كي هوي كوان... سيرةٌ ولا في الأفلام

الطفل النجم الذي سقط في النسيان وعاد متوّجاً بأوسكار

الممثل الأميركي الفيتنامي الأصل كي هوي كوان
الممثل الأميركي الفيتنامي الأصل كي هوي كوان
TT

كي هوي كوان... سيرةٌ ولا في الأفلام

الممثل الأميركي الفيتنامي الأصل كي هوي كوان
الممثل الأميركي الفيتنامي الأصل كي هوي كوان

في عائلة كوان، كان الجميع منشغلاً بتسديد الديون المتراكمة، وبتأمين القوت اليومي لأسرة مؤلفة من 11 فرداً، فلم يتّسع الوقت للعواطف ولا للتعبير عنها. خلال حفل الأوسكار الـ95، كانت 3 دقائق كافية لنجم العائلة الممثل كي هوي كوان، ليختصر فيها كل ما خبّأ من مشاعر وللتعويض عن كل ما كبتَه أهلُه من حب.
ليس كوان أول ممثل يفوز بجائزة أوسكار، لكنه من القلائل الذين لا تختلف حياتهم كثيراً عن حكايات الأفلام. حتى في الكلمة المبللة بالدمع التي ألقاها بعد تسلّمه الجائزة العالمية عن دوره في فيلم «Everything Everywhere All At Once»، قال: «يقولون إن حكايات كهذه تحصل حصراً في الأفلام. لا أصدّق أنها تحصل معي».

«البضاعة النازلة من السفينة»
كأنّ الممثل الأميركي الفيتنامي المتحدّر من جذور صينية، عاش حيواتٍ عدة في حياة واحدة. سنواته الست الأولى مرّت هانئة في مسقط رأسه «سايغون»، إلى أن اشتعلت الحرب بين شمالٍ وجنوب في بلاده، مما اضطر العائلة إلى مغادرة البيت والوطن سنة 1978. تفرّق أفرادها فذهبت الأم إلى ماليزيا برفقة 3 من الأبناء، أما كوان فاتّجه مع والده وإخوته الخمسة إلى هونغ كونغ على متن باخرة مكتظة بـ3 آلاف مهاجر. كان حينها في الـ7 من عمره، وهو يذكر أنهم أمضوا شهراً داخل السفينة قبل أن يُسمَح لهم بالنزول إلى أحد مخيّمات اللجوء في هونغ كونغ.


"أمي، لقد فزت للتوّ بأوسكار"، هكذا افتتح كوان خطاب الفوز (إنستغرام)
على مسرح «دولبي» في لوس أنجليس منذ أيام، وقف كوان حاملاً جائزته ومستذكراً: «رحلتي بدأت على سفينة. أمضيت عاماً في مخيم للاجئين. وبطريقة ما وصلت إلى هنا، على أكبر مسارح هوليوود». حفرت تجربة اللجوء عميقاً في نفسه، وهو لا ينسى الغرف الضيّقة المسيّجة من كل صوب، والحرّاس الذين كانوا يمنعونهم من الخروج.
حتى عندما اجتمع شمل العائلة من جديد بعد عام في لوس أنجليس الأميركية، ظلّت وصمة اللجوء تلاحق كوان وأهله. يقول في مقابلة مع صحيفة الـ«غارديان» البريطانية: «كنا لاجئين. لم يرغب فينا أحد. كانوا يطلقون علينا (البضاعة النازلة من السفينة) ويسخرون منا في المدرسة. لطالما شعرت بأنني دخيل خلال طفولتي ومراهقتي. كانت لدي أزمة هوية كبيرة». لكن ما هي إلا 4 سنوات حتى تحوّل الطفل الذي كان يتعرّض للتنمّر من رفاق صفّه، إلى نجمٍ ينظرون إليه بإعجاب، وربما غيرة.


كوان بعد فوزه بأوسكار عن فئة ممثل في دور مساند (رويترز)
منقذ العائلة
عندما وصلت العائلة إلى الولايات المتحدة بعد رحلة الهجرة والنزوح، كانت ترزح تحت ثقل الديون. اضطرّ أفرادها أن يقتصدوا، لذلك فإن الذهاب إلى السينما مثلاً كان حلماً بعيد المنال. اكتفى كوان وإخوته الصغار بالتحلّق حول التلفاز الصغير في البيت لمشاهدة الأفلام الآسيوية، وتحديداً تلك التي كانت من بطولة جاكي شان.
كان كوان في الـ12 من عمره، يوم رافق شقيقه الأصغر إلى تجربة أداء كان قد دعا إليها المخرج ستيفن سبيلبرغ. جلس في غرفة الانتظار يدرّب أخاه، فلفت الأنظار وطُلب إليه أن يجرّب بدوره. وما هي إلا 3 أسابيع حتى استقلّ الطائرة مع والدته، متّجهاً إلى سريلانكا لتصوير دوره الأول في فيلم «إنديانا جونز ومعبد الهلاك» إلى جانب الممثل هاريسون فورد.

قبل تلك المغامرة السينمائية التي جعلت منه طفلاً نجماً بين عشية وضُحاها، لم يكن كوان قد شاهد أي فيلم أميركي في حياته. لم يدرك عظمة الفريق الذي احتضنه، إلا بعد أن صدر الفيلم وصار البطل الصغير «شورت راوند» حديث الناس. يقول للـ«غارديان» إن أداءه دوراً أوّل في أحد أكبر أفلام عام 1984، منحه وعائلتَه الأمل والجرأة والكثير من الحرية.
بفضل أجره الأول، استطاع كوان أن يشتري منزلاً للأسرة وأن يسدّد جزءاً من ديونها. حتى اليوم، هو ممتنّ لمكتشفيه ولم ينسَ أن يشكرهم ليلة الأوسكار معانقاً هاريسون فورد بحرارة، ومتوجهاً إلى ستيفن سبيلبرغ بأجمل الكلام. آمنَ سبيلبرغ بموهبة كوان الصغير فكرر التجربة معه، مانحاً إياه دوراً أساسياً في فيلم «The Goonies” عام 1985.
بعد ذلك، راكمَ كي هوي كوان الأدوار الصغيرة لكنه عجزَ عن اصطياد دور بأهمية اللذَين لعبهما مع سبيلبرغ. في مرحلة من المراحل اعتمد اسماً مستعاراً هو «جوناثان» بديلاً عن اسمه الصعب، ظناً منه بأن ذلك قد يفتح الدرب أمامه. وبعد انتظار طويل دام حتى سنة 1996. استسلم كوان ورضخ لواقع السينما الهوليوودية آنذاك، التي كانت تهمّش الممثلين الآسيويين. يقول في حوار مع وكالة «أسوشييتد برس»: «في عمر العشرين، عندما كان من شبه المستحيل العثور على دور، لم أُلقِ باللوم على أحد. ظننت أنني لم أكن جيداً. لكن في الواقع، كان مؤلّفو هوليوود يمتنعون عن كتابة أدوار لممثلين آسيويين. لم أعلم بذلك فلُمتُ نفسي».


كوان متوسطاً ستيفن سبيلبرغ (يمين) وكايت كابشو وجورج لوكاس عام 1984 (أ ب)
ولادة جديدة بعد صمت 20 سنة
عشية عامه الـ30، وبعد أن فقد الأمل بتلقّي اتّصال يدعوه إلى أداء دور مهم، رمى كوان الحلم وراء ظهره. قرر الانتقال من أمام الكاميرا إلى خلفها كمصمم لمشاهد العراك وكمساعد مخرج أحياناً، بالتزامن مع تخصصه في السينما. دفن الممثل شغفَه في مكان عميق من القلب، الذي ظلّ يخفق بسرعة كلّما لمح كوان بطلاً كان يمكن أن يكونه.
انقضى 20 عاماً تقريباً والحلم صامت، إلى أن بدأ يهمس من جديد في أذن كوان بعد أن شهد على نجاح زملائه الآسيويين في فيلم «Crazy Rich Asians» عام 2018. وعشية خمسينه، عاد كوان إلى شغفه الأول فانضمّ إلى فريق «Everything Everywhere All At Once». في حديثه مع «أسوشييتد برس» يقول: «لوقتٍ طويل جداً لم أكن أريد سوى فرصة للتمثيل ولإظهار قدراتي للناس. لقد منحني هذا العمل أكثر مما تمنيت».

في الفيلم الفائز بـ7 جوائز أوسكار، يلعب الممثل دور وايموند وانغ، وهو يجمع شخصيات كثيرة في شخصية واحدة، تماماً مثل حيوات كوان التي اجتمعت في حياة واحدة.
في أحد مشاهده يتوجه إلى شريكته الممثلة ميشيل يوه قائلاً: «كل رفض وكل خيبة في حياتك، أوصلتك إلى هذه اللحظة. لا تدَعي شيئاً يلهيك عنها». لعلّها العبارة التي أعادَها كوان في رأسه عندما وقف أمام نجوم هوليوود رافعاً الأوسكار، ومعلناً ولادة جديدة لنجمٍ عائد من النسيان.


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
TT

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)

تسعى عائلة امرأة اختُطفت وقُتلت في مزرعة، إلى شراء الأرض للتنقيب عن جثتها بعد 55 عاماً من مقتلها.

يُذكر أنه لم يجرِ العثور على جثة موريال ماكاي منذ مقتلها عام 1969 في مزرعة ستوكينغ، بالقرب من منطقة بيشوبس ستورتفورد، في هيرتفوردشاير، وفق «بي بي سي» البريطانية.

وأنفقت شرطة العاصمة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث، التي استمرت لمدة ثمانية أيام في الموقع، خلال يوليو (تموز) الماضي، لكن الجهود لم تسفر عن شيء، في النهاية.

وقال مارك داير، وهو حفيد السيدة ماكاي، إنه مستعد لدفع أكثر من مليون جنيه إسترليني لشراء ما وصفه بأنه «أكثر مكان شرير على وجه الأرض».

واعترف داير بأن ذلك سيكون «أمراً صعباً» من الناحية العاطفية، لكنه قال إنه قد يكون ضرورياً للوصول إلى نهاية القصة.

وجَرَت عمليات التنقيب، في يوليو، بعد أن قدّم آخِر القتلة الباقين على قيد الحياة، والذي يعيش الآن في ترينيداد، معلومات عن مكان دفن السيدة ماكاي المزعوم، غير أن السلطات لم تسمح لنظام الدين حسين بالعودة إلى المملكة المتحدة، للمساعدة في عملية البحث، وهو ما عدَّته عائلة الضحية يشكل عائقاً أمام جهود البحث.

وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قال إيان ماكاي، ابن الضحية: «يعتمد كل ذلك على رغبة مالك المزرعة في البيع»، مضيفاً أن «شراء مزرعة روكس فارم سيكون استجابة عاطفية تسمح للعائلة بالمساعدة في البحث بشكل صحيح، على أمل الوصول إلى الجثة، وإنهاء القصة».

وجرى الاتصال بأصحاب المزرعة، للتعليق.

وقال داير إنه إذا اشترت عائلته المزرعة في المستقبل، فإن الملكية ستكون «انتقالية» فقط، موضحاً أنهم سيشترونه، وسيستأجرون متخصصين لإجراء تنقيب عن جثة السيدة ماكاي، ثم يقومون ببيع المزرعة مرة أخرى. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حُكم على نظام الدين وشقيقه آرثر حسين بالسجن المؤبد؛ للاختطاف واحتجاز السيدة ماكاي، التي كانت تبلغ من العمر 55 عاماً آنذاك، مقابل الحصول على فدية بقيمة مليون جنيه إسترليني، قبل قتلها.

وكانت ماكاي قد تعرضت للاختطاف بالخطأ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1969، حيث اعتقد الشقيقان أنها زوجة رجل الأعمال الكبير، وقطب الإعلام روبرت مردوخ.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافر ابن الضحية إلى ترينيداد برفقة شقيقته ديان، وأوضح لهم نظام الدين حينها خريطة المكان الذي دُفن فيه جثة والدتهما.