الأدب السعودي أمام متغيرات المرحلة

في مجاميع صدرت بعد الألف الثانية انفتح أفق لشعرية أكثر رحابة

الأدب السعودي أمام متغيرات المرحلة
TT

الأدب السعودي أمام متغيرات المرحلة

الأدب السعودي أمام متغيرات المرحلة

ينقل الناقد المصري عمار علي حسن في كتابه «النص والسلطة والمجتمع» عن نجيب محفوظ قوله إن انحسار عهد عبد الناصر جرد الكتّاب من مصدر كان يمد الكتابة بالحيوية، كما تمثلت في مخاتلة الرقيب بغية تناول موضوعات لم يكن من المسموح تناولها. يقول محفوظ: «إن المبدعين في السبعينات كانوا أحراراً في أن يقولوا ما يشاءون في أحاديثهم ومقالاتهم، وهو ما جنى على الجانب الإبداعي لديهم، حيث لم تكن أمامهم تحديات كتلك التي وجدت في الستينات، والتي قادت إلى إنجاز الأعمال الإبداعية، بما فيها من رموز وإسقاطات للتعبير عما يريدونه».
هذا الرأي صحيح إلى حد بعيد، أي ليس على إطلاقه، ولا أظن محفوظ قصد الإطلاق، ذلك أن في مصر، كما في كل البلاد العربية ودول أخرى كثيرة في العالم، ظل هامش الكتابة مقيداً بأطر تتسع أو تضيق، لكنها ظلت قائمة. صحة الرأي في نسبيته، أي أنه بالقياس إلى ما كان عليه الوضع يمكن القول إن هامشاً قد اتسع. ذلك الاتساع مهم في كل الحالات، حتى حين نسلّم بنسبيته. وهو مهم أيضاً للتعرف على الأثر الذي يتركه في طبيعة الكتابة الأدبية والإنتاج الثقافي بأنواعه المختلفة من الفكر إلى الفن إلى العلم.
ملاحظة نجيب محفوظ مطروحة اليوم على بيئات اجتماعية وثقافية تعيش عهداً غير مسبوق من الانفتاح الاجتماعي؛ حيث اتسع هامش المسموح به اتساعاً لم يكن من المحلوم به لدى معظم الراغبين فيه المنادين إليه. ولعل البيئة السعودية هي التي ستخطر ببال من يقرأ هذا الكلام. ذلك أن المملكة منذ سنوات قلائل كانت تعيش حالة اختناق اجتماعي وثقافي قد يسميه البعض ضوابط أو التزاماً، وهناك من سيسميه محافظة، ومن المؤكد أن هناك من يراه الطريق القويم الذي ضل عنه المجتمع. لكن هناك من سيراه الطريق المطلوب منذ أمد بعيد، أي الابتعاد عن طرق التشدد غير المبرر، والقسر الاجتماعي الذي لا تقره سماحة الدين واتساع مساحة الاختلاف وتعدد الآراء في كثير من المسائل.
الأدب السعودي منذ بدايته هو قصة التفاعل وسط بيئات اجتماعية وثقافية محافظة، ومساعي الكتّاب للوصول إلى منطقة من التوازن التي تسمح بإنتاج أعمال تحقق معادلة الجمال والقيمة الدلالية ضمن القيم والضوابط السائدة. ولكن تلك البيئات لم تكن متماثلة في درجة الانفتاح أو المحافظة. كانت دائماً بيئات مختلفة باختلاف مناطق المملكة التي جمعت أطراف الجزيرة العربية؛ من الحجاز المتاخم لمصر والسودان حتى الأحساء الخليجية، ومن الشمال القريب من الشام حتى عسير ونجران وجيزان في جنوب الجزيرة العربية، وصولاً إلى نجد التي ظلت معزولة نسبياً وسط الجزيرة إلى أن اتسعت صلاتها مع تطور الدولة وتعدد مشارب التأثير وقنوات الاتصال. تنوع جغرافي وسكاني وثقافي انعكس بالضرورة على المنتج الفكري والثقافي، وأفرز من ثم صوراً مختلفة من التفاعل البيئي على امتداد ما يقارب القرن من النشاط والإنتاج المتعدد والمتأثر ببيئات قريبة؛ مصر والشام والعراق واليمن، بل الهند وإيران، وغيرها.
ذلك التعدد أو التنوع في الإنتاج وما صاحبته من حريات وقيم متفاوتة هو الذي تأثر بصورة مباشرة بما مرت به المملكة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، أو بالتحديد بعد حادثة الحرم المكي على يد جماعات حملت لواء التشدد والاعتراض على ما كانت المملكة تحققه على مستويات تنموية شملت الفنون والحياة الاجتماعية والاقتصادية. الأعمال الأدبية التي صدرت في تلك الفترة كانت مرايا لما كان يحدث بقدر ما كانت محاولات متواصلة لاختراق القيود الصماء التي أقامها جهاديون وبعض المنتمين لهيئة الأمر بالمعروف، أو من قدموا أنفسهم إلى المجتمع على أنهم حماة للفضيلة. في روايات لكتاب مثل تركي الحمد وبدرية البشر ويوسف المحيميد، وقصائد لشعراء مثل فوزية أبو خالد ومحمد الثبيتي وعبد الله الصيخان، ومقالات وروايات لكتاب مثل عبد الله بن بخيت، وقصص قصيرة لمحمد علي علوان وصالح الأشقر، وأعمال لغازي القصيبي، من بينها ردوده على خطاب التشدد الديني ومساجلاته معهم، في كل ذلك وغيره كثير قلق وغضب ومحاولات متصلة لاستعادة صوت الاعتدال والانفتاح النسبي، بغية اختراق القيود التي لم تفرضها الدولة بقدر ما أقامتها تلك الجماعات المتطرفة على اختلاف توجهاتها.
ذلك الخطاب المناهض للتشدد لم يكن بطبيعة الحال هو كل ما هنالك، فقد أنتج كثيراً مما ليس له صلة بالتشدد الديني، فما أنتجه من أساليب لمواجهة ذلك الخطاب وفي مسعى لمناهضته وتجاوزه، تحول إلى سمة لأعمال أدبية كثيرة حتى صار جزءاً أساسياً لفهم المشهد الثقافي والإبداعي السعودي. بمعنى أننا لكي نعرف الأعمال الأدبية من سرد وشعر علينا أن نتذكر أنها كتبت وفي خلفيتها رفض ضمني لما انتشر من تطرف ديني. والسؤال الآن: بانحسار ذلك التطرف، إلى أين سيتجه أولئك الذين تشكل خطابهم الإبداعي على مناهضة تلك التوجهات الجهادية والوعظية المتطرفة؟
لن تكون المشكلة بطبيعة الحال نضوب القدرات الإبداعية، وإنما ستكون نضوب مفردات التعبير الشعري واستراتيجيات السرد والبلاغة التي تشكلت ضمن تلك المواجهات. أي أن تلك المفردات والاستراتيجيات قد تصاب بما سمّته سلمى الخضراء الجيوسي «الإرهاق الجمالي»، أي افتقارها للقيمة الإبداعية. وفي تقديري أن من بين سمات الخطاب الذي تشكل من تلك المفردات والسمات سمة الغموض أو الرموز الشعرية المتخفية، لا لأسباب فنية فحسب وإنما أيضاً للالتفاف على خطاب التطرف. من أمثلة ذلك قول الشاعر عبد الله الصيخان مخاطباً الوطن:
وأنت البسيط
البسيط، فقل للعصافير
إن الفضاء مديح اتساع لعينيك كي لا تطير
فإن العصافير خائفة،
فكن وطني ممعناً في الهدوء
لكي تعتلي ذروتك.
أو في قول محمد الثبيتي:
«صب لنا وطناً في الكؤوس
يدير الرؤوس»،
أو قوله في موضع آخر:
فارتبت في الأوطان
«لا تحمي العليل من الردى»
وارتبت في الشطآن
«لا تروي الغليل من الصدى»
فذهبت في بحر الجنون عميقا.
إنه النداء لوطن أحس أولئك بأنه مختطف وغريب. ذلك الاختطاف هو الذي جعل محمد العلي -أحد رواد الحداثة الشعرية- يقول: «لا ماء في الماء»، أي لا وطن في الوطن. لكن وقع الاختطاف كان أشد ما يكون على المرأة. وقد وجدت الشاعرة فوزية أبو خالد اختصاراً مجازياً له في عنوان ديوانها «إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟» كما في خطاب الاحتجاج الشعري الفائر في تضاعيف ذلك الديوان.
في مجاميع شعرية صدرت بعد الألف الثانية، استطاع الخطاب الشعري لدى فوزية أبو خالد نفسها ولدى غيرها مثل علي الدميني ومحمد الدميني وأشجان الهندي وأحمد الملا، وشعراء تلك الألفية مثل محمد إبراهيم يعقوب وعبد اللطيف بن يوسف وهيفاء الجبري وعبد الوهاب أبو زيد وغيرهم، أن يفتحوا أفقاً لشعرية أكثر رحابة في انفتاحها على الإنساني والعاطفي، مثلما حدث لدى روائيين مثل أميمة الخميس ومحمد حسن علوان وعبده خال وآخرين. لكن ذلك الانفتاح على المختلف من الهموم والانشغالات لم يشمل الجميع أو الأكثرية بعد. وحين يحدث ذلك فسيصل المنتج الأدبي إلى فضاءات مغايرة؛ لكنها لن تخلو من تحديات أخرى وهموم مرحلة مختلفة. ذلك أن خفوت حس التطرف وسطوته لا يعني الوصول إلى «يوتوبيا» موعودة، بل إن لهذه المرحلة مشكلاتها أو تحدياتها التي نرى كثيراً منها حولنا. وفي طليعتها التشظي الاجتماعي أو تراخي العلاقات الأسرية، وطغيان الفردية والعلاقات السائلة. كما أن منها تراجع الهوية الثقافية تحت ضغوط العولمة؛ سواء تمثل ذلك في طغيان الإنجليزية في التواصل اليومي، أو تبني عادات وأنماط سلوكية ومظهرية غربية. ولنتذكر هنا أن الحداثة الأدبية التي انتشرت في الثمانينات لم تنحصر في مواجهة التزمت الديني، وإنما تضمنت أيضاً مواجهة لبعض النتائج السلبية للحداثة نفسها، بطغيان المدن التي «بلا قلب»، بتعبير أحمد عبد المعطي حجازي. تلك المدن هي عنوان المرحلة اليوم بإيجابياتها وسلبياتها، وليس أكثر من الأدب وعياً بتلك المتغيرات وتفاعلاً معها. السؤال هو: أي لغة سيطورها الأدب لمواجهة تلك المتغيرات؟ وأي موقف سيتخذ؟
إن الأدب الجاد ليس ناتجاً للبهجة ولا لليأس، وإنما هو ناتج للتفاعل الشفاف والمعمق، أي المركّب، مع ما يحدث داخل الإنسان وخارجه، ولعل عبارة للشاعر الآيرلندي ييتس تختصر بعض ذلك، حين قال: «من خصومتنا مع الآخرين تنتج البلاغة، ومن خصومتنا مع أنفسنا ينتج الشعر».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».