فشل جهود «الأوروبي» في إنهاء القطيعة التجارية بين الجزائر ومدريد

مراقبون أرجعوا ذلك إلى تشدد الإسبان في عدولهم عن دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء

الرئيس الجزائري مع ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مع ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (الرئاسة الجزائرية)
TT

فشل جهود «الأوروبي» في إنهاء القطيعة التجارية بين الجزائر ومدريد

الرئيس الجزائري مع ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مع ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (الرئاسة الجزائرية)

غادر الممثل السامي للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الإسباني جوزيب بوريل، الجزائر، ليلة أمس، دون أن ينجح في إقناع مسؤوليها بالتخلي عن قرار وقف التجارة مع مدريد، بعد أن وجدهم متشددين في مسألة عدول الإسبان عن دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، قبل أي حديث عن استئناف عمليات البيع والشراء معها.
وأكد بوريل في كلمة ألقاها بعد خروجه من قصر الرئاسة الجزائرية، حيث أمضى ساعات طويلة مع الرئيس عبد المجيد تبَون، أن 90 في المائة من التجارة الخارجية للجزائر تتم مع دول الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنه «يمكن أن ننجز ما هو أحسن إذا أوجدنا مخرجاً للحدود التي وضعت»، وفهم من كلامه أنه يقصد القطيعة التجارية، التي فرضتها الجزائر على إسبانيا، التي فاقت خسائرها 600 مليون دولار، حسب الإعلام الإسباني، وذلك منذ يونيو (حزيران) 2022، فيما افتقدت السوق الجزائرية الكثير من المواد الأولية والمنتجات المصنعة بسبب هذه المقاطعة.
وقال بوريل بوضوح، إن الاتحاد الأوروبي «يرغب في أن تجد العراقيل، التي وضعت بخصوص المبادلات التجارية مع إسبانيا، حلولاً». وقرأ متابعون كلام بوريل، الذي جاء بعد محادثاته مع تبون وقبله مع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، أنه لم ينجح في أن يصرف الجزائر عن تشددها في موضوع وقف التجارة مع إسبانيا. ما يعني، وفق المتتبعين أنفسهم، أن الحكومة الجزائرية لا ترى أن مدريد خطت أي خطوة في اتجاه العودة إلى حيادها في ملف الصحراء، حتى تتشجع على مراجعة موقفها. كما أكد بوريل وجود «عراقيل أمام الاستثمارات الأوروبية في الجزائر». وجاء هذا الكلام لأول مرة على لسان مسؤول أوروبي كبير، بينما تقول السلطات الجزائرية إنها أدخلت تعديلات على قانون الاستثمار منذ أشهر قليلة، «بما يجعله جذاباً لرؤوس الأموال الأجنبية». وقد أشار بوريل إلى أن «هذا الوضع كان له أثر مباشر على تطبيق اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (2005)، ولهذا ينبغي إيجاد حلول من أجل مصلحة الطرفين».
وطالبت الجزائر في السنوات الأخيرة بمراجعة الاتفاق بحجة أن الاتحاد «هو المستفيد فقط منه»، وذلك بفضل تفكيك التعرفة الجمركية على السلع الأوروبية، فيما واجه المنتوج الجزائري صعوبات كبيرة في أن يجد موقعاً له في أسواق أوروبا، بسبب عدم قدرته على المنافسة. من ناحية أخرى، أعلن بوريل أن الاتحاد الأوروبي والجزائر توصلا إلى اتفاق يخص «استئناف حوار أمني رفيع المستوى»، من المقرّر أن تعقد أولى جلساته قبل نهاية العام الحالي. وقال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إن هذا الأمر «يثبت أن الجزائر شريك موثوق به، ولاعب أساسي في مكافحة الإرهاب في جوارنا المشترك». كما أشاد بوريل بـ«تاريخ حافل للجزائر على صعيد مكافحة الإرهاب»، داعياً إلى «تطوير رؤية شاملة واستراتيجية» في هذا المجال، و«التنسيق والدعم المتبادل للأعمال الأمنية، وتوحيد جهودنا من أجل تعزيز الاستقرار على مستوى محيطنا وجوارنا المشترك، لا سيما في الساحل».
وكان المسؤول الأوروبي قد ذكر في بيان أن التكتل، الذي يضم 27 دولة، يسعى إلى توطيد الشراكة مع الجزائر «بالنظر إلى المستقبل من خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات الأوروبية في قطاع الطاقة المتجدّدة»، علماً بأن الحكومات الأوروبية قرّرت الانفتاح على الجزائر، باعتبارها أكبر مصدر للغاز في أفريقيا، في إطار سعيها لإيجاد بدائل للغاز الروسي، منذ بدأت موسكو غزو أوكرانيا العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وقد كانت إيطاليا سباقة في ذلك. ووقّعت شركة المحروقات الحكومية «سوناطراك» في الأشهر الماضية، عقوداً لتوريد كميات إضافية من الغاز إلى إيطاليا، تصل إلى 9 مليارات متر مكعب سنوياً، إضافة إلى تزويد سلوفينيا بالغاز لأول مرة منذ 2012، بكميات سنوية تفوق 300 مليون متر مكعب. وتصدّر الجزائر غازها إلى أوروبا عبر خطي أنابيب، الأول «ترانسماد - إنريكو ماتاي»، يصل إيطاليا عبر المتوسط مروراً بتونس، والثاني «ميدغاز»، يمر من الساحل الشمالي الغربي للبلاد مباشرة إلى ألميريا بجنوب إسبانيا.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»
TT

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حمّلت مصر مجدداً «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، إن «التصرفات الأحادية الإثيوبية تتسبب في تخبط كبير في منظومة إدارة المياه بنظام النهر، وارتباك في منظومة إدارة السدود».

واستعرض سويلم، خلال لقائه عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج، رؤية مصر للتعامل مع قضية «سد النهضة»، وتاريخ المفاوضات، ونقاط الاختلاف مع إثيوبيا، مع «إبراز أوجه التعنت الإثيوبي خلال العملية التفاوضية، وخطورة التصرفات الإثيوبية الأحادية».

سويلم يلتقي عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج (وزارة الري المصرية)

وفشلت آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي دون التوصل لاتفاق.

وقال الوزير المصري إن «دول منابع حوض النيل تتمتع بوفرة في مواردها المائية، إذ يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - داخل حوض نهر النيل أو غيره من الأحواض بهذه الدول - إلى حوالي 7000 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تصل حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، تعتمد عليها مصر بنسبة 98 في المائة لتوفير مواردها المائية».

وحذر خبراء مصريون من عدم التوصل لاتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» يضمن حقوق دولتي المصب، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطورة عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة لا تتوقف عند ما يثيره السد من مخاوف، إذ إنه قد يتحول لسابقة تدفع دولاً أخرى من دول المصب إلى إنشاء سدود دون اتفاقيات ودون التشاور مع دولتي المصب».

وأكد شراقي أن «النهج الإثيوبي في بناء سد النهضة في كل مراحله ينطوي على قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح، ففي الوقت الراهن مثلاً لا نعرف متى تعمل توربينات توليد الكهرباء ومتى تتوقف». وحسب شراقي، فإن «الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تعمق الخلافات بين دول حوض النيل وتتسبب في توترات».

وتحرص مصر، وفق وزير الري، على دعم جهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل بتنفيذ «العديد من المشروعات في مجال المياه لخدمة المواطنين في هذه الدول مثل مشروعات تطهير المجاري المائية من الحشائش، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وآبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه بتكلفة إجمالية 100 مليون دولار لكافة المشروعات».

وزير الموارد المائية والري المصري يلقي كلمة عن التحديات المائية لبلاده (وزارة الري المصرية)

ويرى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر الدكتور أيمن عبد الوهاب أن «استمرار السياسات الإثيوبية الأحادية يزيد مخاطر توتر العلاقات بين دول حوض النيل، ويحول قضية المياه إلى أداة للصراع، خصوصاً مع ازدياد متطلبات التنمية بالعديد من دول الحوض»، وحسب تصريحات عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «لا يمكن إدارة ملف المياه بين دول حوض النيل دون اتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

بدورها، أشارت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إلى خلاف آخر بين مصر وإثيوبيا يتعلق بما يعرف بـ«اتفاقية عنتيبي»، وهي الاتفاقية التي أبرمت عام 2010، وتعارضها مصر والسودان، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية دون التوافق مع دولتي المصب.

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية أحدثت شرخاً في العلاقات بين دول المنابع والمصب، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة أي جهود تنموية أو مشروعات مائية بدول حوض النيل، لأن الشرط الأساسي للمؤسسات الدولية المانحة هو وجود توافق وإجماع بين دول الحوض حول هذه المشروعات».

ووفق الطويل، فإن «السياسات الإثيوبية الإقليمية في مجملها تؤثر سلباً على العلاقات بين دول حوض النيل».