دورة متميزة لسيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت

فنانون عرب وأجانب صادقوا الخامة وطوعوها للَّعب مع الفراغ

عمل الفنان السوداني علي عزت (الشرق الأوسط)
عمل الفنان السوداني علي عزت (الشرق الأوسط)
TT

دورة متميزة لسيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت

عمل الفنان السوداني علي عزت (الشرق الأوسط)
عمل الفنان السوداني علي عزت (الشرق الأوسط)

اختتم سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت على الغرانيت فعاليات دورة متميزة من مشواره الفني المتواصل على مدار 27 عاماً، منذ أسسه النحات المصري الراحل آدم حنين في عام 1986.
فعلى مدى نحو شهرين (17 يناير«كانون الثاني» - 4 مارس «آذار»)، حاور الفنانون المشاركون خامة الغرانيت الصلبة، وكتلها الضخمة المنزوعة من صحراء أسوان، لتحديد نقطة الوصل والقطع في تجاويفها وملامسها وأسطحها الوردية الخشنة المشاكسة، وقبل كل شيء استنطاق الخامة وكسر حالة الصمت الطبيعية المسكونة بها، والوصول إلى محور إيقاع للتكوين والشكل، وما يطرحه من علاقات ودلالات وأفكار ورموز، تعكس رؤية الفنان الجمالية، وتعامله مع الفراغ المحيط.
اختلف فنانو هذه الدورة في بلورة هذه الأفكار، وبدا لافتاً تركيز معظمهم على الفكرة، خصوصاً في محيطها المفرد المجرد الصغير، مع التركيز على السطح الأملس الناعم الذي يوحي بالاستواء، والاهتمام بالحواف الرهيفة المشغولة باللمسات البسيطة ليسهل انزلاق الضوء عليها. في المقابل، اتسمت الأعمال ذات الحجم الكبير بتداخل الأشكال والجمع بين التشخيص والتجريد، والمواءمة بينهما لإبراز مقدرة الكتلة على الاتزان مع الفراغ، وتذويب الاستعارات البصرية بما تحويه من دلالات متنوعة، داخل الشكل لتكسبه أثراً خاصاً.

في هذا المناخ برز اللعب مع الخامة، وتطويع النحت للتعبير عن مظاهر الأشياء الخاصة، ومفردات الحياة اليومية، مشكلاً هماً مشتركاً بين معظم الفنانين التسعة الأساسيين الذين شاركوا في هذه الدورة؛ وهم: أحمد بسيوني (مصر)، وبيدرو خوردان (إسبانيا)، وجوزيبي سيبيتو (إيطاليا)، وسمر البصال (مصر)، والدكتور عبد العزيز صعب (مصر)، وعلي عزت (السودان)، والدكتور علي سالم (مصر)، ولوران مورا (فرنسا)، ووئام عمر (مصر). كما انعكس هذا الهم على أعمال ورشة السيمبوزيوم التي شارك فيها 8 من شباب النحاتين؛ 4 فتيات و4 شبان، وتهدف إلى صقل مواهبهم واكتسابهم الخبرة والتعلم من خلال الاحتكاك المباشر مع كبار الفنانين، والإفادة من تجاربهم وخبراتهم الواسعة في فن النحت. قدم شباب الورشة بعض الأعمال النحتية اللافتة التي تشكل حافزاً للصعود، واختيار بعضهم للمشاركة ضمن متن السيمبوزيوم في دوراته المقبلة.
كان للاستعارات البصرية من التراث الفرعوني النصيب الأوفر في المنحوتات، وبخاصة أعمال الفنانين المصريين التي انشغلت بإبراز قيم السمو والرسوخ، وما تنطوي عليه من دلالات وعلامات وأفكار فلسفية، وغيرها من الرؤى المستوحاة من أجواء المعابد المصرية القديمة، وتماثيلها التي تؤكد القدرة على الصمود في وجه الزمن.
تتناثر سمات هذه الاستعارة البصرية على نحو لافت في تمثال الفنان عبد العزيز صعب، وهو من الغرانيت الوردي، ويمثل تكريماً للمرأة المصرية وعطائها المتنوع، مقتفياً تراث المدرسة الكلاسيكية الحديثة في النحت وتكنيكها. وتبرز الاستعارة البصرية في وضعية التمثال، التي تحيلنا إلى وضعية تمثال الكاتب المصري الشهير في وضع الجالس، ورأسه يميل قليلاً باتجاه اليمين. يختفي هذا الميل في تمثال المرأة، ويتسم الرأس بالشموخ رغم إخفاء ملامح الوجه، مع الإيحاء بتفاصيل أصابع اليد والصدر والركبة، والاعتناء بحزوزات الخطوط الخارجية للشكل، على هيئة حزم خطية منتظمة تتناثر من الأسفل للأعلى. ورغم صلادة الغرانيت، فإن هذه الحزم الخطية منحت الشكل ليونة وانسيابية وقدرة على تأمله من زوايا عدة؛ وهو في هذه الوضعية.
لا تبتعد كثيراً عن أجواء هذا التمثال منحوتة الفنان السوداني علي عزت التي أطلق عليها اسم «العقدة»، أو «عقدة في الحجر»، وهي عقدة رمزية، يتمثلها في شريط صخري لين يحاصر قواماً إنسانياً صاعداً، ويلتف عليه كحية من أسفل القاعدة حتى القمة. لكن رغم توازن المنظور النحتي بين القاعدة والتمثال، تظل هذه العقدة شكلية، لا تذهب أبعد مما توحي به كفكرة.
ويبرز تمثال الفنان علي سالم، كأحد الأعمال التي استطاعت أن توظف الفراغ بحيوية، وتدمجه بشكل عضوي في مسامها، من خلال مفرداتها البسيطة، التي لا تتجاوز طوقاً متراصاً من أحجار الغرانيت الأحمر، منتصباً على قاعدة غرانيتية مركبة تتميز برشاقة الاتزان، ما بين القمة والسفح، بينما يوحي الفراغ في قلب الطوق بكثير من الدلالات، فتستطيع أن تتأمله على أنه وجه أنثى، أو عش طائر، أو كوة وجود للقفز في الحرية والمجهول معاً. فكل التأويلات متاحة ومفتوحة داخل الكوة وخارجها أيضاً.

بهذه الروح الجمالية وطاقة التعبير المفتوحة يشع تمثال لافت للفنانة الشابة سمر البصّال، حيث تختار وضعاً غريباً لجسد أنثوي ينثني في شكل هرمي، مشيرة إلى أنها استوحته من حركة الإلهة «نوت». وبحسب الميثولوجيا الفرعونية، تعرف «نوت» بإلهة السماء في الديانة المصرية القديمة، وتُرسم عادة مرصعة بالنجوم. وطبقاً للمعتقدات الدينية عند قدماء المصريين، فهي أخت «جب» إله الأرض، وأبوهما «شو» إله الهواء وأمهما «تفنوت» إلهة الرطوبة، أو النار لدى بعض المؤرخين. تشبه وضعية الجسد بهذا الشكل كائناً خرافياً، لديه القدرة على اللعب بالرموز السابقة، كما يبدو كأنه هبط للتو من السماء إلى الأرض واتخذ هذه الوضعية قناعاً للحماية. نجحت الفنانة في دمج الفراغ بالكتلة، وأصبح يشكل مرآة ورئة خاصتين لها، كما وظفت الخطوط المنحنية والمنسابة وبعناية بصرية فائقة في التمويه على خطوط الوصل والقطع بين الكتلتين المكون منهما العمل، فنحس بأنهما كتلة واحدة، تسعى إلى تأنيث الحجر، وتبرز طاقة الدفء الكامنة في الجسد الأنثوي.
أيضاً من الأشياء المميزة في هذه الدورة أنها عكست صورة النحات نفسه، فأصبح النحت مجالاً للعب مع هواجسه وأحلامه وعواطفه ومفردات حياته اليومية وأدواته البسيطة... من هذه النافذة أطل الفنان الإيطالي جوزيبي سيبيتو على مشهد الحياة، وقوته المادية والروحية، في عمل سمّاه «اتصال»، مستخدماً شرائح نحتية مضغوطة ومتراصة لبناء الكتلة وتحقيق التوازن والانسجام مع الفراغ، وإشاعة دفقة من الحيوية للحركة المتصلة - المنفصلة بين البعدين المادي والروحي. كما استعار الفنان أحمد بسيوني صورة مشبك الغسيل، لإقامة نوع من التوازن المراوغ والمغوي، بين شفرتي المشبك، وتنويع إيقاع ومسارات الحركة، ما بين الثقل والخفة، كما قام بربط الشفرتين بسلك لولبي (حلزوني) من الحديد، ووضع خزنة مربعة على طرفي المشبك، ليتم التفاعل مع الخزنة والمشبك، كأنهما مستودع أسرار الإنسان.
ووجد الفنان الفرنسي لوران مورا ضالته النحتية في موتور دراجته البخارية، لما تحتويه من تفاصيل ملهمة، يستطيع من خلالها تنويع زوايا التكوين، وإبراز التناقض الخلاق في ازدواجية الكتلة، والتباين بين الأمام والخلف. ففي ظهر الكتلة، قام بتثبيت تروس الموتور، التي نحتها أيضاً من الغرانيت الوردي، مؤكداً من خلال التروس روعة الإحساس والتنقل بين الملمس الناعم والخشن.

واختارت الفنانة وئام عمر فكرة الطائر المهاجر، لتحلّق من خلاله في سماء السيمبوزيوم، في إشارة إلى الطبيعة المتشابهة لأسراب المهاجرين قسراً من أوطانهم، الذين أصبحوا واحدة من سمات عالمنا الذي يعج بالكوارث والمآسي.
لم تخلُ هذه الدورة من بعض الأعمال الواعدة لشباب النحاتين في ورشة السيمبوزيوم، منها عمل تيسير النجار، حيث لعبت على فكرة الطائر كرمز لتخطي الحواجز ولتحقيق التواصل الحضاري والثقافي بين الشعوب، وعمل ريم الحفناوي «أوديسا»، التي تحاول من خلاله استدعاء الأسطورة إلى عالمنا الراهن بروح ومعطيات فنية جديدة. أيضاً عمل مايكل عادل، وهو عمل مركب، استند فيه إلى مقوم فلسفي، مفاده أن «ما نأكله يأكلنا»، وذلك من خلال قاعدة يقف عليها إنسان متخذاً الوضع الأوزيري الأسطوري، وبجسده عضة بارزة، وبجواره سلم وتفاحة، في إشارة إلى أن ما يشبهنا ليس بالضرورة يدل علينا.
يشار إلى أن السيمبوزيوم يمثل أحد أهم الأنشطة التي يقوم بها صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة، وذلك بالتعاون مع محافظة أسوان.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
TT

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)

التحقت سارة إبراهيم، 35 عاماً، بزحام سوق «ديانا» بوسط القاهرة، في إرضاء لشغفها بـ«اقتناء» السّلع والتّحف والعملات القديمة التي تتخصص هذه السوق في القاهرة بعرضها، وتُعرف كذلك بـ«سوق السبت» نسبةً لليوم الأسبوعي الوحيد الذي يستقبل جمهوره فيه.

يُطلق على هذه السوق اسم «ديانا» نسبةً إلى سينما «ديانا بالاس» العريقة التي تقع في محيط الشوارع المؤدية إليها.

تقول سارة إنها تعرّفت على السوق منذ نحو عامين، رغم أنها كانت تسمع عنها منذ سنوات: «بدأ الأمر صدفة، خلال جولة لي مع صديقة، فانبهرنا بكمية المعروضات التي لم نجدها سوى في هذه السوق، وصرت أولاً أقصدها للتنزّه بها من وقت لآخر. وقد اشتريت منها اليوم صوراً قديمة من أرشيف فيلم (معبودة الجماهير)، وصدف بحر عملاقاً لم أرَ مثله من قبل، وكذلك علبة معدنية قديمة مرسوم عليها (روميو وجولييت) كالتي كانت تستخدمها الجدات قديماً لحفظ أغراض الخياطة، وجميعها بأسعار معقولة، وتحمل معها زمناً قديماً لم نعشه»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

الأسطوانات القديمة إحدى السلع التي يبحث عنها زوار السوق (الشرق الأوسط)

رغم حرارة الطقس، كان زوار السوق ومرتادوها يتدفقون ويتحلقون حول المعروضات التي يفترشها الباعة على الأرض بكميات كبيرة، ويبدو تأمل تلك المعروضات في حد ذاته ضرباً من المتعة، يمكن أن ينطبق عليه المثل الشعبي المصري المعروف: «سمك لبن تمر هندي» بما يدّل على التنوّع المدهش في نوعية السلع، بداية من الساعات القديمة، إلى أطباق الطعام التي تحمل طابعاً تاريخياً، فيحمل بعضها توقيع «صنع في ألمانيا الغربية»، الذي يعود إلى ما قبل إعادة توحيد ألمانيا، ويمكن مشاهدة زجاجة مياه غازية فارغة تعود للفترة الملكية في مصر، يشير إليها أحمد محمود، بائع المقتنيات القديمة بالسوق.

عملات وتذكارات معدنية (الشرق الأوسط)

يقول محمود: «يمكن على تلك الزجاجة رؤية شعار علم مصر القديم (الهلال والنجمات الـ3 ولونها الأخضر)، وتحمل اسم (كايروأب) التي كانت إحدى شركات المياه الغازية في مصر في عهد الملك فؤاد، وما زال هناك زبائن إلى اليوم يهتمون كثيراً باقتناء مثل تلك التذكارات التي تحمل معها جزءاً من تاريخ الصناعة في هذا الوقت، علاوة على شكلها وتصميمها الجمالي الذي يعكس تطوّر التصميم»، كما يشير في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ويضيف: «جمهور هذه السوق هو الباحث عن اقتناء الذكريات، عبر تذكارات تحمل معها جزءاً من تاريخهم الشخصي أو الذي لم يعيشوه، فمثلاً يُقبل الجمهور هنا على شراء ملصقات سينما قديمة، أو حتى صابونة مُغلّفة تعود للخمسينات تُذكرهم بمصانع الفترة الناصرية، ويشترون كروت الشحن القديمة التي كانت تُستخدم في كابينات التليفون بالشوارع قبل انتشار الهاتف المحمول، وهي ذكريات يعرفها جيل الثمانينات والتسعينات بشكل خاص ويستعيدونها مع معروضات السوق».

معروضات نوستالجية تجذب الجمهور (الشرق الأوسط)

تظهر صور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في وسط المعروضات، كما تظهر بورتريهات لعبد الحليم حافظ، وملصقات لنجوم كرة القدم في السبعينات، تُجاور شرائط كاسيت قديمة يشير البائع لإحدى الزبونات إلى أن سعر أي شريط كاسيت لمحمد عبد الوهاب 25 جنيهاً، فيما تُعرض أسطوانات التسجيلات القديمة بكميات كبيرة يبدأ سعرها من 50 جنيهاً، وكذلك الكاميرات التي تتراوح في تاريخها، وتبدأ من 200 جنيه وحتى 2000 جنيه (الدولار يعادل 48.6 جنيه)، ويعرض أحمد مهاب كثيراً من أجهزة التليفون القديمة التي تلفت أنظار الزوار.

يشير مهاب لأحد تلك الأجهزة التقليدية ذات القرص الدوّار ويقول عنه: «سعر هذا التليفون ألف جنيه مصري؛ وذلك لأنه يعود لفترة الخمسينات ولأن لونه الأحمر نادر، في حين أبيع الجهاز نفسه باللون الأسود بـ500 جنيه لأنه أكثر انتشاراً، فيما تقلّ أسعار تلك الهواتف الأرضية كلما كانت أحدث، فالتليفون ذو القرص الدوار الذي يعود لفترة التسعينات يُعرض للبيع بـ300 جنيه، وعلى الرغم من سطوة أجهزة الجوّالات المحمولة فلا يزال هناك جمهور يبحث عن تلك الأجهزة، إما لرخص سعرها نسبياً عن أجهزة التليفون الأرضي الحديثة، أو رغبة في اقتنائها بوصفها قطع أنتيكات للديكور»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».

هواتف قديمة ونادرة تلفت أنظار الزوار (الشرق الأوسط)

أما باعة العملات والأوراق النقدية القديمة، فيبدو جمهورهم في ازدياد على مدار ساعات السوق؛ حيث يحتفظون بالعملات المعدنية التي تتراوح بين الفضية والنحاسية في أكوام ضخمة، سواء عملات مصرية أو عربية يختلف سعرها حسب تاريخها الزمني، ينادي البائع لطفي عبد الله على الزبائن: «الواحدة بـ10 جنيه» في إشارة منه لعملة «النصف جنيه» المصري وعملة «الربع جنيه» التي أصبحت جزءاً من التاريخ بعد انهيار قيمتها الشرائية، فيما يشير إلى عملات أخرى أجنبية يحتفظ بها داخل «كاتالوغ» مُغلّف، تظهر على عملة كبيرة الحجم صورة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث تعود لفترة السبعينات، وعملة أخرى منقوش عليها شعار بطولة الألعاب الأولمبية في مونتريال 1976 التي يعرضها للبيع بـ2600 جنيه مصري، ويقول عنها: «تلك عملة من الفضة الخالصة وثقيلة الوزن، ولها قيمتها التاريخية التي يبحث عنها كثيرون من المقتنين، فجمهور العملات النادرة هم أقدم جمهور لهذه السوق، التي كانت في بداياتها تعتمد على بيع العملات وشرائها، ثم بدأ في التوسع التدريجي ليشمل مختلف المعروضات النادرة والمقتنيات القديمة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

شرائط كاسيت قديمة لكوكبة من نجوم الغناء (الشرق الأوسط)

ويبدو أن جمهور سوق «ديانا» لا يقتصر فقط على المصريين، فهو بات جزءاً من الجولات السياحية للكثير من السائحين من جنسيات مختلفة، منهم لي شواي، سائحة صينية، تتحدث مع «الشرق الأوسط» وتقول: «أزور مصر في رحلة عمل، وهذه أول مرة لي في هذه السوق، وما لفتي كثيراً أن هناك معروضات وتحفاً عليها نقوش ورسوم صينية شعبية، لم أكن أعرف أنهم في مصر مهتمون بالفنون والخطوط الصينية القديمة التي تظهر على اللوحات وأطباق التزيين هنا».

السوق تشهد حراكاً واهتماماً من الزوار (الشرق الأوسط)

ويُبدي عبد الله سعداوي، بائع في سوق ديانا، انتباهه لما يصفه بـ«الجمهور الجديد للسوق»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «زاد الجمهور بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وجزء كبير من هذا الأمر يعود لانخفاض الأسعار من جهة والميل لشراء السلع المستعملة كبديل للسلع الجديدة مرتفعة الثمن، بما فيها السلع الاستعمالية كالحقائب والنظارات وأطقم المائدة، وكذلك بسبب كثافة الفيديوهات التي صار يصوّرها المؤثرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن السوق وتجربة الشراء فيها، وهو ما جعل جمهوراً أكبر من الشباب يأتي بفضول لاستكشافها».