احتفالية «البابطين» الشعرية تختتم وسط زخم الشعر

المشاركون أكدوا على الانفتاح على الأشكال الشعرية الحديثة والاهتمام بالشعر في ثقافات الجوار

جانب من فعاليات الدورة الـ18 لجائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية (الشرق الأوسط)
جانب من فعاليات الدورة الـ18 لجائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية (الشرق الأوسط)
TT
20

احتفالية «البابطين» الشعرية تختتم وسط زخم الشعر

جانب من فعاليات الدورة الـ18 لجائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية (الشرق الأوسط)
جانب من فعاليات الدورة الـ18 لجائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية (الشرق الأوسط)

بأمسية شعرية حافلة بالشعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وفي يوم الشعر العالمي، اختتمت في الكويت مساء الثلاثاء، الدورة الـ18 لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، بالتأكيد على مواصلة نهجها في حفظ وتوثيق التراث الشعري العربي، ورعاية الحركة الشعرية في العالم العربي.
وأثنى البيان الختامي للمشاركين في الدورة التي عقدت هذا العام في دولة الكويت برعاية أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، على «الجهود الاستثنائية للشاعر عبد العزيز سعود البابطين؛ الذي فاق كلّ الشعراء بكريم خلقه إذ كرّمهم وأغدق عليهم الجوائز السنية والألفة واللقاءات المنظمة العالية والغالية في ذروة الاحتفال بيوم الشعر العالمي».
وفي ختام الملتقى، الذي استمر 3 أيام، قال عبد العزيز البابطين، رئيس المؤسسة: «سأستمر في خدمة الشعر العربي وشعرائه طيلة عمري». وأوضح البيان، أن البابطين «أسّس مكتبة الشعر الأولى في العالم العربي، وربما في العالم كلّه، التي تعنى بالشعر في مستوياته المتعدّدة، من جهة البحث العلمي والتأليف وتأريخ الأدب والنقد وتوفير المكان الذي صار بيتاً لكل القرّاء والمثقفين والشعراء العرب، فعقد أواصر المحبة والتلاقي فيما بينهم بجو من التنافس الأدبي الشريف السامق على مدى ثلث قرن، حتّى تواشجت العلاقات الأدبية والعلمية والإنسانية ما بين أبناء الضاد، فصنع البابطين مجتمعاً خاصّاً بهم، هو مجتمع الشعر الجامع للأدب والنقد والثقافة العربية في كلّ بلدان العالم، وقد كان يطوّف في احتفالياته على الدول والعواصم والمدن لبث الإشعاع الثقافي، والتنوير بالشعر العربي، والعلاقة الإنسانية مع الآخر المختلف والمؤتلف».
وأضاف: أقدمت مؤسّسة البابطين «على رعاية الوعي المجتمعي على مستوى تربية النشء، والتفاعل مع مناهج التعليم لأبناء العربية من الطلبة، ومنح الشهادات التدريبية في صناعة الشعر والتحرير الأدبي وصولاً إلى الكتابة البحثية والنقديّة الرصينة، بما يجعل هذه المؤسّسة متّصلة اتصالاً وثيقاً بالمعاهد والجامعات ووزارات الثقافة وبرامج التنمية والأمانات العامّة للجوائز والمؤسسات والجمعيات والأندية والمراكز البحثية والمكتبات العامّة أو المشاريع الثقافية الخاصّة».
ودعا بيان المشاركين «للاستمرار في السنة التي دأبت على المؤسسة في تحديث معاجم الشعراء المعاصرين، لاستيعاب الأسماء والتجارب الجديدة». كما دعا «للانفتاح على الأشكال الشعرية الحديثة من جانب، والحقول البينية المتصلة بالشعر من جانب آخر». و«تعميق الاهتمام بالشعر والشعراء في الثقافات المتاخمة للثقافة العربية، وفتح آفاق المقارنة واستجلاء التأثير والتأثر». و«تنمية التلقي العربي للشعر من خلال الفنون الأدائية (الغناء والمسرح)، وبصرياً من خلال الفنون التشكيلية، وما يستجد في مجالات التقنية، والذكاء الاصطناعي».

كما حثّ على «استمرار مبادرات المؤسسة في تمتين الوشائج بينها وبين المؤسسات المماثلة في الوطن العربي، ودعم المبادرات الأكاديمية التي يكون النشء من مستهدفاتها في جميع مراحل التعليم». و«العمل على ترجمة المعاجم الصادرة عن المؤسسة إلى اللغات الحية والمؤثرة في العالم». وكذلك إصدار مجلة شعرية ثقافية شهرية تقوي تواصل الشعراء والنقاد مع المؤسسة. وتيسير وصول الباحثين من مختلف أنحاء العالم إلى المعجم بإصدار نسخ إلكترونية مجانية منشورة على موقع المؤسسة، بأدوات وخيارات بحثية متطورة وذكية. وتخصيص منح بحثية لدراسات الشعر العربي لاستقطاب الدارسين من ثقافات مختلفة. واستمرار المؤسسة في تعميق الشراكات مع الجامعات والمراكز العلمية في العالم.
وتمحورت الدورة الثامنة عشرة للجائزة في مجموعة جلسات ثقافية وأمسيات شعرية حول الشاعر ابن مليك الحموي، حيث ألقت الجلسة الأولى الضوء على شعر الحموي وشاعريته، وشارك فيها: د. عبد الله غليس، الذي تناول بالحديث التشكيل الجمالي في شعر ابن مليك الحموي، ود. إسراء الهيب، التي قدَّمت بحثاً بعنوان «ابن مليك الحموي... حياته وشعره»، وأدار الجلسة د. طاهر الحجار. كما خُصصت جلسات أخرى للحديث عن الشاعر ابن سناء الملك.
وأقيمت أمسيتان شعريتان بالتزامن مع الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، بمشاركة نخبة من الشعراء الشباب، وقدَّم الأمسية الشعرية الأولى د. الهنوف الهاجري، وعطَّرها بالكلمات: الشاعر أحمد حسن من مصر، وسارة الزين من لبنان، ود. عارف الساعدي من العراق، ومحمد تركي من الأردن، ود. مستورة العرابي من السعودية. أما الأمسية الثانية، التي أدارها الشاعر سالم الرميضي من الكويت، فأحياها الشعراء: د. أحمد بلبولة من مصر، وابتهال تريتر من السودان، وأسيل سقلاوي من لبنان، وأحمد الهلالي من السعودية، وسمية اليعقوبي من تونس، ومحمد البريكي من الإمارات، ومروة حلاوة من سورية، والحارس الخراز من الكويت، ووليد الصراف من العراق. وشارك في الثالثة الشعراء: أنس الدغيم من سوريا، بدرية البدري من عمان، جاسم الصحيح من السعودية، خليفة بن عربي من البحرين، صباح الدبي من المغرب، عبد الله الفيلكاوي من الكويت، لطيفة حسناوي من الجزائر، هاجر عمر من مصر، وهزبر محمود من العراق، وأدار الأمسية الدكتور فالح بن طفلة من الكويت.
وكانت مؤسسة البابطين الثقافية أطلقت فعاليات دورتها الثامنة عشرة، تكريماً للمبدعين من الشعراء والنقاد الفائزين بجوائز المؤسسة في الدورتين 17 و18، واحتفالاً بصدور معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات، مع احتفاء خاص بالشاعرين ابن سناء المُلك وابن مليك الحموي، بمسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي.
وتحدث رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية الشاعر الدكتور عبد العزيز البابطين في كلمته قائلاً: «نلتقي في هذا العرس الثقافي لنكرم الفائزين بجوائز المؤسسة ونحتفل بصدور (معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات) ذلك العمل الموسوعي الضخم الذي يرصد حركة الشعر العربي ما بين سنة 656 حتى سنة 1215 هجرية الموافقة ما بين سنة 1258 إلى سنة 1800 ميلادية وهي حقبة طويلة تزيد على خمسة قرون تعرض تراثها الأدبي والحضاري لكثير من حملات التشويه المتعمد وسوء الفهم».
وذكر البابطين أنه على مدى أكثر من عشر سنوات وبجهود دؤوبة لما يزيد عن 100 أستاذ من نخبة الباحثين والدارسين والأكاديميين و500 مندوب عملوا على جمع مواد المعجم من داخل الوطن العربي وخارجه حتى يخرج المعجم إلى النور في 25 مجلداً من القطع الكبير تشتمل على تراجم ونماذج شعرية لنحو 10 آلاف شاعر.
وقال، «لقد حلمت قبل زمن بعيد ولا أزال بأن أقدم للمكتبة العربية موسوعة شعرية شاملة ترسم معالم الشعر العربي، وتكشف عن ملامحه واتجاهاته على مر العصور، فكان أول ما بادرت إلى التفكير فيه عقب إنشاء المؤسسة إطلاق مشروع المعجم وكانت البداية مع معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين سنة 1990، وقد صدرت طبعته الأولى بعد خمس سنوات ولا تزال طبعاته تتوالى».
ولفت البابطين إلى أنه «ربما كان من حسن الطالع أن تبدأ فعاليتنا اليوم وتبلغ ذروة فعالياتها وأنشطتها بعد غد الثلاثاء 21 مارس (آذار) وهو اليوم الذي اختارته الأمم المتحدة ليكون اليوم العالمي للشعر، الذي اعتدنا أن نحتفل به سنوياً ومنذ سنة 2008 بمهرجان ربيع الشعر العربي، ويصادف أيضاً يوم الثلاثاء 3 مارس، وهو اليوم الذي حددناه قبل عشرة أشهر موعداً لانعقاد ديوان الشعر العربي بالكويت».
ونال الشاعر والوزير والسفير السعودي السابق الدكتور عبد العزيز خوجة الجائزة التكريمية لهذه الدورة. كما فازت الشاعرة والإعلامية السودانية روضة الحاج بجائزة أفضل ديوان شعري عن ديوانها «إذا همى مطر الكلام» من بين 124 منافساً، في حين فاز الشاعر عبد الله أمين أبوشميس من الأردن بجائزة أفضل قصيدة عن قصيدته «راحيل».
أما من فئة الشباب، فقد فازت بجائزة أفضل ديوان الشاعرة آلاء القطراوي من فلسطين عن ديوانها «ساقية تحاول الغناء»، وفي فرع جائزة أفضل قصيدة للشباب فاز الشاعر زاهر حبيب من اليمن عن قصيدته «قبضة من أثر الذهول». وذهبت جائزة أفضل كتاب في نقد الشعر للناقد مصطفى رجوان من المغرب عن كتابة «الشعرية وانسجام الخطاب» مناصفة مع الناقد الدكتور أحمد درويش من مصر عن كتابه «استقبال الشعر».
وتلقت الجائزة مشاركة واسعة من مختلف أنحاء الوطن العربي، إذ بلغ عدد المشاركات أكثر من 826 مشاركة في فروع الجائزة المختلفة، وبلغ عدد المشاركات في فئة أفضل كتاب في نقد الشعر 56 مشاركة، و124 مشاركة في فئة أفضل ديوان، وسجلت فئة أفضل قصيدة 341 مشاركاً، بينما سجلت فئة أفضل ديوان للشباب 98 مشاركة، وبلغ عدد المشاركين في فئة أفضل قصيدة للشباب 207 مشاركين.


مقالات ذات صلة

السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

الخليج السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

السعدون يخوض السباق لـ«الأمة 2023» ووزير النفط يستقيل تمهيداً لدخوله

أعلنت وزارة الداخلية الكويتية، الخميس، فتح باب الترشح لانتخاب أعضاء «مجلس الأمة»، اعتباراً من اليوم الجمعة، وحتى نهاية الدوام الرسمي ليوم الرابع عشر من شهر مايو (أيار) الحالي. وأوضحت الوزارة أنه جرى اعتماد 5 مدارس لتكون لجاناً رئيسية في الدوائر الانتخابية الخمس، لإعلان النتائج النهائية للانتخابات. كان مجلس الوزراء قد قرر، في مستهل اجتماعه الاستثنائي، أول من أمس الأربعاء، الموافقة على مشروع مرسوم بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء «مجلس الأمة»، يوم الثلاثاء، الموافق 6 يونيو (حزيران) 2023 المقبل. ونقلت «وكالة الأنباء الكويتية» عن المدير العام للشؤون القانونية في وزارة الداخلية، العميد صلاح الشطي، قوله

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج الكويت: انتخابات «أمة 2023» في 6 يونيو

الكويت: انتخابات «أمة 2023» في 6 يونيو

حددت الحكومة الكويتية يوم 6 يونيو (حزيران) المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية، بعد حلّ مجلس الأمة حلاً دستورياً.

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج الكويت تحدد 6 يونيو موعداً للانتخابات التشريعية

الكويت تحدد 6 يونيو موعداً للانتخابات التشريعية

وافق مجلس الوزراء الكويتي، في اجتماعه الاستثنائي الذي عُقد، اليوم الأربعاء، في قصر بيان، على مشروع مرسوم بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، يوم الثلاثاء 6 يونيو (حزيران) المقبل 2023، ورفعه إلى ولي العهد. وجرى حل مجلس الأمة «البرلمان» المنتخَب في 2020، الذي أعادته المحكمة الدستورية في مارس (آذار)، بمرسوم أميري، يوم الاثنين، والعودة للشعب؛ لاختيار ممثليه من جديد. وقالت «الوكالة الرسمية الكويتية»، اليوم، إن مجلس الوزراء قرَّر تعطيل العمل في جميع الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات العامة، يوم الاقتراع، واعتباره يوم راحة. كان ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، قد أعلن، في كلمة ألقاها نيابة عن الأم

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج حلّ «الأمة» الكويتي بمرسوم... وبدء السباق الانتخابي

حلّ «الأمة» الكويتي بمرسوم... وبدء السباق الانتخابي

صدر في الكويت، أمس (الاثنين)، مرسوم أميري بحل مجلس الأمة، بعد أن وافق مجلس الوزراء على مشروع المرسوم، ورفعه إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح في وقت سابق من يوم أمس. وصدر المرسوم باسم ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي يتولى بعض صلاحيات الأمير.

ميرزا الخويلدي (الكويت)
الخليج «الوزراء الكويتي» يرفع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد

«الوزراء الكويتي» يرفع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد

رفع مجلس الوزراء الكويتي مشروع مرسوم حل مجلس الأمة إلى ولي العهد، بعد موافقته عليه خلال اجتماعه الأسبوعي، اليوم (الاثنين)، برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، رئيس المجلس، وذلك بناءً على عرض الرئيس، واستناداً إلى نص المادة 107 من الدستور. كان ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد، قد أعلن الشهر الماضي، حل مجلس الأمة 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية حلاً دستورياً استناداً للمادة 107، والدعوة لانتخابات عامة في الأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».