آبي أحمد وطريق إثيوبيا المحفوف بالمخاطر نحو السلام

آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا (إ.ب.أ)
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا (إ.ب.أ)
TT

آبي أحمد وطريق إثيوبيا المحفوف بالمخاطر نحو السلام

آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا (إ.ب.أ)
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا (إ.ب.أ)

عندما تولى آبي أحمد منصبه رئيساً لوزراء إثيوبيا، ورث مقاليد بلد يعاني من توترات داخلية طويلة الأمد، بما في ذلك حرب أهلية وشيكة في منطقة تيغراي. وتُوج نهج آبي الأولي المتمثل في قمع «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، الحزب المهيمن في السياسة الإثيوبية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بصراع وحشي وطويل الأمد مع عواقب بعيدة المدى على البنية التحتية السياسية والاقتصادية للبلاد، حسبما ذكر الباحث الأكاديمي مهد درار المقيم بولاية كولورادو الأميركية، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست».
ويضيف درار أنه من خلال دعم الرئيس الإريتري القوي آسياس أفورقي، وكذلك بعض الدول الأخرى، خرج آبي منتصراً في نهاية المطاف، ولكن ليس دون تكاليف كبيرة. ومع استمرار إثيوبيا في التعامل مع التوترات والصراعات الداخلية الدائمة، وبينما يحاول آبي تأسيس إرث دائم كصانع سلام، يبرز دور الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك أفورقي، كعامل حاسم في استقرار البلاد.
وعندما أصبح آبي رئيساً لوزراء إثيوبيا في أبريل (نيسان) 2018، واجه التحدي المتمثل في إدارة بلد على شفا حرب أهلية. واستقال سلفه هايلي مريم ديسالين تحت الإكراه، ما مهد الطريق لآبي لصنع التاريخ كأول رئيس وزراء لإثيوبيا من عرقية الأورومو.
وبصفته من عرقية الأورومو ومتزوج من زوجة من عرقية الأمهرة، استقبل آبي بحماس من قبل مجتمع الأورومو الأوسع نطاقاً، ما يدل على رضاهم عن المسار السياسي لإثيوبيا من خلال الظهور بأعداد كبيرة في الشوارع. وفي عام 2019، حصل آبي على جائزة نوبل للسلام لدوره في إنهاء صراع دام عشرين عاماً مع إريتريا المجاورة.
ومع ذلك، تزامن صعود آبي إلى السلطة مع توترات عميقة الجذور بين الحكومة الإثيوبية و«الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي». وعندما بدأ آبي في اتخاذ إجراءات صارمة ضد مسؤولي تيغراي الذين يشغلون مناصب قوية في الحكومة الإثيوبية، واجه محاولات اغتيال متعددة نتيجة لذلك.
وأدت التوترات المتصاعدة في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات في سبتمبر (أيلول) 2020 في عرض مثير للجدل لاستقلالية الجبهة عن الحكومة المركزية في أديس أبابا.
واعتبرت الحكومة الإثيوبية هذه الخطوة غير قانونية، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، هاجمت «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي، ما أدى لاندلاع حرب تيغراي.
ورغم توطيد آبي الواضح للسلطة في إثيوبيا، لا تزال هناك توترات عميقة الجذور تغلي في عدة أجزاء من البلاد، ما يخلق فرصة محتملة لأفورقي لاستغلال وتقويض جهود آبي نحو الاستقرار. ففي أوروميا، على سبيل المثال، يواصل «جيش تحرير أورومو» شن هجمات على قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، ويسيطر أحياناً على الأراضي. وبالمثل، هناك نزاعات لم تحل بين عرقية «العفر» والجماعات العرقية الصومالية، التي تصاعدت منذ اندلاع صراع تيغراي.
واستولت جماعات «العفر» المسلحة، المجهزة بأسلحة قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، على البلدات الصومالية التي تعتبرها تنتمي تاريخياً إلى «العفر»، ما أدى إلى مذبحة للمدنيين، لا سيما النساء والأطفال. علاوة على ذلك، فإن ميليشيا أمهرة المعروفة باسم «فانو»، التي لعبت دوراً مهماً في الصراع ضد «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، ليست في علاقة مستقرة تماماً مع آبي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الأخيرة بين الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا، وأعضاء مجموعة أورومو العرقية، قد تفتح جبهات جديدة من التوتر الديني في البلاد. وتوفر هذه التوترات المتأججة لأفورقي فرصة للتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، والحفاظ على السيطرة على آبي، مستغلاً أي هفوات متصورة في قيادته.
وتعتبر المفاوضات الناجحة الأخيرة التي توجت بتسليم «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» أسلحتها الثقيلة وتهدئة الصراع في تيغراي، خطوات مهمة نحو رحلة إثيوبيا إلى الاستقرار. وأثبتت جهود الوساطة التي بذلها الاتحاد الأفريقي، بجانب استعداد الحكومة الإثيوبية للنظر في تدخل طرف ثالث، أنها مزيج ناجح. ويمكن أن تكون الاستراتيجية المستخدمة في هذه الحالة نموذجاً لحل النزاعات الأخرى التي تختمر في إثيوبيا، مثل تلك التي تشمل «جيش تحرير أورومو» و«فانو»، والتوترات بين «العفر» والجماعات العرقية الصومالية، والقضايا المتعلقة بالجماعات الدينية في البلاد.
ومن خلال إنشاء إطار مماثل من الشفافية والاستقامة في هذه المواقف، يمكن لإثيوبيا أن تخلق حواجز حماية للسلام وتردع المزيد من المحاولات لتقويض مسارها نحو الاستقرار. ويجب على الاتحاد الأفريقي والحكومة الإثيوبية العمل معاً لضمان تطبيق الدروس المستفادة من صراع تيغراي على النزاعات الأخرى في البلاد، لضمان استمرار إثيوبيا في المضي قدماً على طريق السلام والاستقرار.
ويقول درار، إن سعي إثيوبيا لتحقيق الاستقرار شهد تحولات كبيرة تحت قيادة آبي. وأثار المسار غير التقليدي لرئيس الوزراء الحائز على جائزة نوبل من صانع سلام إلى زعيم حرب تساؤلات حول استدامة قيادته وفتح الباب أمام أفورقي لاستغلال التوترات الكامنة في إثيوبيا. علاوة على ذلك، فإن نهج آبي البراغماتي تجاه التحالفات الإقليمية الناشئة له آثار كبيرة على إثيوبيا والمنطقة ككل، التي يمكن أن تحدد حكمه لسنوات مقبلة.


مقالات ذات صلة

ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

العالم ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

ما مستقبل الخلاف بين متمردي «أوروميا» والحكومة الإثيوبية؟

أثار عدم التوصل إلى اتفاق، بعد محادثات سلام أولية بين الحكومة المركزية الإثيوبية، ومتمردي إقليم «أوروميا»، تساؤلات حول مستقبل تلك المحادثات، واحتمالات نجاحها، وأسباب تعثرها من البداية. ورأى خبراء أن «التعثر كان متوقعاً؛ بسبب عمق الخلافات وتعقيدها»، في حين توقّعوا أن «تكون المراحل التالية شاقة وصعبة»، لكنهم لم يستبعدوا التوصل إلى اتفاق. وانتهت الجولة الأولى من المحادثات التمهيدية بين الطرفين، دون اتفاق، وفق ما أعلنه الطرفان، الأربعاء.

العالم رئيس الحكومة الإثيوبية يُعلن مقتل عضو بارز في الحزب الحاكم

رئيس الحكومة الإثيوبية يُعلن مقتل عضو بارز في الحزب الحاكم

أعلن رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد اليوم (الخميس) مقتل مسؤول الحزب الحاكم في منطقة أمهرة الواقعة في شمال البلاد. وقال آبي أحمد عبر «فيسبوك»، إنّ «أولئك الذين لم يتمكّنوا من كسب الأفكار بالأفكار، أخذوا روح شقيقنا جيرما يشيتيلا». واتهم أحمد، وفقا لما نقلته وكالة «الصحافة الفرنسية»، «متطرّفين يتسمون بالعنف» بالوقوف وراء هذا العمل الذي وصفه بـ«المخزي والمروّع».

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم محادثات سلام «غير مسبوقة» بين حكومة إثيوبيا ومتمردي «أورومو»

محادثات سلام «غير مسبوقة» بين حكومة إثيوبيا ومتمردي «أورومو»

تنطلق في تنزانيا، الثلاثاء، محادثات سلام غير مسبوقة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ومتمردي إقليم أوروميا، ممثلين في «جبهة تحرير أورومو» التي تخوض معارك مع القوات الحكومية بشكل متقطع منذ عقود. وتسعى أديس أبابا لإبرام اتفاق سلام دائم مع متمردي الإقليم، الذي يشغل معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلحة التابعة لقومية الأورومو، على غرار ما حدث في «تيغراي» شمالاً، قبل 5 أشهر، خشية دخول البلاد في حرب جديدة مع تصاعد التوتر بين الجانبين. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي زار مدينة نكيمتي بالإقليم مؤخراً، أن «جولة مفاوضات ستبدأ معهم (جيش تحرير أورومو) الثلاثاء في تنزانيا»، في أ

محمد عبده حسنين (القاهرة)
شمال افريقيا هل تستغل إثيوبيا اضطرابات السودان لحسم «الخلاف الحدودي»؟

هل تستغل إثيوبيا اضطرابات السودان لحسم «الخلاف الحدودي»؟

عاد الخلاف الحدودي بين إثيوبيا والسودان، بشأن منطقة «الفشقة»، إلى الواجهة، بعد أنباء سودانية عن نشاط «غير اعتيادي» للقوات الإثيوبية ومعسكراتها، في المنطقة المتنازع عليها، منذ بداية الاضطرابات الأخيرة في السودان.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
أفريقيا إثيوبيا: متمردو تيغراي يُظهرون «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام

إثيوبيا: متمردو تيغراي يُظهرون «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام

أظهر متمردو إقليم «تيغراي» شمال إثيوبيا، «جدية» في تنفيذ اتفاق السلام، الموقَّع قبل نحو 5 أشهر، مع الحكومة الفيدرالية بأديس أبابا، وذلك بتسليمهم مزيداً الأسلحة، ضمن عملية نزع سلاح الإقليم ودمج مقاتليه في الجيش الوطني. وحسب نائب مفوض «إعادة التأهيل الوطني»، العميد ديريبي ميكوريا، اليوم (الخميس)، فإن «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي سلمت الدفعة الأولى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المتنوعة التي تم جمعها حول منطقة دينقولات في إقليم تيغراي». وأنهى اتفاق السلام، الموقّع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حرباً عنيفة استمرت عامين، راح ضحيتها الآلاف، حسب منظمات دولية.

محمد عبده حسنين (القاهرة)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.