«الغلاء» يضع بصمته على موائد المصريين في رمضان

دعوات لعدم المغالاة في الولائم العائلية

مصريون في معرض «أهلا رمضان» الحكومي لشراء السلع الرمضانية (صفحة وزارة التموين والتجارة الداخلية على «فيسبوك»)
مصريون في معرض «أهلا رمضان» الحكومي لشراء السلع الرمضانية (صفحة وزارة التموين والتجارة الداخلية على «فيسبوك»)
TT

«الغلاء» يضع بصمته على موائد المصريين في رمضان

مصريون في معرض «أهلا رمضان» الحكومي لشراء السلع الرمضانية (صفحة وزارة التموين والتجارة الداخلية على «فيسبوك»)
مصريون في معرض «أهلا رمضان» الحكومي لشراء السلع الرمضانية (صفحة وزارة التموين والتجارة الداخلية على «فيسبوك»)

أعدّ الأربعينيّ المصري عماد الشربيني خطته للإفطار في أول يوم من شهر رمضان، حيث قرر اصطحاب أسرته من القاهرة حيث يقطن ويعمل، والسفر إلى مسقط رأسه بمحافظة دمياط الساحلية، وذلك حتى لا تفوته الوليمة العائلية المعتادة التي تعدّها والدته له ولأشقائه وشقيقاته في أول يوم من رمضان.
ويقول الشربيني الذي يعمل موظفاً في إحدى المؤسسات الإعلامية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكنني أن أترك وليمة (البط) في أول رمضان، فهي من الطقوس القديمة للأسر في محافظتنا دمياط، والتي تحرص الأسر على تناولها في أول أيام الشهر الكريم، بجوار أصناف المحاشي أو الأرز، حتى إن البعض يكادون يعدونه طقساً مقدساً في رمضان، وهناك مَن يطلق عليه (يوم البط العظيم)».
ويشير الشربيني إلى أنه رغم ارتفاع أسعار البط والدواجن هذا العام بشكل كبير فإن والدته أصرّت على حضوره للإفطار، وأن تقيم الوليمة الرمضانية المعتادة، مع بعض الاقتصاد في حجم وعدد البط المُقدم على مائدة الإفطار، والاستغناء عن أصناف أخرى تجاورها، بعد أن ارتفع سعره بشكل مبالغ فيه خلال الأسابيع الأخيرة، فوصل سعر «بطة رمضان» مع اقتراب شهر رمضان إلى 600 جنيه مصري في بعض المناطق (الدولار الأميركي يساوي 30.9 جنيه مصري في المتوسط).
ويستقبل المصريون شهر رمضان هذا العام في ظل أعباء اقتصادية، ووسط حالة من غلاء الأسعار طالت غالبية السلع، تزامن معه جهود حكومية متواصلة لمواجهة الأزمة عبر مجموعة من الإجراءات، منها تشديد الرقابة على الأسواق، وضخ كميات من السلع الغذائية عبر منافذ ومعارض السلع الرسمية التي توسعت فيها الحكومة ضمن جهود الدولة لدعم المواطنين استعداداً لاستقبال شهر رمضان.
واعتاد المصريون تناول وجبات بعينها في أول أيام الشهر الفضيل، في ظل تجمعات وعزومات (ولائم) الأهل والأقارب التي يحرصون عليها، كطقس رمضاني متعارف عليه، إلا أن الغلاء وضع بصمته على موائد المصريين في رمضان، مع ظهور دعوات لعدم المغالاة في الولائم العائلية خصوصاً مع ارتفاع سعر اللحوم والدواجن.
قبل أيام طالب نقيب عام الفلاحين في مصر، حسين أبو صدام، المواطنين بالتخفيف من العادات والتقاليد الخاصة بالعزومات وغيرها، نظرا لارتفاع الأسعار، موضحاً أن الحكومة تستورد 40 في المائة من استهلاك مصر من اللحوم الحمراء.
واستبقت الحكومة المصرية حلول شهر رمضان باستيراد لحوم مستوردة من تشاد، مع طرحها بأسعار أقل من اللحوم البلدية. والشهر الماضي قامت الحكومة بضخ كميات من الدجاج البرازيلي المجمد، لسد الفجوة بين العرض والطلب.
عاملة النظافة الخمسينية شوقية عبد الحميد، التي تقطن حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة، لفتت إلى أنها حرصت على دعوة ابنتها وزوجها وطفليهما إلى مائدة أول يوم رمضان، وهو الأمر الذي اعتادت عليه منذ 8 سنوات، وتقول: «رغم ضيق اليد وحالة الغلاء هذا العام، فإن التجمع واللمّة العائلية أول يوم رمضان أمر يُشعرنا بالدفء»، وتتابع: «اكتفيت بشراء كيلو ونصف فقط من اللحم لهذه المناسبة من أحد منافذ الحكومية في إمبابة، واستغنيت عن شراء الدواجن، كما لم أشترِ أي أصناف من الحلوى أو الياميش».
وتدعو الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، إلى زيادة الوعي لدى الأسر المصرية بشأن عدم المغالاة في إعداد الولائم أو ما تُعرف بـ«عزومات رمضان»، مشيرةً إلى أن هناك «حاجة لإعادة ثقافة الترشيد واستهلاك الطعام».
وتشير خضر في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن «الغلاء وضع بصمته على موائد المصريين في رمضان هذا العام»، قائلة: «ما لمسته هذا العام هو أن اجتماع الأسر والعائلات مستمر، لكن مع اختلاف طريقة إعداد الولائم، حيث تقوم كل أسرة بإعداد طبق أو صنف ما ويجتمع الأقارب حول مائدة الإفطار معاً، أو ما يُعرف بإقامة (ديش بارتي)، كنوع من التكامل العائلي، وتوفير النفقات».
وانتقدت أستاذة علم الاجتماع بعض من يغالون في أصناف الطعام في رمضان وتجهيز ما يفوق مقدرتهم المادية، مشيرةً إلى أن ما يقوم به البعض من إسراف وبذخ لا يتناسب مع دخلهم، مما يكلفهم فوق طاقاتهم، لافتةً إلى أن وسائل الإعلام والدراما وكذلك برامج الطهي روّجت لهذه المغالاة والبذخ.
تعود عاملة النظافة للحديث عن «عزومة» أول يوم رمضان، قائلة: «رغم قلة الأصناف، أعتقد أن ابنتي وزوجها سوف يقدّران الأمر»، قبل أن تختتم مستشهدةً بالمثل المصري الشهير: «لقمة هنيّة تكفّي مِيّه».


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
TT

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

يُتوقع أن يُسلّم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب، «جائزة الفيفا للسلام» عند إجراء قرعة كأس العالم، يوم الجمعة.

ومع رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا الأسبوع، لمقترح ترمب للسلام في أوكرانيا، ذكر أوكرانيون بارزون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان لصحيفة «تلغراف» البريطانية أن تقديم الجائزة قد يكون قراراً غير حكيم، في حين يواجه إنفانتينو مزاعم بـ«التودُّد» لترمب، فهذا ما يحدث.

ما جائزة «فيفا للسلام»؟

بعد أسابيع من رفض لجنة نوبل منح ترمب جائزة السلام الشهيرة، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن إطلاقه جائزة «الفيفا للسلام - كرة القدم توحِّد العالم».

في بيان نشره إنفانتينو بحسابه على «إنستغرام»، قال: «في عالم يزداد اضطراباً وانقساماً، من الضروري الاعتراف بالمساهمة المتميزة لأولئك الذين يعملون بجد لإنهاء النزاعات، وجمع الناس في روح السلام».

وأعلن «الفيفا» أن الجائزة ستُمنح سنوياً، وسيتم تقديم الجائزة الافتتاحية في قرعة كأس العالم بواشنطن، وستُمنح للأفراد الذين «ساهموا في توحيد شعوب العالم في سلام، وبالتالي يستحقون تقديراً خاصاً وفريداً».

رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (رويترز)

لماذا سيحصل ترمب على الجائزة؟

سيكون هذا بمثابة إهانة كبيرة، إذا لم يكن «ضيف شرف (الفيفا)» يوم الجمعة، هو الفائز.

وشارك ترمب في مقترحات سلام لروسيا وأوكرانيا، لكن يبدو أن الجائزة تُشير، على الأرجح، إلى نجاحه في المساعدة على التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

وأُطلقت الجائزة بعد ثلاثة أسابيع فقط من استنكار البيت الأبيض لتجاهل ترمب لـ«جائزة نوبل»، متهماً اللجنة النرويجية بـ«تفضيل السياسة المكانية على السلام».

وأُشيد بترمب لدفعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الموافقة على شروط كان قد رفضها سابقاً.

وتتطلب المرحلة التالية من خطة ترمب للسلام المكونة من 20 نقطة سد الثغرات، في إطار العمل الذي ينص على أن قطاع غزة سيكون منزوع السلاح، ومؤمّناً، وتديره لجنة تضم فلسطينيين.

رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو والرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

لماذا تُثير الجائزة جدلاً؟

أعرب منتقدو ترمب وجماعات حقوق الإنسان عن غضبهم، وأُثيرت مخاوف بشأن توقيتها نظراً لعدم تبلور خطة السلام بين أوكرانيا وروسيا بعد.

وقال إيفان ويتفيلد، لاعب الدوري الأميركي السابق رئيس تحالف حقوق الإنسان لكرة القدم ومقره الولايات المتحدة: «كثيرٌ منا، نحن الأميركيين، لا نرى رئيسنا جديراً بجائزة السلام. لا ينبغي لـ(فيفا) أو أي منظمة أخرى أن تُكافئ الرئيس ترمب بأي نوع من جوائز السلام. (فيفا) تُمثل كرة القدم العالمية، وعليها أن تؤدي هذا الدور بصدقٍ وصدقٍ من أجلنا جميعاً، وليس فقط من هم في مناصب نافذة».

وقال ألكسندر رودنيانسكي، المخرج الأوكراني المرشح لجائزة الأوسكار المعارض البارز للكرملين: «سيكون من الرائع لو مُنحت جوائز للإنجازات التي تحققت بالفعل».

وأضاف: «إذا فاز ترمب بهذه الجائزة بالفعل، فسيُنظر إليها على أنها إهانة لمئات الأوكرانيين الذين ما زالوا يموتون يومياً - سواء على خطوط المواجهة أو تحت قصف الصواريخ الروسية في منازلهم. بينما لا تزال الحرب مستعرة، يناقش مبعوث ترمب صفقات مربحة محتملة مع موسكو. من ناحية أخرى، ترمب اليوم هو الشخص الوحيد في العالم الذي يحاول بأي طريقة جادة وقف الحرب في أوكرانيا. لقد حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام مُسبقاً، ونحن نعيش عواقب رئاسته، ومنها هذه الحرب... يستحق ترمب الثناء على غزة، لكن الأمور مع أوكرانيا لم تنتهِ بعد».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس «فيفا» جاني إنفانتينو في شرم الشيخ (أ.ف.ب)

وأضاف ابنه ألكسندر، أستاذ الاقتصاد المشارك في كمبردج المستشار الرئاسي لأوكرانيا حتى 2024: «ليس من شأني الحكم على ما إذا كان الوقت قد حان لفوز ترمب بجائزة السلام أم لا. ربما يكون ذلك أكثر ملاءمة، بعد أن نتوصل فعلياً إلى اتفاق في أوكرانيا يُعتبر ناجحاً وترتيباً قابلاً للاستقرار».

كما لاقت الجائزة ردود فعل متباينة داخل «فيفا» نفسها، وهناك اقتراحات تشير إلى عدم استشارة بعض أعضاء اللجنة بشأن خطط إطلاق الجائزة قبل صدور البيان، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني).

ومع ذلك، ردّت شخصيات بارزة على المنتقدين، حيث قالت برايان سوانسون، مدير العلاقات الإعلامية في «فيفا»: «لا يمكن انتقاد (فيفا) إلا لتقديرها لمن يريدون السلام العالمي. ومن الواضح أن أعضاء (فيفا) راضون عن أداء إنفانتينو لوظيفته؛ فقد أُعيد انتخابه دون معارضة في عام 2023».

ما العلاقة بين إنفانتينو وترمب؟

يصف إنفانتينو صداقته مع ترمب بأنها «وثيقة». وقال في أكتوبر (تشرين الأول): «أنا محظوظ حقاً»، بعد استضافته في البيت الأبيض في مناسبات قليلة هذا العام وحده.

في منتدى الأعمال الأميركي في ميامي مؤخراً، أشاد إنفانتينو بمزايا سياسات ترمب. وقال: «عندما تكون في ديمقراطية عظيمة كالولايات المتحدة الأميركية، يجب عليك أولاً احترام نتائج الانتخابات، أليس كذلك؟ لقد انتُخب بناءً على برنامج... وهو ينفّذ فقط ما وعد به. أعتقد أنه يجب علينا جميعاً دعم ما يفعله لأنني أعتقد أنه يُبلي بلاءً حسناً».

وكان ترمب، خلال ولايته الأولى في الرئاسة، استضاف إنفانتينو في البيت الأبيض في 2018، لكن المراقبين يقولون إن علاقتهما توطدت في 2020 في حفل عشاء أُقيم ضمن فعاليات القمة الاقتصادية العالمية بدافوس، بالقرب من مقر «فيفا» في زيوريخ، وصف إنفانتينو ترمب في البداية بأنه «صديقي العزيز».


أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟


توخيل: إنجلترا قادرة على التتويج بكأس العالم

توماس توخيل المدير الفني لمنتخب إنجلترا (رويترز)
توماس توخيل المدير الفني لمنتخب إنجلترا (رويترز)
TT

توخيل: إنجلترا قادرة على التتويج بكأس العالم

توماس توخيل المدير الفني لمنتخب إنجلترا (رويترز)
توماس توخيل المدير الفني لمنتخب إنجلترا (رويترز)

أكّد توماس توخيل، المدير الفني لمنتخب إنجلترا لكرة القدم، إن لاعبي فريقه سيتحلّون بشجاعة كافية ليحلموا بالفوز بكأس العالم الصيف المقبل.

ويستعد المنتخب الإنجليزي للتعرف على منافسيه في مرحلة المجموعات، حينما تُجرى قرعة مونديال 2026 في العاصمة الأميركية واشنطن، مساء الجمعة.

وجرى منح رجال توخيل أفضلية بالفعل، بفضل تطبيق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نظام تصنيف مشابهاً لبطولة إنجلترا المفتوحة للتنس (ويمبلدون)، ما يعني أنهم لن يتمكنوا من مواجهة إسبانيا أو الأرجنتين حتى نصف النهائي أو فرنسا حتى النهائي، في حال فوز المنتخبات الأربعة بصدارة مجموعاتها.

وتم تعيين توخيل في خريف عام 2024 بمهمة وحيدة، تتمثل في إضافة نجمة ثانية إلى قميص منتخب إنجلترا، إلى جانب تلك التي تشير إلى فوزه بكأس العالم عام 1966.

وعندما سُئل عما إذا كان أكثر ثقة الآن بقدرة إنجلترا على الفوز باللقب مما كان عليه قبل أن يتولى القيادة الفنية، ردّ توخيل لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي سبورت) قائلاً: «نعم، لأننا أصبحنا أفضل. ينبغي علينا أن نصل ونحاول تحقيق إنجاز مميز، لكننا لا نضمن ذلك».

وأضاف في مقابلة منفصلة مع قناة «آي تي في نيوز»: «يعلم الجميع أننا لا نستطيع أن نعد بالفوز، لكنهم يريدون رؤية فريق يتمتع بروح قتالية عالية، فريق يبذل قصارى جهده ويقاتل أفراده من أجل بعضهم، ويريدون ذلك، سواء أكانوا في الملعب أم يشاهدون المباراة على شاشات التلفاز».

وشدد المدرب الألماني، في تصريحاته، التي أوردتها وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا): «إذا أظهر اللاعبون ذلك، فأعتقد أن كل شيء ممكن. سنتحلى بالشجاعة الكافية لنحلم باللقب».

وسوف يتعين على جميع مدربي المنتخبات المشاركة في المونديال المقبل التعامل مع الحرارة الشديدة في البطولة، التي تُقام بشكل أساسي في الولايات المتحدة، ولكن مع استضافة مشتركة من كندا والمكسيك.

ويبدو توخيل مستعدّاً لبذل كل ما بوسعه للفوز، بما في ذلك مراعاة إبقاء اللاعبين البدلاء في غرفة الملابس للحفاظ على برودتهم، وهو تكتيك اتبعته بعض الفرق في كأس العالم للأندية بالولايات المتحدة الصيف الماضي.

وأكد مدرب منتخب إنجلترا لـ«بي بي سي»: «إذا كان هذا سيساعدنا لاحقاً في المباريات عند دخولهم، حسناً، ندرس ذلك بوصفه خياراً محتملاً».

وتابع: «لا أحد يحب ذلك، فأنا أريد أن يكون اللاعبون هنا، ويشعروا بالطاقة وينقلوها من مقاعد البدلاء إلى أرض الملعب، لكنني أفهم ما تقصدونه. لقد رأيت فرقاً ولاعبين يقومون بذلك في مونديال الأندية. نأمل أن نتمكن من تجنب ذلك. من الأفضل دائماً أن يكونوا معنا».

ومع ذلك، لن يعرف أحد حتى السبت ترتيب مبارياته ضد خصومه، أو مكان أو موعد انطلاق أي مباراة؛ حيث من المقرر أن يكشف «فيفا» عن جدول المباريات في اليوم التالي لإقامة القرعة.

وسوف تكون البطولة، التي تقام في الصيف المقبل، هي الأولى التي تضم 48 فريقاً، مع إضافة دور الـ32 للمونديال لأول مرة.

وتقام القرعة بمركز كيندي للفنون الأدائية، ومن شبه المؤكد أن يشارك فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تربطه علاقة وثيقة بالسويسري جياني إنفانتينو، رئيس «فيفا».

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يمنح «فيفا» الرئيس الأميركي جائزته الافتتاحية للسلام خلال الحفل؛ حيث أشاد إنفانتينو سابقاً بجهود ترمب الرامية لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، رغم أن جماعات حقوق الإنسان أعربت عن مخاوفها بشأن تأثير سياسات إدارة ترمب على حقوق الأفراد وحرياتهم.