القوى المسيحية في لبنان تحذّر من التفرُّد في انتخاب الرئيس

(تحليل إخباري)

TT

القوى المسيحية في لبنان تحذّر من التفرُّد في انتخاب الرئيس

يخطئ من يعتقد بأن الخلاف على بدء التوقيت الصيفي في لبنان كان وراء ارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي بلغ ذروته، قبل أن يبادر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى تصويب البوصلة باعتماد التوقيت المعمول به عالمياً. وإنما جاء نتيجة تراكم الأزمات، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط، ما أدى إلى تظهيره للعلن لتمرير رسائل سياسية لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج بأنه من غير الجائز تخطي المسيحيين بتعديل المرسوم الخاص بالتوقيت بقرار يصدر عن ميقاتي من دون العودة إلى مجلس الوزراء لئلا ينسحب لاحقاً على قضايا أخرى في ظل تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، للإيحاء بأن الأمور طبيعية في غياب الرئيس.
فالاحتقان لا يعود، كما يقول المصدر السياسي، إلى الخلاف حول التوقيت، وإن كان البلد في غنى عنه ولا يستأهل حجم ردود الفعل بخروج بعضها عن أصول التخاطب المألوف بين السياسيين، بل إلى وجود شعور لدى المكوّنات المسيحية، ومن موقع الاختلاف بين قواها السياسية، بأن هناك من يتقصّد تجاهلها، في إشارة مباشرة إلى عدم شمولها باللقاءات التي عقدتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف خلال زيارتها لبيروت وكادت تقتصر على بري وميقاتي وعدد من النواب المنتمين إلى الطائفة السنّية، لو لم تشمل وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب.
فباسيل كان وراء حقن النفوس، في محاولة مكشوفة لشد العصب المسيحي لإقحامه في مزايدة شعبوية يُفترض أن ترتد تداعياتها، كما يقول المصدر السياسي، على من أطلقها، خصوصاً أن الرد عليه جاء هذه المرة من قبل أهل البيت بلسان نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب برفضه لكل ما أورده باسيل في خطابه السياسي في تعليقه على الخلاف على قرار التوقيت.
كما أن انسياق البعض وراء ردود الفعل أتاح لمواقع التواصل الاجتماعي الدخول على خط التصعيد بدلاً من إفساح المجال أمام إعادة النظر في القرار الصادر عن ميقاتي، بعدما أبدى باتصاله مع البطريرك الماروني بشارة الراعي استعداده للبحث عن مخرج من شأنه أن يوقف التمادي في حقن النفوس بعد أن أحجمت معظم القيادات الإسلامية، سواء أكانت روحية أم سياسية، عن الدخول طرفاً في السجال.
وعليه، فإن الغلبة لردود الفعل، بحسب المصدر السياسي، كانت من جانب واحد، خصوصاً بعد مبادرة رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، أثناء وجوده في باريس فور اشتعال ردود الفعل، إلى التدخل ناصحاً ميقاتي ومعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري باستيعاب التأزّم وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
وجاء تدخل جنبلاط من خلال أمين سر «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، بالتلازم مع تدخّل زميله النائب وائل أبو فاعور، الذي كان في عداد وفد الحزب «التقدّمي» إلى باريس، فيما بادر الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام إلى ملاقاتهما للجهود الجنبلاطية بلقاء ميقاتي.
لكن اللافت في ردود الفعل كان في إصرار حزب «القوات اللبنانية» على التمايز عن باسيل الذي كان، بحسب المصدر السياسي، وراء تأجيج الاحتقان من خلال ناشطين تابعين لـ«التيار الوطني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتطويق الخلاف لن يحجب الأنظار، كما يقول المصدر السياسي، عن استحالة الوصول إلى تفاهم حول التوقيت السياسي المطلوب لإخراج إنجاز الاستحقاق الرئاسي من التأزم لتفادي العواقب الوخيمة التي يمكن أن تصيب البلد في ضوء الإنذار غير المسبوق الذي صدر عن وفد صندوق النقد الدولي في ختام زيارته لبيروت التي لن تتكرر في المدى المنظور إلا في حال توصل النواب إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
لذلك، فإن ما جرى من تصعيد سياسي، ولو من جانب واحد، تسبب به الخلاف حول التوقيت، يؤشر إلى أن معظم المكونات المسيحية أرادت أن تُعلم من يهمه الأمر بأنها ستقاوم أي محاولة يراد منها فرض رئيس للجمهورية لا يحظى بتأييد واحدة من الكتل النيابية المسيحية الوازنة من جهة، واستباقاً لمنع استغلال الفراغ الرئاسي من قبل حكومة تصريف الأعمال باتخاذ قرارات بغياب الرئيس تتعلق باستحقاقات داهمة في حال امتد الشغور الرئاسي إلى ما بعد يوليو (تموز) المقبل، وهو موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، برغم أن ميقاتي ينتظر بفارغ الصبر انتخاب الرئيس، وهذا من مسؤولية البرلمان.
لكن طي صفحة الخلاف لا يعني أن البلد بألف خير، طالما أنه يغرق في انهيار شامل في ظل انقسام الكتل النيابية، ما يعيق التدخل الدولي والإقليمي لتقديم المساعدة المطلوبة كي لا يتمدّد الشغور الرئاسي إلى أمد طويل.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن باريس أكدت، بحسب مصادر دبلوماسية، أن الهدف من اقتراحها مقايضة انتخاب زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية بتكليف السفير السابق نواف سلام برئاسة الحكومة يكمن في رمي حجر في المياه الرئاسية الراكدة لتحريك التواصل بين النواب الذي من دونه ستتجه الأمور إلى تمديد تعطيل جلسات الانتخاب، وبالتالي ليس صحيحاً أنها تسعى لفرض مرشح معين بخلاف الإرادة النيابية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

المدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق (صور)

طلاب يستعدون لرفع العلم السوري في الصباح الباكر اليوم بإحدى مدارس العاصمة دمشق (رويترز)
طلاب يستعدون لرفع العلم السوري في الصباح الباكر اليوم بإحدى مدارس العاصمة دمشق (رويترز)
TT

المدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق (صور)

طلاب يستعدون لرفع العلم السوري في الصباح الباكر اليوم بإحدى مدارس العاصمة دمشق (رويترز)
طلاب يستعدون لرفع العلم السوري في الصباح الباكر اليوم بإحدى مدارس العاصمة دمشق (رويترز)

عاد عشرات من التلاميذ في دمشق، الأحد، إلى المدارس، للمرة الأولى منذ سقوط حكم بشار الأسد، على ما أفاد به صحافيو «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي شوارع العاصمة السورية التي دخلها تحالف المعارضة المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، حل هدوء الحياة اليومية محل الأجواء الاحتفالية بسقوط بشار الأسد.

طلاب يجلسون في أحد الفصول الدراسية بالصباح الباكر بعد الإعلان عن إعادة فتح المدارس من قبل السلطات في دمشق (رويترز)

وقالت رغيدة غصن (56 عاماً) وهي أم لثلاثة أولاد، إن الأهل تلقوا «رسائل من المدرسة لإرسال الطلاب من الصف الرابع وحتى الصف العاشر. أما بالنسبة للأطفال فسيبدأ الدوام بعد يومين».

قال موظف في «المدرسة الوطنية» إن نسبة الحضور الأحد «لم تتجاوز 30 %» (رويترز)

وشاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية» عدداً من التلاميذ بلباس عادي، وآخرين بالزي المدرسي، يتوجهون نحو الساعة التاسعة صباحاً إلى مدارسهم في دمشق.

وقال موظف في «المدرسة الوطنية»، إن نسبة الحضور يوم الأحد «لم تتجاوز 30 في المائة» مشدداً على أن ذلك «أمر طبيعي، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد تدريجياً».

كذلك، فتحت الجامعات أبوابها، وحضر بعض الموظفين الإداريين والأساتذة إلى مكاتبهم.

وحضر عدد من موظفي كلية الإعلام في جامعة دمشق؛ لكن «أياً من الطلاب لم يحضر اليوم» على ما أفاد موظف فضَّل عدم الكشف عن هويته.

معلمة مع طلابها بالفصل الدراسي مع عودة الدراسة في دمشق (رويترز)

وأوضح أن «معظم الطلاب من محافظات ومدن أخرى، والأمر بحاجة لبعض الوقت كي يستعيد كل شيء توازنه».

وعادت الحياة إلى طبيعتها في العاصمة السورية، مع انطلاق السكان إلى أعمالهم صباح الأحد.

طلاب في ساحة إحدى مدارس دمشق صباح اليوم (رويترز)

وعلى أبواب أحد الأفران في حي ركن الدين الشعبي، تجمع نحو 10 أشخاص بانتظار دورهم للحصول على الخبز؛ حسب أحد مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال غالب خيرات (70 عاماً): «زاد عدد أرغفة ربطة الخبز إلى 12 رغيفاً، بعد أن كان 10 خلال فترة النظام السابق، ونستطيع أن نأخذ ما نشاء من الكميات من دون قيود».

على الأرصفة، انتشر باعة جوالون يعرضون صفائح بنزين، بينما فتحت بعض محطات الوقود أبوابها لبيع المحروقات بكميات محدودة.

رجل يشتري الخبز في بلدة القصير بمحافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)

وفي الجانب الخدمي، لا يزال سكان المدينة يعانون من ساعات تقنين طويلة للتيار الكهربائي، تصل إلى نحو 20 ساعة في اليوم في بعض المناطق، من دون وجود بدائل للتدفئة أو شحن بطاريات الهواتف والأجهزة المحمولة.