصليين».
وحذرت من أن «التهاون في كشف المتورطين بهذه التعديات المستنكرة سيؤدي إلى مزيد من الانقسام، وسيؤثر على العيش المشترك الذي لطالما حافظت عليه مدينة صيدا في أصعب الظروف التي شهدها لبنان أيام الحرب الأهلية المشؤومة»، وثمنت موقف أهل مدينة صيدا وقياداتها «المتضامن وشجبهم التعدي الذي عدوه يطاول جميع أبناء المدينة مسلمين ومسيحيين».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

TT

مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك.

لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

لا بد من التذكير المتواصل للنفس، ومع كل خطوة والتفاتة بأنها بالفعل ليست غزة، بل مخيم اليرموك الذي لا يبعد أكثر من 18 كيلومتراً من ساحة الأمويين، وشهد تدميراً منهجياً وحصاراً مديداً حتى مات أكثر من 150 شخصاً من سكانه غالبيتهم من الأطفال، جوعاً وعطشاً.

العائلات القليلة التي عادت منذ سقوط نظام بشار الأسد أو منذ بضعة أشهر أو سنتين على الأكثر لا تزال غير مرئية وسط الدمار الهائل الذي لا يحده بصر، ولا تختذله عدسة عين أو كاميرا.

ويبدو عابر السبيل الخارج من خلف هذه الأنقاض أو بعض الأطفال العائدين من صفوفهم المرتجلة في مدرسة الأونروا القريبة كمشهد من فيلم.

لكنه عملياً واقع السكان اليومي وحياتهم التي نجوا بها.

لا خدمات في المخيم كما يقول كل من التقيناهم. لا كهرباء أو مياه جارية أو إنترنت أو أي مرافق صحية ولو بالحد الأدنى، بل مجرد هياكل أبنية ودمار مديد والكثير من الغبار.

يحاكي الدمار بين جنبات مخيم اليرموك مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)
يحاكي الدمار بين جنبات المخيم مشاهد الحرب في غزة (الشرق الأوسط)

ذكرى حصار التجويع لم تفارق اليرموك

شاب نجا من حصار التجويع في العام 2018 تحدث لـ«الشرق الأوسط» مفضلاً عدم ذكر اسمه، وقال: «أذكر أول كسرة خبز أكلتها بعد أيام من الجوع. لا يفارقني طعمها. فبعد نحو أسبوع من فقدان الطعام والمياه تذكرت أني رأيت في ثلاجة جيراننا كيس خبز مهمل. استجمعت قواي وذهبت فوجدت الثلاجة المحترقة بفعل القصف ملتصقة بربطة الخبز ولكن طرف بعض الأرغفة نجا وكان فقط متعفناً... فالتهمته كوجبة فاخرة».

ثم يعود الشاب ويفتح صوراً قديمة على هاتفه وقد بدا عليه الشحوب وفقدان الوزن كأنه شخص آخر. هو وغيره من الذكور وبعضهم أرباب أسر كانوا يخشون القتل أو الاعتقال إذا ما توجهوا إلى نقطة توزيع الحصص الغذائية التي بدأت تدخل المخيم بالقطارة عبر فصائل محلية والأمم المتحدة. فكثير من «الممرات الإنسانية الآمنة» تحول فخاً للإيقاع بالرجال والشباب وحتى اليافعين.

والمخيم الذي تعرض منذ 2011 لموجات متقطعة من الاستهداف العسكري والقصف الجوي ومعارك شرسة شاركت فيها فصائل فلسطينية موالية لبشار الأسد وعلى رأسها تنظيم «الجبهة الشعبية- القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل، عاش في 2018 أحد أسوأ كوابيسه. فبعد انطلاق الانتفاضة الشعبية في 2011 وانحياز عدد غير قليل من الفلسطينيين لها، سواء من معارضين مستقلين أو منضويين تحت مظلة حركة «حماس»، شنّ جبريل وفصائل حليفة حرباً ضروساً على المخيم وفصائل «الجيش الحر» دفاعاً عن الأسد.

ولم تتأخر البراميل بإمطار المخيم والأحياء الملاصقة له كالحجر الأسود والتضامن ويلدا، وفاقم ذلك جيب لتنظيم «داعش» كان استقر في الجزء الجنوبي من اليرموك عند مثلث جغرافي يربطه بتلك الأحياء.

تغلب مشاهد الدمار على أي أمارات للحياة في مخيم اليرموك (الشرق الأوسط)
تغلب مشاهد الدمار على أي أمارات للحياة في المخيم (الشرق الأوسط)

أبو حسان من «حارة الفدائية»، صادفناه وهو عائد من عمله في دهان الأثاث خارج المخيم، بدا منهكاً وهو يتجه نحو بيته. قال لـ«الشرق الأوسط»: «عدنا بما تيسر. الأفضل أن أسكن في بيتي على سوء أوضاعه من أن أدفع إيجارات لا أقوى عليها».

تحدث الرجل بمرارة عما مر به في السنوات الماضية، وقال: «همّ وانزاح عن صدورنا... لكننا مازلنا متروكين لمصيرنا». وأضاف وهو يكابد الدمع: «كنا نتابع أخبار غزة ونتألم ولكن أنظري حولك... هل نحن هنا في حال أفضل؟».

الانتقام من الأموات في قبورهم

في مكان لم ينج فيه البشر ولا الحجر، نال الأموات أيضاً نصيبهم. فهنا، في «مقبرة الشهداء» اختلطت المدافن ببعضها البعض ولم تعد المعالم واضحة. عندما سيطر تنظيم «داعش» على شريط ضيق عند أطراف المخيم قام عناصره بتدمير شواهد القبور والانتقام منها ثم لحق ذلك قصف مباشر بالبراميل والقذائف من القوات السورية للمقبرة نفسها فلم تبق حجراً على حجر.

ولهذه المقبرة أهمية كبرى كونها تضم قبور عدد من القادة الفلسطينيين الأوائل وأبرزهم خليل الوزير المعروف بـ«أبو جهاد» وكان مقرباً من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وعلى عداء شديد مع حافظ الأسد. فجاء تدمير قبره وقبر غيره في هذا المكان أشبه بانتقام مفتعل قبل إعادة تسليم المخيم لفصائل موالية للأسد.

ويقول أبو أحمد وهو القائم على المقبرة: «90 في المائة من القبور غير معروفة لأصحابها. القصف خلط ما فوق الأرض بما تحتها. ومن يريد أن يدفن أحداً اليوم يذهب إلى مكتب الدفن ويقدم تعهداً بأن هذا القبر له ولعائلته على مسؤوليته الشخصية. فلا شواهد ولا قبور... لا سلمنا من هذا ولا من ذاك».

حتى المقابر في مخيم اليرموك طالتها يد الانتقام (الشرق الأوسط)
حتى المقابر في مخيم اليرموك طالتها يد الانتقام (الشرق الأوسط)

اليرموك «عاصمة فلسطين الشتات»

كان مخيم اليرموك الذي بُني عام 1957، وينبسط على مساحة تقارب كيلومترين ونصف، سوقاً تجارية كبيرة سكنه قرابة مليون ونصف شخص من السوريين والفلسطينيين وبعض العراقيين ولم يعد إليه حالياً أكثر من 8 آلاف نسمة، بحسب تقديرات «الأونروا».

ولا شك في أن الوضع على ما يردد الناس هو تذكير دائم بالوضع في غزة، لكنه لا يقتصر على مخيم اليرموك فحسب. فهو واحد من 15 مخيماً فلسطينياً في سوريا أكثر من 8 منها تعاني دماراً شاملاً وتحتاج ما يحتاجه اليرموك وبقية المناطق السورية والأحياء والضواحي الدمشقية التي سويت بالأرض من إعمار وإسناد.

وإذ يعاني السكان الأهمال التام وعدم معرفة مصيرهم ومصير ذويهم من المفقودين ومآلات منازلهم ووضعهم العام في المرحلة المقبلة، إلا أن الأصعب بالنسبة إليهم يبدو في شكواهم المتكررة من أنهم في حالة ضياع ومتروكون لمصيرهم بلا أي مرجعية اجتماعية أو خدمية أو سياسية.

كأنهم أصبحوا فجأة أيتام النظام السابق والفصائل المسلحة والثورة والتحرير دفعة واحدة.

فحتى الفصائل الفلسطينية التي كانت تسيطر على المخيم وتصادر قراره إلى حد بعيد يقطن قادتها ومن بقي منهم خارج أسواره في أحياء دمشق المتوسطة والفاخرة وبعضهم كان سبق وتوجه إلى بيروت.

والحال ان السكان من المدنيين وقعوا لسنوات طويلة بين مثلث نيران: «داعش» وفصائلهم والنظام، علماً أن التنظيم في دمشق نشأ على يد سجين سابق من بلدة يلدا أطلقه النظام بعد فترة وجيزة من بداية التظاهرات في 2011، بحسب تأكيدات مصادر متقاطعة لـ«الشرق الأوسط». وشاركه التأسيس ضابط عراقي مقيم في اليرموك بعدما انشق الاثنان عن «جبهة النصرة».

ولفترة غير وجيزة تقارب سنتين وأكثر، تُرك «داعش» ينمو ويتمدد تدريجياً باتجاه أحياء الحجر الأسود والتضامن والطرف الجنوبي لمخيم اليرموك، وشكّل رابطة كبيرة من الفصائل والتنظيمات الأصغر والأكثر تطرفاً والتي عملت على محاربة «الجيش الحر» (آنذاك) وهزيمته.

لم يعد إلى مخيم اليرموك الذي كان يعج بالحياة سوى نحو 8 آلاف شخص (الشرق الأوسط)
لم يعد إلى المخيم الذي كان يعج بالحياة سوى نحو 8 آلاف شخص (الشرق الأوسط)

وخلال تلك الفترة كان الجرحى من تنظيم «داعش» يتعالجون في مستشفى المهيني (الحكومي) ثم أصبحوا لاحقاً أول الفصائل المسلحة التي فاوضت النظام السابق في جنوب دمشق وخرجوا بقوافل منظمة من الحافلات باتجاه بادية السويداء بعدما سلّموا الحواجز العسكرية، فيما سكان مخيم اليرموك محاصرون بشكل كامل.

ومن الحواجز العسكرية التي مررنا بموقعها السابق خلال جولتنا، وتم تسليمها حاجز «علي الوحش» حيث نفذت مجزرة راح ضحيتها 1200 شخصاً من سكان المخيم المدنيين (بحسب الأعداد الموثقة).

ولعل الأفظع في هذه المجرزة الموصوفة ليس عدد الضحايا وحسب، وإنما إيهام السكان بفتح مرر إنساني آمن لتلقي المساعدات بعد فترة من حصار التجويع ثم تصفية الذكور منهم وترحيل النساء والأطفال إلى غير عودة. ولهذا تحديداً أبقى كثيرون على جوعهم وجوع أطفالهم ولم يتجرأوا على الذهاب لتلقي المساعدات.

ويقول الشاب ضياء سليمان الذي عايش تلك الفترة مراهقاً وأصبح اليوم أباً لثلاثة أطفال: «بعد كل ما مررنا به خذلنا الجميع ونحن الآن متروكون بكل المعاني. لا أحد يلتفت إلينا ولا أحد يتحدث إلينا، حتى الذين تسببوا لنا بهذا كله. نحن نحتاج حماية ونحتاج قراراً... نحتاج أن نعرف رأسنا من قدمينا».

علاقة مخيم اليرموك بالسلطة الجديدة

اجتماع غير معلن تسربت بعض المعلومات عنه عقد بين قادة الفصائل في مخيم اليرموك وممثلين عن «هيئة تحرير الشام» قضى بأن يقوم المسلحون الفلسطينيون بتسليم سلاحهم للسلطة الجديدة، أسوة بدعوة عامة أطلقت بهذا الشأن لكافة «المكونات» السورية الأخرى.

وصحيح أن السلاح الفلسطيني في سوريا عموماً ومخيم اليرموك خصوصاً لم يستخدم على أي جبهة ضد إسرائيل وإنما تم تسخيره للاحتراب الداخلي وتكريس سلطة الأسد، يبقى أن سحبه الآن قد يبدو أهون الاستحقاقات.

فالجدوى منه، سواء المزعومة أو الفعلية انتفت كلياً سيما وأن مخيم اليرموك فارغ ومدمر ولا فرصة لإعادة أي سلطة إليه ما لم يتم إعمار الحجر والبشر.

«التحدي الكبير للمرحلة المقبلة هو في كيفية صياغة الوضع القانوني والمدني للفلسطينيين وحمايتهم عبر القوانين»، يقول أيمن أبو هاشم المنسق العام لـ«التجمع الفلسطيني – السوري» (مصير) في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط».

مدخل «مقبرة الشهداء» في مخيم اليرموك (الشرق الأوسط)
مدخل «مقبرة الشهداء» في مخيم اليرموك (الشرق الأوسط)

ويضيف: «بدأنا بفتح قنوات تواصل مع السلطات الجديدة ووقعنا بياناً يجمع نحو 20 منظمة لرفع مطالبنا كفلسطينيين- سوريين بدءاً بمحاسبة من شارك بالقتل والتجويع والتهجير القسري من الأطراف كافة، وصولاً إلى مطلب أساسي هو تعديل القوانين لشمل من تم استثناؤهم من القانون 260 للعام 1956».

وبعكس غالبية بلدان الشتات الفلسطيني، يتيح القانون المذكور للفلسطينيين حقوق العمل والتملّك وكافة الحقوق المدنية ما عدا التصويت. لكنه يستثني من جاءوا بعد نكسة 1967 ومن الأردن بعد 1970، وهؤلاء ليسوا بقلّة.

وإذ يُعرّف غالبية فلسطينيي سوريا عن أنفسهم بأنهم سوريون أيضاً، يقول أبو هاشم إن أحد المطالب الرئيسية لتجمّع «مصير» هو الحصول على الجنسية السورية مع الاحتفاظ بجنسيتهم وهويتهم الفلسطينية. ويقول: «كي لا نتهم بأننا نتنازل عن حق العودة أو عن انتمائنا لفلسطين، لكننا وأبناءنا نستحق منحنا الجنسية السورية كأي إنسان ولد وعاش في بلد وأصبح مزدوج الجنسية في هذا العالم».

ولعل أم قصي التي التقيناها صدفة، أفضل من عبر عن هذا الحال بفطرة وعفوية إذ وصفت عودتها إلى بيتها في المخيم بالقول: «الواحد ما بيرتاح إلا في بيته ووطنه وانه يرجع لأصله». ولدى سؤالها إن كان اليرموك «وطنها» وليس فلسطين وطبريا من حيث تتحدر، قالت: «هون بيعوضنا عن فلسطين... هذه حاراتنا كلها بأسماء قرى وبلدات فلسطين وهذه بلادنا أيضاً».