جدة التاريخية... موسم رمضان يستدعي الماضي وحكاياته

«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
TT

جدة التاريخية... موسم رمضان يستدعي الماضي وحكاياته

«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)
«سينما أهل أول» في البلد (موقع البلد على «إنستغرام»)

لطالما جذبت الأحياء القديمة الزائرين الذين يحملون الحنين والكثير من الذكريات لأماكن وبيوت عاش فيها آباؤهم وأجدادهم. وفي شهر رمضان تنتعش الذكريات ويحلو السمر مع حكايات كبار العائلة، وتتجسد تلك الصورة في جدة التاريخية التي تزدحم حواريها وشوارعها الضيقة بالزائرين الذين ينعمون فيها بأطياف من ذكريات قديمة لعائلاتهم. تفتح المدينة التاريخية ذراعيها لزائريها، تعيد حكايات الطفولة لهم وتعدهم بعادات وطقوس اختفت من حياتهم اليومية بإيقاعها السريع. كل شيء هنا يستدعي الماضي وذكرياته التي تكتسب هالة خاصة تزيد وهجاً في الشهر الفضيل.

لعبة «بيبي فوت»  «إنستغرام»)

بفضل جدول كامل من الفعاليات والأنشطة تتحول منطقة البلد إلى أكثر مناطق مدينة جدة ازدحاماً، حيث أطلقت وزارة الثقافة تحت مسمى «موسم رمضان» شهراً من الفعاليات المستمرة. وفي هذا الموسم تلألأت المنطقة بالأنوار المبهجة، والزينة الرمضانية، اكتملت مع نُصب مجسم لمدفع رمضان الشهير.
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور ولقطات من الموسم، فبرزت المحال المشيدة خصيصاً لتنظيم عمليات بيع الأطعمة، إلى بازار رمضان، حيث تباع الثياب والإكسسوارات وأركان الألعاب والحرف. تبرز اللقطات الفيلمية مقاطع لفرق مغنين يجولون في حواري جدة البلد، لترتفع أصواتهم بأغنيات تراثية يرددها وراءهم عدد من المنشدين مصفقين ابتهاجاً وفرحاً بما يسمعون؛ وعلى الجانبين يحتشد زائرو المنطقة للاستمتاع بطقس جميل يحمل نفحات رمضانية برائحة الأهل والأحباب بينما يصورون اللقطات بهواتفهم الجوالة ومن حولهم تعلو أصوات الباعة وضحكات الأطفال.
ومن ضمن فعاليات الموسم هناك «حكاوي رمضان» يعود الحكواتي إلى جدة التاريخية في شخص أحد سكانها الذي يجلس على منصة في برحة الهزازي (مساحة مفتوحة بين البيوت تحمل اسم أحد المنازل القديمة المطلة عليها وهو بيت الهزازي). يجلس الحكواتي وأمامه جهاز «لابتوب» يعرض من خلاله صوراً جوية لمنطقة البلد، يشير إلى أماكن البيوت والمساجد، ويعدد ما بقي صامداً منها وما تهدم مشيراً إلى بعض البيوت «العصية» التي لا تزال تقاوم الزمن ومنها بيت البترجي وبيت الهزازي.
في برحة الفلاح التي تحمل اسم أول مدرسة للأولاد في جدة «مدرسة الفلاح» والتي لا تزال تطل على البرحة ببابها المزخرف بأبيات شعرية، هنا تُنظّم عروض للطهي الحي؛ وفي مسجد الشافعي التاريخي تجري مسابقات لتحفيظ القرآن. وللأطفال أيضاً تقام ورش للخط الديواني في زقاق بيت باعشن. وفي مبنى رباط الخنجي الصغير الذي تحول إلى «كُتّاب» لتعليم اللغة العربية، تُنظّم جلسات الحكايات والفوازير تلقيها فتيات يرتدين الملابس التراثية للنساء قديماً في منطقة الحجاز. ولمن يريدون تعلّم حرفة الحفر على الخشب، لهم أيضاً خُصصت ورشة خاصة في مركاز الحرفيين «زاوية 97»، وتقع إلى جانب بيت نصيف الأثري هناك أيضاً زاوية أخرى للحرف اليدوية تقع بجوار أحد البيوت التاريخية الأخرى وهو بيت اللبان.

الحكواتي (موقع البلد على «إنستغرام»)

من المشاهد التي تصادف الزائرين للبلد هناك الأطفال الذين ينشغلون بلعب «بيبي فوت» أو (كرة قدم الطاولة) والفتيات الجالسات على الأرض حول رقعة اللعب «كيرم» التي كانت من أهم وسائل التسلية قبل زمن المسلسلات. وإلى جانب آخر، ينشغل البعض بالبحث عن أكلات شعبية قد توجد في أماكن أخرى، ولكنها هنا تحمل مذاقاً مختلفاً يميزها، فمن محال الفول الشهيرة، حيث يتناولون أطباقه بالخلطة السعودية مع أرغفة الخبز (التميس)، إلى دكان آخر يشتهر بعمل شراب «السوبيا» أو بائع يقدم في كشك خشبي بسيط حلوى «غزل البنات».
وأضافت فعاليات «موسم رمضان» هذا العام مكاناً لمشاهدة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، ويُطلق عليها «سينما»، بيد أنها لا تُشبه أي سينما غربية في العالم. من اسمها تتميز، حيث يطلق عليها «سينما أهل أوّل» (أهل أيام زمان)، لها طلة قديمة، حيث يفترش المشاهدون الـ«شلتات» المحشوة على الأرض ويشاهدون في الهواء الطلق مسلسلات وبرامج رمضانية قديمة. فمن يريد يستطيع متابعة أجزاء من حلقات قديمة من مسلسل «طاش ما طاش» أو من «بابا فرحان»، وهناك أيضاً، المسلسلات الرمضانية القديمة والفوازير التي ارتبطت بسنوات الطفولة والشباب لدى كثيرين.
إلى جانب كل الفعاليات والأنشطة تحتل عدد من المعارض الفنية مكانة لها في عدد من البيوت القديمة ضمن فعالية «منطقة رؤيتي وطني» التي تتضمن معارض متخصصة، مثل معرض تاريخ جدة الذي يستضيفه بيت الشربتلي، ومعرض ترميم المساجد التاريخية في باب جديد، ومعرض الطوابع والعملات القديمة في متحف الضيافة والعملات.
تسهر البلد مع زائريها وتنشغل بهم من الساعة التاسعة مساءً لتودعهم في الثالثة صباحاً، ويغادرونها محملين بهدايا وأطعمة وحلويات، والأهم من ذلك كله يرحلون والسعادة تغمر قلوبهم، وكأنهم عادوا بالزمن لزيارة بيوت أجدادهم وليتمتعوا في أرجائها وينعموا فيها بلحظات من السعادة الخالصة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

رئيس تايوان يبدأ جولة إقليمية تشمل هاواي الأميركية

الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي يلوّح للإعلاميين في المطار قبل مغادرته تايوان (أ.ب)
الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي يلوّح للإعلاميين في المطار قبل مغادرته تايوان (أ.ب)
TT

رئيس تايوان يبدأ جولة إقليمية تشمل هاواي الأميركية

الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي يلوّح للإعلاميين في المطار قبل مغادرته تايوان (أ.ب)
الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي يلوّح للإعلاميين في المطار قبل مغادرته تايوان (أ.ب)

غادر الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي بلاده، اليوم السبت، للقيام بجولة مدتها أسبوع في منطقة المحيط الهادئ تشمل محطة في هاواي قوبلت بتهديدات من بكين.

تعتبر الصين تايوان التي تحظى بحكم ذاتي جزءا من أراضيها وتعارض أي اعتراف دولي بالجزيرة واعتبارها دولة ذات سيادة.

وسيزور لاي الذي يقوم بأول رحلة إلى الخارج منذ توليه منصبه في مايو (أيار)، جزيرتي هاواي وغوام الأميركيتين، إلى جانب ثلاث دول حليفة لتايوان في الهادئ هي جزر مارشال وتوفالو وبالاو.

وباتت هذه البلدان الجزرية الثلاثة الوحيدة في منطقة المحيط الهادئ من بين 12 دولة حليفة ما زالت تعترف بتايوان بعدما بدّلت بقية البلدان مواقفها بفضل وعود المساعدات والاستثمارات الصينية.

وفي خطاب ألقاه قبل وقت قصير من مغادرته، قال لاي إن الجولة «تؤذن ببدء حقبة جديدة من الديمقراطية المبنية على القيم»، وشكر الحكومة الأميركية على «مساعدتها في جعل هذه الرحلة سلسلة».

وأكد أنه يرغب في «مواصلة توسيع التعاون وتعميق الشراكة مع حلفائنا بناء على قيم الديمقراطية والسلام والازدهار».

أثارت الجولة ردود فعل غاضبة من الصين التي تعهّدت «سحق» أي مساع تايوانية للاستقلال.

وتُحكَم كل من الصين وتايوان بشكل منفصل منذ العام 1949 بعدما فرّت القوى القومية بقيادة تشانغ كاي تشيك إلى الجزيرة اثر هزيمتها أمام القوى الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ.

وتعيش تايوان تحت التهديد الدائم من التعرض لغزو من الصين التي لم تستبعد استخدام القوة للسيطرة على الجزيرة.

وتنشر بكين مقاتلات ومسيّرات وسفنا حربية في محيط تايوان بشكل شبه يومي للضغط من أجل تحقيق مطالبها، فيما ازداد عدد الطلعات في السنوات الأخيرة.

وسبق لمسؤولين حكوميين تايوانيين أن توقفوا في الأراضي لأميركية أثناء زيارات لمنطقة الهادئ أو أميركا اللاتينية، مما أثار حفيظة الصين التي ردّت أحيانا بتنظيم مناورات عسكرية في محيط الجزيرة.

مقاتلتان من طراز «إف - 16» ترافقان طائرة الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي (أ.ف.ب)

«تايوان مهمة»

قالت الخبيرة في الشؤون التايوانية والصينية لدى «صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة» بوني غليسر بأن جولة لاي في الهادئ كانت فرصة له «ليظهر لهذه البلدان والعالم أن تايوان مهمة».

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية «أعتقد أن جمهورية الصين الشعبية ترغب على الدوام بخلق انطباع بأن تايوان معزولة وتعتمد عليها». وأضافت «عندما يسافر الرئيس التايواني إلى خارج تايوان، يعد الأمر تذكيرا بأن هناك بلدان في العالم تمنح قيمة لعلاقاتها الدبلوماسية مع تايوان».

وتابعت «بالتأكيد، عندما يتوقف في الولايات المتحدة فإن ذلك يكون تذكيرا برأيي لسكان تايوان بأن الولايات المتحدة وتايوان ترتبطان بشراكة وثيقة».

والولايات المتحدة هي أهم داعم لتايوان وأكبر مزوّد لها بالأسلحة، لكن واشنطن لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايبيه.

تأتي جولة لاي بعدما وافقت الولايات المتحدة على بيع قطع غيار لمقاتلات «إف-16» وأنظمة رادار ومعدات اتصال إلى تايوان في إطار اتفاقات يبلغ مجموع قيمتها 385 مليون دولار.

وفي وقت سابق هذا الشهر، التقى وزير الخارجية التايواني لين تشيا-لونغ أعضاء البرلمان الأوروبي في بروكسل.

كان اللقاء جزءا من توجّه لكبار المسؤولين التايوانيين للسفر إلى الخارج حيث يتم استقبالهم علنا رغم خطر تعرّضهم لإجراءات انتقامية من الصين، وفق ما قالت غليسر لوكالة الصحافة الفرنسية. وأضافت «أعتقد أن هناك حساً بالأمان من خلال الأعداد. كلما ازداد عدد البلدان التي ترغب بالقيام بأمر ما، أصبحت البلدان الأخرى أكثر استعدادا للقيام به».

وتابعت: «ازداد الوعي أيضا حيال مدى عدوانية الصين وسعيها لبسط سيطرتها، ولذا فإن الدول لديها الرغبة، إلى حد ما، بالوقوف في وجه الصين نظرا إلى أن سلوك الصين لا يروق لها. وهناك أيضا اعتراف بدور تايوان في العالم، خصوصا في ما يتعلّق بالشرائح الدقيقة لأشباه الموصلات».