الإدارة الأميركية تتدخل بقوة على خط أزمة «إس في بي»

بايدن يتعهد محاسبة المسؤولين و«تدابير طوارئ» لحماية الودائع... وتحذير روسي من المخاطر

الرئيس الأميركي جو بايدن يتأهب لركوب الطائرة الرئاسية من قاعدة ديلاور الجوية مساء الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يتأهب لركوب الطائرة الرئاسية من قاعدة ديلاور الجوية مساء الأحد (رويترز)
TT

الإدارة الأميركية تتدخل بقوة على خط أزمة «إس في بي»

الرئيس الأميركي جو بايدن يتأهب لركوب الطائرة الرئاسية من قاعدة ديلاور الجوية مساء الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يتأهب لركوب الطائرة الرئاسية من قاعدة ديلاور الجوية مساء الأحد (رويترز)

تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد بمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن إفلاس بنك سيليكون فالي (إس في بي)، ومؤسسة مالية ثانية هي سيغنِتشر بنك، ساعيا في الوقت نفسه لطمأنة الأميركيين بأن ودائعهم بأمان.
وبعد مطلع أسبوع حافل بالأحداث، قالت الجهات التنظيمية الأميركية إن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم بدءا من الاثنين، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ. واتخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) قرارا للتيسير على البنوك الاقتراض منه في حالات الطوارئ.
وفي تعليق على الأحداث، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن واشنطن ستتسبب في المزيد من المشاكل في العالم من خلال محاولة الحفاظ على نظامها المصرفي.
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء يوم الاثنين عن زاخاروفا قولها: «لماذا الانتظار حتى المساء، يمكن لكل طفل أن يشرح كيف ستحافظ السلطات الأميركية على استقرار النظام المصرفي». وأضافت أن واشنطن ستطبع المزيد من الدولارات غير المضمونة؛ «الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من المشاكل في العالم».
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قد صرحت مساء الأحد بأن الجهات التنظيمية تعمل على حل أزمة انهيار بنك «سيليكون فالي» مع التركيز بشكل خاص على المودعين، وليس على إنقاذ المستثمرين، رغم أنها رفضت تقديم تفاصيل بشأن حلول ممكنة. ويعد انهيار بنك سيليكون فالي ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة بعد انهيار «واشنطن ميوتشوال» عام 2008.

- تعهد رئاسي
وقال بايدن في بيان: «أنا ملتزم بشدة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى، ومواصلة جهودنا لتعزيز الرقابة والتنظيم للبنوك الكبرى حتى لا نجد أنفسنا في هذا الموقف مرة أخرى». وأضاف الرئيس في تصريحات نشرها أيضاً على موقع «تويتر»، «يمكن أن يثق كل من الشعب الأميركي والشركات الأميركية في أن ودائعهم المصرفية ستكون موجودة عندما يحتاجون إليها».
وفي بيان تضمن وعدا بأن «يحاسب بالكامل المسؤولين عن هذه الفوضى»، قال بايدن ليل الأحد: «سأدلي بتصريحات في شأن سبل الحفاظ على نظام مصرفي مرن لحماية تعافينا الاقتصادي التاريخي».

- حماية مشتركة
أكدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين مساء الأحد أن الحكومة تريد تجنب تأثير إفلاس بنك سيليكون فالي على بقية النظام المصرفي. وقد استبعدت واشنطن إنقاذ المؤسسة عبر ضخّ أموال عامة فيها، لكنها أكّدت في المقابل أنها ستحمي كل ودائعها.
وأعلنت السلطات المالية الأميركية الأحد خطة إنقاذ ستضمن أن يتمكن جميع المودعين في بنك سيليكون فالي من استرداد أموالهم «بالكامل». وجاء في بيان مشترك صادر عن وزارة الخزانة الأميركية والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع والاحتياطي الفيدرالي الأميركي، «سيتمكن المودعون من الوصول إلى كل أموالهم اعتباراً من يوم الاثنين 13 مارس (آذار)».
وقالت يلين خلال مقابلة مع شبكة «سي بي إس» الأميركية: «نريد أن نتأكد من أن مشكلات أحد البنوك لا تسبب عدوى لبنوك أخرى قوية». وعقد مسؤولون في وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي ووكالة تأمين الودائع الفيدرالية اجتماعا طارئا بهدف إيجاد حل قبل فتح الأسواق المالية الآسيوية، وفق صحيفة «واشنطن بوست».
ووفق الصحيفة أيضا، سعى المسؤولون إلى تجنّب حالة ذعر في الأسواق المالية، ودرسوا إمكانية حماية كل الودائع غير المحمية في مصرف «إس في بي». ووضعت وكالة تأمين الودائع الحكومية الجمعة يدها على بنك سيليكون فالي الذي شارف على الانهيار تحت تأثير عمليات السحب الهائلة من مودعيه.
وقال كارل سكاموتا كبير خبراء استراتيجيات السوق في شركة «كورباي» بتورونتو: «نعتقد أن الخطوات التي اتخذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة والمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع ستكسر بلا شك (حلقة مفرغة) نفسية على مستوى قطاع المصارف الإقليمي».

- استحواذ وقائي
رغم أن البنوك الكبيرة لم تتأثر فإن أسهم كثير من المصارف المتوسطة الحجم أو المحلية تراجعت في البورصة الجمعة في ظل قلق المستثمرين. ومن أبرز المصارف المتضررة بنك فيرست ريبابلك الذي انخفضت أسهمه بنسبة 30 في المائة تقريباً في جلستي الخميس والجمعة، وسيغنتشر بنك الذي فقدت أسهمه ثلث قيمتها منذ مساء الأربعاء.
وقالت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك يوم الأحد إنها استحوذت على بنك سيغنتشر، وألحقت صفة المتسلم بالمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، وذلك في ثاني حالة إفلاس لبنك في غضون أيام.
وقالت الإدارة في بيان إن الودائع لدى بنك سيغنتشر بلغت نحو 88.59 مليار دولار في المجمل حتى يوم 31 ديسمبر (كانون الأول).
وعدد كبير من زبائن البنكين شركات غالبا ما تتجاوز ودائعها الحد الأقصى للمبلغ الذي تضمنه مؤسسة التأمين الفيدرالية، وهو 250 ألف دولار لكل مودع، ما قد يؤدي بها إلى سحب أموالها. وأوضحت يلين الأحد أن الحكومة عملت في نهاية الأسبوع مع وكالة تأمين الودائع لإيجاد «حلّ» لبنك سيليكون فالي الذي لا يغطي التأمين نحو 96 في المائة من ودائعه.
وقالت وزيرة الخزانة: «أنا متأكدة من أن وكالة تأمين الودائع تدرس مجموعة واسعة من الحلول، بما في ذلك الاستحواذ» من بنك آخر... لكنها استبعدت إنقاذ بنك سيليكون فالي عن طريق ضخّ أموال عامة.
وتابعت أنه خلال الأزمة المالية عام 2008 «أنقذت الحكومة الأميركية عددا من البنوك الكبيرة» لاعتقادها أن انهيارها سيشكل خطرا على النظام المصرفي بكامله، مضيفة «لن نفعل ذلك مرة أخرى».

- عرض للدعم
ومن بين الحلول المطروحة على الطاولة، أعلنت مجموعة «ليكويديتي غروب» المتخصصة في إدارة الأصول العالمية وتقديم القروض لشركات التكنولوجيا أنها تخطط لتقديم قروض طارئة بقيمة 3 مليارات دولار للعملاء من الشركات الناشئة المتأثرين بانهيار بنك سيليكون فالي.
ونقلت «بلومبرغ» يوم الأحد عن رون دانيال الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للمجموعة قوله في مقابلة صحافية إن «ليكويديتي غروب» لديها نحو 1.2 مليار دولار نقدا جاهزة لتوفيرها في الأسابيع المقبلة. وأوضح أن المجموعة تجري مناقشات حاليا مع شركائها في التمويل، ومن بينهم مجموعة «ميتسوبيشي يو إف جيه» المالية و«أبوللو غلوبال مانجمنت»، لتقديم قروض إضافية بقيمة 2 مليار دولار.
وقال دانيال: «من خلال مساعدة الشركات على البقاء الآن، آمل أن تنجح بعضها وتعود إلينا في المستقبل... نحن نعتني بعملائنا المستقبليين». وأضاف أن القرض النموذجي سيكون لمدة عام بقيمة تتراوح بين مليون و10 ملايين دولار، أو ما يصل إلى 30 في المائة من الأرصدة ببنك سيليكون فالي. والأولوية هي مساعدة الشركات على توفير نفقات الأجور.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه يوم الأربعاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة في تقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار شركة ديلويت المسؤولة عن البوابة الإلكترونية للولاية (وسائل إعلام محلية)

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

اخترقت مجموعة دولية من المجرمين المعلومات الشخصية والمصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية رود آيلاند الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.