أي دور لعبته فوضى «المعلومات المضللة» في كارثة زلزال تركيا وسوريا؟

مؤسس «تأكد» لـ «الشرق الأوسط»: أكبر تحد يواجه الإعلامي هو التحقق من دقة ما ينشر في مواقع التواصل

مراسل «العربية» عمّار الهندي ومراسلة «الشرق» مها حطيط خلال تغطية زلزال تركيا وسوريا (الشرق الأوسط)
مراسل «العربية» عمّار الهندي ومراسلة «الشرق» مها حطيط خلال تغطية زلزال تركيا وسوريا (الشرق الأوسط)
TT

أي دور لعبته فوضى «المعلومات المضللة» في كارثة زلزال تركيا وسوريا؟

مراسل «العربية» عمّار الهندي ومراسلة «الشرق» مها حطيط خلال تغطية زلزال تركيا وسوريا (الشرق الأوسط)
مراسل «العربية» عمّار الهندي ومراسلة «الشرق» مها حطيط خلال تغطية زلزال تركيا وسوريا (الشرق الأوسط)

لا تزال أصداء فاجعة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا مطلع فبراير (شباط) الماضي، مُتواصلة، ليس فقط في حساب الخسائر والمآسي التي تسبب بها الزلزال، بل أيضاً لما خلفه من «فوضى» تتعلق بالإشاعات و«المعلومات المُضللة» التي واكبت تلك الكارثة الإنسانية عبر بعض وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.
إذ ما إن ضرب الزلزال المُدمر، وما تبعه من مُصارعة فرق الإنقاذ للزمن من أجل العثور على ناجين تحت الأنقاض، حتى سارعت وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر صور الدمار الذي لحق بالمناطق المنكوبة، مصحوبة بأخبار تُروج لاحتمال حدوث زلازل وهزات في دول مُجاورة في تكرار لمصير تركيا وسوريا، علاوة على نقل أرقام متفاوتة ومتضاربة لأرقام الضحايا والناجين. ولعل تلك الصور من الأمثلة الأكثر شيوعاً لحالة الفوضى التي تناقلتها وسائل الإعلام، باعتبارها معلومات صحيحة.

د سحر خليفة سالم

حسب أحمد بريمو، مؤسس منصة «تأكد» السورية لتدقيق المعلومات، «استطاعت المنصة رصد كثير من الأخطاء الخاصة بالمعلومات التي شاعت بالتزامن مع كارثة زلزال تركيا وسوريا». وقال بريمو في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الأخطاء تراوحت بين معلومات مصدرها جهات رسمية، وأخرى مؤسسات إعلامية، وصولاً إلى التضليل الواسع الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي». وأضاف أن «المنصة رصدت خلال كارثة الزلزال المدمر عدداً كبيراً من التقارير والأخبار الخاطئة المُضللة، التي وقعت ضحيتها مؤسسات رسمية وإعلامية». وهنا ضرب المثال بالهولندي فرنك هوغربيتس الذي نقلت بعض المؤسسات الإعلامية تنبؤاته بشأن الزلزال، مع أنه «ليس بعالم أو خبير في هذا الشأن، كما أن تحليلاته لا تستند إلى أساس علمي... ما أسهم في نشر الذعر بين المواطنين».

أحمد بريمو

وتابع مؤسس منصة «تأكد» السورية أن «التقارير المضللة والخاطئة التي نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ كارثة الزلزال لا تنتهي، سواءً تلك التي ينشرها المستخدمون لتحذير الآخرين من مخاطر متوقعة، أو التي تنشرها الصفحات العامة بهدف زيادة الوصول واستغلال الظروف الكارثية لزيادة المتابعين أو حتى تحقيق المكاسب المالية من أرقام المشاهدات». وحقاً، يشكل انتشار المعلومات الزائفة تحدياً جدياً أمام الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام. وهنا يوضح بريمو أن «الصحافي بات مطالباً بتدقيق المعلومات بشكل أكبر. وهذا بجانب إدراك أهمية نشر التوعية الإعلامية لدى الجمهور عبر المؤسسات التعليمية، خصوصاً المدارس والجامعات، بالتزامن مع استمرار الضغط على مواقع التواصل بهدف تشديد القيود على نشر المحتوى الزائف، وتكثيف الجهور لضبط ما ينشر عبر تلك المواقع من خلال تعزيز تعاونها مع جهات مستقلة كطرف ثالث».
ومن ثم، يرى بريمو أن «ثمة أهمية كبرى للدور الذي تقوم به منصّات التحقق وتدقيق الأخبار والمعلومات في عصر السوشيال ميديا... ولا بد في هذا السياق من لفت النظر إلى صعوبة عمل مدقّقي الحقائق في التعامل وسط فوضى التقارير المتدفقة إبان الأحداث الكبرى مثل الكوارث الطبيعية والحروب». ثم يستدرك فيقول إن «هذا التدفق في المعلومات الزائفة لا يوازيه عدد كافٍ من مدققي المعلومات، ذلك أن المنصات المتخصصة في التحقق من المعلومات قليلة على الصعيد العربي». ويرجع ذلك إلى عدة أسباب؛ منها «حداثة هذا المجال الذي لا يزال يتحسس ملامحه». وهنا، بالذات، وهنا تظهر خطورة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أنها متهمة بنشر الأخبار الزائفة والمضللة.

دراسة أميركية - فرنسية

على صعيد متصل، بينت دراسة أجرتها جامعة نيويورك الأميركية وجامعة غرونوبل - آلب الفرنسية، خلال الفترة من أغسطس (آب) 2020، وحتى يناير (كانون الثاني) 2021، أن الأخبار والتقارير الزائفة تُتناقل 6 مرات أكثر من الأخبار الصحيحة. وهذا الواقع دفع مواقع التواصل الاجتماعي إلى اتخاذ إجراءات تعتقد أن من شأنها الحد من انتشار الأخبار الزائفة، ومنها إطلاق «تويتر» مبادرة تحمل اسم «بيرد ووتش» (أي مراقبة الطيور) عام 2021، وتسعى إلى «إشراك المستخدمين، من خلال الإبلاغ عن التغريدات التي يعتقدون أنها تحتوي على تقارير خاطئة أو معلومات مزيّفة».
الدكتورة سحر خليفة سالم، أستاذة الإعلام الرقمي في الجامعة العراقية، قالت خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، إن «الفوضى» في مجال تناقل المعلومات وثيقة الارتباط بفترات الأزمات والكوارث، وأوضحت أن «الأزمات العالمية عادة ما يواكبها انتشار للأخبار الزائفة، كما حدث من قبل مع أزمة جائحة (كوفيد - 19). وهذا الأمر تكرر مع كارثة زلزال تركيا وسوريا». وأضافت أن ما حدث «يُبرز الحاجة إلى منهجية تدقيق المعلومات قبل النشر في المؤسسات الإعلامية، لما لها من دور كبير في تجنب النشر المستعجل للحصول على السبق الصحافي، الذي يتسبب أحياناً في الوقوع في فخ نشر معلومات غير مدقّقة». وفعلاً، مع بداية جائحة «كوفيد - 19» انتشرت الأضاليل والمعلومات الخاطئة المتعلقة بالفيروس بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي. و«خلال سبتمبر (أيلول) عام 2020، جرى تداول أكثر من مليون منشور على (تويتر) يتضمن معلومات غير دقيقة ومضللة عن الفيروس والجائحة»، وفق تقرير منظمة اليونيسكو حول الإعلام الصادر في مارس (آذار) 2022.
وترى الدكتورة سالم أن منهجية تدقيق المعلومات قبل النشر؛ سواءً على مستوى الأخبار أو التقارير الصحافية أو الصور ومقاطع الفيديو، «تعتمد على تطبيق آليات عديدة، يقوم عليها متخصصون في مجال التدقيق، تلقوا تدريبات على آليات التحقق من مصادر المعلومات... والبحث العكسي عن الصور، والبحث في العلامات الدالة في الصور، والاستعانة بخرائط غوغل للتحقق من الأماكن التي تظهر في مقاطع الفيديو وغيرها من الآليات. وهذا فضلاً عن الاستعانة بالمنصات المتخصصة في مجال التحقق». وتزيد أن «اعتماد هذه المنهجية في تدقيق المعلومات يكون مرحلة وسطى تقع بين مرحلتي جمع المعلومات ونشرها».
من ناحية ثانية، فإن «ما يُشاع عبر السوشيال ميديا من عدد هائل من المعلومات... بعضها يندرج ضمن الأخبار الزائفة والإشاعات»، وفق الأكاديمية العراقية سالم. ثم تقول إن «الضابط الأساسي هنا هو مُستخدِم تلك الوسائل... وهناك ضرورة للتوعية بتجنب الاعتماد على هذه الوسائل في الحصول على المعلومات، وبخاصة، في أوقات الأزمات التي تمثل البيئة الأكثر خصوبة لانتشار الأخبار الزائفة والإشاعات». وهي تطالب بـ«الاعتماد في المقابل على المؤسسات الصحافية في معرفة ما يجري من أحداث، وكذلك متابعة المنصات الرقمية المتخصصة في مجال التحقق والاطلاع على الدلائل التي تقدمها بشأن إثبات زيف بعض ما ينشر على مواقع التواصل».
وختاماً، تتزايد أهمية تدقيق المعلومات، لا سيما مع دراسات واستطلاعات رأي تظهر اعتماد الجمهور - خصوصاً الشباب - على مواقع التواصل الاجتماعي مصدراً للأخبار. ومن استطلاعات الرأي استطلاع أجراه مشروع إعلامي بحثي بالتعاون بين معهد الصحافة الأميركي ووكالة «أسوشييتد برس» للأنباء ومركز «نورك» لأبحاث الشؤون العامة، في نهاية العام الماضي. ولقد أظهر أن «71 في المائة من الفئة العمرية (بين 16 و40 سنة) يحصلون على الأخبار يومياً من مواقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب) و(إنستغرام) و(تيك توك) و(تويتر) و(فيسبوك)».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.