تفاؤل بريطاني بتقدم مفاوضات التجارة الحرة مع دول الخليج

كشف كبير المفاوضين البريطاني توم وينتل عن إحراز المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون «تقدما كبيرا» في المفاوضات لتوقيع اتفاق تجارة حرة، عشية انطلاق جولتها الثالثة في الرياض.
وغداة وصول أكثر من مائة مفاوض بريطاني إلى العاصمة السعودية الرياض، قال وينتل في حوار مع «الشرق الأوسط» إن هناك إرادة سياسية قوية لدى الجانبين لإبرام اتفاقية تجارة حرة طموحة وشاملة وحديثة. وتوقع أن تساهم الاتفاقية في زيادة التجارة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي بنسبة لا تقل عن 16 في المائة، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنحو 1.6 مليار جنيه إسترليني.

جولة ثالثة
قال وينتل، الذي يقود الوفد البريطاني في الجولة الثالثة من المفاوضات التجارية، إنه وفريقه «متحمسون» لوجودهم في الرياض، مؤكدا أن المفاوضات أحرزت «تقدما جيدا حتى الآن»، وأن هناك إرادة للحفاظ على «استمرار هذا الزخم»، وأكد «لدينا هذا الأسبوع فرصة للعمل مع الزملاء في مجلس التعاون الخليجي للبناء على عملنا، ومعالجة بعض الأجزاء الأكثر تحديا من الاتفاق».
واعتبر وينتل اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي «لحظة مهمة في العلاقات»، مشددا على أنها تُشكل فرصة اقتصادية كبيرة لجميع الأطراف.
ويُشارك أكثر من 100 مفاوض بريطاني من مختلف الإدارات الحكومية في جولة المفاوضات الراهنة، وفق وينتل الذي أوضح أن الجولة الثالثة تتم بطريقة «هجينة»، إذ يُسافر عدد من المفاوضين البريطانيين إلى الرياض، بينما يشارك آخرون بصورة افتراضية. كما توقع وصول أعداد مماثلة من مفاوضي دول مجلس التعاون الخليجي.

تفاؤل بريطاني
بدا كبير المفاوضين البريطاني متفائلا حيال تقدم المفاوضات، وقال إن «هناك إرادة سياسية قوية لدى الجانبين. فقد التزمت المملكة المتحدة وكذلك مجلس التعاون الخليجي بالتفاوض على اتفاقية تجارة حرة طموحة وشاملة وحديثة، تتناسب مع القرن الحادي والعشرين»، وتابع «لقد أحرزنا تقدما كبيرا في هذه المرحلة المبكرة من المفاوضات، وناقشنا كل مجال من مجالات السياسة العامة في المفاوضات حتى الآن».
وعن موعد إبرام الاتفاقية، اكتفى وينتل بالتشديد على أن «التفاوض على اتفاق طموح أكثر أهمية من الوفاء بأي موعد نهائي بعينه»، مضيفا أن هدفه يتمثل في «تأمين اتفاق يوفر أقصى فائدة ممكنة للأعمال من كلا الجانبين».

مكاسب مليارية
توقع وينتل أن تؤدي اتفاقية التجارة الحرة إلى زيادة التجارة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي بنسبة 16 في المائة على الأقل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنحو 1.6 مليار جنيه إسترليني على الأمد البعيد.
وقال إن «اتفاقية التجارة الحرة فائقة الطموح، التي تسعى المملكة المتحدة إلى تأمينها، من الممكن أن تحقق مكاسب أعظم؛ لذا فكلما كنا أكثر طموحا في المفاوضات كانت المكاسب أفضل للجميع. إنه سيناريو رابح لكل الأطراف». واعتبر وينتل أن الاتفاقية ستكون مُفيدة لاقتصادات جميع الأطراف، «فاقتصاداتنا تتكامل فيما بينها، وهناك منافسة مباشرة محدودة بين شركاتنا». وأضاف أنه من شأن أي اتفاق تجاري تعزيز سلاسل الإمداد، بما يُساعد في تنمية الصناعات المحلية التي يتخصص كل جانب فيها.
وعن نطاق المفاوضات، قال وينتل: «ناقشنا جميع المجالات التي تشملها بعض أكثر اتفاقيات التجارة الحرة طموحا وحداثة التي جرى الاتفاق عليها في مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة».
وتابع أن ذلك يشمل تجاوز الترتيبات المعتمدة اليوم لإزالة الحواجز، فضلا عن تحسين بيئة الأعمال، وتيسير الاستثمار في اقتصادات بعضنا بعضا، كما شملت المباحثات تعزيز التعاون في مجالات التجارة الحديثة؛ مثل الابتكار، والمجال الرقمي، والبيئة.
وقال وينتل: «نحن حريصون على إبرام اتفاق من شأنه تحقيق أكبر قدر ممكن من الفوائد للأعمال في المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن لاتفاقية التجارة الحرة أن تدعم خطط رؤية دول مجلس التعاون الخليجي، وتُعزز قدرة القطاع الخاص على دفع النمو الاقتصادي. لدينا اقتصادات متكاملة بالفعل، وهناك فرص مشوقة في جميع القطاعات».

مفاوضات شاملة
فضلت أطراف التفاوض خوض مفاوضات شاملة بين دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا، بخلاف مفاوضات ثنائية، لتحقيق «أكبر قدر من المكاسب». ويقول وينتل إن «مجلس التعاون الخليجي يعادل سابع أكبر سوق للتصدير في المملكة المتحدة. ومن شأن اتفاقية تجارة حرة شاملة مع الكتلة الخليجية بالكامل أن تعود بأعظم الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية على الجانبين».
وتابع أن «أولويتنا تتمثل في التوصل إلى اتفاق طموح مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي»، لافتا إلى أنه «في إطار هذا الاتفاق، هناك فرصة لضمان التزامات إضافية يمكن لبعض الأعضاء أن يبنوا عليها»، مضيفا أن المملكة المتحدة ستستفيد بشكل كامل من هذه الفرص لضمان تعظيم الفوائد مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بشكل ثنائي.

فرص وتحديات
عند سؤاله عما إذا كان «بريكست» يعزز موقف بريطانيا التفاوضي، جاء رد وينتل إيجابيا دون تردد، فقال: «بسطت المملكة المتحدة السيطرة على سياستها التجارية عندما غادرت الاتحاد الأوروبي. نحن خامس أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أكبر مُصدر للخدمات. وأصبحنا اليوم مستقلين ويمكننا التفاوض على اتفاقيات تجارة حرة حديثة وشاملة وطموحة مع شركاء، مثل دول مجلس التعاون الخليجي».
وذكر وينتل أن المملكة المتحدة وقعت، منذ «بريكست»، اتفاقيات تجارية مع 71 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يعادل حجمه التجاري 814 مليار جنيه إسترليني، مشيرا إلى أن بلاده تتفاوض اليوم على اتفاقيات تجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والهند، وكندا، والمكسيك، وإسرائيل.
أما عن التحديات الاقتصادية التي تواجهها بريطانيا منذ انحسار جائحة «كورونا»، واحتمال انعكاسها في المفاوضات التجارية، فلم يبدُ وينتل قلقا. وقال: «كانت المملكة المتحدة صاحبة أسرع نمو اقتصادي في بلدان مجموعة الدول السبع في العام الماضي، مع بلوغ الاستثمار الرأسمالي مستويات قياسية بنحو 600 مليار جنيه إسترليني على مدى السنوات الخمس المقبلة»، وتابع «نحن سادس أكبر مستثمر في دول مجلس التعاون الخليجي، باستثمار إجمالي يبلغ 31 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات العشرين الماضية. وارتفعت علاقاتنا التجارية الثنائية بنسبة 76 في المائة وفقا لأحدث البيانات السنوية من 23.6 مليار إلى 54.5 مليار جنيه إسترليني. بيد أن القوة الحقيقية لعلاقتنا تُقاس على مدى عقود وقرون، فعلاقتنا شراكة طويلة الأمد، وليست شراكة قائمة على الدورات الاقتصادية».