أزمة قانون التقاعد تراوح مكانها في فرنسا... وماكرون يسعى لاستعادة المبادرة

مظاهرات وإضرابات مجدداً اليوم... والحكومة قلقة من موجات العنف

نفايات متراكمة جراء الإضراب في مدينة مارسيليا الجنوبية أمس (أ.ف.ب)
نفايات متراكمة جراء الإضراب في مدينة مارسيليا الجنوبية أمس (أ.ف.ب)
TT

أزمة قانون التقاعد تراوح مكانها في فرنسا... وماكرون يسعى لاستعادة المبادرة

نفايات متراكمة جراء الإضراب في مدينة مارسيليا الجنوبية أمس (أ.ف.ب)
نفايات متراكمة جراء الإضراب في مدينة مارسيليا الجنوبية أمس (أ.ف.ب)

ينزل الفرنسيون اليوم مجدداً إلى الشوارع والساحات في سياق اليوم العاشر من التعبئة (إضرابات ومظاهرات)، ضد قانون تعديل نظام التقاعد، الذي أُقر الأسبوع الماضي في المجلس النيابي دون تصويت.
وبالتوازي، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون، ومعه الحكومة، يسعيان إلى إيجاد المخارج من الطريق المسدودة الحالية، فيما تتفاقم المخاوف من اشتداد العنف والاشتباكات والمناوشات بين مستغلي المظاهرات والقوى الأمنية.
وما لا تريده السلطات هو تكرار اندلاع أعمال العنف والشغب، وتحوّل شوارع وجادّات وسط المدن الفرنسية، وعلى رأسها العاصمة باريس، إلى ميادين كر وفر، كما حصل الخميس الماضي، أو كما ظهر يوم السبت الفائت في منطقة «ليه دو سافر» (وسط غرب فرنسا)؛ احتجاجاً على إقامة خزانات سطحية ضخمة تضخ إليها المياه الجوفية في الشتاء والربيع، ليتم استخدامها في الري الزراعي في فصل الصيف.
وفيما تركز أركان الدولة على التنديد بعنف جانب من المتظاهرين، فإن الانتقادات تشمل أيضاً رجال الأمن المتهمين باللجوء إلى العنف المفرط في بعض الحالات، وضد أفراد أو مجموعات لا يمكن عَدُّهُم من المشاغبين، وفق ما ورد في تقارير لرابطة حقوق الإنسان، أو لمسؤولين من الاتحاد الأوروبي، فضلاً على الجمعيات المحلية الفرنسية.
وحتى اليوم، لا يبدو أن السلطات قد عثرت على المخارج، رغم مبادرات «الانفتاح» و«التهدئة» التي تسعى إلى ترويجها. ويذكر منها كلام ماكرون في بروكسل يوم الجمعة الماضي، حيث أكد أن أبواب قصر الإليزيه مفتوحة أمام النقابات، لمناقشة مسائل تخص ظروف العمل وشروطه. ومن جانبها، أعلنت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن أنها ستجري بدءاً من يوم الاثنين المقبل، جولة مشاورات مع رؤساء المجموعات البرلمانية، وقادة الأحزاب بمن فيهم المعارضة، كما أنها أكدت استعدادها للتشاور مع النقابات في الأسبوع الذي يليه.
وأعلنت بورن الأحد أنه «سيتعين العثور على السبيل الصحيحة، إذ إننا نحتاج إلى تهدئة الأمور».
إلا أن الرئاسة والحكومة والأحزاب الداعمة لهما في البرلمان، تسعى إلى الاتفاق على استراتيجية محددة يتم الالتزام بها، بعد ظهور تشققات بين مكوناتها لجهة أداء الحكومة وخياراتها.
ومن جانبه، يسعى ماكرون إلى استعادة المبادرة السياسية، بعد أن أعطى بورن مهلة ثلاثة أسابيع لتقديم مقترحات بشأن أجندة الإصلاحات، ولكن خصوصاً لجهة توسيع القاعدة السياسية للحكومة، التي كادت تسقط في البرلمان بداية الأسبوع الماضي، ولم تنج من السقوط إلا بفارق تسعة أصوات.
ثمة معادلة لا يبدو، حتى اليوم، أن الرئيس ماكرون وجد حلاً لها، وهي كيفية المواءمة بين التزام موقف متشدد، ورفض التراجع عن قانون التقاعد من جهة، وبين رغبته في إعادة حبل الحوار المقطوع مع النقابات من جهة أخرى.
وتقول النقابات إنها غير مستعدة مطلقاً للتحاور مجدداً مع ماكرون قبل أن يقوم بـ«بادرة» ما تبين استعداده لإعادة النظر في القانون الجديد.
وقال لوران بيرجيه، أمين عام الفيدرالية الديمقراطية للعمل أمس إنه يرفض «اليد الممدودة» للحوار التي تعرضها بورن؛ بما أنه «لم يتم اتخاذ خطوة قوية بشأن النظام التقاعدي».
وسبق للمسؤول النقابي الذي يعد عادة من الأكثر انفتاحاً على الحوار مع السلطات أياً كانت، أن اقترح على ماكرون «تجميد» القانون الجديد لستة أشهر، من أجل النظر فيما يمكن القيام به، وتهدئة الأوضاع، ووضع حد للأضرار والمظاهرات، بيد أن الرئيس الفرنسي أغلق الباب رافضاً مقترح بيرجيه، ومؤكداً عزمه على السير بالقانون حتى إنفاذه، والبدء بتطبيقه قبل نهاية العام الجاري.
ومن جانبه، أكد جان لوك ميلونشون، الأحد، أن فرنسا بحاجة إلى تهدئة، والطريق إلى ذلك واضحة: سحب القانون، وتنحي رئيسة الحكومة.
وحتى اليوم، لا تزال هناك عقبتان تحولان دون تطبيقه: الأولى عنوانها المجلس الدستوري الذي طلبت منه الحكومة، كما المعارضة البرلمانية، النظر في مدى مطابقة القانون للنصوص الدستورية. وأمام المجلس المذكور مهلة لمدة شهر كامل لإبداء رأيه. والثانية تتمثل بالطلب المقدم للمجلس نفسه من نواب المعارضة بإتاحة اللجوء إلى «الاستفتاء بمبادرة مشتركة»، الذي يتيحه تعديل دستوري دخل حيز التنفيذ في عام 2015. وحده المجلس الدستوري المخوّل له بالسماح بمبادرة من هذا النوع لم يتم العمل بها مطلقاً، حتى اليوم، بسبب الشروط القاسية التي تفرضها. وإذا قبل المجلس الطلب المقدم إليه، فإن ما لا يقل عن تسعة أشهر يمكن أن تنقضي، قبل أن يبدأ العمل بالقانون الجديد الذي أبرز بنوده رفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً.
يرى محللون في فرنسا أن ماكرون يريد أن يجسد شخصية الرئيس الرافض للخضوع للعنف، والحريص على القانون والنظام، والمستعد لمواجهة المظاهرات والإضرابات. ويبدو واضحاً اليوم أن السلطات تراهن على أمرين: الأول، أن يتعب المتظاهرون من النزول إلى الشارع يوماً بعد يوم، وبالتالي أن تتراجع التعبئة النقابية والشعبية، وبالتالي تتناقص أعداد المتظاهرين، وتتراجع الإضرابات، خصوصاً في قطاع النقل بكافة أنواعه. والأمر الثاني هو الرهان على انفكاك الدعم الشعبي للحراك بسبب العنف المتصاعد، وباعتبار أن القانون أُقر، ولم يعد بالتالي فائدة من التظاهر.
لكن حتى الساعة، لا يبدو أن رهان السلطات صائب، والدليل على ذلك أن مظاهرات الخميس الماضي المليونية جاءت بعد أن أُقر القانون الجديد في البرلمان. وتبين استطلاعات الرأي أن الالتفاف حول النقابات، التي لا يمكن تحميلها مسؤولية العنف والشغب، الذي تقوم به مجموعات من اليسار المتطرف والفوضوي، لم يتراجع.
وبالمقابل، فإن شعبية ماكرون وبورن تشهد هبوطاً حاداً (خمس نقاط لكل منهما).
يبقى، أن المهمة التي أوكلها ماكرون لرئيسة الحكومة من أجل العمل على توسيع قاعدة الدعم السياسي، التي تتمتع بها لا تبدو سهلة المنال. وحتى اليوم، لم تظهر أي بادرة فعلية في هذا الاتجاه، علماً بأن المستهدف بشكر رئيسي هو حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي الذي يتمتع بـ61 نائباً في البرلمان. والحال أن هذا الحزب منقسم على نفسه، والدليل على ذلك أن ثلث نوابه صوّتوا لصالح حجب الثقة عن حكومة بورن. كذلك، فإن خلافات مستحكمة بين قادته الرئيسيين حول فائدة الارتهان لماكرون، وهم مشتتون بين من يدعو إلى التفاهم معه على برنامج حكم ائتلافي، كما هي الحال في ألمانيا التي تحكمها ثلاثة أحزاب متحالفة، وبين من يرفض الذوبان في الماكرونية السياسية، ويفكر في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؛ لذا، فإن الأمور ما زالت مجمدة حتى اليوم. ويبدو أن الرئيس الفرنسي لم يعثر بعد على المبادرة التي تمكنه من فك عزلته السياسية، التي سببها الأول عدم امتلاكه الأكثرية المطلقة في البرلمان، ما يلزم رئيسة الحكومة على المساومة لتمرير مشاريع القوانين التي تطرحها، واللجوء إلى المادة 49 ــ 3 من الدستور عندما تستعصي عليها الأمور.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.