تركيا: تصعيد الأسد سقف المطالب يهدد مسار التطبيع

النظام السوري يستخدم الانتخابات كورقة ضغط على إردوغان

موقع عسكري تركي على الحدود السورية (أرشيفية - رويترز)
موقع عسكري تركي على الحدود السورية (أرشيفية - رويترز)
TT

تركيا: تصعيد الأسد سقف المطالب يهدد مسار التطبيع

موقع عسكري تركي على الحدود السورية (أرشيفية - رويترز)
موقع عسكري تركي على الحدود السورية (أرشيفية - رويترز)

لم تفاجأ أنقرة بشرط رئيس النظام السوري بشار الأسد بشأن رفضه اللقاء مع الرئيس رجب طيب إردوغان قبل انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، لكنها تنظر إلى هذا المطلب على أنه تصعيد للسقف قبل البدء في المفاوضات.
وحتى الآن لم يصدر أي رد فعل رسمي تركي على الشرط الذي كشف عنه الأسد خلال وجوده في موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، في زيارة اعتقد البعض أن هدفها الأساسي مناقشة ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، لا سيما أنه جاء تزامناً مع احتضان موسكو اجتماعاً رباعياً بين نواب وزراء خارجية كل من روسيا، وتركيا، وإيران وسوريا حول الملف السوري، ولا سيما التطبيع مع تركيا.
لكن عضو المجلس التنفيذي المركزي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، أورهان ميري أوغلو، اعتبر في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية، أمس (الجمعة)، أن شروط الأسد بشأن اللقاء مع إردوغان «غير مناسبة» لتطبيع العلاقات بين البلدين، مستبعداً عقد لقاء بينهما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل.
من قبل، كانت دمشق حددت موقفها بشأن اللقاء بين الأسد وإردوغان، بتصريحات مفادها أنها «لن تمنح إردوغان نصراً مجانياً في الانتخابات»، في إشارة إلى رفض لقاء بدا أن أنقرة تستعجله بين إردوغان والأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يلعب الدور الأساسي في الوساطة بين أنقرة ودمشق.
وقال ميري أوغلو: إن الأسد يطالب تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط لتطبيع العلاقات مع تركيا، لكن «لا يجوز رفع سقف المطالب في العلاقات الدبلوماسية مع بداية المحادثات في حال كانت الأطراف المتفاوضة تنوي المصالحة والتفاهم وإيجاد حلٍ للخلافات».
وأضاف، أن «بدء الأسد بوضع شروط مسبقة للمحادثات مع تركيا يعطيها حق مطالبة دمشق بالكف عن دعم (قوات سوريا الديمقراطية) (قسد) التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها».
ورأى، أن «احتمال عقد لقاء بين إردوغان والأسد قبل الانتخابات التركية ضعيف جداً، أما لقاؤهما بعد الانتخابات فسيتضح بحسب نتائج الانتخابات وتوازناتها».
وكشفت الفترة الأخيرة عن تحرك سريع من جانب أنقرة لإنهاء الخلافات مع عدد من الدول في محيطها الإقليمي بالشرق الأوسط، تحت ضغط التغيرات في الظروف الإقليمية والدولية، لكن بشكل أكبر، في محاولة لنزع ورقة مهمة من يد المعارضة التركية التي تتهم إردوغان وحكومته بتدمير علاقات تركيا بمحيطها الإقليمي ووضع البلاد في عزلة.
وقال الأسد من موسكو: إنه «لا خلاف بين الشعبين السوري والتركي، والمشكلة هي في مطامع السياسيين الأتراك الخاصة»، مشيراً إلى ضرورة انسحاب القوات الأجنبية غير الشرعية (التركية والأميركية)، فيما يعتبر هو أن القوات الأخرى الروسية تحديداً، إلى جانب الميليشيات الإيرانية، تحظى بوجود شرعي لأن النظام قام باستدعائها لمواجهة المعارضة لمسلحة التي تدعمها تركيا.
وذكر الأسد، أن «أولوية إردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة»... إذا استوفيت الشروط «فلا موعد محدداً للقاء إردوغان، فقد يكون اليوم أو غداً، والتوقيت ليس مشكلة».
- الوجود العسكري: احتلال أم حتمية؟
ولا تنظر تركيا إلى وجودها العسكري في شمال سوريا على أنه احتلال نابع من أطماع في أراضي دولة مجاورة، بل ضرورة لحماية حدودها وأمن شعبها من هجمات التنظيمات الإرهابية (الوحدات الكردية) وهو ما لا يستطيع النظام أن يضمنه لها في ظل عدم سيطرته على كامل الأراضي السورية.
وفسرت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» رؤية تركيا للتقارب مع نظام الأسد وتطبيع العلاقات مع دمشق بأنها تقوم على حل المسألة السورية بالكامل ولا تنفصل عن الحل السياسي للأزمة ومسار آستانة بوصفه المسار الحي الوحيد حالياً لتسوية الأزمة السورية.
وأكدت المصادر، أن ثوابت تركيا في المفاوضات مع نظام الأسد، هي: الحل السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية والتعاون في مكافحة الإرهاب وضمان العودة الأمنية للاجئين. وأشارت إلى أن أنقرة أبدت مرونة خلال المحادثات التي بدأت أولاً على مستوى أجهزة الاستخبارات والأمن، وناقشت المقترحات المقدمة من الجانب الروسي بشأن أمن الحدود، لكنها لم تجد تعاملاً مماثلاً من جانب النظام الذي يتغافل عن حقيقة أن لتركيا احتياجات أمنية حيوية في تأمين حدودها وإبعاد الوحدات الكردية المنضوية تحت «قسد» عن حدودها، وأن النظام لا يرى مشكلة في تواجد قواته جنباً إلى جنب مع الوحدات الكردية، لكنه يرى خطراً في وجود القوات التركية التي تساهم في ضمان وحدة الأراضي السورية.
وسبق لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن وصف مطالب النظام السوري بأنها «طرح غير واقعي» ولفت إلى خطورة «التنظيمات الإرهابية» بالمناطق المتاخمة للحدود التركية، قائلاً «إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم، فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، بل خطر على سوريا كلها».
وأشار جاويش أوغلو إلى أنه تناول هذه القضية خلال لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في العاصمة الصربية بلغراد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث أكد له ضرورة وجود توافق بين النظام والمعارضة من أجل السيطرة على هذه المناطق.
وأوضح، أن النظام سمح لـ«إرهابيين» من المناطق التي كان يحاصرها سابقاً بالذهاب إلى إدلب، قائلاً: إن «هذه الأراضي هي أراضٍ سورية، وكررنا دائماً أن لا أطماع لنا فيها، ولكن في الوقت الحالي، هناك بيئات من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً علينا في حال لم نكن موجودين هناك، وأن مسألة الانسحاب يمكن أن تناقش عندما تتوفر الظروف المناسبة لذلك».
والأحد الماضي، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: إن أنقرة تدعم استمرار المحادثات مع النظام السوري، مشيراً إلى أن الجانب السوري «يتفهم أسباب ما تقوم به تركيا ضد الأهداف الإرهابية»، في إشارة إلى مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب الكردية» غالبية قوامها، وتعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني».
وشدد على أنه «ليست لتركيا نيات أو أطماع، ولا تعد قوة احتلال في شمال سوريا، وهدفها هو الدفاع عن أمنها وحماية حدودها وشعبها من الهجمات الإرهابية».
وأضاف أكار «يبدو أن محاورينا السوريين يتفهمون ذلك من حين إلى آخر، وهناك مؤشرات ملموسة على ذلك»، مشيراً إلى أن الوحدات الكردية «تحتل نحو ثلث الأراضي السورية، وأن العمليات التركية ضد الإرهابيين تدعم حقوق السيادة ووحدة أراضي سوريا». وقال «ما نفعله نحن لا يعد احتلالاً أو اغتصاباً لأراضي سوريا بأي شكل من الأشكال، وما نسعى إليه فقط هو حماية حدودنا وضمان سلامة مواطنينا».
وتسبب تصعيد دمشق مطالبها ووضع شرط انسحاب القوات التركية من شمال البلاد، في إبطاء مسار محادثات التطبيع عقب اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في عرقلة اتخاذ الخطوة اللاحقة وهي اجتماع وزراء الخارجية، وإدخال إيران كطرف في المحادثات، والتوجه مجدداً إلى عقد اجتماعات فنية على مستوى نواب وزراء الخارجية قبل لقاء الوزراء.

«ثمار» محادثات سابقة
وخلال المحادثات السابقة بين الجانبين التركي والسوري، منذ اللقاءات بين أجهزة الاستخبارات وحتى اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، جرى الحديث عن مطالب متبادلة بين أنقرة ودمشق لإعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
وقالت مصادر قريبة من الحكومة التركية: إن نظام الأسد طرح 5 مطالب تتمثل في إعادة محافظة إدلب، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفا غوزو (باب الهوى) إلى سيطرة الجيش والحكومة السوريين، والسيطرة الكاملة للنظام على طرق حلب - اللاذقية الدولي (إم4) الواصل بين شرق سوريا ودير الزور والحسكة وحلب واللاذقية، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال الموالين والشركات الداعمة لعائلة الأسد والحكومة السورية، ومناقشة الدعم المطلوب من تركيا لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة، وتنفيذ تركيا عرضها في التعاون والقضاء على الإرهاب وإعادة النفط السوري للحكومة السورية، وأن تواصل تركيا دعمها لسوريا في مجالات السدود والطرق السريعة والكهرباء والمؤسسات التعليمية والمياه والزراعة.
وبالفعل، اتخذت تركيا خطوات بالاتفاق مع موسكو لإخلاء بعض نقاطها العسكرية على طريق «إم4»، خلال الفترة الماضية قبل وقوع كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط).
في المقابل، طرحت أنقرة شروطاً تتمثل في تطهير قوات النظام المناطق الحدودية من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية بالكامل، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود التركية السورية، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين، على أن تكون حمص ودمشق وحلب مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار، ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم في مناطقهم واستعادة ممتلكاتهم.
كما اشترطت تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن وذوو الظروف الصحية السيئة.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.