«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

حالة معاناة غير متجانسة تشمل التعب وصعوبة التركيز والتواصل

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي
TT
20

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

قد يتفاعل أحدنا في حديث مع أحد زملائه، ثم فجأة يجد صعوبة في تذكر كلمة أو أحد تفاصيل القصة التي يسردها. أو ربما فجأة أثناء حديثه يسأل زميله «معذرة، ماذا كنت أقول؟». أو في لحظة من النهار، يسأل أحدهم نفسه: «أي يوم من الأسبوع نحن؟». أو قد يدخل أحدنا منزله بعد يوم منهك جداً من العمل، ويغيب عن ذهنه تماماً أن ثمة قائمة من الأشياء التي طلبتها زوجته لم ينفذها.
أو قد يبدأ أحدنا في إعادة ترتيب حجرته، ثم يفقد تواصل حبال أفكاره حول ما يود فعله، ويعتريه مزيج من ضبابية التفكير وصعوبة التركيز في كيفية إنجاز هذا الأمر. أو عند تفكير أحدهم في الأشياء التي حدثت في وقت سابق من اليوم، يبدو كل شيء ضبابياً، وبالكاد يتذكر أي شيء منه.
هذه الأحداث قد تكون شائعة مع التقدم في العمر، أو قد تحصل لأحدنا من آن لآخر، ولكن إذا تأثر تفكير أحدنا بها وتفاقم ذلك تدريجياً لديه، بحيث يواجه صعوبة في التركيز أو وضع أفكاره في كلمات أو ترتيب مهامه اليومية، فثمة منْ يطرح أن الأمر قد يكون معاناة مما يسميه البعض «الضباب الدماغي» Brain Fog، أو ضبابية التشويش الذهني في الدماغ. وربما يكون هذا التشخيص صحيحاً، وربما لا يكون.

- ضباب دماغي
الضباب الدماغي مصطلح فرض نفسه في عناوين ومحتويات الدراسات الطبية الحديثة، وهو موضوع يستحوذ على الكثير من الاهتمام الطبي اليوم. ويتوالى صدور مجموعات من الدراسات الطبية حوله في الآونة الأخيرة، مدفوعاً بشكل رئيسي مع ظهور التداعيات والمضاعفات «المحتملة» بصفة طويلة الأمد للإصابات بكوفيد - 19 Post - COVID - 19. ولكن رغم استخدام المرضى لهذا المصطلح لوصف ما يُعانون منه، لا تزال الملامح الإكلينيكية لهذه الحالة غير واضحة. وضمن عدد أبريل (نيسان) القادم من مجلة طب الأعصاب وجراحة المخ والأعصاب والطب النفسي Journal of Neurology، Neurosurgery and Psychiatry، سيعرض باحثون من مركز علوم الدماغ الإكلينيكية في جامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة دراستهم الطبية بعنوان «ما هو ضباب الدماغ؟».
وقال الباحثون في خلفية دراستهم: «يستخدم مصطلح ضباب الدماغ بشكل متزايد في اللغة الدارجة (العامية)، لوصف الصعوبات في المجال المعرفي. لكن ما هو ضباب الدماغ؟ ما نوع المعاناة التي يتحدث عنها الناس؟ وما الذي يمكن أن يخبرنا به وصفهم لها عن الآليات الفيسيولوجية المرضية الكامنة؟». وأوضحوا: «من أجل فهم أفضل لظواهر ضباب الدماغ، فحصت هذه الدراسة أوصاف الأشخاص (الذين يشكون منها) لها. وتوصلنا إلى أن مصطلح ضباب الدماغ هو لوصف معاناة غير متجانسة، تشمل التعب وصعوبة التركيز وصعوبات التواصل والنسيان والبطء الذهني والإجهاد المعرفي المفرط، كارتباط بمجموعة من الأمراض، التي كان من أكثرها ما بعد الإصابة بكوفيد - 19، والاضطرابات النفسية واضطرابات المناعة الذاتية وتعاطي المخدرات وبعض السلوكيات».
وقال الأطباء في كليفلاند كلينك عندما تحدثوا عن هذا الموضوع: «لا يوجد تعريف رسمي أو تشخيص طبي واحد لضبابية الدماغ. وغالباً ما يتكون من مجموعة أعراض معرفية Cognitive Symptoms يعاني منها الشخص. ويمكن أن تكون ضبابية الدماغ أشياء مختلفة لدى الكثير من الأشخاص المختلفين. ويمكن أن يتضمن أياً مما يلي أو كله:
- مشكلة في التركيز.
- صعوبة في الانتباه.
- مشكلة في تذكر التفاصيل المألوفة مثل الأسماء أو الأماكن أو الكلمات.
- البطء في رد الفعل ومعالجة المعلومات.
- التعب العام أو الخمول.
- كثرة فقدان التواصل في خطوات التفكير الذهني».
ويوضح الدكتور أندرو إي بودسون، رئيس قسم علم الأعصاب الإدراكي والسلوكي في نظام بوسطن للرعاية الصحية ومحاضر في علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد، قائلاً: «ضباب الدماغ ليس مصطلحاً طبياً أو علمياً. بل يتم استخدامه من قبل الأفراد لوصف شعورهم عندما يكون تفكيرهم بطيئاً وضبابياً وغير حاد. وكلنا نعاني من هذا الشعور من وقت لآخر. وربما لم يكن بإمكانك التفكير بوضوح (لفترة مؤقتة) عندما كنت مريضاً بالأنفلونزا أو بمرض آخر. ولكن ماذا لو لم يعد تفكيرك إلى طبيعته؟».
وفي دراستهم الحديثة، أفاد الباحثون البريطانيون بأن البعض يقترح أن أصل «ضباب الدماغ» يعود إلى «متلازمة فاج (إنهاك أو كدح) الدماغ» Brain Fag Syndrome. وهي حالة معقدة من الوهن العصبي Neurasthenia، وتتكون من أعراض بدنية Somatic ومعرفية Cognitive. ووصفها قديماً الدكتور تانستول البريطاني لأول مرة في عام 1850 بأنها نتيجة لإجهاد عقلي شديد دون إجهاد جسدي شديد. ومُدرجة في الإصدار الرابع للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM - IV. ولكن الذي يصنع الفرق بينها وبين ضباب الدماغ، أن ما يبدأ ويتسبب بها في الأصل (وربما حصرياً) هو أي نوع من إجهاد الدماغ ذهنياً، وخاصة في التحصيل الأكاديمي أو الضغوطات الذهنية.

- التهابات واستجابات
وضمن سياق عرض الأطباء في كليفلاند كلينك لهذه الحالة، شرحت الدكتورة كاميني كريشنان، المتخصصة في علم النفس العصبي بكليفلاند كلينك، سبب انتشار هذه الحالة، ولماذا قد يحدث ضباب الدماغ كأحد الأعراض لحالات مرضية أخرى شائعة. وقالت: «عندما يكون لديك عجز في هذه المجالات (مثل الشعور بالارتباك أو التشويش أو التشتت أو ضعف التفاعل أثناء المحادثة مع الغير أو صعوبة التفكير خلال المواقف المعقدة أو إجراء العمليات الحسابية)، قد تشعر وكأنك تعاني من مشاكل في الذاكرة. لكن المشكلة تتعلق بطريقة حصول الدماغ على المعلومات الصحيحة والحفاظ عليها. إذا لم تحصل على المعلومات بطريقة صحيحة، فلا يُتوقع منك التمسك بها».
وهنا يأتي السؤال: ما الذي يسبب عدم قدرة الدماغ على سهولة استقبال المعلومات؟ وتجيب قائلة: «حسناً، لا توجد إجابة محددة. ضبابية الدماغ هي نوع من مظاهر عمليات الالتهاب أو الاستجابة المزمنة للضغط النفسي. ولكن يمكن أن تحدث ضبابية الدماغ أيضاً بسبب التغيرات الهرمونية أو اختلال توازن السكر في الدم».
ومن المنطقي أن يعتمد علاج ضباب الدماغ على وضع تعريف طبي له، وعلى معرفة أسبابه على وجه الدقة، وعلى إزالة أو تخفيف تأثير السبب الكامن وراءه. ولذا، وللإجابة على سؤال: كيف يمكنني التخلص من ضباب الدماغ؟ يقول أطباء كليفلاند كلينك: «بشكل عام، لا توجد أي أدوية أو علاجات معروفة تصحح ضباب الدماغ بشكل مباشر. ولكن لمعالجة معظم الضغوطات المزمنة بشكل سريع، تقترح الدكتورة كريشنان التركيز على تحسين نومك، والحصول على تغذية جيدة، وممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يومياً في خمسة من أيام الأسبوع، وأخذ فترات راحة عقلية طوال اليوم لبناء قدرتك العقلية. ويمكن أن تتراكم هذه التغييرات الصغيرة في حياتك اليومية بمرور الوقت وتؤثر بشكل كبير على استجابة جهازك المناعي لتقليل الالتهاب». وتوضح هذا الدكتورة كريشنان بالقول: «الفكرة هي أن تتحدى نفسك كل يوم لتقليل أي ضغوطات قدر الإمكان في حياتك». وتضيف: «نوصي الأشخاص بأخذ استراحات من 20 إلى 30 دقيقة حتى قبل أن يتعبوا، من خلال القيام بنوع من الأنشطة المركزة مثل المشي أو الاستماع إلى الموسيقى أو إغلاق عينيك والراحة».
* استشارية في الباطنية

- 5 حالات صحية شائعة قد تتسبب بضباب الدماغ
 


مقالات ذات صلة

هل يمكن لرفع الأثقال حمايتك من الخرف؟

صحتك امرأة باكستانية ترفع الأثقال في صالة للألعاب الرياضية (إ.ب.أ)

هل يمكن لرفع الأثقال حمايتك من الخرف؟

اعتباراً من عام 2021، قدَّر الباحثون أن نحو 57 مليون شخص حول العالم يُعانون من الخرف، وهي حالة عصبية تؤثر في ذاكرة الشخص.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
صحتك تفوّق برنامج للصيام المتقطع على طريقة تقليل السعرات الحرارية في مساعدة الناس على إنقاص وزنهم على مدار عام (أ.ف.ب)

استراتيجية صيام متقطع تُظهر فاعلية كبيرة في إنقاص الوزن

يُعدّ «الصيام المتقطع» و«حساب السعرات الحرارية» من أكثر الطرق شيوعاً لإنقاص الوزن. لكن في مقارنة مباشرة، أيّهما يتفوق؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة

أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة

رغم التقدم الطبي الكبير في مجال صحة الأمومة، وفي الوقت الذي تُسلّط فيه الأضواء على لحظة الولادة بصفتها ذروة تجربة الأمومة، تغيب عنا معاناة مستمرة تعيشها ملايين

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك البلوغ المتأخر يُحسن تكوين الجسم على المدى الطويل

البلوغ المتأخر يُحسن تكوين الجسم على المدى الطويل

على الرغم من أن البلوغ المتأخر من الأمور التي تثير قلق الآباء والمراهقين، فإن أحدث دراسة ناقشت هذا الموضوع أوضحت أن حدوث البلوغ في توقيت متأخر

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 8 معلومات تحتاج إليها كل أسبوع عند تقليم أظافرك

8 معلومات تحتاج إليها كل أسبوع عند تقليم أظافرك

يظل تقليم الأظافر أحد الأفعال التي يمارسها المرء طوال حياته بشكل متكرر كل أسبوع. وتظل الأظافر أحد الأجزاء المهمة جداً في جسم الإنسان، لأنه لولا وجودها في أصابعن

د. عبير مبارك (الرياض)

الذكاء الاصطناعي لتعزيز نشاط الأطفال المُصابين بـ«التوحّد»

«التوحّد» يؤثّر في قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي (جامعة دي بول الأميركية)
«التوحّد» يؤثّر في قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي (جامعة دي بول الأميركية)
TT
20

الذكاء الاصطناعي لتعزيز نشاط الأطفال المُصابين بـ«التوحّد»

«التوحّد» يؤثّر في قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي (جامعة دي بول الأميركية)
«التوحّد» يؤثّر في قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي (جامعة دي بول الأميركية)

طوَّر فريق بحثي من جامعة ميشيغان الأميركية برنامجاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتقديم تمارين رياضية مبسَّطة ومخصّصة لحاجات الأطفال المُصابين باضطراب طيف التوحّد.

وأوضح الباحثون أنّ النشاط البدني يعزّز الصحة الجسدية والاجتماعية والعاطفية للأطفال؛ مما يحسّن قدرتهم على المشاركة في الأنشطة الجماعية والتفاعل الاجتماعي بشكل إيجابي، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «Frontiers in Physiology».

وطيف التوحّد، هو اضطراب عصبي يؤثّر في قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويظهر عادة في مراحل الطفولة المبكرة ويستمرّ طوال الحياة. ويعاني المصابون صعوبةً في فَهْم الإشارات الاجتماعية، مثل تعابير الوجه أو نغمة الصوت، وقد يظهر لديهم اهتمام مكثَّف في موضوعات معيّنة ويميلون إلى ممارسة سلوكيات روتينية.

ويُعدُّ النشاط البدني ذا أهمية كبيرة للأطفال المُصابين بـ«التوحّد»، إذ يُساعدهم في تحسين مهارات التواصل الاجتماعي، وزيادة التركيز والانتباه، وتقليل التوتّر والقلق. كما أنّ ممارسة الرياضة تُسهم في تعزيز التنسيق الحركي، وتقوية العضلات، وتحسين التوازن؛ مما يؤدّي إلى تحسين جودة حياتهم بشكل عام.

وأجرى الفريق دراسة لتكييف برنامج يهدف إلى دمج النشاط البدني في يوم الأطفال الدراسي للحدّ من الجلوس المطوَّل، وذلك لمساعدة الأطفال المُصابين بـ«التوحّد» أو الذين يعانون صعوبات في المعالجة الحسّية. كانت الفكرة الرئيسية من البرنامج هي تقديم «وجبات تمرين خفيفة» تتضمّن فترات قصيرة من التمارين البدنية لمدة 3 إلى 4 دقائق. وصُمِّمت هذه التمارين للمساعدة في إدخال النشاط البدني في حياة الأطفال بشكل غير مزعج أو مرهق.

وخلال الدراسة، أعاد الفريق صياغة التعليمات الخاصة بـ132 فيديو تشرح التمارين في البرنامج لتتناسب بشكل أفضل مع حاجات الأطفال المًصابين بـ«التوحّد». واستُخدِمت أداة الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» لتوليد تعليمات مبسَّطة وسهلة الفهم لكل تمرين، مثل تمرين «القفز المفتوح» (Jumping Jack)؛ إذ تكون التعليمات واضحة ومتّسقة وسهلة المتابعة بالنسبة إلى الأطفال المُصابين بـ«التوحّد» أو اضطراب فرط الحركة وتشتُّت الانتباه.

ونجح الفريق في استخدام الذكاء الاصطناعي لإجراء تحسينات على الفيديوهات، لتشمل تعليمات مرئية ولفظية تُسهِّل عملية التعلُّم. كما جرت مراجعة جميع التعليمات لضمان مطابقتها المعايير الأساسية التي اعتمدها الفريق، وهي الوضوح، والاختصار، والاتساق.

وأشار الباحثون إلى أنّ هذه الدراسة تُعدّ خطوة مهمة نحو تكييف التمارين البدنية للأطفال المُصابين بـ«التوحّد»، مما يُسهم في تحسين فرص الوصول إلى الأنشطة البدنية للذين قد يواجهون صعوبة في متابعة التمارين التقليدية.

وأضافوا أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي يُعدّ مثالاً على كيفية توظيف التقنيات الحديثة لتحسين البرامج التعليمية، مما يفتح أبواباً جديدة في تكييف التعليم ليشمل جميع الأطفال، بغض النظر عن حاجاتهم الخاصة.

ويعمل الفريق حالياً على وضع خطة لترجمة الفيديوهات إلى اللغتَيْن الإسبانية والعربية؛ لتوسيع نطاق الاستفادة منها في أوساط ناطقي اللغتَيْن في ولاية ميشيغان الأميركية.