لبنان: الفوضى النقدية تتجدد... والدولار يعود للتحليق

المصارف تستأنف الإضراب العام بدءاً من الثلاثاء المقبل

المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» يحمل كتابات متظاهرين ضد حاكمه رياض سلامة (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» يحمل كتابات متظاهرين ضد حاكمه رياض سلامة (رويترز)
TT

لبنان: الفوضى النقدية تتجدد... والدولار يعود للتحليق

المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» يحمل كتابات متظاهرين ضد حاكمه رياض سلامة (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«مصرف لبنان» يحمل كتابات متظاهرين ضد حاكمه رياض سلامة (رويترز)

تجمعّت عوامل الاضطراب مجدداً في الميدان النقدي اللبناني، مع إعلان المصارف استئناف تنفيذ الإضراب العام بدءاً من الثلاثاء المقبل، وعودة المضاربات على سعر الليرة في الأسواق الموازية للمرة الأولى منذ الأسبوع الماضي، وظهور إرباكات في تنفيذ عمليات العرض والطلب على منصة البنك المركزي (صيرفة).
وتكفلّت هذه التطورات المتلاحقة، أمس، بزعزعة حال الاستقرار الهش الذي أعقب قرار البنك المركزي مطلع الشهر الحالي، باستئناف التدخل في أسواق القطع، وباعتماد سعر معدّل لعرض الدولار عبر منصة «صيرفة» يبلغ 70 ألف ليرة، أي بزيادة نسبتها 55 في المائة عن السعر السابق، والذي كان في حدود 45.4 ألف ليرة لكل دولار.
ووسط مخاوف مستجدة من تداعيات للفوضى النقدية في عطلة نهاية الأسبوع، انطلاقاً من عودة التقلبات الحادة وتوسع الهوامش في العرض والطلب التي اقتربت مجدداً من عتبة 90 ألف ليرة للدولار، رصدت «الشرق الأوسط» إرباكات متباينة في العديد من المصارف لجهة إدارة العمليات المتاحة للمبادلات النقدية، والتي تسمح، وفقاً لقرار البنك المركزي، باستبدال حصة شهرية تبلغ المليار ليرة للأفراد (نحو 14.2 ألف دولار)، و10 مليارات ليرة للشركات (نحو 140 ألف دولار).
وريثما تصدر إشارات توضيحية من قبل البنك المركزي بوصفه صاحب قرار التدخل الجديد في السوق، لوحظ أن أغلبية البنوك وضعت قيوداً على قبول العمليات بذريعة التحقق من مصادر السيولة، والامتثال لقواعد منع مرور مبادلات تحتمل شبهات غسل (تبييض) أموال، أو سوء استغلال من قبل المضاربين وتجار العملات خصوصاً، وعمد عدد آخر من البنوك إلى خفض السقف الأعلى للتصريف إلى النصف، أي نحو 500 مليون ليرة للفرد، مع تنويه مسبق بمسؤولية العميل وحده عن رفض العملية من قبل «المركزي».
وتلاقت هذه التحفظات من قبل المصارف، مع تردد صريح من قبل معظم الزبائن على طلب الدولار عبر المنصة، بسبب هواجس مشروعة من إمكانية إلغاء حاكمية البنك المركزي لقرار التدخل لعرض الدولار بالسعر «المدعوم» على منوال التجارب السابقة، وآخرها أوائل العام الحالي، ثم بسبب الخشية من استئناف إضراب المصارف الذي لم يتم الرجوع عنه، إنما تم تعليقه وربط إلغائه باستجابة السلطات لمطالب المصارف، ولا سيما ما يتعلق بالنزاع المستمر مع جهات قضائية.
وبالفعل، تطابقت الحصيلة اليومية للعمليات عبر منصة «صيرفة» مع المعوقات النفسية واللوجيستية. فقد بلغ المتوسط الحسابي للمبادلات نحو 31.6 مليون دولار يومياً، وبمجموع بلغ نحو 158 مليون دولار في خمسة أيام عمل تلت قرار التدخل، فيما بلغ حجم التداولات اليومية نحو 300 مليون دولار خلال أيام متتالية من التدخل السابق للمركزي مطلع العام قبل ثلاثة أشهر. كما يرتقب تسجيل انحدار المتوسط إلى أدنى الحدود اليوم (الجمعة) والاثنين، أي قبيل استئناف إضراب المصارف.
وفي خطوة مفاجئة، سبقت الاجتماع المقرر اليوم الجمعة لمجلس إدارة جمعية المصارف والمفوّض من الجمعية العمومية لإقرار مصير الإضراب العام الذي جرى تعليقه لأسبوعين متتاليين، عمّمت الأمانة العامة للجمعية بعد ظهر أمس، قرار العودة إلى الإضراب رداً على صدور قرارات قضائية تعسفية جديدة بحق بعض المصارف خلال الأيام القليلة الماضية.
وتضمن تبرير قرار استئناف الإضراب، توصيفاً مثيراً يتعدّى مضمون القرارات القضائية، إذ اعتبرت الجمعية «أن الوضع بلغ من الخطورة بمكان لم يعد يكفي معه لفت النظر والاعتراض والإنذار، بل أصبح من الضرورة الملحّة أن تتحمل السلطات الرسمية من تنفيذية ونقدية وقضائية وتشريعية مسؤوليتها بإيجاد حلّ شامل لأزمة نظامية عبر إصدار قواعد عامة ملزمة للجميع لا تقتصر على مصارف معيّنة ولا حتى على جميع المصارف، بل تطال كل القطاع المالي وتمسّ أيضاً المودعين».
وطالبت المصارف باتخاذ التدابير القانونية السريعة لوضع حدّ لهذا الخلل في اعتماد معايير متناقضة في إصدار بعض الأحكام التي تستنزف ما بقي من أموال تعود لجميع المودعين وليس لبعضهم على حساب الآخرين، ولمعالجة هذه الأزمة بشكل عقلاني وعادل ونهائي، تتحمّل فيه الدولة مسؤوليتها في هذا المجال.
وفي التوضيحات الملحقة، أكدت الجمعية أن المصارف لم تترك وسيلة قضائية للمطالبة بتصحيح الخلل إلا وسلكتها، إنما دون جدوى. بل على العكس، فإن «بعض القرارات القضائية الانتقامية زادت من خطورتها، ووصلت إلى حدّ الحجز على موجودات المصارف، ناهيك عن التدابير الجائرة بحق القيّمين عليها، وكأنها تحملهم مسؤولية قراراتها غير المحقّة، بصرف النظر عن قرينة البراءة التي يجب صيانتها احتراماً للحرية الفردية ولسرية التحقيق، حيث تنعكس القرارات المتهورة والمعلومات المسربة سلباً في الداخل والخارج على المودعين بالدرجة الأولى».
وأشارت إلى صدور قرارات قضائية تعسفية جديدة وتكيل بمكيالين، خلال الأيام القليلة الماضية، موضحة أنها «تلزم المصارف بقبول تسديد الديون العائدة لها بالعملة الأجنبية بذمة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان، أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1515 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف بتسديد أو بتحويل الودائع بالعملة الأجنبية نقداً وبنفس العملة ولصالح بعض المودعين على حساب المودعين الآخرين».
وإذ نوّهت مجدداً بأن هذه القرارات القضائية «لا تأخذ بالاعتبار بديهيات العمل المصرفي، وتقلّص من فرص المودعين باستعادة ودائعهم بالعملات الأجنبية، بل تقضي عليها»، كررت التأكيد على أصول المهنة، حيث إن «المصارف لا تطبع العملات، بل تأخذ أموال المودع لتقرضها إلى من يحتاج إليها، على أن يعيدها لها مع الفوائد فتعيدها المصارف بدورها إلى المودع مع فوائده، محتفظة بهامش ربح لها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: وفيق صفا في حالة حرجة

TT

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: وفيق صفا في حالة حرجة

صورة متداوَلة للقاء سابق بين جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل ومسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا
صورة متداوَلة للقاء سابق بين جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل ومسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا

أكد مصدر أمني لبناني رفيع لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤول التنسيق والارتباط في «حزب الله»، وفيق صفا، في حالة حرجة، بعد إصابته إصابة بالغة جرّاء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مكان وجوده في مبنى بحي سكني مكتظ في العاصمة اللبنانية بيروت؛ مما أدى إلى مقتل وجرح العشرات. ولم تتمكّن الأجهزة الأمنية اللبنانية من الوصول إلى معلومات مؤكدة عما إذا كان صفا قد قُتل أو لا يزال على قيد الحياة.

صلة الوصل بنصر الله

ولطالما عُدّ صفا صلة وصل القوى الأمنية والسياسية اللبنانية بالأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي. وحسب وزارة الخارجية الأميركية، يلعب وفيق صفا، الذي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه عام 2019، دور قناة التواصل بين «حزب الله» وقوات الأمن اللبنانية. كما أنه رئيس جهاز الأمن في «حزب الله» المرتبط مباشرة بالأمين العام حسن نصر الله. وتتهمه واشنطن بـ«استغلال المواني والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن (حزب الله)، وتقويض أمن الشعب اللبناني وسلامته واستنزاف رسوم الاستيراد والإيرادات القيمة وحرمان الحكومة اللبنانية منها».

مفاوض رفيع

وُلد صفا عام 1960 في بلدة زبدين، جنوب لبنان، وانضم إلى «حزب الله» عام 1984، وعُين رئيساً للجنة الأمنية عام 1987.

وكان صفا بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً للزعماء والقادة السياسيين والأمنيين اللبنانيين، الرجل الثاني بعد نصر الله. وكان يتولى التفاوض والتنسيق باسم الحزب في كل الملفات؛ نظراً إلى توليه إدارة العلاقات السياسية والخارجية والأمنية لـ«حزب الله».

وتشير المعلومات إلى أنه لعب دوراً أساسياً في مفاوضات عام 2000، إثر اختطاف 3 جنود إسرائيليين استعادت تل أبيب جثثهم عام 2004، وكان له دور أساسي في عملية تبادل الأسرى بين الحزب وإسرائيل في عام 2008.

هدد قاضياً بـ«اقتلاعه»

وبرز اسم صفا ودوره بشكل أساسي إثر انسحاب القوات السورية من لبنان في عام 2005؛ إذ عُدّ حلقة أساسية في عملية إعادة الترتيب الأمني للحزب.

وفي سبتمبر (أيلول) 2021 تصدّر اسم صفا وسائل الإعلام، بعد تهديدات وجّهها إلى المحقق العدلي بقضية «انفجار مرفأ بيروت»، القاضي طارق البيطار، بـ«اقتلاعه».

ومثل معظم مسؤولي «حزب الله» وقياداته، غاب صفا عن السمع منذ اغتيال نصر الله، وتردّد أن اثنين من أبنائه أُصيبا خلال تفجير أجهزة «البيجر» في السابع عشر من الشهر الماضي.

ليس قائداً أمنياً أساسياً

ووفق الناشط السياسي المعارض لـ«حزب الله» علي الأمين، فإن صفا «كان في الثمانينات عضواً في اللجنة الأمنية في الضاحية الجنوبية، كما كان له دور في خضم الصراعات بين (حزب الله) و(حركة أمل)»، لافتاً إلى أنه «معروف بعلاقاته بالأجهزة الأمنية والقوى السياسية، ومكلف بملفات التفاوض».

ويشير الأمين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن صفا «ليس من القيادات الأمنية الأساسية؛ لأن هذه القيادات تكون أسماؤها غالباً غير معروفة وغير معلنة، وهذا ما شهدناه في الاغتيالات التي حصلت؛ إذ إن معظم من اُغتيلوا وكانوا يتولّون مسؤوليات أساسية لم يكونوا معروفين».