الجيش الإسرائيلي يغير قواعد اللعب في الصراع الداخلي

مؤتمر صحفي لأعضاء المجموعة الاحتجاجية في جيش الإحتياط الإسرائيلي في هرتسليا برب تل أبيب الثلثاء الماضي (رويترز)
مؤتمر صحفي لأعضاء المجموعة الاحتجاجية في جيش الإحتياط الإسرائيلي في هرتسليا برب تل أبيب الثلثاء الماضي (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يغير قواعد اللعب في الصراع الداخلي

مؤتمر صحفي لأعضاء المجموعة الاحتجاجية في جيش الإحتياط الإسرائيلي في هرتسليا برب تل أبيب الثلثاء الماضي (رويترز)
مؤتمر صحفي لأعضاء المجموعة الاحتجاجية في جيش الإحتياط الإسرائيلي في هرتسليا برب تل أبيب الثلثاء الماضي (رويترز)

في الأسبوع الثاني عشر من حملة الاحتجاج الضخمة ضد خطة حكومة بنيامين نتنياهو للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف الجهاز القضائي، يرفع الجنرالات الحاليون والسابقون في الجيش الإسرائيلي وبقية الأجهزة الأمنية من تدخلهم في الصراع بشكل تظاهري، وبات تأثيرهم واضحاً لدرجة تغيير قواعد اللعب.
فقد بدأ هذا الأسبوع (الأحد) باجتماعات رؤساء هذه الأجهزة مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، محذرين من أن الاستمرار في تنفيذ خطته الانقلابية وسن القوانين بشكل جارف بات يمس عضد الجيش. وأن ما بدأ بموجة عدم التطوع للخدمة الاحتياطية في الجيش أخذ يتحول إلى عاصفة يهدد فيها جيش الاحتياط بعدم الامتثال لأوامر التجنيد. ولن يقف الأمر عند هذا الجيش فقط، إنما يمتد إلى الجيش النظامي وعلى نطاق واسع.
لكن نتنياهو ماضٍ في حملته الانقلابية، ويحاول إنجاز «كل الدفعة الأولى من القوانين» في الأيام القريبة. الأمر الذي دفع وزير الدفاع، يوآف غالانت، وهو من حزب «الليكود» وكان طياراً حربياً عينه نتنياهو رئيس أركان للجيش في الماضي، إلى إعلان أنه لن يستطيع التصويت على هذه القوانين أكثر. وقد اجتمع مع نتنياهو وأطلعه على خطورة الوضع في الجيش، وقال إن «وضع إسرائيل الأمني صعب وخطير جداً. الخلافات حول الخطة القضائية تسربت إلى الجيش وباتت تشكل خطورة على أدائه، وتغييرات واسعة كهذه في جهاز القضاء ينبغي تنفيذها بتوافق واسع فقط». وحذر غالانت من أن «الجيش يتمزق من الداخل ويواجه أزمة غير معهودة»، وطالب نتنياهو بعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) من أجل استعراض «المخاطر الأمنية» في حال المصادقة على الخطة القضائية.
لكن هذا الطلب لم يغير شيئاً. وقرر نتنياهو عقد اجتماع لرؤساء أحزاب الائتلاف، بدلا من «الكابينيت». وراح «جيش الإنترنت» في حزب «الليكود» يشن حملة منظمة ضد غالانت، مطالباً بإقالته من الحكومة وطرده من الحزب.
وفي خطوة غير عادية تدل على مدى الفوضى في الحكم، لجأ بعض قادة الأجهزة الأمنية إلى زوجة نتنياهو، سارة، يشرحون لها خطورة الوضع حتى تقنع زوجها بأن يحسم الأمر ويوقف تنفيذ خطته. فخرجت هي أيضاً بدعوة علنية للحوار وإيجاد حلول وسط. وقيل إنها أقنعت زوجها بعمل شيء. لكن نجلهما يائير تصدى لهذه المحاولة، وأعلن أن هناك محاولة انقلاب عسكري خفية ضد حكم والده، تقف وراءها الإدارة الأميركية. فارتدع نتنياهو الأب وأعلن عن مواصلة الخطة.
وعلى أثر ذلك، اشتدت معارضة الخطة أكثر. وزاد عدد المتظاهرين في الشوارع إلى أكثر من 300 ألف مساء السبت، في الأسبوع الثاني عشر للهبة الاحتجاجية، حيث أعلنوا عن «أسبوع شلل» سيبلغ الأوج يوم الأربعاء القادم، عندما تكتمل عملية سن القوانين، لذا قرروا محاصرة مقر «الكنيست» (البرلمان) في القدس الغربية بمئات ألوف المتظاهرين.
وفي خطوة غير مسبوقة، توجه خمسة رؤساء سابقين لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بينهم رئيس الحكومة السابق إيهود باراك، ووزيرا الدفاع، بيني غانتس وموشيه يعلون، ودان حالوتس وغادي يزنكوت، برسالة مشتركة إلى نتنياهو يطالبونه فيها بعقد جلسة لـ«الكابينيت»، باعتبار أن الوضع في الجيش بات خطيراً ولا يمكن السكوت عليه. وجاء فيها أن رفض مطالبة وزير الدفاع ورئيس الأركان بانعقاد مجلس الوزراء الأمني المصغر، هو تصرف غير مسؤول. فهنالك حاجة ماسة للتباحث فيما وصفه قادة الجيش بأنه خطر واضح ووشيك على أمن الدولة، استناداً إلى المعلومات الاستخباراتية المعروضة عليهم، والمضي في إقرار الإصلاح القضائي المثير للجدل، والانقسام على المستوى الجماهيري في إسرائيل. الأمر الذي دفع منظمي الحراك الرافض للمخطط الحكومي إلى التصعيد طيلة اثني عشر أسبوعاً، هزوا خلالها البلاد طولاً وعرضاً بمظاهرات غير مسبوقة في حدتها واتساع نطاقها. واعتبروا أن «رفض مطلب غالانت، لا سيما في هذه الظروف، هو سلوك غير أخلاقي وغير مسبوق من قبل رئيس وزراء في إسرائيل، مما يشير إلى فقدان نتنياهو مقدرته في الحكم على الأمور والاتصال بالواقع».
المعروف أن كبار العسكريين الإسرائيليين السابقين يشاركون بأعداد كبيرة وبارزة وبشكل تظاهري في حملة الاحتجاج. والألوف من الضباط والجنود في سلاح الجو والوحدات القتالية الخاصة والكوماندوز وجهوا رسائل إلى قادتهم، أعلنوا فيها أنهم «لا يستطيعون الخدمة لصالح الديكتاتورية». وتزداد أعداد المؤيدين لهذه الرسائل داخل الجيش، بشكل يومي، توجت بخروج رؤساء الأركان السابقين بهذا الهجوم على نتنياهو، وهذا يثير مخاوف لا تخفى على أحد. وقد يكون نجل نتنياهو، المعروف بأنه أهوج عنيف ضد خصوم والده، قد عبَّر عن جزء فقط من تلك المخاوف.


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

بطلب من الأرجنتين... «الإنتربول» يلاحق وزير الداخلية الإيراني

وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي خلال مؤتمر صحافي (رويترز)
وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي خلال مؤتمر صحافي (رويترز)
TT

بطلب من الأرجنتين... «الإنتربول» يلاحق وزير الداخلية الإيراني

وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي خلال مؤتمر صحافي (رويترز)
وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي خلال مؤتمر صحافي (رويترز)

أعلنت الأرجنتين الثلاثاء أنّها طلبت من الإنتربول توقيف وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي بتهمة ضلوعه في التفجير الذي استهدف مركزاً يهودياً في بوينوس آيرس في 1994.

وقالت الوزارة إنّ وحيدي هو حالياً في عداد وفد إيراني يزور باكستان وسريلانكا وقد أصدر الإنتربول، بناء على طلب الأرجنتين، نشرة حمراء بحقّه.

وأضافت أنّ الأرجنتين طلبت أيضاً من حكومتي باكستان وسريلانكا توقيف الوزير الإيراني وتسليمها إياه.

وفي 12 أبريل (نيسان)، حمّلت محكمة أرجنتينية طهران المسؤولية عن هجومين دمويين استهدفا قبل ثلاثة عقود الجالية اليهودية في البلاد.

وفي 1992 خلّف هجوم على السفارة الإسرائيلية في بوينوس آيرس 29 قتيلاً. بعد ذلك بعامين، تعرّض مركز «الجمعية التعاضدية الإسرائيلية-الأرجنتينية» (أميا) في العاصمة لتفجير نُفّذ بشاحنة محمّلة بالمتفجرات، ممّا أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين بجروح.

وبعد أكثر من ثلاثة عقود على هذين الهجومين، حمّلت الغرفة الثانية في محكمة النقض الجنائية إيران المسؤولية عنهما، معلنة إياها «دولة إرهابية».

كما اتهمت المحكمة «حزب الله» اللبناني المدعوم من طهران، ووصفت الهجوم على مركز أميا - الأكثر دموية في تاريخ الأرجنتين - بأنه «جريمة ضد الإنسانية».

والثلاثاء، قالت وزارة الخارجية في بوينوس آيرس في بيان، إنّ «الأرجنتين تسعى إلى الاعتقال الدولي للمسؤولين عن الهجوم الذي استهدف مركز أميا في 1994 وأسفر عن مقتل 85 شخصاً والذين ما زالوا في مناصبهم في ظلّ إفلات تامّ من العقاب».

وأضافت أنّ أحد هؤلاء المطلوبين «هو أحمد وحيدي، المطلوب من قبل العدالة الأرجنتينية باعتباره أحد المسؤولين عن الهجوم على مركز أميا».

وتابعت: «هذا الشخص يشغل حالياً منصب وزير الداخلية في جمهورية إيران الإسلامية، وهو في عداد وفد حكومي يزور حالياً باكستان وسريلانكا».

ولفت البيان إلى أنّ «الأرجنتين طلبت من حكومتي باكستان وسريلانكا اعتقاله وفقاً للآليات التي يوفّرها الإنتربول».

وعيّن الفريق وحيدي وزيراً للداخلية في 2021 بعد أن شغل سابقاً منصب وزير الدفاع.

وحين وقع اعتداء بوينس آيرس، كان وحيدي قائداً لفيلق القدس، وحدة العمليات السرية في الحرس الثوري الإيراني.

وتوجد في الأرجنتين أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية يبلغ تعداد أفرادها نحو 300 ألف شخص. كما يعتبر هذا البلد موطناً لمجتمعات مهاجرين من الشرق الأوسط، خصوصاً من سوريا ولبنان.

يوجد في الأرجنتين أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية، حيث يبلغ عدد أعضائها حوالي 300 ألف. كما أنها موطن لجاليات المهاجرين من الشرق الأوسط - من سوريا ولبنان على وجه الخصوص.


إيران «على بُعد أسابيع» من مواد قنبلة نووية


عبداللهیان يتحدث إلى دبلوماسيين أجانب بعد ساعات من الرد الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل الماضي (الخارجية الإيرانية)
عبداللهیان يتحدث إلى دبلوماسيين أجانب بعد ساعات من الرد الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل الماضي (الخارجية الإيرانية)
TT

إيران «على بُعد أسابيع» من مواد قنبلة نووية


عبداللهیان يتحدث إلى دبلوماسيين أجانب بعد ساعات من الرد الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل الماضي (الخارجية الإيرانية)
عبداللهیان يتحدث إلى دبلوماسيين أجانب بعد ساعات من الرد الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل الماضي (الخارجية الإيرانية)

أفاد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، بأن إيران باتت «على بعد أسابيع وليس أشهراً» عن امتلاك المواد الكافية لتطوير قنبلة نووية.

وأعرب غروسي عن قلقه من اقتراب طهران لهذا المستوى، لكنه قال إن «هذا لا يعني أن إيران تملك أو ستملك سلاحاً نووياً في غضون تلك الفترة الزمنية»، لافتاً إلى أن «الرأس الحربي النووي الفعال يتطلب أشياء إضافية كثيرة بمعزل عن امتلاك المواد الانشطارية الكافية».

وجدّد غروسي في حديث لقناة «دويتشه فيله»، دعوة طهران لرفع مستوى التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية، بما يتناسب مع متطلبات الوكالة، محذراً من تزايد الشكوك بشأن شفافية البرنامج الإيراني. وقال إنه ينوي زيارة طهران، الشهر المقبل، لمناقشة القضايا العالقة بين الطرفين، قبل أن يصدر تقريراً فصلياً حول الأنشطة الإيرانية.

وطالبت القوى الغربية غروسي بتقديم تقرير فصلي في توقيت مبكر على الاجتماع الفصلي لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية المقرر مطلع يونيو (حزيران) في فيينا، وذلك لتمكينها من مناقشة قرارات حول إيران.

في الأثناء، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، جواد كريمي قدوسي، إن إيران قادرة على إجراء أول اختبار نووي خلال أسبوع إذا صدر إذن بذلك. وقالت مواقع إيرانية إنه كان يشير إلى فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن تحريم الأسلحة.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قال الاثنين إن «الأسلحة لا مكان لها في العقيدة النووية الإيرانية»، وذلك بعدما هدد مسؤول إيراني بمراجعة السياسة النووية إذا تعرضت المنشآت لقصف إسرائيلي.


استقالة قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل أخطر من استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
TT

استقالة قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل أخطر من استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)

أكدت مصادر سياسية وعسكرية بتل أبيب أن إعلان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يهودا فوكس، أنه ينوي الاستقالة من منصبه في أغسطس (آب) المقبل، يشكل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية.

وعلق عدد منهم على مظاهر الفرح التي بدت واضحة في ديوان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قائلاً إن «هذا الحدث المفرح لدى نتنياهو ورفاقه في اليمين هو بمثابة مصيبة بالنسبة للقدرات العسكرية»، وحذرت من هزة ذات تبعات قوية على مستوى استراتيجي عالمياً، لافتين إلى أنها «أخطر حتى من استقالة رئيس (أمان) (شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش)، أهرون هاليفا».

المعروف أن الجنرال فوكس، ورغم صداقته المميزة مع الجنرال هاليفا، فإن استقالته جاءت لأسباب مختلفة ولا تمت بصلة إلى أوضاع الحرب على غزة، ولا إلى الإخفاق الذي حصل قبيل السابع من أكتوبر (تشرين الأول). فهو مسؤول عن الضفة الغربية وليس عن غزة. لذلك فإن استقالته تثير علامات سؤال واستفهام كثيرة جداً.

ويعد الفلسطينيون والمستوطنون اليهود على السواء فوكس «معادياً لهم». بالنسبة للفلسطينيين يعد لعنة، لأنه المسؤول المباشر عن التصعيد الذي تشهده الضفة الغربية منذ توليه زمام القيادة، في أغسطس 2021. وفي مارس (آذار) 2022، باشر تنفيذ خطة عسكرية باسم «كاسر الأمواج»، ينظم خلالها حملات اعتقال ليلية، تستمر حتى اليوم، أي لأكثر من سنتين، بلا توقف. وقد استهدفت الاعتقالات بحسب البيانات الرسمية «مشتبهين بالنشاط الإرهابي المسلح في جميع أنحاء الضفة الغربية».

فلسطينيون يتفقدون دراجة نارية محترقة بعد هجوم للجيش الإسرائيلي على مخيم الفارعة للاجئين (إ.ب.أ)

كما تعمد إجراء الاعتقالات بشكل جماعي، حيث يداهم في كل ليلة 10 - 15 بلدة لاعتقال شخص أو أكثر. أول عملية اعتقال مثل هذه تحولت إلى عملية احتلال عسكري بكل معنى الكلمة، يشارك فيها مئات الجنود والضباط، يطوقون البيت المقصود بعدة دوائر: تطويق للبلدة، تطويق آخر للحي، وتطويق ثالث للبيت. ويحتلون أسطح البيوت المحيطة، بعد اقتحامها والبطش بسكانها. ثم يقتحمون بيت المعتقل وينشرون جو رعب. وإذا جرى الاعتراض فيرد الجيش بعنف وحدة. وإذا جرت مقاومة فيتم إطلاق الرصاص الحي والقنابل وحتى الصواريخ بلا تردد.

وقد تسببت هذه الاعتقالات في عدة اشتباكات، في بعض الأحيان، وكلما وقعت إصابة في الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم (ووقعت بالفعل إصابات كثيرة)، كان ينتقم بطرق جنونية. ففي مخيمات اللاجئين مثلاً، دمّر الجيش الإسرائيلي البنى التحتية تماماً، الشوارع والمجاري وخطوط المياه وقنوات التصريف والجوالات والكهرباء. حصل هذا في معظم المخيمات، وبشكل خاص في مخيمات جنين ونور شمس وبلاطا والعوجا. وكان يجلب الجرافات من طراز «D - 9»، ويدخلها في أزقة المخيم لتهدم بيتاً، وفي طريقها تهدم الأسوار وكل ما تصطدم به، بما فيها البيوت والمقاهي والحوانيت. وحيثما يصطدم بمقاومة وكمائن، وقد اصطدم فعلاً بكثير من المقاومة، كان يدمر ويقتل أكثر، واستخدم الطائرات المقاتلة من طراز «إف 16» و«أباتشي» ليقصف البيوت والطائرات المسيّرة للاغتيالات.

عداء المستوطنين

المعروف أن هذا التصعيد، ترافق مع تشكيل حكومة اليمين المتطرفة بقيادة نتنياهو، وتعيين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وزيراً ثانياً في وزارة الدفاع، وإيتمار بن غفير وزيراً للأمن القومي، وهما اللذان جلبا معهما سياسة البطش بالأسرى في السجون ومضاعفة الاقتحامات للأقصى وانفلات المستوطنين، وتشكيل حرس وطني عبارة عن ميليشيات مسلحة، الذي كان أحد الأسباب الأساسية لانفجار هجوم حماس في 7 أكتوبر.

لكن الجنرال فوكس، حاول في بعض الحالات عمل بعض التوازن، فمنع إقامة بؤر استيطانية وأخلى بعضاً منها وفرض حوالي 20 أمر اعتقال إداري ضد مستوطنين أشاعوا الفوضى، وخططوا لعمليات إرهاب يهودي ضد الفلسطينيين.

وقبل عدة شهور كشف النقاب عن أنه أجري تدريباً في الجيش على سيناريو قيام إرهابيين يهود بخطف فلسطيني رهينة.

فلسطيني من قرية ترمسعيا الفلسطينية بالضفة الغربية يعبر كتابات بالعبرية «الانتقام - الموت للعرب» تركها مستوطنون في الضفة الغربية 18 فبراير الماضي (أ.ب)

لذلك، ناصبه المستوطنون العداء، ودعا بن غفير لإقالته، وتعرض لحملة تحريض دموية من المستوطنين في الشبكات الاجتماعية، ونشرت صوره عليها شارة النازية (الصليب المعقوف)، وصور أخرى ألبسوه فيها حطة فلسطينية. ويقال إن رئيس الشاباك، رونين بار، دخل ذات مرة غاضباً على نتنياهو، وقال له: «في عهدك سيتم اغتيال جنرالات في الجيش». وتم وضع حراسة خاصة على فوكس، ليكون اللواء الوحيد في الجيش تحت حراسة 24 ساعة، وذلك خوفاً من اغتياله بأيدٍ يهودية.

لذلك، فقد أصيب فوكس باليأس. وحسب هيئة البث الإسرائيلية (كان 11)، فإن فوكس اجتمع برئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، قبل نحو الشهر، وأبلغه أنه يعتزم الاستقالة من منصبه، في الصيف المقبل. لكن الخبر تسرب فقط يوم أمس. ونقلت هيئة البث عن مقربين من فوكس أنه يشعر بأنه «استنفد نفسه»، وقرر إنهاء مسيرته العسكرية بعد 6 سنوات من ترقيته إلى رتبة لواء، خدم خلالها لمدة ثلاث سنوات بصفته ملحقاً عسكرياً في واشنطن، وثلاث سنوات كان فيها قائداً للمنطقة الوسطى.

وحاول هليفي ثنيه عن عزمه، مؤكداً له أنه ضابط واعد ويريد له أن يعين نائباً لرئيس الأركان. لكنه رفض. ورجّح موقع «واي نت» أن تكون «الأجواء الصعبة والمشحونة في الجيش بشكل عام وهيئة الأركان العامة بشكل خاص، في ظل الحرب (على غزة)، قد دفعت فوكس إلى الاعتقاد بأنه من الصواب أن يخلع زيه العسكري ويعود للحياة المدنية».

طفل يقف بجوار مبنى تضرَّر خلال هجوم إسرائيلي على مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية يناير الماضي (أ.ف.ب)

ويخشى هليفي أن تكون هذه الاستقالة بداية لسلسلة استقالات لكبار الضباط في الجيش من دون علاقة مع موضوع الحرب، أو إضافة للضباط الذين ينوون الاستقالة بسبب إخفاق 7 أكتوبر، مثل رئيس الأركان نفسه وقائدي القيادة الجنوبية الحالي والسابق، ورئيس شعبة العمليات، وقائد فرقة غزة وضباط آخرين موجودين في قائمة الذين يتحملون مسؤولية مباشرة، وسيضطرون إلى استخلاص العبر من ذلك. ولذلك تعد استقالة فوكس بداية إعصار في الجيش الذي يُعتقد أنه سيتعرض لهزة كبيرة.

إزاء كل ذلك، يبدو أن نتنياهو وحده يواصل التصرف كأن هذه الأمور لا تتعلق به أبداً، بل يعتقد أنه يفرك يديه فرحاً. إن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل سيكون هائلاً، وإن هذه النار ستحرق بالتالي أيضاً ثياب نتنياهو بينما هي على جسده.


الجيش الإسرائيلي يأمر بعمليات إخلاء جديدة في شمال غزة

جنود إسرائيليون عند الحدود مع قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون عند الحدود مع قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يأمر بعمليات إخلاء جديدة في شمال غزة

جنود إسرائيليون عند الحدود مع قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون عند الحدود مع قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الثلاثاء)، إن إسرائيل أمرت بعمليات إخلاء جديدة في منطقة بيت لاهيا بشمال قطاع غزة، واصفاً إياها بأنها «منطقة قتال خطيرة»، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

قال سكان، في وقت سابق اليوم، إن إسرائيل كثفت ضرباتها في أنحاء قطاع غزة في بعض من أعنف عمليات القصف منذ أسابيع، وقصفت شمال القطاع الذي كان الجيش الإسرائيلي قد سحب قواته منه في السابق. ووردت أيضاً أنباء عن ضربات جوية وقصف دبابات في المناطق الوسطى والجنوبية فيما قال سكان إنه قصف شبه مستمر. وقال سكان ووسائل إعلام تابعة لحركة «حماس»، إن دبابات الجيش توغلت مجدداً شرق بيت حانون على الطرف الشمالي لقطاع غزة الليلة الماضية، لكنها لم تتوغل كثيراً في المدينة. ووصل إطلاق النار إلى بعض المدارس التي يحتمي بها نازحون هناك.


مقتل جندي إسرائيلي في غزة يرفع الإجمالي إلى 261 منذ بدء العملية البرية

جانب من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة (أ.ف.ب)
جانب من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة (أ.ف.ب)
TT

مقتل جندي إسرائيلي في غزة يرفع الإجمالي إلى 261 منذ بدء العملية البرية

جانب من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة (أ.ف.ب)
جانب من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة (أ.ف.ب)

أفادت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، اليوم الثلاثاء، نقلاً عن الجيش الإسرائيلي بمقتل جندي في شمال قطاع غزة، أمس الاثنين.

وبحسب «وكالة أنباء العالم العربي»، أوضحت الصحيفة أن الجندي يُدعى سالم الكريشات وعمره 43 عاماً.

وأضافت أنه بمقتل الجندي يرتفع عدد قتلى الجيش الإسرائيلي إلى 261 منذ بدء العملية العسكرية البرية في قطاع غزة.


حملة «قمع» في إيران تواكب التوتر مع إسرائيل

إيرانيات في أحد الشوارع وسط تنفيذ مراقبة الحجاب الجديدة في طهران الأسبوع الماضي (رويترز)
إيرانيات في أحد الشوارع وسط تنفيذ مراقبة الحجاب الجديدة في طهران الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

حملة «قمع» في إيران تواكب التوتر مع إسرائيل

إيرانيات في أحد الشوارع وسط تنفيذ مراقبة الحجاب الجديدة في طهران الأسبوع الماضي (رويترز)
إيرانيات في أحد الشوارع وسط تنفيذ مراقبة الحجاب الجديدة في طهران الأسبوع الماضي (رويترز)

في نفس اليوم الذي شنّت فيه إيران أول هجوم مباشر لها على الإطلاق على إسرائيل، شرعت السلطات في مواجهة أقل متابعة في الداخل، وأمرت الشرطة في عدة مدن بالنزول إلى الشوارع لاعتقال النساء المتهمات بانتهاك قواعد الحجاب.

وتصرّ السلطات على أن حملتها المسماة «نور» تستهدف الشركات والأفراد الذين يتحدون قانون الحجاب، بهدف الاستجابة لمطالب المواطنين المتدينين الغاضبين من العدد المتزايد للنساء غير المحجبات في الأماكن العامة.

لكن الناشطين وبعض السياسيين أبلغوا وكالة «رويترز» أن الحملة لا تهدف على ما يبدو إلى فرض ارتداء الحجاب فحسب، بل إلى كبت أي معارضة أشمل في لحظة ضعف بالنسبة للحكام الدينيين.

وشدّدت حكومة الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي من الإجراءات الصارمة لتطبيق قانون الحجاب الذي يلزم النساء بارتداء الحجاب وارتداء ملابس طويلة وفضفاضة. ويواجه المخالفون التوبيخ العلني أو الغرامات أو الاعتقال.

وأصبحت هذه القوانين قضية سياسية ملتهبة، منذ أن تحولت الاحتجاجات على وفاة امرأة شابة أثناء احتجازها من قبل «شرطة الأخلاق» في البلاد عام 2022 إلى أسوأ اضطراب سياسي منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وفي استعراض للعصيان المدني، ظهرت النساء غير المحجبات بشكل متكرر في الأماكن العامة منذ وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً. وقمعت قوات الأمن بعنف الانتفاضة اللاحقة التي دعت إلى إسقاط الحكومة.

ومع بدء الهجوم الإيراني بالطائرات المسيرة والصواريخ في 13 أبريل (نيسان)، ظهر قائد شرطة طهران عباس علي محمديان على شاشة التلفزيون الرسمي للإعلان عن الحملة الجديدة.

اعتقالات

قال: «اعتباراً من اليوم، ستنفذ الشرطة في طهران والمدن الأخرى إجراءات ضد من تنتهكن قانون الحجاب»، فيما انتشر مئات من عناصر الشرطة في شوارع العاصمة والمدن الأخرى.

ونشر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لوجود كثيف لشرطة الأخلاق في طهران، ومقاطع مصورة للشرطة، وهي تعتقل بعنف نساء زعمت أنهن يرتدين ملابس غير لائقة، بما في ذلك قوات أمن بملابس مدنية تجرّ شابات إلى عربات الشرطة.

واختفت عربات شرطة الأخلاق إلى حد كبير من الشوارع منذ العام الماضي. وسرعان ما أثارت الحملة تعبيرات شعبية عن الانزعاج.

وبسبب القلق بشأن ما يقولون إنه قد يكون صدعاً عميقاً بين المؤسسة والمجتمع كله، انتقد بعض السياسيين حملة القمع المكثفة.

قوات الشرطة الإيرانية في أحد الشوارع مع بدء تنفيذ مراقبة الحجاب الجديدة في طهران الأسبوع الماضي (رويترز)

وكتبت السياسية الإصلاحية، آذر منصوري، على موقع «إكس»: «... في الوقت الذي أصبحت فيه الوحدة الوطنية أكثر أهمية من أي وقت مضى، تتزايد نفس المشاهد القبيحة (التي شوهدت خلال الاحتجاجات) مع مزيد من العنف ضد النساء والفتيات الإيرانيات! أي نوع من السياسة هذه؟».

ونشر وزير العمل السابق، علي ربيعي، على حسابه على موقع «إكس»: «أنا حقاً لا أفهم عندما يشعر الشعب الإيراني بالارتياح والفخر بخصوص مواجهة إسرائيل، فجأة مجموعة (من صناع القرار) تدفع المجتمع نحو المواجهة مع المؤسسة!».

ويشتبه البعض الآخر في أن الحملة لها دافع سياسي. وقال ناشط في مجال حقوق الإنسان في طهران إن هذه الخطوة تهدف إلى «بثّ الخوف في المجتمع لمنع أي احتجاجات مناهضة للحرب وقمع المعارضة الداخلية عندما يكون الحكام في حالة حرب مع إسرائيل».

موقف أكثر صرامة

قال الناشط، الذي تحدث شريطة عدم نشر هويته بسبب حساسية الأمر: «لم يكن من باب المصادفة أنه في نفس يوم الهجوم على إسرائيل، غمرت الشرطة الشوارع. فقد كانوا يخافون من عودة الاضطرابات».

وقد أثار احتمال اندلاع حرب مع إسرائيل، بعد سلسلة من الأعمال الانتقامية المتبادلة بين الخصمين اللدودين، قلق كثير من المواطنين العاديين الذين يكابدون بالفعل مجموعة من المشكلات تتراوح بين الضيق الاقتصادي إلى تشديد القيود الاجتماعية والسياسية بعد الاضطرابات التي شهدتها البلاد بين عامي 2022 و2023.

وقال مسؤول حكومي سابق يوصف بالمعتدل إن رجال الدين الذي يحكمون البلاد تبنوا موقفاً أكثر صرامة في وجه الأصوات التي تطالب بتغييرات سياسية واجتماعية خشية أن تكتسب مثل هذه الآراء زخماً في وقت تتعرض فيه البلاد لضغوط خارجية.

وقال المسؤول السابق: «هذا جزء من استراتيجية الحكام لتعزيز قبضتهم على السلطة عندما تواجه البلاد تهديدات من عدوها اللدود إسرائيل».

وقال سياسي إيراني، وهو برلماني سابق، إن «الأمر لا يتعلق بقمع النساء اللاتي ينتهكن قواعد الزي فقط. ففي الأيام الماضية، شهدنا حملة قمع جلية ضد أي مظهر للمعارضة».

وبحسب مواقع إخبارية معارضة، فقد تعرض صحافيون ومحامون ونشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان وطلاب للاعتقال أو الاستدعاء أو غير ذلك من التدابير خلال الأيام الماضية. وأشارت تلك المواقع إلى أن التهمة الأساسية الموجهة لمن تم إلقاء القبض عليهم كانت «إثارة الرأي العام».

ووفقاً لوسائل إعلام رسمية، فقد سبق أن حذّرت وحدة الاستخبارات التابعة لـ«لحرس الثوري» الإيراني، في 14 أبريل، رواد وسائل التواصل الاجتماعي من أي منشورات تتضمن دعماً لإسرائيل.


«الذرية الدولية»: أمام طهران أسابيع للحصول على مواد قنبلة

مدير «الطاقة الدولية» رافائيل غروسي ورئيس «الذرية الإيرانية» محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران مارس 2022 (رويترز)
مدير «الطاقة الدولية» رافائيل غروسي ورئيس «الذرية الإيرانية» محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران مارس 2022 (رويترز)
TT

«الذرية الدولية»: أمام طهران أسابيع للحصول على مواد قنبلة

مدير «الطاقة الدولية» رافائيل غروسي ورئيس «الذرية الإيرانية» محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران مارس 2022 (رويترز)
مدير «الطاقة الدولية» رافائيل غروسي ورئيس «الذرية الإيرانية» محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران مارس 2022 (رويترز)

حذّر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من إن إيران أمامها «أسابيع وليس أشهراً» للحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتطوير قنبلة نووية.

وقال غروسي في حديث لقناة «دويتشه فيله» الألمانية إن «تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستوى تصنيع الأسلحة يشكل سبباً للقلق»، لكنه أضاف أن «هذا لا يعني أن إيران تمتلك أو ستمتلك سلاحاً نووياً في تلك الفترة الزمنية».

وأوضح غروسي أن «الرأس الحربي النووي الفعال يتطلب أشياء إضافية كثيرة بمعزل عن امتلاك المواد الانشطارية الكافية»، لافتاً في الوقت نفسه إلى إن «أهداف إيران من تخصيب اليورانيوم بمستوى قريب من القنبلة «مسألة تكهنات».

وتقوم إيران بتخصيب اليورانيوم 60 في المائة، منذ أبريل (نيسان) 2021 في منشأة نطنز، وفي وقت لاحق باشرت تخصيب اليورانيوم بالنسبة نفسها في منشأة فوردو الواقعة تحت الجبال. كما تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة. وقال تقرير للوكالة الدولية في مارس (آذار) الماضي إن مخزون إيران أكثر من 27 ضعفاً من المستوى المرخص به بموجب الاتفاق الدولي المبرم عام 2015.

وتقول الوكالة إن لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لدرجة 60 في المائة لصنع ثلاث قنابل نووية، إذا تم تخصيبها بدرجة أكبر.

وأشار غروسي إلى المشكلات التي تواجه الوكالة التابعة للأمم المتحدة في مراقبة البرنامج الإيراني. وقال إن الوكالة «لا تحصل على المستوى المطلوب الذي تحتاج إليه في إيران»، محذراً من أن ذلك يزيد من الشكوك.

وقال: «لقد أخبرت نظرائي الإيرانيين مراراً وتكراراً... أن هذا النشاط يثير بعض الدهشة ويتفاقم مع حقيقة أننا لا نحصل على الدرجة اللازمة من الوصول والرؤية التي أعتقد أنها ضرورية.... عندما تجمع كل ذلك معاً، سينتهي بك الأمر بالطبع مع الكثير من علامات الاستفهام.»

وأشار غروسي في حديثه لقناة «دويتشه فيله» إلى تفاقم الشكوك حول شفافية إيران، على ضوء التحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية منذ سنوات بشأن المواقع السرية. وقال إن هذه الشكوك «كانت في قلب الحوار الذي كنت وما زلت أحاول إجراؤه مع إيران».

ومن المتوقع أن يصدر غروسي أواسط الشهر المقبل، تقريراً حول الأنشطة الإيرانية، قبل أسابيع من التئام شمل الدول الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة الدولية، في فيينا. وسيركز الاجتماع بشكل أساسي على تعاون إيران والوكالة الدولية.

وحضّ غروسي طهران على التعاون بشكل أكبر، وقال إنه يعتزم زيارة طهران قريباً، مبدياً تمسكه بالحوار مع الإيرانيين. وصرح «هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى توضيح... سأكون هناك لمحاولة إعادة هذه الأمور إلى مسارها الصحيح».

وحاول غروسي زيارة طهران في فبراير (شباط) الماضي، قبل الاجتماع الفصلي للوكالة الدولية مطلع مارس. لكن إيران وجّهت له دعوة حينذاك لحضور مؤتمر دولي بشأن البرنامج النووي الإيراني وسيعقد خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر المقبل.

وأعرب عن إدانته الواضحة لفكرة قصف المنشآت النووية، في إشارة إلى تحذيره من قصف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في ظل تفاقم التوترات بينهما. وأضاف أن «مهاجمة المنشآت النووية أمر محظور تماماً».

وتعليقاً على الأنباء بشأن محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، قال غروسي إن الوكالة الدولية «تحاول دائماً تعزيز الحوار».

قبل ذلك، بساعات قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب جواد كريمي قدوسي إن بلاده يفصلها أسبوع عن أول اختبار نووي إذا سمح المرشد الإيراني علي خامنئي بذلك.

وقال كريمي قدوسي على منصة «إكس»: «في حال صدر الأذن يفصلنا أسبوع عن أول اختبار». ووضع هاشتاغ «قوة إيران». وكتب صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران أن «إشارة كريمي قدوسي قد تعود إلى فتوى تحريم إنتاج واستخدام الأسلحة التي صدرت قبل سنوات».

وجاء تعليق كريمي قدوسي بعد ساعات من نفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أي نية لبلاده بشأن تغيير مسار برنامجها النووي.

وقال كنعاني خلال مؤتمر صحافي في طهران إن «الأسلحة النووية لا مكان لها في العقيدة النووية الإيرانية»، وأضاف: «قالت إيران مرات عدة إن برنامجها النووي يخدم الأغراض السلمية فقط. ولا مكان للأسلحة النووية في عقيدتنا النووية».

وحذر أحمد حق طلب، القائد المسؤول عن حماية المنشآت النووية في «الحرس الثوري»، الأسبوع الماضي بعد تصاعد التوتر مع إسرائيل، بأن طهران ستعيد النظر في عقيدتها وسياستها النووية إذا تعرّضت المنشآت النووية الإيرانية لهجوم إسرائيلي.

ولفت أحمد حق طلب إلى أن التهديدات الإسرائيلية «ليست جديدة»، وأشار إلى أعمال تخريبية في الصناعة النووية ونُسبت لإسرائيل.

وقال أحمد حق طلب: «إذا أراد النظام الصهيوني استخدام التهديد بمهاجمة المراكز النووية بوصفه أداة ضغط فمن المحتمل مراجعة العقيدة والسياسات النووية للجمهورية الإسلامية، وتعديل الملاحظات المعلنة في السابق».

وقال: «المراكز النووية للعدو الصهيوني تحت إشرافنا الاستخباراتي، ولدينا المعلومات اللازمة لكل الأهداف، أيدينا على زناد الصواريخ القوية لتدمير الأهداف رداً على إجرائهم المحتمل».

و الشهر الماضي، أعرب غروسي عن قلقه من أن «هناك خطاباً مقلقاً، ربما سمعتم مسؤولين كباراً في إيران يقولون إنه صار لديهم في الآونة الأخيرة كل العناصر اللازمة لصنع سلاح نووي».

وكان يشير بذلك إلى ما قاله الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، بشأن امتلاك بلاده جميع الأدوات اللازمة لصناعة أسلحة نووية.

وقال صالحي في برنامج تلفزيوني إيراني نهاية فبراير الماضي، بشأن امتلاك بلاده كل ما تحتاج إليه لصنع سلاح: «لدينا كل (قطع) العلوم والتكنولوجيا النووية. دعوني أضرب مثالاً: إلامَ تحتاج السيارة؟ تحتاج إلى هيكل، تحتاج إلى محرك، تحتاج إلى عجلة قيادة، تحتاج إلى علبة تروس. هل صنعت علبة التروس؟ أقول نعم. المحرك؟ ولكن كل عنصر موجه لغرضه الخاص».


الاتحاد الأوروبي يبحث عن نقطة توازن في سياسته إزاء حرب غزة

حجة لحبيب وزيرة خارجية بلجيكا مع منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في لوكسمبورغ (إ.ب.أ)
حجة لحبيب وزيرة خارجية بلجيكا مع منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في لوكسمبورغ (إ.ب.أ)
TT

الاتحاد الأوروبي يبحث عن نقطة توازن في سياسته إزاء حرب غزة

حجة لحبيب وزيرة خارجية بلجيكا مع منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في لوكسمبورغ (إ.ب.أ)
حجة لحبيب وزيرة خارجية بلجيكا مع منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في لوكسمبورغ (إ.ب.أ)

بعد مرور 200 يوم على حرب غزة التي أوقعت، وفق آخر إحصاء لوزارة الصحة في القطاع، ما يزيد على 34 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، يبدو ضرورياً التوقف عند المحطات التي وصلت إليها المواقف الدولية ومن بينها الاتحاد الأوروبي الذي يرى في الشرق الأوسط «جاره الجنوبي»، وبالتالي فإنه معني بما يحصل فيه من تطورات وأزمات وحروب. وجاءت حرب غزة لتضع «الاتحاد» في مرمى السهام والاتهامات وعلى رأسها «ازدواجية المعايير» وإشاحة النظر عما ترتكبه القوات الإسرائيلية من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والامتناع عن اتخاذ أي تدبير أو إجراء لمحاسبتها واعتبار أن العلاقات التي تربط الطرفين يجب ألا تتأثر بأداء القوات الإسرائيلية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: دعم غير مشروط لإسرائيل - متحدثة في مؤتمر صحافي في بروكسل في 18 أبريل الحالي

ثمة إجماع لدى المهتمين بالشأن الأوروبي على أن انقساماته الداخلية بين ثلاث مجموعات؛ «أولاها تضم دولاً مؤيدة بالمطلق لإسرائيل بغض النظر عما ترتكبه من أفعال، وثانيتها تسعى لاتباع سياسات متوازنة رغم الصعوبات التي تواجهها، وثالثتها متأرجحة بين هذه وتلك»، تمنع الاتحاد من اتباع سياسة قوية ومؤثرة، وبالتالي فإن المواقف الجماعية تبدو دوماً ثمرةَ مساومات لا تخرج عن سقف «الحد الأدنى». وثاني القناعات أن النادي الأوروبي «لا يملك الأوراق الكافية»، ليكون له دور مؤثر على مسار الأحداث، خصوصاً على الجانب الإسرائيلي، فيما يرى آخرون أنه «يفتقد للإرادة السياسية»، وأنه لو أراد فعلاً أن يؤدي دوراً مؤثراً، فإن الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعلمية المبرمة مع إسرائيل، تمثل أوراق ضغط حقيقية ومؤثرة. أخيراً، ترى أكثرية القادة الأوروبيين أن الانغماس في ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، لا يرجى منه أي مكسب سياسي بل العكس هو المتوقع، ولذا، ما دام أن النزاع يمكن ركنه في زاوية أو إدارته من غير الكثير من القلاقل، فلا بأس من بقائه حيث هو، ما دام لا يؤثر على المصالح الأوروبية.

اصطفاف وراء إسرائيل

منذ اليوم الأول لحرب غزة، اصطفت دول الاتحاد الأوروبي وراء إسرائيل، وتبنت مبدأ حقها في الدفاع عن النفس، والقضاء على حركة «حماس». وتبدّى ذلك في أمرين: الأول، مسارعة أوليفيه فارهيلي، المفوض الأوروبي لسياسات الجوار إلى «التجميد الفوري» لكل المساعدات المقدمة للفلسطينيين القائمة والمستقبلية، وذلك من غير التشاور مع أحد. والثاني، برز مع الزيارة التي قامت بها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، إلى إسرائيل في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث عبرت عن «التضامن التام» مع إسرائيل، وأكدت حقها في الدفاع عن النفس، ووصفت «حماس» بأنها تنظيم إرهابي، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى ضرورة أن تحترم إسرائيل القانون الدولي الإنساني والتزامها بحماية المدنيين.

غضب الموظفين

وأثارت مواقف المسؤولة الأوروبية نقمة داخل الاتحاد، حيث وجّه 850 موظفاً، في 20 أكتوبر رسالة إلى مكتبها يرفضون فيها «دعمها المطلق غير المشروط» لإسرائيل، وعدم مبالاتها بـ«المجزرة المتواصلة ضد المدنيين في غزة وتجاهل حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني». كذلك انتقد جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية، وشارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، مبادرات فون دير لاين.

رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال يرفض أن تقوم فون دير لاين بمبادرات في السياسة الخارجية (أ.ب)

وجاءت البيانات الجماعية الصادرة رسمياً، ومنها يوم 26 أكتوبر ويوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) متضمنة إدانة ما قامت به «حماس»، والتعبير عن التضامن مع إسرائيل، وتأكيد حقها في الدفاع عن نفسها، ولكن في إطار احترام القانون الدولي والتشديد على إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة إلى سكان القطاع. كذلك سارع الاتحاد إلى تجميد الأموال المخصصة لوكالة «الأونروا» التي اتهمتها إسرائيل بأنها «مخترقة» من «حماس».

ثلاث لاءات

في اليوم التالي للاجتماع، اقترح بوريل الخطوط الرئيسية للسياسة الأوروبية وتتشكل من ثلاث لاءات: لا للترحيل القسري للفلسطينيين، لا لطردهم من غزة نحو دول أخرى، ولا إعادة احتلال القطاع أو ضم أجزاء منه. بالمقابل، طرح بوريل ثلاثة مبادئ لمستقبل القطاع: تمكين «سلطة فلسطينية مؤقتة» من إدارة القطاع بموجب قرار من مجلس الأمن ومشاركة دول عربية يثق بها الفلسطينيون والإسرائيليون في إدارة القطاع، على أن تشكل خطوة باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية. والمبدأ الثالث ينص على انخراط الاتحاد الأوروبي في المنطقة والمساعدة على قيام دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة وقادرة على إبرام السلام مع إسرائيل وتوفير الأمن لها وللفلسطينيين.

ازدواجية المعايير

رغم أهمية مقترح بوريل، فإن «الاتحاد» لم يتخذ موقفاً قوياً من استهداف القوات الإسرائيلية للمستشفيات والمساجد والمدارس التي بعضها أقيم بأموال أوروبية. كذلك لم يصدر عن الاتحاد - بوصفه كتلة - أي إدانة لما تقوم به إسرائيل في القطاع أو دعوة لوقف إطلاق النار بسبب معارضة مجموعة من دوله، الأمر الذي يعكس انقساماته الداخلية التي ظهرت في تصويت دول الاتحاد في الأمم المتحدة. ففي 27 أكتوبر، اختارت 15 دولة أوروبية الامتناع عن التصويت على مشروع قرار يدعو إلى وقف إنساني لإطلاق النار ووضع حد للأعمال العدائية، فيما صوتت لمصلحته ثماني دول: فرنسا وآيرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وإسبانيا وسلوفينيا ومالطا والبرتغال. أما الدول الأربع المتبقية فقد صوتت ضده، وهي النمسا وتشيكيا والمجر وكرواتيا.

نتائج التصويت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الدعوة إلى وقف النار في غزة (إ.ب.أ)

في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، صوتت الجمعية العامة على مشروع قرار يدعو إلى «توفير الحماية للمدنيين واحترام القوانين الإنسانية ولوقف إطلاق النار وإطلاق السراح الفوري وغير المشروط لجميع الرهائن، دعمت 17 دولة القرار وعارضته الدول الأربع المذكورة سابقاً، وامتنعت الدول المتبقية عن التصويت.

أما في مجلس الأمن، فإن الدول الأوروبية الثلاث الممثلة حالياً فيه «فرنسا وسلوفينيا ومالطا» فقد صوتت جميعها لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر فيما لم تعارضه الولايات المتحدة، الأمر الذي أتاح تبنيه وقد دعا، بشكل أساسي، إلى وقف فوري إنساني لإطلاق النار خلال شهر رمضان، كما تضمن العناصر الأخرى المتكررة في كل مشاريع القرارات. ويمكن، بناء على ما جرى في نيويورك وبروكسل، استخلاص وجود ثلاث مجموعات أوروبية: الأولى، تريد وقفاً فورياً لإطلاق النار وتمثلها فرنسا، بلجيكا، إسبانيا ولوكسمبورغ وآيرلندا ومالطا وسلوفينيا. والثانية معارضة لكل ما يعد «فرضاً» على إسرائيل، وأعضاؤها الأشد «النمسا، تشيكيا والمجر». أما الثالثة فممتنعة بحجة أن القرارات المذكورة إما أنها لا تدين «حماس»، وإما أنها لا تشير إلى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومن أعضائها ألمانيا، رومانيا، بولندا وإيطاليا.

مسؤول العلاقات الخارجية جوزيب بوريل مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في 19 أبريل بمناسبة اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في جزيرة كابري الإيطالية (أ.ب)

في السعي لنقطة التوازن، اضطلع بوريل بدور مهم؛ إذ دعا الأوروبيين إلى الالتفات لجذور المشكلة وليس الاكتفاء باقتفاء أثر المواقف الإسرائيلية. وشرح رؤيته في مقال نشرته مجلة «Le Grand Continent « داعيا إلى الابتعاد عن «ازدواجية المعايير» والوفاء لمبادئ وقيم الاتحاد الأوروبي.

ومع ارتفاع أعداد القتلى والدمار الرهيب الذي حل بغزة والقضاء على قطاعي التعليم والصحة وضرب البنى التحتية والقتل الأعمى وضغوط الشارع في العواصم الأوروبية، سعى القادة الأوروبيون إلى تعديل سياساتهم. وكان واضحاً أنه إزاء تجاهل إسرائيل لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وتصاعد العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية/ حيث الجيش والمستوطنون أوقعوا مئات القتلى، كان على هؤلاء القادة ووزرائهم ودبلوماسياتهم التحرك. وأحد العوامل التي دفعتهم للتحرك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال علناً إنه يرفض حل الدولتين، وهو ما تدعو إليه أوروبا، وإنه عازم على اجتياح رفح، الأمر الذي يقلق الأوروبيين من وقوع مجازر إضافية. وليس من مجال للتوقف عند خصوصيات مواقف كل دولة أوروبية.

ولكن يمكن اعتبار أن الأوروبيين وجدوا في فرض عقوبات على أربعة مستوطنين وكيانين إسرائيليين وسيلة للتعبير عن نقمتهم ورفضهم للمسار الذي تسلكه إسرائيل. ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد أن سبقتهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى فرض عقوبات محدودة. وجاء في بيان صادر عن الاتحاد في 19 أبريل الحالي أن هؤلاء «مسؤولون عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين»، وأنهم «مارسوا عمال تعذيب، وغيرها من أشكال المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، فضلاً عن انتهاك الحق في الملكية والحق في الحياة الخاصة والعائلية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة». وتشمل العقوبات تجميد الأصول وحظر التأشيرات، ولن يسمح لهؤلاء الخاضعين للعقوبات بدخول الاتحاد الأوروبي أو التعامل مع مواطنيه، كما سيتم تجميد أي أصول أو حسابات لديهم في الاتحاد.

وزراء الخارجية الأوروبيون مع نظيريهم الأميركي والكندي في كابري 18 أبريل الحالي (أ.ب)

ثمة أمر تجدر الإشارة إليه، وهو أن إسرائيل تريد تجيير الهجمات الجوية الإيرانية لصالحها، وللتأثير على العالم الغربي والأوروبي على وجه الخصوص. ويرى كثيرون أن أحد أهداف تهديد إسرائيل باجتياح رفح، يكمن في حرف الأنظار عما ارتكبته قواتها وعما برز من مجازرها من خلال الكشف عن المقابر الجماعية، حيث طمرت مئات الجثث ما يشكل جريمة حرب موصوفة.

وحتى الساعة، كانت نادرة التعليقات الأوروبية على هذا الأمر البشع الذي لو حصل في أوكرانيا مثلاً لكانت الدول الأوروبية قد عبأت قدراتها السياسية والدبلوماسية والقضائية على وجه السرعة. ولذا، فإذا كان الموقف الأوروبي قد تغير قليلاً، فإنه يحتاج للكثير حتى يكون متطابقاً مع الشعارات والقيم التي جعلتها القارة القديمة نبراساً للاتحاد الأوروبي. لكن دولاً أوروبية مثل إسبانيا وآيرلندا ومالطا وبلجيكا وسلوفينيا تسير بخطوات أسرع من خطوات الآخرين؛ إذ تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهي تبحث عن آلية لذلك، وإن من غير أن يكون الاعتراف عملاً جماعياً أوروبياً، الأمر الذي يبرز، مرة أخرى، عمق الانقسامات بين الأوروبيين.


استطلاع إسرائيلي: خُمس السكان فكروا بترك البلاد

متظاهرون إسرائيليون ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب (رويترز)
متظاهرون إسرائيليون ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب (رويترز)
TT

استطلاع إسرائيلي: خُمس السكان فكروا بترك البلاد

متظاهرون إسرائيليون ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب (رويترز)
متظاهرون إسرائيليون ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب (رويترز)

وفق نتائج استطلاع أجراه معهد «الحرية والمسؤولية» في جامعة رايخمن، ونشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، فإن «مشاعر القوة ما زالت تسيطر على الإسرائيليين، ولكنهم لا ينامون في الليل، وليس لديهم ثقة على الإطلاق بالحكومة». ويقول المعلق الإسرائيلي نداف إيال على نتائج الاستطلاع: «ما زالت توجد للإسرائيليين ثقة بالجيش، وهم فخورون جداً بأن يكونوا إسرائيليين». ويظهر الاستطلاع أن «87 في المائة من الإسرائيليين يشعرون بفخر بمواطنتهم (بين المواطنين العرب فلسطينيي 48، يشعر بهذا الفخر في المواطنة 61 في المائة)».

ويقول إيال: «هذا مؤشر مذهل، لكن يجب له ألا يخفي الصورة القاسية التي تنعكس من الاستطلاع. فلا يقل عن خُمس السكان يقولون إنهم فكروا بترك البلاد. ولدى مصوتي الوسط واليسار زادت النسبة بقليل، وفي أوساط رجال اليمين أقل كثيراً. لكن الصورة واضحة جداً. يهود، عرب، يسار، وسط ويمين يعتقدون أن الدولة تواجه خطراً وجودياً».

ووفق إيال فإن «أكثر من 6 من كل 10 إسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل تحت تهديد الإبادة في هذه الأيام. وعندما يُسألون ما هو التهديد الأكبر على وجود الدولة تكون الفوارق واضحة وجلية: بالنسبة لليمين تكون إيران، ومنظمات الإرهاب والانشقاق في الشعب، وبين من ينتمون للوسط واليسار، فإن التهديد الأكبر في نوعية الزعماء السياسيين (أي نتنياهو وحكومته)، وبعد ذلك يضعون الانشقاق في الشعب وإيران ومنظمات الإرهاب. أما في أوساط مصوتي اليمين فإن جودة الزعماء السياسيين تكاد لا تكون عاملاً».

الاستطلاع يكشف كذلك أن 98 في المائة من المصوتين في الوسط واليسار ليست لديهم ثقة بهذه الحكومة؛ لكن أيضاً في أوساط اليمين يدور الحديث عن نحو 66 في المائة لا يثقون بالحكومة.

أما الجيش الإسرائيلي، رغم الإخفاق في رصد هجوم «حماس»، وفشل الردع والأداء، فإنه، وفق الاستطلاع، يحظى بثقة هائلة «77 في المائة بين مصوتي اليمين، و80 في المائة لدى الوسط واليسار». ويقول معدو الاستطلاع إنهم عندما سألوا المستطلعين: «هل تنامون في الليل جيداً منذ أن شنت (حماس) هجمة الإبادة الجماعية على إسرائيل؟ أجاب 7 من كل 10 بأنهم يعانون من قلق أكبر، بينما لدى الجمهور العربي فإن الوضع أفضل: 5 فقط من كل 10 يبلغون عن ارتفاع في مستوى القلق». وأبلغ 12 في المائة من المستطلعين أنهم توجهوا للمساعدة النفسية (أي نحو مليون شخص). وفي قراءة إيال للاستطلاع فإن إسرائيل قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) كانت دولة تسير في اتجاه محافظ يميني وديني أكثر. في المجتمع اليهودي وفي المجتمع العربي أيضاً. وجاءت الحرب، وعززت هذه الميول فقط. وابتعد الناس عن الحل السياسي، ويستند في ذلك إلى أن «56 في المائة، دون فرق بين يمين، وسط ويسار، عبروا عن اعتقادهم أن احتمال تحقيق اتفاق سياسي مع الفلسطينيين انخفض إلى 22 في المائة فقط».


بعد 200 يوم... إسرائيل «عالقة» في حرب من دون حسم

جنود إسرائيليون بالقرب من الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون بالقرب من الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

بعد 200 يوم... إسرائيل «عالقة» في حرب من دون حسم

جنود إسرائيليون بالقرب من الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون بالقرب من الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)

رغم مرور 200 يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة، من الصعب أن تجد أحداً في إسرائيل يتحدث عن «انتصار ساحق» سوى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. حتى الجيش، الذي لا ينافسه أحد في الغرور والغطرسة، ويفترض فيه أن ينهي الحرب بانتصار، بات يتحدث بلغة أكثر تواضعاً. وأنزل سقف التوقعات من هذه الحرب، من «إبادة حماس» إلى «شل قدرتها على الحكم»، ومن «تحرير المختطفين بالقوة» إلى «تحريرهم بالقوة أو بالمفاوضات»، بيد أن نتنياهو يصر على لغة الانتصار الساحق.

وبالمقابل، فإن كبار الخبراء يرفضون هذا المنطق، ويحذرون من فشل كبير، بل إن عدداً منهم يحذر من هزيمة.

خبير الشؤون الأمنية والاستراتيجية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، يقول: «نحن عالقون. ووصلنا في هذه الحرب إلى باب موصود استراتيجياً». ويؤكد أنه في قضية الأسرى: «إسرائيل فقدت بمبادرتها كل وسائل الضغط على (حماس)».

جنود إسرائيليون عند الحدود مع قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

وفي قضية اجتياح رفح «لا يزال نتنياهو يدير مفاوضات مع واشنطن حول حجم العملية الإسرائيلية وجدواها، والأميركيون لم يصادقوا على الخطط الإسرائيلية حتى الآن»، وفي قضية «اليوم التالي» ما زالت إسرائيل تتخبط، وكل اقتراحاتها في الموضوع غير واقعية و«حماس»، رغم أنها خسرت نحو 75 في المائة من قوتها العسكرية، ما زالت تسيطر على كثير من المناطق والمجالات.

وعلى الجبهة اللبنانية «يتصاعد التوتر، ولكن لا يوجد حسم باتجاه حرب شاملة أو اتفاق سياسي، والجميع ينتظر انتهاء القتال في غزة»، وعلى جبهة إيران «تفشل إسرائيل في إنشاء تحالف إقليمي؛ لأنها لا تتقدم في الموضوع الفلسطيني، ولا تعترف بالأمر الأساسي، وهو أن هذه القضية هي المفتاح لتسوية كل المشكلات».

ويختتم الخبير الإسرائيلي قائلاً: «إسرائيل مجبَرة على التنازل عن موقفها المتصلب تجاه القضية الفلسطينية والتجاوب مع المطلب الأمريكي. فمن دون التعاون الاستراتيجي مع إدارة الرئيس جو بايدن، فإننا لن نظل عالقين في طريق دون مخرج فحسب، بل إننا سننهي الحرب بهزيمة».

ماذا تحقق؟

وعلى النهج نفسه تقريباً، يقول الفيلسوف الإسرائيلي العالمي، يوفال نواح هراري، في مقال له في «هآرتس»، إن «الحرب أداة عسكرية لتحقيق الأهداف السياسية، وهناك معيار واحد للنجاح في الحرب: هل جرى تحقيق الأهداف السياسية؟ بعد مجزرة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المروعة، اضطُرت إسرائيل إلى العمل لإطلاق سراح المختطفين ونزع سلاح (حماس)، لكن هذه لم تكن أهدافها الوحيدة. وفي ضوء التهديد الوجودي الذي تشكله إيران وعملاء الفوضى التابعون لها، كان على إسرائيل أيضاً أن تعزز التحالف مع الديمقراطيات الغربية، وتعزز التعاون مع العناصر المعتدلة في العالم العربي، وتؤسس نظاماً إقليمياً مستقراً، لكن حكومة نتنياهو تجاهلت كل هذه الأهداف، وبدلاً من ذلك سعت إلى الانتقام، ولم تطلق سراح جميع المختطفين، ولم تقضِ على (حماس)».

ملامح أنثوية تظهر على بعض عناصر «كتائب القسام» خلال صفقة تبادل الأسرى (الإعلام العسكري لكتائب القسام)

ويزيد هراري: «لقد تسببت (حكومة نتنياهو) عن عمد في وقوع كارثة إنسانية هائلة على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، ما أدى إلى تقويض الأساس الأخلاقي والسياسي لوجود دولة إسرائيل. كما أن الكارثة الإنسانية في غزة، وتدهور الوضع في الضفة الغربية يعملان أيضاً على تغذية الفوضى، وتشويه تحالفنا مع الديمقراطيات الغربية، ويجعلان من الصعب التعاون مع دول مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. وبعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، لا يزال كثير من المختطفين في الأسر، ولم تُهزم (حماس) بعد، لكن قطاع غزة مدمر بالكامل تقريباً، وقُتل عشرات آلاف من مواطنيه، وأصبح معظم سكانه لاجئين يتضورون جوعاً».

دولة منبوذة

ومن وضع غزة إلى وضع إسرائيل نفسها، ينتقل هراري في تحليله، ويقول: «إلى جانب غزة، جرى تدمير الوضع السياسي لإسرائيل أيضاً، التي أصبحت دولة منبوذة ومكروهة حتى من قبل الكثيرين الذين كانوا أصدقاء لها قبل وقت ليس ببعيد. إذا اندلعت حرب شاملة وطويلة الأمد ضد إيران ووكلائها، فإلى أي مدى يمكن لإسرائيل أن تثق بأن الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية والدول العربية المعتدلة سوف تخاطر من أجلها، وتزودها بالمساعدة العسكرية والدبلوماسية التي تحتاج إليها؟ وحتى لو لم تندلع مثل هذه الحرب، فإلى متى ستتمكن إسرائيل من البقاء دولةً منبوذةً؟ ليس لدينا موارد روسيا. ومن دون علاقات تجارية وعلمية وثقافية مع بقية العالم، ومن دونها الأسلحة والمال الأميركيين، فإن السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي يمكن أن نطمح إليه هو أن نكون كوريا الشمالية في الشرق الأوسط».

ويختتم هراري: «تتركز عيون معظم الإسرائيليين الآن على طهران، وحتى قبل ذلك لم نكن نريد حقاً أن نرى ما يحدث في غزة والضفة الغربية. ولكن إذا لم نقم بتغيير جذري في تعاملنا مع الفلسطينيين، فإن غطرستنا ورغبتنا في الانتقام ستقوداننا إلى هزيمة تاريخية».

وفي هذه الأيام، التي يحيي فيها اليهود في إسرائيل والعالم أول أيام عيد الفصح العبري، يرجعون إلى التوراة. وفيها قصة مهمة تتعلق باليهود وغزة. إنها قصة شمشون الجبار، ذلك البطل اليهودي الذي اختطفه الفلسطينيون إلى غزة، واحتُجز في الأسر وفي الظلام وتعرض لتعذيب شديد. والعقلاء يعدونها رمزاً مخيفاً جداً.

أطول حرب

ويقول الكاتب في «معاريف»، بن كسبيت: «لقد قال شمشون: (سأنتقم انتقامة واحدة... ولتمت نفسي مع الفلسطينيين). منذ 7 أكتوبر، أصبحنا مشابهين جداً لشمشون في أشياء كثيرة – الغطرسة، والعمى، والانتقام، والانتحار – لدرجة أنه من المخيف جداً أن نتذكر البطل المتعجرف الذي انهار المنزل على رأسه وقتل روحه في سبيل قتل الفلسطينيين».

إن الإسرائيليين، حتى المؤيدين لنتنياهو، يشعرون بأن خطأً ما كبيراً حدث في هذه الحرب، يجعلها «أطول حرب في تاريخ الدولة» ويظهرها عاجزة عن إيجاد مخرج مشرف منها، ويبقيها بعيدة عن تحقيق أي من أهدافها. لقد حصدت هذه الحرب حتى الآن نتائج مأساوية أيضاً للإسرائيليين.

أقارب وأصدقاء الجندي الإسرائيلي يائير كوهين الذي قُتل في غزة خلال تشييعه الثلاثاء بتل أبيب (أ.ب)

ووفق الإحصاءات الرسمية للجيش الإسرائيلي، قُتل في الحرب حتى الآن 1483 إسرائيلياً، بينهم 605 جنود، و61 رجل شرطة، و5 من رجال المخابرات، و8 من قوات الدفاع المدني، و804 مدنيين، وجرح 3294 بينهم 1583 جندياً، وهذا عدا المصابين النفسيين، ومع ذلك فهناك أصوات كثيرة تشكك في صحة الأرقام، وتتحدث عن خسائر أكبر.

كذلك فهناك 133 أسيراً، بينهم 31 قُتلوا بشكل مؤكد، ويوجد أكثر من 100 ألف مواطن جرى إخلاؤهم من بيوتهم في البلدات الواقعة شمال إسرائيل وفي بلدات غلاف غزة.

خسائر اقتصادية

أما عن الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة فإنها تقدر بنحو 60 مليار دولار. وفي الخسائر الاقتصادية سُجل انخفاض بنسبة 6.6 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع النمو الاقتصادي للعام الحالي بمقدار 1.1 نقطة مئوية بعد خسائر متوقعة قدرها 1.4 نقطة مئوية العام الماضي. وفقدت إسرائيل قوة الردع، ليس فقط في الهجوم المباغت في 7 أكتوبر الماضي، بل بمجرد استمرار الحرب 200 يوم (حتى الآن)، يجري فيها استخدام جيش نظامي واحتياطي يصل إلى 600 ألف جندي مقابل تنظيم مسلح صغير لحركتي «حماس» و«الجهاد» وبقية الفصائل لا يتعدى قوامها 50 ألفاً، يعد هذا فشلاً.

اهتزت مكانة إسرائيل الدولية. وباتت تحاكم بتهمة ارتكاب «جرائم حرب» في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وجريمة إبادة شعب في محكمة العدل العليا الدولية في لاهاي. ولا ترى نهاية لهذه الحرب بعدُ، ولا لتبعاتها الإقليمية والدولية.