«قلة الموارد» تهدد بصدام اجتماعي لبناني ـ سوري

مع تفاقم التردي الاقتصادي و«الحملات العنصرية» ضد النازحين

النازحون السوريون في لبنان تحولوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحولوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
TT

«قلة الموارد» تهدد بصدام اجتماعي لبناني ـ سوري

النازحون السوريون في لبنان تحولوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحولوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)

على طريقة المثل اللبناني القائل إن «القلة تولد النقار»، بلغ الاحتقان بين المجتمع اللبناني المضيف والمجتمع السوري النازح، مستويات غير مسبوقة في الآونة الاخيرة مع استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية في لبنان والتدهور المتواصل في سعر الليرة اللبنانية، ما أدى لتفاقم الصراع على مقومات العيش، كما على الخدمات وفرص العمل. ونبهت مصادر عدة من مخاطر تحول هذا الاحتقان إلى إشكالات ومواجهات بين الطرفين تؤدي لانفجار أمني انطلاقاً من مخيمات النازحين السوريين. وفي هذا الإطار، حذر أمس الحزب التقدمي الاشتراكي من «الحملة العنصرية المستمرة» ضد اللاجئين، ونبه في بيان، إلى أن «التمادي السافر ينذر بعواقب أكثر خطورة اجتماعياً، إذ يشحن النفوس ويخلق التوترات ويضرب ما تبقى من أمن».
وخرج مؤخراً محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، بمواقف عالية النبرة بموضوع النزوح السوري، منتقداً مطالبة النازحين بزيادة التقديمات لهم، ومطالباً بعودتهم. وأثار قوله في فيديو مسجل إن راتبه كمحافظ، وهي أعلى وظيفة إدارية في الدولة اللبنانية، أقل من راتب النازح السوري في لبنان، سجالاً واسعاً بين اللبنانيين والسوريين. كذلك أدى فيديو انتشر لنازح سوري يجيب عن أسئلة رئيس بلدية القاع (شرق لبنان) بشير مطر، إلى استياء عدد كبير من اللبنانيين، بعدما تبين أن الرجل السوري متزوج من 3 نساء ولديه 16 طفلاً ويقبض نحو 16 مليون ليرة لبنانية عن أولاده، وهو ما يعادل نحو 160 دولاراً أميركياً، مقراً أنه يتلقى الطبابة والتعليم والغذاء والخدمات من قبل الأمم المتحدة، في وقت يفتقر فيه قسم كبير من اللبنانيين لهذه الخدمات.
وتستغرب صباح (40 عاماً) وهي نزحت إلى لبنان مع أولادها الـ3 من حلب قبل 11 عاماً، تصوير بعض اللبنانيين كأن السوريين يعيشون في أفضل أحوالهم بلبنان، فيما هم بالحقيقة يعانون الأمرين. وتصف صباح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، الوضع الذي ترزح وعائلتها تحته، كما الغالبية العظمى من النازحين، بـ«الصعب جداً»، قائلة: «كانت المفوضية تعطي 27 دولاراً للشخص الواحد شهرياً، أما اليوم فلا نتقاضى إلا مليون ومائة ألف ليرة لبنانية (نحو 10.5 دولار)، وهو مبلغ لم يعد يكفي لشيء بعدما باتت كل مصاريفنا بالدولار». وتتحدث المرأة الأربعينية عن «مضايقات كثيرة» تتعرض لها، لافتة إلى أن «الصرافين ينتقدوننا دوماً، ويقولون إن الأموال التي نصرفها بالدولار هي من الأمم المتحدة، وحقيقة الأمر أن أخي في الخارج يرسل لي المال كي أطعم أولادي». وتضيف: «كذلك كلما اتجهنا إلى صراف آلي واحد تم تحديده لنا لقبض الأموال التي ترسلها المفوضية، ما يؤدي لصفوف طويلة ممن ينتظرون دورهم، نسمع كثيراً من الانتقادات من المارة الذين يقولون إننا نقبض بالدولار، وبالتالي لا يمكن أن نعود إلى بلادنا». كذلك تشكو صباح أنه في أحد المطاعم، حيث يعمل ابنها، «يتقاضى العاملون اللبنانيون والإثيوبيون رواتبهم بالدولار، أما نحن السوريين، فبالليرة اللبنانية»، وتقول: «رغم صعوبة الوضع هنا، فإن الوضع في سوريا أصعب، ولذلك نحن لا نزال في لبنان ونحلم بالمغادرة إلى بلد ثالث».
ويتجاوز عدد النازحين السوريين في لبنان، بحسب الأجهزة الأمنية اللبنانية المليون ونصف المليون. وغادر عام 2022 أكثر من 5 آلاف نازح سوري، لبنان، إلى بلدان مختلفة، بما في ذلك الأرجنتين وأستراليا وكندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وغيرها.
واستضافت مئات القرى والبلدات اللبنانية مئات آلاف النازحين على مر السنوات الـ12 الماضية، إلا أنه ومع اندلاع الأزمة المالية في البلد عام 2019 وتدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية، تصاعد خطاب يقول إن السوريين يزاحمون اللبنانيين على المواد الغذائية التي كانت مدعومة، كما على المحروقات والخبز، والأهم على فرص العمل.
ولا تخفي نائبة رئيس بلدية عرسال (شرق لبنان) سابقاً (بعد حل البلدية في البلدة)، والناشطة الاجتماعية ريما كرنبي، أن «الاحتقان بلغ مستويات غير مسبوقة بين اللبنانيين والسوريين في البلدة التي كانت ولا تزال تضم أكبر تجمع للنازحين الذين يبلغ عددهم راهناً 85 ألفاً، بعدما وصل في سنوات ماضية إلى 120 ألفاً»، منبهة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «مخاوف حقيقية من تحول الاحتقان إلى إشكالات بين الطرفين، ما يؤدي لانفجار أمني». وتضيف: «بنهاية المطاف عرسال بلدة فقيرة، أبناؤها يعملون في حرف يدوية، كما النازحين، ما يؤدي لمزاحمة على فرص العمل في ظل الضائقة الاقتصادية الحالية». وتعتبر كرنبي أن «تخصيص الأمم المتحدة المساعدات بشكل أساسي للسوريين، هو ما يؤدي لتفاقم الأحوال، نظراً لانزعاج اللبنانيين الذين يرون مثلاً أبناء النازحين يذهبون إلى المدارس الرسمية في باصات تتكفل الأمم المتحدة بإيجارها، فيما أولاد عرسال غير قادرين على تكبد هذه التكلفة».
ولا تنفي كرنبي أن «هناك كثيراً من أبناء عرسال استفادوا بالعمل في جمعيات تابعة للأمم، كما من الطبابة في المستوصفات المجانية التي أقيمت للنازحين، لكن كان يفترض من البداية تنظيم الوجود السوري، وهو ما لم يحصل رغم تنبيهاتنا المتكررة».
وتعد الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، أن «الأزمة في لبنان تؤثر على الجميع، من لبنانيين ولاجئين. ولهذا فمن الضروري الاستمرار في توجيه الدعم للعائلات والمجتمعات، كما الحرص أيضاً على عدم خفض هذا الدعم»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «9 لاجئين من أصل كل 10 يعيشون في فقر مدقع. ومن خلال التمويل المتاح، تغطّي المساعدات الإنسانية النقدية والغذائية 33 في المائة من اللاجئين الأكثر ضعفاً (مقابل 43 في المائة عام 2022). تقدَّم هذه المساعدة بالعملة المحلية، غير أنها لا تكفي لتأمين احتياجات العائلات المتزايدة، لا سيما مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان. وتشير أبو خالد إلى أن «معظم اللاجئين السوريين يعبّرون عن رغبتهم في العودة إلى سوريا يوماً ما، إلا أن اتخاذ قراراتهم يستند إلى مجموعة من العوامل كالسلامة والأمن؛ والمسكن؛ وتوفّر الخدمات الأساسية وسُبل العيش»، موضحة أنه «من ضمن مهمّتها لإيجاد حلول للجوء، تساعد المفوضية وشركاؤها في معالجة مخاوف اللاجئين والنازحين داخل سوريا الذين يفكرون في العودة. فتعمل المفوضية وشركاؤها مع جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والدول المضيفة وأصحاب الشأن لمعالجة المخاوف التي يشير إليها اللاجئون كعقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة. وتواصل المفوضية وشركاؤها العمل مع الجهات الفاعلة الرئيسية لإيجاد حلول طويلة الأمد للاجئين السوريين، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة».
ويربط مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، عودة النازحين إلى مناطقهم بـ«توفر الاستقرارين السياسي والاقتصادي أولاً، كما بإعادة الإعمار وتهيئة البنى التحتية التي هدّمت نتيجة الصراع، إضافة للتعهد بعدم ملاحقة المعارضين وضمان الخدمات الأساسية ومقومات الحياة الكريمة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بالمعنى الميداني ما زال الوضع غير مستقر نسبياً في سوريا، وهو يحتاج إلى تكاتف الجهود الدولية من أجل فرض حل سياسي لتكون البلاد آمنة وتكون العودة طوعية لا بالإكراه والقوة».
وانتقد أمس، الحزب التقدمي الاشتراكي ما سماها «الحملة العنصرية المستمرة» ضدهم، ونبه في بيان، إلى أن «التمادي السافر ينذر بعواقب أكثر خطورة اجتماعياً، إذ يشحن النفوس ويخلق التوترات ويضرب ما تبقى من أمن».


مقالات ذات صلة

لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

المشرق العربي لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

قالت مصادر أمنية في منطقة البقاع اللبناني، أمس لـ«الشرق الأوسط»، إن مكاتب الأمن العام استعادت نشاطها لتسجيل أسماء الراغبين بالعودة، بناء على توجيهات مدير عام الأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري.

المشرق العربي لبنان يطلق حملة «مسح وطنية» لتعداد النازحين السوريين

لبنان يطلق حملة «مسح وطنية» لتعداد النازحين السوريين

أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين وتسجيلهم، ضمن إجراءات جديدة لضبط عملهم وتحديد من يوجد في لبنان بصورة قانونية، وذلك في ظل نقاشات سياسية، وضغط أحزاب لبنانية لإعادة النازحين إلى بلادهم. ووجّه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، كتاباً إلى المحافظين ومن خلالهم إلى القائمقامين والبلديات والمخاتير في القرى التي لا توجد فيها بلديات ويوجد فيها نازحون سوريون، لإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين، والقيام بتسجيل كل المقيمين، والطلب إلى المخاتير عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي نازح سوري قبل ضم ما يُثبت تسجيله، والتشدد في عدم تأجير أي عقار لأ

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بيروت: لا تسرع في ترحيل السجناء السوريين

بيروت: لا تسرع في ترحيل السجناء السوريين

قال وزير العدل اللبناني هنري الخوري لـ«الشرق الأوسط» إن إعادة السجناء السوريين في لبنان إلى بلدهم «قضية حساسة ولا تعالج بقرار متسرع». ويمكث في السجون اللبنانية 1800 سوري ممن ارتكبوا جرائم جنائية، 82 في المائة منهم لم تستكمل محاكماتهم، فيما وضعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خطّة لترحيلهم وكلف الخوري البحث في «إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة، والتنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السورية». وأكد الخوري أن «كل ملف من ملفات السجناء السوريين يحتاج إلى دراسة قانونية دقيقة (...) إذا ثبت أن ثمة سجناء لديهم ملفات قضائية في سوريا فقد تكون الإجراء

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي «اجتماع عمّان» يبحث عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار

«اجتماع عمّان» يبحث عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار

بحث اجتماع تشاوري جديد حول سوريا عقد الاثنين في عمّان، بمشاركة وزراء الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والعراقي فـؤاد محمد حسين والمصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي والسوري فيصل المقداد، سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وبسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها. وأكد نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، أن الاجتماع هو بداية للقاءات ستتابع إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية. وشدد الوزير الأردني، على أن أولوية إنهاء الأزمة لا تكون إلا عبر حل سياسي يحفظ وحدة سو

المشرق العربي «اجتماع عمّان» التشاوري: العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى

«اجتماع عمّان» التشاوري: العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى

بحث اجتماع تشاوري جديد حول سوريا عقد اليوم (الاثنين)، في عمّان، بمشاركة وزراء خارجية كلّ من السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا، في سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، وبسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها. ووفقاً لبيان ختامي وزع عقب الاجتماع ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية، اتفق المجتمعون على أن «العودة الطوعية والآمنة للاجئين (السوريين) إلى بلدهم أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً». وحضّوا على تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة لـ«تنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح»

«الشرق الأوسط» (عمّان)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.