زلزال سياسي يضرب عهد ماكرون... وخياراته السياسية محدودة

رئيسة الحكومة الفرنسية متمسكة بمنصبها... و«عكازة» اليمين التقليدي غير موثوق بها

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في صورة تعود إلى 19 يناير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في صورة تعود إلى 19 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

زلزال سياسي يضرب عهد ماكرون... وخياراته السياسية محدودة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في صورة تعود إلى 19 يناير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في صورة تعود إلى 19 يناير الماضي (أ.ف.ب)

قطعاً، لا تصلح المقارنة بين عهد الرئيس إيمانويل ماكرون الأول (2017– 2022) وعهده الثاني الذي بدأ الربيع الماضي، وسيمتد حتى عام 2027.
ففي السنوات الخمس الماضية، كان ماكرون «السيد» المطلق الذي يمسك بمفاصل الجمهورية التشريعية والتنفيذية والإدارية. وصل إلى السلطة حاملاً مشروعاً إصلاحياً طموحاً، ومتمتعاً بأكثرية فضفاضة في الجمعية الوطنية التي مكّنته من أن يشرّع كيفما يشاء، وأن يقر القوانين التي يريد بفضل هذه الأكثرية المطواعة. وعلى الرغم من فوزه للمرة الثانية بالرئاسة، فإن الوضع تغير من النقيض إلى النقيض بسبب فقدانه الأكثرية المطلقة، ما فرض عليه وعلى حكومته المساومة، والسعي لاجتذاب الأصوات التي تنقصه، بالاستناد أحياناً إلى نواب اليمين التقليدي (حزب الجمهوريين) الذي يتمتع بـ61 مقعداً في البرلمان، وأحياناً أخرى إلى اليسار الاشتراكي المنضوي في إطار تحالف واسع يشكل كتلة من 149 نائباً.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تلجأ فيها إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة، إلى المادة 49- 3 من الدستور، لتمرير مشروعات القوانين؛ إذ إنها استخدمتها 11 مرة في الأشهر الأخيرة، وهي لم تمضِ بعد عاماً واحداً في منصبها. بيد أن ملف إصلاح قانون التقاعد لا يشبه في شيء الملفات الأخرى، وسبق لماكرون أن سعى لإنجازه في عهده الأول، ثم تراجع عنه بسبب المعارضة الشديدة التي واجهها.
ومع اشتداد جائحة «كوفيد- 19»، سحب الملف من التداول، ليجعل منه المرشح إيمانويل ماكرون، بمناسبة حملته الانتخابية، إحدى أولوياته الرئيسية. وسعت بورن، بمواجهة الرفض العميق لمشروع الإصلاح سياسياً وشعبياً ونقابياً، إلى بناء أكثرية من خلال التفاهم مع اليمين التقليدي الذي قدمت له بعض التنازلات، بمناسبة مناقشات مجلس الشيوخ؛ حيث يتمتع بالأكثرية.
بيد أن آمال ماكرون وبورن تبددت مع اقتراب الاقتراع النهائي في البرلمان، أول من أمس، على مشروع القانون، بسبب التصدعات التي أصابت صفوف «الجمهوريين». ولأن رأسَي السلطة التشريعية حرصا على عدم الخوض في رهان غير مضمون النتائج، فقد اختارا تمرير القانون من غير تصويت النواب، باللجوء مجدداً إلى المادة 49- 3. والمبتغى من هذا اللجوء أن الحكومة ترهن بقاءها برفض البرلمان سحب الثقة من الحكومة، في حال تقديم عريضة بذلك، انطلاقاً من أن ماكرون هدّد مسبقاً بأن سقوط الحكومة سيعني العودة إلى صناديق الاقتراع لانتخابات نيابية جديدة، لا يرغب فيها «الجمهوريون» مخافة مزيد من الخسائر في المقاعد التي يحتلونها في البرلمان الحالي.
لكن ما لم يؤخذ كفاية في الاعتبار هو الرفض السياسي والنقابي والشعبي المتواصل لخطة الحكومة، وهو ما تمثل في أيام التعبئة الثمانية التي أنزلت ملايين المواطنين إلى الشوارع، وفي الإضرابات المتلاحقة في قطاعات أساسية، مثل النقل بمختلف أنواعه، والتعليم والكهرباء والمصافي والمحروقات والنظافة... لكن الرهان الأخير كاد أن يكون خاسراً، إذ إن الحكومة لم تنجُ من الاستقالة إلا بفارق 9 أصوات. والسبب في ذلك أن ثلث نواب «الجمهوريين» صوتوا لصالح العريضة الرئيسية الداعية إلى رحيل الحكومة، الأمر الذي يدل على أزمة وجودية يعيشها الحزب المذكور الحائر بين ناخبيه والمزاج الشعبي من جهة، ومصلحته السياسية المباشرة التي تقضي بمنع اللجوء مجدداً إلى صناديق الاقتراع من جهة ثانية.
يقول الدستور إن فشل عريضة سحب الثقة يعني آلياً أن مشروع قانون التقاعد قد أُقر، ولم يعد ينقصه سوى أن يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية. لكن الأمور ليست هذه المرة بهذه السهولة؛ إذ ثمة عقبتان قانونيتان: الأولى اسمها المجلس الدستوري الذي سيدعى إلى النظر في مدى مواءمة نص القانون الجديد مع النصوص الدستورية؛ والثانية عنوانها الاستفتاء بمبادرة شعبية التي يتيحها الدستور ولكنها صعبة الشروط. وإذا كان حكم المجلس الدستوري يمكن أن يصدر خلال شهر، فإن الاستفتاء الشعبي قد يأخذ البت به ما لا يقل عن 9 أشهر. وما دامت هاتان العقبتان لم تُرفعا، فإن القانون يبقى عملياً مجمداً. ثم لا يمكن تجاهل الرفض السياسي والنقابي والشعبي.
منذ الإعلان عن سقوط طرح الثقة بالحكومة، أكدت المعارضات المختلفة يميناً ويساراً أن الحراك متواصل. فنواب تجمع اليسار والبيئويين سارعوا لتأكيد أن «المعركة مستمرة». واعتبر جان لوك ميلونشون، زعيم التجمع غير الرسمي والمرشح الرئاسي السابق، أن «الرفض الشعبي يجب أن يتواصل مهما كانت الظروف». وبينما رأت ماتيلد بانو، رئيسة مجموعة نواب حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، أن حكومة بورن «قد ماتت»، قالت مارين لوبان، رئيسة مجموعة نواب اليمين المتطرف (التجمع الوطني) إنه «يتعين على بورن الاستقالة، وإن لم تستقل فيتعين على ماكرون إقالتها».
نقابياً، ثمة قرار يقول بالاستمرار في التعبئة الشعبية، وسيكون يوم الخميس القادم بمثابة المؤشر لمدى تواصلها وقوتها. وأكد الاتحاد العمالي العام الذي يعد الأكثر تمسكاً بمواصلة الحراك أن «لا شيء سينال من عزم عمال» على الاستمرار، بينما حذر أمين عام الفيدرالية الديمقراطية للعمل، لوران بيرجيه، من اتساع موجة الغضب والعنف، بسبب الأسلوب الذي اختارته الحكومة في إقرار القانون.
وبرز العنف بقوة عقب التصويت على الثقة ليل الأحد في باريس وكثير من المدن؛ حيث اندلعت مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي تُتهم بالإفراط في استخدام العنف وتوقيف الأفراد. وليل الاثنين وحده تم توقيف أكثر من 300 شخص غالبيتهم في باريس؛ حيث أقيمت المتاريس وأشعلت الحرائق واندلعت اشتباكات.
واضح أن الكرة راهناً في الملعب الرئاسي. ومن المنتظر أن يكشف ماكرون عن خططه في مقابلة متلفزة اليوم، علماً بأنه بقي بعيداً عن الواجهة في الأيام الأخيرة، تاركاً لرئيسة حكومته إدارة معركة التقاعد. والحال أنها تخرج منها منهكة، وبالتالي، فإن مصيرها على رأس الحكومة سيكون مطروحاً، إن لم يكن في الأيام القليلة المقبلة فسيتم لاحقاً. إلا أن بورن لا تريد الرحيل، ولا أن تكون كبش الفداء. ونقلت عنها وكالة «الصحافة الفرنسية» أنها «عازمة على مواصلة السير بالإصلاحات الضرورية، بالتعاون مع وزرائها»، بينما يؤكد مقربون منها أنها «ما زالت وبشكل ديمقراطي رئيسة الحكومة».
بيد أن غالبية المراقبين يرون أن ماكرون لا يستطيع إكمال السنوات الأربع المتبقية له في القصر الرئاسي، مع حكومة ضعيفة غير قادرة على حمايته. ومنذ مساء الاثنين، كثف ماكرون من اتصالاته ومشاوراته مع رئيستَي الحكومة والبرلمان وقادة الأحزاب الداعمة له، بحثاً عن مخارج ووسائل جديدة لقلب صفحة حرب التقاعد، وتوفير دينامية جديدة لعهده. وأفادت مصادر «الإليزيه» بأنه ليس عازماً؛ لا على حل البرلمان ولا على إقالة الحكومة ولا السير بمشروع استفتاء شعبي. ولكن، إذا سُدت هذه المنافذ، فإن التساؤل يتناول ما يريد حقاً أن يلجأ إليه، وهو الذي يبدو معزولاً في قصره، ولا يتمتع بأكثرية يمكن الركون إليها في البرلمان، ولا إلى حزب «الجمهوريين» الذي كشف عن ضعفه وعن انقساماته العميقة. ونقل أيضاً أنه طلب من مستشاريه ومن الشخصيات التي يلتقيها أن تقدم له أفكاراً جديدة، حول كيفية تغيير «نهج الحكم»، وهو ما كان قد وعد به ليلة فوزه في المعركة الرئاسية، وحول أجندة الإصلاحات التي ينوي مواصلتها.
إلا أن ما حصل في الأشهر الماضية لا ينُم أبداً -وفق المراقبين- عن رغبة حقيقية في التغيير. لكن ماكرون، على الرغم مما سبق، لا يستطيع الانغلاق في التركيبة الحالية التي بان ضعفها وهشاشتها.
ومجدداً، تُسمع أصوات من داخل اليمين التقليدي تدعو إلى الاتفاق علناً مع ماكرون، على برنامج حكم بشكل واضح ورسمي، على غرار التحالفات التي تعرفها بلدان أوروبية أخرى، مثل ألمانيا أو بلجيكا أو غيرهما، لتوفير نوع من الاستقرار السياسي، والسير إلى الأمام في عدد من المشروعات الإصلاحية.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».