كيف نتعامل مع تجربة الفقد لدى الأطفال؟

برنامج الدعم النفسي للتكيّف مع آثار الفجيعة

كيف نتعامل مع تجربة الفقد لدى الأطفال؟
TT

كيف نتعامل مع تجربة الفقد لدى الأطفال؟

كيف نتعامل مع تجربة الفقد لدى الأطفال؟

تعدّ تجربة فقدان أحد الأبوين من أعنف الصدمات النفسية التي يتعرض لها الطفل، خصوصاً في مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة، ويمكن أن تحدث آثاراً نفسية تصاحب الطفل لمدة طويلة وتزيد من خطر إصابته بالاكتئاب لاحقاً إذا لم تعالَج ويُهتم بها بالشكل الكافي.
وفي أحدث دراسة لهذه الآثار والتعامل معها، أشار الباحثون إلى ضرورة تقديم المشورة النفسية للأطفال بشكل تلقائي بعد الفقد مباشرة عن طريق الالتزام ببرنامج معين للدعم النفسي يسمى «التعامل مع الفجيعة (bereavement program)»، كان له الأثر الأكبر في تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب، وفي مساعدة المراهقين على تجاوز أزمتهم النفسية.
برنامج الدعم النفسي
الدراسة قام بها باحثون من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة (Arizona State University) ونُشرت في «مجلة الطب النفسي للأطفال والمراهقين (the Journal of Child & Adolescent Psychiatry)» لمعرفة ما إذا كان من الممكن منع الوقوع في الاكتئاب بعد وفاة الوالدين من عدمه عن طريق الدعم النفسي. وقد التحق بالبرنامج (الذي سوف يكون متاحاً عبر الإنترنت قريباً) 244 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و16 عاماً كانوا جميعاً قد فقدوا أحد الوالدين لفترات تتراوح بين 3 أشهر وعامين ونصف العام قبل بداية الدراسة. وأيضاً شملت الدراسة الآباء ومقدمي خدمة الدعم النفسي والطبي لهؤلاء الأطفال بوصفهم جزءاً مهماً من البرنامج.
وكان إجمالي الأسر التي التحقت بالبرنامج 156 أسرة جرى اختيارها بشكل عشوائي من الذين فقدوا العائل، أو «المجموعات الضابطة (controlled group)»، والمجموعات الضابطة هي التي لم تعانِ من الفقد حتى يمكن القياس عليها. وجرى تقسيمهم إلى مجموعات حصلت على كتيباتٍ حول كيفية التعامل مع الحزن؛ مناسبةٍ لعمر كل طفل، ومجموعات أخرى شاركوا في 12 مقابلة من «برنامج التعامل مع الفجيعة»، شملت جلسات مع مقدمي الدعم النفسي للأطفال؛ سواء أحد الوالدين الباقيين، واختصاصي نفسى.
وركزت الجلسات، التي كانت موجهة بشكل أساسي إلى تقديم الدعم في المقام الأول للوالد الباقي، أو البالغين المحيطين بالطفل في حالة وفاة الوالدين، على التأكيد على تفهم حزنهم، وحثهم في الوقت ذاته على تقليل تعرض الأطفال لأحداث الحياة المؤسفة، وتقوية الروابط الإيجابية بين الوالد والطفل، والتعامل مع الحزن بوصفهم عائلة وليسوا أفراداً، وتشجيع الحديث بين أفراد الأسرة عن طريق «السماع النشط (active listening)»؛ بمعنى المشاركة، وعدم الاستهانة بالمشاعر، أو استنكار فترة التأثر الطويلة بالحدث، وكذلك تفهم إمكانية تغير سلوك الطفل نتيجة للحادث، سواء أكان بشكل عام في علاقته مع الآخرين، أو التراجع الدراسي.
التكيّف مع الحرمان
وفي المقابل؛ ركزت الجلسات الخاصة بالأطفال والمراهقين على تعزيز مهارات التكيف مع الحزن والحرمان من عواطف معينة، وإمكانية تعويض جزء من هذه العواطف، وعدم السماح للمشاعر السلبية بإفساد العلاقة مع الآخرين، مثل لوم أحد الوالدين على وفاة الآخر، أو الإفراط في الغضب. وأيضا ركزت الجلسات على أهمية عدم تجاهل الحزن بوصفه نوعاً من الدفاع النفسي، وضرورة التعامل مع الحزن بصفته جزءاً من الحياة.
في بعض الأحيان يميل المراهق إلى تجاهل حادث الوفاة والحياة بشكل طبيعي، حتى يثبت لنفسه أنه قوي بالشكل الكافي، وأن الحزن لم يتمكن منه (وهو بالطبع شعور غير حقيقي). وشمل البرنامج دروساً حول ما يجب فعله عند الشعور بالتوتر أو الحزن، وأيضاً مهارات التواصل للتعبير عن الحزن. وأوضح الباحثون أن مجرد اتباع إرشادات بسيطة والتحكم في المشاعر يمكن أن يساعد المراهق بشكل كبير في التغلب على الحزن.
أظهرت النتائج أن نسبة بلغت 13.5 في المائة فقط من البالغين الذين شاركوا في البرنامج وهم أطفال هم الذين أصيبوا بأعراض الاكتئاب لاحقاً، وهؤلاء كانوا الذين تلقوا الدعم النفسي عبر جلسات المتابعة التي استمرت ما بين 6 أعوام و15 عاماً، مقارنة بنسبة بلغت 28 في المائة من الذين تلقوا الكتب عن الحزن فقط. وأيضاً كانت هناك نسبة 4.8 في المائة من الأطفال عانت من القلق، مقارنة بـ12.2 في المائة في المجموعة التي تلقت الكتب. وفي المجمل كان المراهقون الذين شاركوا في البرنامج أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 67 في المائة بعد 15 عاماً، بالمقارنة بمن لم يشاركوا في البرنامج.
تابع الباحثون مع المراهقين في الجلسات تقييم حزنهم ومناقشة أعراض الاكتئاب والقلق وأي مشكلات نفسية أخرى عانوا منها. واستمرت هذه المقابلات مرات عدة على مر الأعوام؛ بما في ذلك مباشرة بعد انتهاء البرنامج، ثم مرة أخرى في 11 شهراً، و6 أعوام، ثم في نهاية المتابعة عند 15 عاماً. وشملت جميع الأطفال الذين بدأوا الدراسة وأكملوها. وقد أوضحت الدكتورة رنا المغربي (Rana Elmaghraby)، المختصة في طب نفس الأطفال في سياتل، أن الحماية من مخاطر الاكتئاب في المستقبل تتأثر بشكل كبير بجودة الدعم النفسي من الآباء (good parenting) وقدرتهم على جمع أفراد الأسرة في بيئة داعمة مستقرة، وكذلك قدرة الأطفال على التعامل مع الحزن والتعبير عن مشاعرهم بصراحة.
وذكرت الدكتورة رنا أن موت أحد الوالدين في الطفولة يغير الطريقة التي ينظر بها الأطفال إلى العالم وإلى أنفسهم؛ نظراً إلى أن الفقد يحدث في مرحلة لا يكون فيها لدى الأطفال من القوة النفسية ما يمكنهم من تجاوز الأزمة، مما يجعل الحزن يتجذر في شخصيتهم، ويزيد من قابليتهم للإصابة بما تعرف بـ«الأحداث السيئة في الطفولةadverse childhood experiences) )» التي تلازمهم في البلوغ.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».