ما هو السر وراء الإقبال على فيلم هندي يعرض كل شيء؟

احتفال غربي بالعمل مع أن مخرجه مغمور

فيلم «RRR» غناء ورقص وقصّة حب أيضاً (دي في في إنترتنمنت)
فيلم «RRR» غناء ورقص وقصّة حب أيضاً (دي في في إنترتنمنت)
TT

ما هو السر وراء الإقبال على فيلم هندي يعرض كل شيء؟

فيلم «RRR» غناء ورقص وقصّة حب أيضاً (دي في في إنترتنمنت)
فيلم «RRR» غناء ورقص وقصّة حب أيضاً (دي في في إنترتنمنت)

صاحب الإقبال الكبير الذي شهده فيلم «RRR» في أواخر العام الماضي وأوائل هذا العام، اهتمام بعض المصادر السينمائية (مجلات ورقية ومنصّات إلكترونية) بالفيلم على مستوى نقدي. السبب لا يعود إلى أن العديد من نقاد الغرب باتوا يتعاملون مع كل جديد آسيوي يبرهن عن كفاءته الفنية مصحوباً بحملة إعلامية أو بنجاح تجاري، بل إلى أن «RRR» فيلم يختلف، إلى حد ملحوظ، عن معظم ما يخرج من تحت إبط السينما الهندية الضخمة.
احتفلت مجلات نقدية كبيرة بهذا الفيلم الذي قام بتحقيقه أس. أس. راجامولي، وهو ليس معروفاً في الغرب على الإطلاق. نجوم الفيلم هم كبار في الهند وربما الشرق العربي، لكنهم لا يعنون الكثير بالنسبة لسواهم. والمخرج راجامولي، في نهاية المطاف، ليس مرينال سن أو رتويك خاداك أو ساتياجت راي أو فاندوكري شانترام وسواهم من المخرجين الذين خرجوا عن خط التقليد في السينما التجارية، الذين تم الاحتفاء بهم على صفحات المجلات السينمائية المتخصصة في الغرب. رغم ذلك، نشر عنه مقالات ومقابلات في مجلات متخصصة مثل «كاييه دو سينما» الفرنسية و«سايت أند ساوند» البريطانية و«ذا هوليوود ريبورتر» الأميركية.

- ثورة وضدها
وبينما يعود هذا الاهتمام الغربي بهذا الفيلم إلى جديد يحتويه وعناصر فنية مذهلة تواكبه من اللقطات الأولى وحتى الأخيرة، إلا أن النجاح كان مقروناً أيضاً بالفانتازيا الكبيرة التي أنجزها الفيلم، التي جعلت كل ما هو غير معقول مقبول. هذا على عكس «كل شيء كل مكان في آن واحد» الذي بقي غير معقول الأحداث، معيلاً نجاحه على غرابة تكوينه ودمج الخيال بمزيد من الخيال.
في «RRR» ليس هناك من واقع على الإطلاق، بل خيال في خيال وبالطريقة التي يعرفها متابعو السينما البوليوودية مضروبة بأضعاف ومحتوية على العناصر الميلودرامية جميعاً من الدراما إلى التراجيديا والكوميديا والغناء والفانتازيا والاستعراضات الكبيرة.
الشرط الذي يضعه المخرج راجمولي لمتابعة الحكاية كمتعة ترفيهية هي أن يترك المُشاهد المنطق بعيداً عندما ينبري لمشاهدة الفيلم. ليس هناك لحظة واقعية في كل ما يدور، حتى وإن خلت من مجابهة أو قتال.
لجانب الميلودراما (ومعناها هنا تعدد الدراميات، كما هو المفهوم المشتق من الإغريقية) هو فيلم ينطلق من الرغبة في الثورة بما يسمح ذلك من تلوين سياسي. فأحد بطليه (رام شاران) وعد والده في عشرينات القرن الماضي بمتابعة حربه ضد الاحتلال البريطاني. التمهيد لهذا الوعد يمر بلا تفسير يتجاوز الموقف، حين كان راجو (شاران) صغيراً لكن الغريب فيه أن الشاب ينقلب من مشروع مناضل ضد الحكم البريطاني إلى مدافع عنه، وقد أصبح شاباً منضماً إلى الحامية البريطانية آملاً في أن يتم تكريمه ورفع رتبته بعدما أبلى (في مطلع الفيلم) بلاء غير منظور ضد مئات المتظاهرين ضرباً ورفسا وقتلاً بمفرده.
في الثلث الأخير من الفيلم سيتذكر راجو وعده، ويقرر أن عليه أن يفي به، هذا بعدما نال بالفعل ما صبا إليه من رتبة عالية واحترام من قِبل القيادة.
راجو ليس وحده في بطولة الفيلم. هناك كومارام (قام به ن.ت. راما راو) «بيم»، الذي تحمّل كذلك مسؤولية وعد قطعه على نفسه (لكنه التزم به) وهو استعادة فتاة خطفها القصر البريطاني في الهند لكي تكون خادمة. كومارام يثور معبّراً عن المحتجين والمعادين للاستعمار البريطاني في البلاد، لكن الفيلم لا يتناول الثورة كقضية سياسية، بل يهمّه الاستفادة من الجموع لتنفيذ مشاهد مثيرة.

فيلم «RRR» أكشن للعالم (دي في في إنترتنمنت)

- ضرب ورقص
ينتمي راجو وكومارام إلى خطّين متناقضين: واحد مع الإنجليز والآخر ضدهم، ولو إلى أن يتم استعادة الفتاة من خاطفيها. راجو لا يعلم أن كومارام يقود ثورة المضطهدين، الذي لا يعلم أيضاً أن راجو يبحث عن قائد تلك الثورة (التي تبقى في إطار عشوائي وغير مؤثر) الذي هو. يتصادقان. يرقصان ويغنيان ويحبّان الفتاة البريطانية ابنة الحاكم الجائر ذاتها، ثم يدخلان في اشتباك عنيف كل ضد الآخر عندما يدرك حقيقته.
لا يترك الفيلم خيالاً جانحاً إلا وطرقه: نمر شرس يواجه كومارام الذي يصرخ في وجه النمر فيخاف هذا منه ويبتعد عنه. يطير في الفضاء ويرمي السهام. يتسابق راجو وكومارام على جانبي قطار منطلق ويسبقان القطار. الرصاص يملأ صدر أحدهما لكن هذا لا يمنعه من مواصلة القتال. كومارام تحت السياط القاسية لكن عوض الصراخ ألماً يغني. وراجو يواجه مئات المحتجين الذين يرغبون في منازلته ويتغلب عليهم أفراداً وجماعات.
إذ يعالج المخرج الفيلم كأسطورة، فإن مجال تطبيق قواعد المنطق على ما نراه ليست واردة. رغم ذلك، يبرز غياب الأسباب والدوافع (على النحو المذكور آنفاً)، وهذه ضرورية حتى في الأسطورة.
الفيلم ضد الاحتلال البريطاني وهناك مشهد واحد يلمح فيها المخرج سريعاً إلى أن مناهضة الوجود العسكري البريطاني. رغم ذلك، الفيلم قد يكون معادياً للإنجليز لكنه أبعد من أن يكون عملاً سياسياً. في أفضل أحواله هو أكشن كبير بين فريقين خيّرين بعدما انضم راجو إلى كومارام مما يترك الإنجليز وحدهم كأشرار بدءاً من الحاكم البريطاني وزوجته الأرستقراطية وكل الحامية وسكان القصر باستثناء الشابة التي تقع في حب كومارام.
لا يجيد بطلا الفيلم كل فن قتال ممكن فقط، بل كذلك الرقص والغناء. وهناك أغانٍ عدة موزّعة على طول الفيلم (3 ساعات) بما فيها أغنية لكومارام وهو يتلقى الضرب بالسياط على ظهره، وأخرى في قصر الحاكم مزدانة بالألوان الفاقعة والإدارة الفنية الماهرة.
«RRR» فيلم كبير الحجم (الأغلى تكلفة في تاريخ الهند كما تردد إذ بلغت ميزانيته ما يوازي 72 مليون دولار) وهو رائع في خضم مشاهده الكبيرة. التصوير الفعلي والمؤثرات وتصميم الأفكار متلاحمة بإنجاز فني جيد. القول إنه فيلم كبير ليس وصفاً مناسباً. الوصف الصحيح إنه فيلم كبير مضروب بعشرة أضعاف المعتاد عليه في معالجات السينما الهندية الميلودرامية. رغم النجاح التجاري (جلب من السوق العالمية 140 مليون دولار عدا ما جناه من داخل الهند) فإن الفيلم لم يسجل تحوّلاً في مفاهيم وعادات المتلقي الغربي صوب الأفلام الهندية. هذا دَخل الفيلم لأنه وعده بـ «أكشن» لا مثيل له. هذا يشبه، رغم اختلافات، مع الإقبال الذي شهدته أفلام الكونغ فو ومبارزات السيوف الصينية في السبعينات وما تلاها التي قدّمت خيالات جانحة حول أبطال يسعون للعدالة أو ما يشبهها.
لكن ماذا لو أن «RRR» كان فيلماً هندياً جادّاً فيما يعرضه؟ هل كان سيترك هذا التأثير التجاري في أوروبا والولايات المتحدة؟
الجمهور الغربي يحب أن يرى الهند من زاوية غربية: بعيني مخرجين بريطانيين وأميركيين أمثال ديفيد لين «ممر إلى الهند» ورتشراد أتبنبورا «غاندي» وداني بويل («سلمدوغ مليونير»). أما الدور المناط بالفيلم الهندي الذي قد يطرح التاريخ والعلاقة مع الغرب، كما يفعل «RRR» فسيبقى في مدار السرد والعرض غير الواقعيين وتحت بند التسلية والترفيه.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.