صور الردع في الحرب الأوكرانيّة

جندي أوكراني مع سلاحه في إحدى جبهات القتال بإقليم دونيتسك (رويترز)
جندي أوكراني مع سلاحه في إحدى جبهات القتال بإقليم دونيتسك (رويترز)
TT

صور الردع في الحرب الأوكرانيّة

جندي أوكراني مع سلاحه في إحدى جبهات القتال بإقليم دونيتسك (رويترز)
جندي أوكراني مع سلاحه في إحدى جبهات القتال بإقليم دونيتسك (رويترز)

بين عامي 09 - 1907 جاب الأسطول البحري الأميركي (الأسطول الأبيض) بحار ومحيطات العالم. رسا الأسطول في الدول الصديقة، ومرّر الرسائل لمن يهمهم الأمر. أراد حينها الرئيس الأميركي تيودور روزفلت أن يقول للعالم: إن أميركا قوّة بحريّة عالميّة، وهي لاعب مهمّ في اللعبة الدوليّة. أراد روزفلت أن يردع من يتجرّأ على تحدي الولايات المتحدة الأميركيّة، والتي تملك فائضاً من القوّة.
هي رسالة ردعيّة. وهي رسالة تتضمّن الأهداف الجيوسياسيّة لأميركا. فهي دولة تطلّ على محيطين، ومن الطبيعي أن تكون لاعباً مهمّاً في كليهما، الأطلسي والهادي. من هنا تملّك أميركا لأكثر من 10حاملات للطائرات.
ألم يقل الرئيس ت. روزفلت نفسه «تكلّم بلطف، لكن احمل عصا غليظة»؟
وألم يقل جورج واشنطن مرّة: إن أميركا دون قوّة بحريّة حاسمة، لا يمكن لها أن تفعل شيئاً؟

فما هو الردع؟
أن تردع لاعباً سياسياً، هو أن تمنعه من القيام بما يريد أن يقوم به؛ لأن الكلفة ستكون كبيرة وبشكل تفوق الأرباح. إذن، هي عمليّة حسابيّة، بين الربح والخسارة. لذلك يجب أن يكون اللاعب الآخر لاعباً عقلانيّاً (Rational).
يستلزم الردع الأمور التالية: يجب توفّر وسائل الردع. يجب أن يكون قرار استعمال هذه الوسائل جديّاً وواضحاً، كي يُؤخذ الردع على محمل الجدّ. يجب أن يكون المردوع مقتنعاً بعقله ووعيه أن العقاب مُؤكّد في حال تجاهله الردع. كما يجب إرسال الكثير من الإشارات من الرادع إلى المردوع، تكون واضحة، وتُبيّن توفّر الوسائل لديه، ونيّة، وجدّيّة استعمالها عند الضرورة.
إذن، منظومة الردع هي عمليّة معقّدة جدّاً. تستلزم إدارة ذكيّة وفعّالة. وهي، أي منظومة الردع، ديناميكيّة متحرّكة وليست جامدة في الزمان والمكان. تستلزم منظومة الردع، التذكير المُستدام من قِبل الرادع وباتجاه المردوع، فالوقت يعمل ضدّها. والتذكير المستمرّ، يدلّ على جديّة الرادع.
لكن الأكيد، أنه وعندما تندلع الحرب، قد يعني هذا الأمر سقوط الردع وفشله. والأكيد أيضاً، أن معادلة الرادع ضد المردوع، قد تنقلب رأساً على عقب. فقد يصبح الرادع مردوعاً والعكس صحيح.

مجنون VS عاقل
في منظومة الردع، يجب تُوزيع الأدوار، خاصة لدى الرادع. ففي الردع يتنوّع اللاعبون. هناك الدبلوماسي، وهناك العسكريّ، وهناك الإعلامي. كما قد يتوفّر لاعب وسيط لنقل الرسائل بين الرادع والمردوع.
ففي الحرب الفيتناميّة، تبادل الرئيس نيكسون الأدوار مع هنري كيسنجر خلال التفاوض للانسحاب من المستنقع الفيتناميّ. لعب نيكسون دور اللاعب المجنون (Mad Man) والمستعدّ للقيام بأي شيء، واستعمال الوسائل كافة ضمناً النوويّ؛ بهدف تحقيق أهدافه. في المقابل، لعب كيسنجر دول اللاعب العقلاني.
حالياً، يلعب الرئيس بوتين في الحرب الأوكرانيّة دور العاقل والمجنون في الوقت نفسه. فهو هدد بالنووي في بداية الحرب. وعاد بعدها للقول: إن الحرب الأوكرانيّة لا تستلزم استعمال هذا السلاح. وهو كان قد ترك للرئيس السابق، ونائب مجلس الأمن القومي الروسي الحالي ديمتري مدفيديف لعب دور المجنون من خلال تهديده المستمرّ باستعمال النوويّ.

استنزاف واستنزاف مُضاد
حاول الغرب قبل بدء الحرب أن يردع الرئيس بوتين. فقد نشرت أميركا الصور الجويّة للاستعدادات العسكريّة الروسيّة، والتي تُؤشّر إلى عمل عسكريّ، مخالفة بذلك روحية العمل الاستخباراتي التقليديّة، والتي ترتكز على السرّيّة المُطلقة. فبدل كتم الأسرار، استند الردع الأميركي إلى نشر وفضح الأسرار. وفي الإطار نفسه، زار مدير الاستخبارات الأميركيّة المركزيّة وليام بيرنز موسكو قبل بدء الحرب ليُحذّر الرئيس بوتين من عواقب هذه الحرب. لم يرتدع الرئيس بوتين، فبدأ الحرب وسقطت منظومة الردع القديمة، لتتشكّل بعدها منظومة جديدة تقوم على ما يلي:
من الجهّة الروسيّة: ترتكز استراتيجيّة الردع الحالية للرئيس بوتين على الاستنزاف المتدرّج للإرادة الغربيّة في استمرار الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا. فهو يعتمد مبدأ «الحرب الطويلة الأمد»، مع القدرة على تحمّل الكلفة العالية حتى البشريّة منها. فهو، أي الرئيس بوتين وحسب بعض المُحلّلين الاستراتيجيين، يلعب دورين مهمّين حالياً، وهما: في الداخل الروسي يلعب لعبة فرض الاستقرار حتى بالقوة، ومنع انتقاد الحرب علناً (Stabilizer). وفي خارج روسيا يلعب لعبة المشاغب، المُفسد، المُخربط (Disruptor). ومع الوقت، سيتعب الغرب وسوف يُغيرّ استراتيجيّته تجاه أوكرانيا. لذلك وحتى الآن، تتّسم الحرب بصفة «حرب الإرادات المُطلقة».
من جهّة الغرب: إلى جانب العقوبات الغربيّة، وعزل روسيا عن المسرح العالمي خاصة الغربيّ. يعتمد الغرب استراتيجيّة الردع الذي يعتمد على مبدأ «القضم المُتدرّج للخطوط الحمر الروسيّة». ففي كلّ مرحلة من مراحل الحرب، تخطّى الغرب خطاً أحمر روسيّاً، وذلك عبر إرسال أسلحة جديدة متطوّرة، كانت قبلها غير ممكنة. فمن صاروخ الجافلين، إلى الهايمارس، إلى الدبابة، إلى صواريخ الباتريوت، ومكّن لاحقاً الطائرة الحربيّة. يسعى الغرب إلى إيصال القوات الروسيّة إلى ما يُسمّى «نقطة الذروة» (Culminating Point) في الحرب. أي تلك النقطة التي لا يمكن تخطّيها، وإلا ستحلّ الكارثة على الجيش الروسيّ. لكن الوصول إلى هذه النقطة، يستلزم الاستنزاف البشريّ، وفي العتاد، وحتى في الداخل الروسيّ. وحسب شريط الحرب حتى الآن، رأينا الاستنزاف المتدّرج في كلّ من: ماريوبول، خيرسون، سيفيريدونتسك، ليسيشانسك، وحالياً باخموت، حيث تدور المطحنة البشريّة.
فهل وصل الوضع إلى درجة الاقتناع بالجلوس إلى طاولة التفاوض من كلا الفريقين؟ يقول أحد الحكماء في هذا الإطار ما يلي «العدو منهزم فقط عندما يقتنع بذلك». حتى الآن لا أحد مقتنع.



لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.