جدة التاريخية... موسم رمضان يستدعي الماضي وحكاياته

«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
TT
20

جدة التاريخية... موسم رمضان يستدعي الماضي وحكاياته

«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)

لطالما جذبت الأحياء القديمة الزائرين الذين يحملون الحنين والكثير من الذكريات لأماكن وبيوت عاش فيها آباؤهم وأجدادهم. وفي شهر رمضان تنتعش الذكريات ويحلو السمر مع حكايات كبار العائلة، وتتجسد تلك الصورة في جدة التاريخية التي تزدحم حواريها وشوارعها الضيقة بالزائرين الذين ينعمون فيها بأطياف من ذكريات قديمة لعائلاتهم. تفتح المدينة التاريخية ذراعيها لزائريها، تعيد حكايات الطفولة لهم وتعدهم بعادات وطقوس اختفت من حياتهم اليومية بإيقاعها السريع. كل شيء هنا يستدعي الماضي وذكرياته التي تكتسب هالة خاصة تزيد وهجاً في الشهر الفضيل.

لعبة «بيبي فوت»  «إنستغرام»)

بفضل جدول كامل من الفعاليات والأنشطة تتحول منطقة البلد إلى أكثر مناطق مدينة جدة ازدحاماً، حيث أطلقت وزارة الثقافة تحت مسمى «موسم رمضان» شهراً من الفعاليات المستمرة. وفي هذا الموسم تلألأت المنطقة بالأنوار المبهجة، والزينة الرمضانية، اكتملت مع نُصب مجسم لمدفع رمضان الشهير.
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور ولقطات من الموسم، فبرزت المحال المشيدة خصيصاً لتنظيم عمليات بيع الأطعمة، إلى بازار رمضان، حيث تباع الثياب والإكسسوارات وأركان الألعاب والحرف. تبرز اللقطات الفيلمية مقاطع لفرق مغنين يجولون في حواري جدة البلد، لترتفع أصواتهم بأغنيات تراثية يرددها وراءهم عدد من المنشدين مصفقين ابتهاجاً وفرحاً بما يسمعون؛ وعلى الجانبين يحتشد زائرو المنطقة للاستمتاع بطقس جميل يحمل نفحات رمضانية برائحة الأهل والأحباب بينما يصورون اللقطات بهواتفهم الجوالة ومن حولهم تعلو أصوات الباعة وضحكات الأطفال.
ومن ضمن فعاليات الموسم هناك «حكاوي رمضان» يعود الحكواتي إلى جدة التاريخية في شخص أحد سكانها الذي يجلس على منصة في برحة الهزازي (مساحة مفتوحة بين البيوت تحمل اسم أحد المنازل القديمة المطلة عليها وهو بيت الهزازي). يجلس الحكواتي وأمامه جهاز «لابتوب» يعرض من خلاله صوراً جوية لمنطقة البلد، يشير إلى أماكن البيوت والمساجد، ويعدد ما بقي صامداً منها وما تهدم مشيراً إلى بعض البيوت «العصية» التي لا تزال تقاوم الزمن ومنها بيت البترجي وبيت الهزازي.
في برحة الفلاح التي تحمل اسم أول مدرسة للأولاد في جدة «مدرسة الفلاح» والتي لا تزال تطل على البرحة ببابها المزخرف بأبيات شعرية، هنا تُنظّم عروض للطهي الحي؛ وفي مسجد الشافعي التاريخي تجري مسابقات لتحفيظ القرآن. وللأطفال أيضاً تقام ورش للخط الديواني في زقاق بيت باعشن. وفي مبنى رباط الخنجي الصغير الذي تحول إلى «كُتّاب» لتعليم اللغة العربية، تُنظّم جلسات الحكايات والفوازير تلقيها فتيات يرتدين الملابس التراثية للنساء قديماً في منطقة الحجاز. ولمن يريدون تعلّم حرفة الحفر على الخشب، لهم أيضاً خُصصت ورشة خاصة في مركاز الحرفيين «زاوية 97»، وتقع إلى جانب بيت نصيف الأثري هناك أيضاً زاوية أخرى للحرف اليدوية تقع بجوار أحد البيوت التاريخية الأخرى وهو بيت اللبان.

الحكواتي (موقع البلد على «إنستغرام»)

من المشاهد التي تصادف الزائرين للبلد هناك الأطفال الذين ينشغلون بلعب «بيبي فوت» أو (كرة قدم الطاولة) والفتيات الجالسات على الأرض حول رقعة اللعب «كيرم» التي كانت من أهم وسائل التسلية قبل زمن المسلسلات. وإلى جانب آخر، ينشغل البعض بالبحث عن أكلات شعبية قد توجد في أماكن أخرى، ولكنها هنا تحمل مذاقاً مختلفاً يميزها، فمن محال الفول الشهيرة، حيث يتناولون أطباقه بالخلطة السعودية مع أرغفة الخبز (التميس)، إلى دكان آخر يشتهر بعمل شراب «السوبيا» أو بائع يقدم في كشك خشبي بسيط حلوى «غزل البنات».
وأضافت فعاليات «موسم رمضان» هذا العام مكاناً لمشاهدة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، ويُطلق عليها «سينما»، بيد أنها لا تُشبه أي سينما غربية في العالم. من اسمها تتميز، حيث يطلق عليها «سينما أهل أوّل» (أهل أيام زمان)، لها طلة قديمة، حيث يفترش المشاهدون الـ«شلتات» المحشوة على الأرض ويشاهدون في الهواء الطلق مسلسلات وبرامج رمضانية قديمة. فمن يريد يستطيع متابعة أجزاء من حلقات قديمة من مسلسل «طاش ما طاش» أو من «بابا فرحان»، وهناك أيضاً، المسلسلات الرمضانية القديمة والفوازير التي ارتبطت بسنوات الطفولة والشباب لدى كثيرين.
إلى جانب كل الفعاليات والأنشطة تحتل عدد من المعارض الفنية مكانة لها في عدد من البيوت القديمة ضمن فعالية «منطقة رؤيتي وطني» التي تتضمن معارض متخصصة، مثل معرض تاريخ جدة الذي يستضيفه بيت الشربتلي، ومعرض ترميم المساجد التاريخية في باب جديد، ومعرض الطوابع والعملات القديمة في متحف الضيافة والعملات.
تسهر البلد مع زائريها وتنشغل بهم من الساعة التاسعة مساءً لتودعهم في الثالثة صباحاً، ويغادرونها محملين بهدايا وأطعمة وحلويات، والأهم من ذلك كله يرحلون والسعادة تغمر قلوبهم، وكأنهم عادوا بالزمن لزيارة بيوت أجدادهم وليتمتعوا في أرجائها وينعموا فيها بلحظات من السعادة الخالصة.


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

المقاتل السعودي أحمد مكي: أشعر بتوتر لأنني سألعب أمام جماهيرنا بجدة

أحمد مكي (الفنون القتالية المختلطة)
أحمد مكي (الفنون القتالية المختلطة)
TT
20

المقاتل السعودي أحمد مكي: أشعر بتوتر لأنني سألعب أمام جماهيرنا بجدة

أحمد مكي (الفنون القتالية المختلطة)
أحمد مكي (الفنون القتالية المختلطة)

شكَّل المقاتل السعودي أحمد مكي علامةً فارقةً في رياضة الفنون القتالية المختلطة في السعودية على مدار أكثر من رُبع قرن، ليس فقط بوصفه مقاتلاً، بل بوصفه مؤسِّساً ورائداً، حيث نقل هذه الرياضة من الهواية إلى الاحتراف، ومن الممارسة الفردية إلى البطولات المنظمة.

بدأ مكي مسيرته عام 1999 عبر بوابة رياضة الساندا (الكيك بوكسينغ الصيني)، حيث صقلت هذه الرياضة مهاراته الأولى وأسَّسته لرحلته القتالية الطويلة، وجاءت فرصته الأولى لدخول عالم الفنون القتالية المختلطة عندما التقى عام 2006 أحد المقاتلين المحترفين الذي كان يبحث عن شريك تدريب في جدة، ليخطو بذلك أولى خطواته في هذا المجال.

وفي عام 2008، وبالتعاون مع زميله محمد النجار، أسّس فريق «سبايدر» للفنون القتالية المختلطة، في وقت كانت فيه هذه الرياضة حديثة العهد في السعودية وتعاني من قلة الدعم والإمكانات، ورغم ذلك فإن الفريق شهد إقبالاً لافتاً من الشباب السعوديين المتعطشين لاكتشاف هذا النوع من الرياضات.

ولم يتوقف طموح مكي عند حدود بلاده، فقد شقَّ طريقه عام 2012 بالسفر إلى أميركا ليطور من مهاراته، ويتدرب في أقوى الأندية العالمية مثل بلاك هاوس، وكينغز، تحت إشراف المدرب البرازيلي الشهير رافائيل كورديرو، واستمرت فترة تدريبه 4 سنوات كانت بمثابة نقلة نوعية في مستواه الفني.

عاد مكي إلى الساحة العربية عام 2014 حين شارك لأول مرة رسمياً في منظمة «ديزرت فورس» الأردنية، ضمن نسخة أُقيمت في جدة بمشارَكة عدد من المقاتلين السعوديين مثل عبد العزيز جليدان وعبد الأحد قاري، مما رسَّخ حضوره بوصفه مقاتلاً سعودياً بارزاً.

أخذ أحمد زمام المبادرة مجدداً عندما أسَّس بطولة «إس في سي» للهواة عام 2017 في جدة، التي شهدت مشارَكة المقاتل عبد الله القحطاني، وتعدّ من مشارَكاته الأولى في البطولات المحلية، واستمرَّت لعامين بتمويل شخصي من مكي قبل تأسيس الاتحاد السعودي للفنون القتالية المختلطة.

ويمتلك سجل نزالات (1-3-7) ولم تتوقَّف إنجازاته داخل الحلبة، ففي عام 2019، حقَّق لقب بطولة أوروبا للجوجيتسو في روما، دون مدرب أو فريق داعم وهو إنجاز يعكس عزيمته الفريدة بشغفه وإصراره وتحقيق حلمه، كما شارك في منظمة «برايف» في جدة عام 2018، أما آخر نزال له فكان في عام 2020، قبل أن تتوقَّف مشارَكاته؛ بسبب ظروف جائحة «كورونا» وصعوبة إقامة النزالات والسفر.

إلا أنه كان في قفص الأحلام بين الشغف والصبر، حيث مرَّ بكثير من التحديات الصعبة والشاقة، لا سيما أنه كان من مؤسَّسي وأوائل ممارسي هذه الرياضة في السعودية لقلة الدعم، ولقلة الخبرة، وعدم انتشار الفنون القتالية المختلطة، إلا أن عزيمته قادته لتحقيق ما يريد.

إلى جانب مسيرته القتالية، بدأ مكي عام 2010 مشواره مدرباً، وأنشأ لاحقاً أكاديمية خاصة لتدريب الفنون القتالية المختلطة، وأصبح اليوم متفرغاً لتوعية الجمهور بهذه الرياضة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يظهر محللاً ومثقفاً رياضياً.

عبَّر أحمد مكي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن نزاله الأخير المرتقب، قائلاً: «متحمس للغاية لنزالي الأخير، لا سيما أنه بعد فترة انقطاع طويلة، وأشعر ببعض التوتر لأنني سأقاتل بين أرضي وجمهوري في جدة، وكان هذا شرطي الأساسي، والممتع أن أغلب جمهوري لم يشاهدني بصفتي مقاتلاً من قبل، لذا أتطلع لتقديم أفضل ما لديّ».

وأضاف: «أنا فخور بما قدَّمته خلال مسيرتي، ولم أندم يوماً على اختياري لهذه الرياضة، ولو عاد بي الزمن سأختارها مجدداً، ورغم صعوبة لحظة نهاية مسيرتي، فإن لكل قصة نهاية».

وفي ختام حديثه، وجَّه مكي رسالةً ملهمةً للمقاتلين والمقاتلات السعوديين قائلاً: «ضع هدفك نصب عينيك، واسعَ له بإصرار. طوّر مهاراتك، فالقيادة في المملكة تدعم جميع الرياضات. وأنا واثق من أن المقاتِلات السعوديات قادرات على تحقيق أحلامهن وخطف الميداليات في المحافل الدولية كلها».

بهذه المسيرة المليئة بالشغف والإنجازات، يرسِّخ أحمد مكي اسمه أحد أعمدة الفنون القتالية المختلطة في المملكة، ومصدر إلهام لجيل جديد من المقاتلين والمقاتلات السعوديين.

ويخوض أحمد مكي نزاله الأخير أمام المصري هشام النمر في نزال استعراضي لوزن اللايتويت (71 كيلوغراماً) يوم 9 مايو (أيار) في قاعة «أونيكس بجدة».