منطقة الشرق المغربية تتخطى معوقات الجغرافيا والتنمية بعد 20 سنة على «خطاب وجدة»

بعد أن كانت تعيش حالة نشاز جرَّاء إغلاق الجزائر حدودها البرية

جانب من احتفالية «الشرقيات» بمناسبة مرور 20 عاماً على «خطاب وجدة» (الشرق الأوسط)
جانب من احتفالية «الشرقيات» بمناسبة مرور 20 عاماً على «خطاب وجدة» (الشرق الأوسط)
TT

منطقة الشرق المغربية تتخطى معوقات الجغرافيا والتنمية بعد 20 سنة على «خطاب وجدة»

جانب من احتفالية «الشرقيات» بمناسبة مرور 20 عاماً على «خطاب وجدة» (الشرق الأوسط)
جانب من احتفالية «الشرقيات» بمناسبة مرور 20 عاماً على «خطاب وجدة» (الشرق الأوسط)

تحل اليوم ذكرى 20 عاماً على خطاب وجدة (شرق المغرب)، الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في 18 من مارس (آذار) 2003. وهو الخطاب الذي شكل خريطة طريق لتنمية هذه المنطقة الحساسة، التي تقع على تماس مع الجزائر، وتعيش وضعية شاذة منذ قرار الجزائر إغلاق الحدود البرية مع المغرب عام 1994. عقب الهجوم المسلح الذي تعرض له فندق أطلس أسني في أغسطس (آب) 1994، الذي تقول الرباط إن المخابرات الجزائرية هي من كانت تقف وراءه.
وعدَّ معاذ الجامعي، والي جهة الشرق، مبادرة ملك المغرب لتنمية جهة الشرق «انطلاقة تاريخية وشهادة ميلاد جديدة للجهة»، مشيراً إلى أنها جعلت منها قطباً تنموياً واعداً ومجالاً مشجعاً لاستقطاب الاستثمارات من أجل خلق فرص الشغل وتحسين ظروف عيش سكان الجهة.
وأوضح الجامعي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لفعاليات تظاهرة «شرقيات»، المحتفية بـ«خطاب وجدة» 2003، أن الخطاب الملكي رسم التوجهات الرئيسية لخارطة الطريق من أجل إقلاع تنموي للجهة، تمثلت أساساً في الاستثمار والبنيات التحتية والمشاريع الاقتصادية الكبرى وتكوين العنصر البشري. مبرزاً أن المشاريع المهيكلة والأوراش الكبرى، التي أتت بها المبادرة الملكية لتنمية جهة الشرق، وانخرطت فيها الجهة، ساهمت في تغيير المشهد العمراني والاقتصادي والاجتماعي للجهة بشكل كبير، وخلق آفـاق تنموية جديدة.
وحددت المبادرة الملكية لعام 2003 أولويات، من بينها إنجاز البنيات الأساسية التحتية الضرورية للجهة، كالطريق السيار الرابط بين فاس ووجدة عبر تازة، وخط السكة الحديدية الرابط بين تاوريرت والناظور، مع الإسراع بإنجاز الطريق الساحلي الشمالي، وتوسيع وإصلاح الطريق الرابط بين الناظور ووجدة وفكيك، إضافة إلى إنجاز المشروع الكبير لتزويد مدينتي وجدة وتاوريرت بماء الشرب، وتعميمه على جميع حواضر وبوادي هذه الناحية، وكذلك إحداث منطقة حرة بالناظور، تضم إلى جانب الميناء مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية وسياحية، تروم فتح بوابة متوسطية أمام تنمية الجهة الشرقية، والإسهام في النهوض بالاقتصاد المغربي، إلى جانب تهيئة المنطقة الساحلية للسعيدية، بهدف جلب الاستثمار الوطني والأجنبي، وهي كلها مشاريع جرى إنجازها على أرض الواقع خلال العشرين سنة الماضية.
وقال الجامعي إن «المبادرة الملكية لتنمية جهة الشرق خلقت عبر عدة مراحل دينامية متجددة ومستمرة في مجال التنمية المستدامة»، مسجلاً في هذا السياق أنه إذا كانت مرحلة السنوات العشر الأولى قد تميزت بالبناء والتشييد، وتلتها المرحلة الثانية لتعزيز المجالات كافة، فإن المرحلة الثالثة الحالية وجب استثمارها بكل احترافية في جني المكتسبات، وذلك عبر تشييد جيل جديد من المشاريع المنتجة، وتحفيز الاستثمار، وخلق فرص الشغل لفائدة سكان كافة الجماعات الترابية (البلدية والقروية)، ولا سيما الشباب.
من جهته، قال رئيس مجلس جهة الشرق، عبد النبي بعيوي، إن الحصيلة التنموية لمرور عقدين من الزمن على خطاب وجدة 2003، تميزت بتحقيق الكثير من المنجزات، التي شملت جميع المستويات، وساهمت في خلق دينامية شاملة، مشدداً على أن هذا الأمر مكَّن من إعطاء دفعة قوية لمسار التنمية بجهة الشرق، خاصة بعد إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005.
وأبرز بعيوي أن الإصلاحات الكبرى، التي قادها الملك محمد السادس، أفضت إلى إحداث تحولات عميقة وهيكلية شملت مختلف المجالات، وأسست لإطلاق ورش الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي يهدف إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية، مشيراً إلى أنه تم في هذا الإطار فسح المجال للمنتخبين ومدبري الشأن الجهوي «لإعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب».
من جانبه، قال المدير العام لوكالة تنمية جهة الشرق، محمد مباركي، إن المبادرة الملكية لتنمية جهة الشرق جاءت بمشاريع كبرى مهمة، مبنية على مؤهلات الجهة وإمكانياتها الذاتية، وكان لها وقع مباشر على كل مناطق جهة الشرق. مبرزاً أن هذه المشاريع مكَّنت الجهة من «الدخول في منافسة مع الجهات الأخرى على الصعيد الوطني، وكذا غزو أسواق جديدة للبحث عن إمكانيات وإعطاء جاذبية أكبر للجهة».
من جانبها، أكدت رئيسة قسم البرمجة والتخطيط والبيئة في جهة الشرق، إلهام محرزي، أن برامج الاستثمار بالجهة تسير على الطريق الصحيح، بموازنة قدرها 1.9 مليار درهم (190 مليون دولار)، حيث تم خلق ما لا يقل عن 28 ألف و600 منصب شغل، ودعم المقاولات والتشغيل الذاتي، مضيفة أن مساهمة الجهة بلغت 280 مليون درهم (28 مليون دولار).
كما أوضحت محرزي أن الجهة تعرف حالياً تعزيزاً للبنيات التحتية الاقتصادية، بموازنة قدرها 316 مليون درهم (31.6 مليون دولار)، ومشاريع مخصصة لتأهيل المنطقة الصناعية بسلوان، والمنطقة الصناعية بالعروي، والمناطق الصناعية بجرادة، وكنفودة، وعين بني مطهر، وتويسيت، بمساهمة من الجهة قدرها 79 مليون درهم (7.9 مليون دولار).
ولتعزيز هذه المشاريع الواعدة، أشارت محرزي إلى أن الجهة تعمل حالياً على تعزيز تكوين الموارد البشرية للاستجابة لمتطلبات سوق الشغل، من خلال إنشاء مراكز للتكوين، مضيفة أنه من بين 22 مركزاً مبرمجاً، يتم حالياً استغلال 14 مركزاً، فيما يجري استكمال إنجاز 6 مراكز.
وفي سياق وجود سباق مع الزمن لتحقيق برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالقرى في جهة الشرق (2017 - 2023)، وإنجاز المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019 - 2023)، قال رشيد الزناتي، الكاتب العام للشؤون الجهوية، إن هذين البرنامجين يستندان بشكل أساسي على إطار الحكامة المتعلق بالتوجهات الاستراتيجية الكبرى لتنمية المناطق القروية.
وأوضح الزناتي أن أهداف البرنامج المذكور، تتجلى في فك العزلة عن سكان المناطق القروية، من خلال إنشاء الطرق والمسالك والمعابر، بهدف تحسين مستوى عيشهم وتمكينهم من الاستفادة من الفرص والموارد الطبيعية والاقتصادية، وكذا تعميم وتحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية المتعلقة بالكهرباء والماء والصحة والتعليم.
وتميزت فعاليات «شرقيات»، المنظمة تحت شعار «20 سنة من الاستثمارات من أجل تنمية مستدامة»، بحضور وفود من دول أفريقية هي بوركينا فاسو، والكاميرون، والكونغو، وجزر القمر، وكوت ديفوار، ومالي، والنيجر، وموريتانيا، والسنغال وغامبيا. واختتمت أمس بتدشين وحدة صناعية جديدة في «تكنو بول» وجدة.
وتنظم الفعاليات بشراكة بين ولاية جهة الشرق، ومجلس الجهة، والمركز الجهوي للاستثمار لجهة الشرق، ووكالة تنمية جهة الشرق. وتهدف إلى الارتقاء بهذه الجهة، التي أضحت رافعة للاقتصاد المغربي، وكذا إلى توفير فضاء مخصص للتبادل والمناقشة، فضلاً عن جذب المستثمرين، وإبرام شراكات جديدة واستشراف فرصاً وموارد جهوية جديدة.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز