تتنافس أسر في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة من جيران الحرمين الشريفين، على تقديم سفر الإفطار للصائمين وقاصدي الحرمين الشريفين، وامتدت بعض مبادراتهم إلى عقود توارثها الأحفاد عن الأجداد، بلا انقطاع، إذ يواظبون في كل رمضان على المساهمة في تقديم العون والمساهمة في أكبر مائدة رمضانية بالعالم لضيوف الرحمن.
ويقول عمر نور الهدى، الذي يشارك منذ 13 عاماً في تنظيم سفر الإفطار داخل الحرم المكي، إنه ورث العادة عن والده الذي توفي قبل بضع سنوات ودفن في ثرى مكة المكرمة وشغف بخدمة قاصديها من الزائرين والمعتمرين القادمين من مختلف أنحاء المعمورة، ويضيف: «أشعر وأنا أواظب على هذه المهمة العزيزة إلى قلبي بوصايا وأثر والدي الذي أورثني هذا التقليد الخيري ولازمته وفاءً له وبراً بالخير الذي لا أحب أن ينقطع عنه بعد أن غادر الحياة، وكان من خير ما أوصى به وشدد عليه، سفرة الإفطار في المسجد الحرام».
تتنافس أسر في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة من جيران الحرمين الشريفين على تقديم سفر الإفطار للصائمين (واس)
وحكى نور الهدى عن الكثير من التجارب الأسرية التي تتوارث هذا الإحسان جيلاً بعد جيل، ومن ذلك سفرة أسرة خوندة التي بلغ عمرها حتى اليوم أكثر من 5 عقود، بدأت من الجد الأكبر، ولا يزال الأحفاد من عائلته يواصلون القدوم في نهاية نهار كل يوم من رمضان للوفاء بهذا الالتزام الخيري، ومن التجارب سفر أسرة اللحياني التي يقترب عمرها من عقدين في تقديم وجبات الإفطار لضيوف الرحمن، ويتسابق الصغار والكبار من كل عائلة على إنجاز العمل كل يوم على أتمّ وجه وأفضل حال.
وفي المسجد النبوي، لا تزال أسرة القشّ تتناوب شرف خدمة ضيوف الرحمن في تقديم سفرة تفطير الصائمين لأكثر من 70 عاماً، ويواصل أبناء العائلة الوفاء لمسيرة خيرية بدأها والدهم، ومثلها سفرة عائلة المواطن محمد الأحمدي التي تواصل عادة والدهم التي بدأت قبل 68 عاماً، لتستمر هذه السفرة في إفطار الصائمين. ويحرص أفراد العوائل على اصطحاب الصغار من أبنائهم لتعميق هذا المعنى في نفوسهم وتثبيت هذه العادة لديهم، بوصفه تقليداً اجتماعياً مكّيّاً ومدينياً لا ينقطع.
جانب من سفر تفطير الصائمين في مكة الكرمة والمدينة المنورة
من جهتها، تشرف وكالة الحرمين لشؤون الخدمات على وضع الضوابط المنظمة لوضع السفر واستقبالها، وتهيئة سبل تجهيزها وتحديد مواقع السفر، وذلك في وقت مبكر قبل حلول شهر رمضان، حيث تنتشر آلاف السفر الرمضانية في مختلف أنحاء الحرمين وساحاته، وفق الأصناف المسموح بها والكميات المحددة، وتقديمها للصائمين وفق اشتراطات صحية مخصوصة، كما تنظم إدارة الساحات ووحدة السفر بترتيب ونظام دقيقين عملية إفطار الصائمين، فيما ترفع آلاف السفر في وقت قياسي قبل القيام لأداء صلاة المغرب.
ويقول محمد العمري، أحد منسوبي رئاسة شؤون الحرمين، إن أبناء تلك الأسر يحرصون على الحضور إلى الحرم المكي في وقت مبكر من عصر كل يوم رمضاني، لتجهيز سفر الإفطار الخاصة بهم، وأضاف: «يشارك الصغار والكبار من أبناء العائلة الواحدة التي تتحفز لتقديم خدماتها وبذل عطائها بسرور إلى ضيوف الرحمن، في مشهد لا يملّ يعكس تضامن المسلمين والتئامهم، وحب السعوديين من جيران الحرمين لبذل الخير وتقديم العطاء، وهي عادة حميدة توارثتها الأجيال، وتنظمها الجهات المختصة التي تلزم استصدار تصريح خاص بكل سفرة لضمان تقديم العمل بجودة عالية وكفاءة تامة، حرصاً على سلامة الزائرين والمعتمرين.